فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(7)

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
83
0

احتمال التأثير:

الثاني من الشروط اللازم توفرها عند المكلف ليجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، احتمال قبول المأمور بالمعروف بالأمر، وانتهاء المنهي عن المنكر بالنهي، وهذا يعني أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يحتمل تأثير أمره على المأمور، وتأثير نهيه على المنهي.

ولهذا نص الفقهاء على أنه لو أطمأن المكلف بعدم حصول التأثير عليهما، بحيث أن المأمور بالمعروف لن يبالي بأمره، كما أن المنهي عن المنكر لن يبالي بنهيه، لم يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندها. وكذلك لو احتمل عدم تأثيره عليهما. وقد برر ذلك، بأن الغاية من تشريع هذه الفريضة، هو هداية الناس وإصلاحهم بحملهم على المعروف، ومنعهم عن المنكر. ومع العلم بعدم التجاوب والتفاعل مع الأمر والنهي لتحقيق الغرض المذكور، سوف يكون الأمر والنهي أمراً مرجوحاً[1].

وليست شرطية هذا الشرط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الاتفاقيات بين أعلامنا، بل هم مختلفون في شرطيته، وتوقف وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه، فقد أنكره جملة منهم، وقالوا بأنه لا يتوقف أداء فريضة الأمر بالمعروف على توفر هذا الشرط، بل يلزم المكلف القيام بذلك، حتى وإن لم يحتمل التأثير على المتلقي، وخالف في ذلك أغلب أعلامنا، فبنوا على دخالة هذا الشرط في الوجوب.

وقد استند القائلون بعدم شرطية هذا الشرط، إلى أن ما دل على وجوب الأمر بالمعروف غير مقيد بتوفر هذا الشرط، سواء كانت الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى:- (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)[2]، أم كانت النصوص الواردة.

واستند القائلون بلزوم توفر هذا الشرط إلى نصوص في المقام:

منها: ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله الصادق(ع)، عندما سئل عما جاء عن النبي(ص)، أنه قال: إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر، هذا على أن يأمره بعد معرفته، ومع ذلك يقبل منه، وإلا فلا[3].

ومنها: خبر يحيى الطويل قال: قال أبو عبد الله(ع): إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سوط أو سيف فلا[4]. وهذان النصان وغيرهما يصلحان لتقيـيد الإطلاق الموجود في الأدلة الشرعية التي لم تأخذ هذا الشرط في أداء الفريضة، وهذا طريق معمول به في موارد الاستدلال.

ومنع القائلون بعدم الشرطية لاستناد لهذه النصوص لأنها ضعيفة الأسناد، فلا تصلح أن يحتج بها على الاشتراط.

احتمال التأثير شرط وجوب:

ثم إنه بناء على القول بشرطية احتمال التأثير في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، سوف يكون من شروط الوجوب، وليس من شروط الواجب، فلا يجب على المكلف تحصيله. نعم ما يلزم التوجه إليه وعدم الغفلة عنه، أن نفس التأثير من شروط الواجب الذي يلزم على المكلف تحصيل مقدماته، التي يتوقف وجوده عليها، فلو كان يتوقف حصول التأثير على الإحاطة المعرفية بالمسائل الأخلاقية، أو العقدية، أو الفقهية، لزم تحصيل ذلك، كما أنه لو كان يحتاج في حصول التأثير عنده إلى بعض وسائل البلاغة، وسبل الإقناع، لزمه أن يتعلم ذلك حتى يكون مهيئاً للتأثير على الآخر، وهكذا.

ويظهر الفرق بين كون احتمال التأثير من شروط الوجوب، ونفس التأثير من شروط الواجب، بالالتفات إلى أن الإنسان قد يملك جميع سبل ومقومات التأثير، من حيث القابلية والقدرة، فضلاً عن الأدوات، إلا أنه يعجز عن التأثير على المأمور أو المنهي، لأن الأسلوب المتبع في عملية الإقناع للتأثير عليه بالأمر أو النهي، ليس صالحاً في التأثير والإقناع.

