الخروج من مكة

لا تعليق
محرم الحرام 1446 هـ
77
0

الخروج من مكة

من التساؤلات التي تذكر حال الحديث عن خروج الإمام الحسين(ع) من مكة المكرمة، استبداله(ع) احرام حجه بإحرام عمرة مفردة، فيذكر أن الإمام(ع) قد قلب حجه عمرة مفردة، كما هو المذكور في كتب السير والمقاتل والمصادر التاريخية، ولم يلق هذا القول المذكور في كتب السير والمقاتل قبولاً عند جملة من الفقهاء والباحثين حول النهضة الحسينية العظيمة، بل قد رفض رفضاً قاطعاً، لعدم وجود ما يسنده، بل الدليل قائم على خلافه، وهذا ما يدعو لتسليط الضوء في مقام البحث على هذا الجانب، ولا بأس قبل عرض ذلك من الإشارة إلى تحديد الوقت والزمان الذي غادر فيه الإمام الحسين(ع) أرض مكة المكرمة.

زمان الخروج من مكة:

لا خلاف بين المؤرخين في أن الإمام الحسين(ع) قد خرج من أرض مكة المكرمة في سنة ستين من هجرة النبي الأكرم محمد(ص) في شهر ذي الحجة الحرام، إلا أنهد اختلفوا في يوم خروجه فوجدت أقوال:

الأول: أنه خروجه(ع) من مكة كان في اليوم الثالث من شهر ذي الحجة الحرام.

الثاني: أنه خروجه(ع) كان في اليوم السابع من شهر ذي الحجة.

الثالث: أن خروجه(ع) كان في الثامن من ذي الحجة.

الرابع: أن خروجه(ع) كان في تاسع أيام شهر ذي الحجة.

والأشهر بين المؤرخين، بل الأصح من الأقوال السابقة هو القول الثالث، وأن خروجه(ع) كان في يوم التروية، وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وقد جاء ذلك في رواية معاوية بن عمار المروية في كتاب الكافي عن أبي عبد الله(ع) قال: قد اعتمر الحسين بن علي(ع)، في ذي الحجة، ثم راح يوم التروية إلى العراق، والناس يروحون إلى منى.

ومن الواضح أن يوم التروية والذي أشير إليه في النص كما هو معروف هو ثامن أيام ذي الحجة.

استبدال الحج بعمرة مفردة:

قد عرفت أن المشهور بين أرباب السير والمقاتل أن الإمام الحسين(ع) عندما عزم على الخروج من أرض مكة المكرمة في يوم التروية، قلب حجه إلى عمرة مفردة، وأكمل نسكها، ثم خرج من مكة، فمن ذلك ما جاء في كتاب الإرشاد المنسوب للشيخ المفيد(ره)، قال: لما أراد الحسين(ع) التوجه إلى العراق، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحل من إحرامه وجعلها عمرة، لأنه لم يتمكن من تمام الحج. فإن قوله(ع): وجعلها عمرة، يشير إلى أن الإمام(ع) كان متلبساً بشيء آخر غير العمرة، ولذلك حوله إلى عمرة، لا أنه ابتداءً كان قد أحرم بالعمرة المفردة.

ومثل ذلك أيضاً جاء في كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي(ره). ومثل ذلك تجده أيضاً في كتاب روضة الواعظين للفتال النيسابوري(قده).

وجاء في بحار الأنوار: فلما علم الحسين بذلك-أنه دس له من يقتله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة-حلّ من إحرام الحج، وجعلها عمرة مفردة. وعبارة شيخنا المجلسي غواص بحار الأنوار(ره)، أصرح في الدلالة على المدعى من عبارة شيخنا المفيد(قده).

جواب بعض الباحثين:

وقد أجاب بعض الباحثين(ره) في المقام بجوابين[1]:

الأول: بأن المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، ورواية إبراهيم بن عمر اليماني الآتية، أن العمرة التي أداها الإمام الحسين(ع) كانت عمرة مفردة، وليست عمرة تمتع، ما يعني أنه(ع)، لم يكن محرماً أساساً عند خروجه من مكة. نعم قبل خروجه(ع) أحرم بعمرة مفردة، وبعد الفراغ من أدائها خرج من مكة.

وهو لا يخلو عن شيء، ذلك أن أقصى ما يظهر ما رواه معاوية، أنه(ع) قد اعتمر في شهر ذي الحجة عمرة مفردة، إلا أنه لم يتضمن نفي إعراض الإمام(ع) عن إحرام الحج الذي كان متلبساً به، وهذا يعني أن من الممكن جداً أن تكون الرواية صالحة للدلالة على ما تضمنته كتب السير والمقاتل، على أساس ملاحظة أداء الإمام(ع) للعمرة المفردة، ويكون ذلك جراء إعراض عن إحرام الحج، فتأمل.

الثاني: إنه لا يصح من الناحية الفقهية تغيـير احرام الحج إلى العمرة، فلو كان الإنسان محرماً بالحج، وصدّ عن أداء المناسك، فإنه يتحلل من الإحرام بالذبح، ولا يكون إحلاله من الإحرام بقلب الحج إلى عمرة مفردة. ولهذا اعترض مرجع الطائفة الأعلى في زمانه الإمام الحكيم(قده) في موسوعته الفقهية مستمسك العروة الوثقى، على الموجود في كتب المقاتل من أن الإمام الحسين(ع) قد قلب حجه إلى عمرة مفردة، وقال بأنه لا يصح التعويل عليه مقابل النصوص الواردة عن المعصومين(ع)، في أن الحاج المصدود يتحلل بالذبح[2].

ولا ينحصر الاعتراض في هذا العلم الكبير(قده)، فقد صدر ذلك أيضاً من جملة من أعلام وأعيان الطائفة، مثل السيد الأعظم، الإمام الخوئي(قده)، فقد ذكر في موسوعته الفقهية في كتاب المعتمد منها: لا ريب في أن المستفاد من الخبرين أن خروج الحسين(ع) يوم التروية كان على طبق القاعدة، لا لأجل الاضطرار، ويجوز ذلك لكل أحد وإن لم يكن مضطراً، فيكون الخبران-أي خبر اليماني وخبر معاوية-قرينة على الانقلاب إلى المتعة قهراً والاحتباس بالحج إنما هو فيما إذا أراد الحج، وأما إذا لم يرد الحج فلا يحتبس بها للحج ويجوز له الخروج حتى يوم التروية[3].

وقد تضمن كلامه(ره) أمران:

الأول: تحديد زمان الخروج، وأنه كان يوم الثامن من شهر ذي الحجة، وقد اعتمد في ذلك على النص كما سمعت.

الثاني: أن خروج الإمام(ع) كان خروجاً اختيارياً، وهذا يكشف عن أن الإمام(ع)لم يكن محرماً أصلاً حتى يضطر إلى الخروج بعد التلبس بالإحرام لكونه مصدوداً مثلاً أو ما شابه.

وبالجملة، إن ما تضمنه كلامه(ره) لا ينسجم وما تضمنته كتب السير والمقاتل، كما عرفت.

وكذا المرجع الديني الكبير السيد عبد الأعلى السبزواري(ره) في كتابه الفقهي مهذب الأحكام، حيث قال: كما يسقط بهما-أي رواية اليماني ورواية معاوية بن عمار-ما في بعض المقاتل من أن الحسين(ع) بدّل حجة التمتع إلى العمرة المفردة، لظهورهما في أنه(ع) لم يكن قاصداً للحج من أول الأول، بل كان قاصداً للعمرة المفردة، فلا يبقى موضوع للتبديل حينئذٍ[4].

ويمثل ما ذكر من جواب في كلام الباحث المذكور(ره) ذكر مانعين يمنعان من القبول بما تضمنته كتب السير المقاتل.

ومضافاً لما ذكر من وجود مانعين يمنعان من القبول بما تضمنته كتب السير والمقاتل، فإن هناك نصوصاً واضحة الدلالة تنفي أن يكون الإمام الحسين(ع)، محرماً يوم خروجه من أرض مكة المكرمة، فعن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله(ع)، أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثم رجع إلى بلاده؟ قال: لا بأس وإن حج في عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم، فإن الحسين بن علي(ع) خرج قبل التروية بيوم إلى العراق، وقد كان قد دخل معتمراً.

ومن المعلوم أن دخول الإمام مكة قد كان في بداية شهر شعبان المعظم، وهو ليس من أشهر الحج، ما يعني أنه(ع) دخل مكة أول ما دخلها محرماً بإحرام عمرة مفردة، ولم يخرج منها إلا يوم التروية، ولم يثبت أنه(ع) خلال فترة وجوده فيها قام بأداء عمرة جديدة، فضلاً عن أن يكون قد أحرم بإحرام آخر غير العمرة، وهو إحرام الحج.

وبالجملة، ليس في الخبر المذكور ما يشير إلى أنه(ع)، قد أحرم بعمرة تمتع ولا بحج، وإنما خرج من مكة ولم يعمل شيئاً لعدم حاجته لذلك. نعم في سند هذا الخبر كلام من جهة إبراهيم بن عمر اليماني، للتوقف في وثاقته. اللهم إلا أن يدعى أن الاستناد إليه لا بلحاظ دلالته على حكم فرعي فقهي، ليعتبر في العمل على طبقه إحراز صدوره بموجبات الإحراز المعتبرة في ذلك، وإنما يستند إليه بما يتضمن حكاية للحدث التاريخي، والذي لا يعتبر فيه عقد القلب ولا العمل، وهذا كافٍ للنظر إليه من هذه الناحية، ومن ثمّ ترتيب الأثر عليه.

ولا مجال للاستناد لإثبات ما تضمنته كتب السير والمقاتل إلى رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء وقد اعتمر الحسين بن علي في ذي الحجة، ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج. لأنها قد تضمنت أن الإمام(ع) قد اعتمر في شهر ذي الحجة عمرة مفردة قبل خروجه من مكة، فيكون المقصود من ذلك هو أداؤه أعمال العمرة المفردة والتي نجمت عن قلبه(ع) حجه إلى عمرة مفردة.

لأنه سوف يجاب عنها، بعدم المنافاة بينها وبين رواية ابراهيم بن عمر اليماني المتقدمة، لأن رواية إبراهيم لا تنفي أن يكون الإمام الحسين(ع)، قد أتى بعمرة مفردة قبل خروجه من أرض مكة المكرمة، بل هي ساكتة عنه، وما رواه معاوية بن عمار ينص على ثبوته. نعم قد تناقش رواية معاوية بن عمار من حيث السند، لوجود إسماعيل بن مرّار فيه، وقد اختلف في ثبوت وثاقته. إلا أنه يمكن ترتيب الأثر عليها بلحاظ قراءتها كخبر تاريخي، ليجري فيها ما ذكرناه في شأن رواية إبراهيم بن عمر اليماني المتقدمة.

والإنصاف، أن رواية معاوية بن عمار تصلح مستنداً لما تضمنته كتب السير والمقاتل، ومن ثمّ البناء على أنه(ع) قد حول حجه إلى عمرة مفردة، نعم ليس المقصود من ذلك ما تضمنته كلمات من سمعت من علماء الطائفة(ره)، وتبعهم على ذلك بعض الباحثين، من أن الإمام(ع) كان محرماً بإحرام حج، ثم عدل عن إحرام الحج إلى إحرام آخر وهو العمرة المفردة، فإن ما ذكروه من أن المصدود يتحلل بالذبح، هو الذي دلت عليه النصوص، بل المقصود أنه(ع) قد عدل عن عزمه الذي كان عليه، فبعد ما كان عازماً لأن يحرم بالحج، ويأتي بالحج في عامه الذي كان فيه، وهو سنة ستين للهجرة، عدل عن هذا العزم، وأحرم للعمرة المفردة، واعتمر وخرج من مكة[5].

كلام العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار:

ولغواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(قده) في كتابه ملاذ الأخيار تعقيباً على قول الإمام(ع) في رواية معاوية بن عمار: وقد اعتمر الحسين بن علي في ذي الحج ثم راح يوم التروية، بوجود احتمالين في كلامه(ع):

الأول: أن يكون الإمام الحسين(ع) قد أحرم