ومن الطبيعي أننا لا نتحدث عن المأمور أو المنهي الذي يعيش حالة عناد ومكابرة، بحيث لا يكون مستقبلاً الأمر أو النهي، وإنما نتحدث عن الفرد الطبيعي العادي الذي يمكن أن يوجه فيأمر أو ينهى، ويملك القدرة على الاقتناع بما يلقى إليه، أو يكون مقتنعاً بما هو فيه، جراء شبهة، أو فهم خاطئ، أو بعض المقدمات الخاطئة.

أقسام للتأثير:

هذا ويمكن تقسيم التأثير من حيث النتيجة إلى قسمين:

الأول: التأثير التدريجي: وهو الذي لا يكون تفاعل المأمور أو المنهي معه بصورة دفعية مرة واحدة، وإنما يقع تفاعله معه على دفعات تدريجياً، بحيث يكون محتاجاً إلى وقت ومضي فترات. فإن اقناع شخص بالمداومة على صلاة الجماعة في المسجد، قد يحتاج إلى عدة جلسات معه يتم فيها تزيـين فضل صلاة الجماعة، وثوابها إليه، حتى يتأثر للحضور فيها. ومثل ذلك دعوة شخص للقيام بإخراج الحق الشرعي من أمواله، لأنه يحتاج جلسات متعددة حتى يقتنع بأهمية هذا الأمر، وأنه من السبل التي تفتح للإنسان باب الرزق، وتنميه، وهكذا.

الثاني: أن يكون التأثير دفعياً: فيتحقق من خلال مرة واحدة فقط، فالشاب الذي ينغمس في المحرمات، قد يتأثر بمجرد أن يذكر له الموت، ويتحدث إليه عن القبر وما فيه، فضلاً عن هول المطلع، فيقلع عن ما هو فيه، بمجرد أن يسمع ذلك، ومن جلسة واحدة. والفتاة التي تسمع كيف يكون حال المرأة التي لا تعتني بحجابها يوم القيامة، وكيف أنها تعلق من شعرها، فإن ذلك يوجب لديها رهبة وخوفاً يجعلها تعتني بحجابها، وتهتم به.

وليس لازماً حصر عملية التأثير في الأمر والنهي على فرد واحد، بل يمكن أن تكون من خلال أفراد متعددين، بمعنى أنه كما يمكن أن يكون المؤثر في المكلف فرداً واحداً، يمكن أن يتعاون مجموعة في عملية التأثير عليه، فيقوموا بعملية إقناعه لفعل المعروف، وترك المنكر.

ولا تنحصر عملية التأثير في الآخر، أو الآخرين في خصوص المباشرة، بمباشرة المكلف عملية التأثير في المأمور بنفسه، بل يمكنه أن يقوم بالتسبيب إلى آخر أو آخرين ليقوموا بذلك، من خلال إرشاده من له القابلية والقدرة على التأثير إلى من يحتاج إلى ذلك. وتتجلى هذه الصورة في بعض الموارد التي لا يمكن لعالم الدين مثلاً أن يمارس عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع بعض الأفراد لصعوبة الوصول إليهم، أو لعدم قدرته على التعاطي معهم لعدم قبولهم به، وتخوفهم منه، ما يدعوه إلى إرسال من يكون ذا مقبولية عندهم، ويكون واسطة بين المتصدي لفريضة الأمر بالمعروف، وبين من يحتاجون ذلك، وهكذا.

[1]لا يذهب عليك أن هذا التقريب والتبرير للقول بشرطية احتمال التأثير لم يقبل به من أنكر هذا الشرط من علمائنا، فلاحظ.

[2]سورة آل عمران آية رقم 110.

[3]وسائل الشيعة 2 من أبواب الأمر والنهي ح 1.

[4]المصدر السابق ح 2.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة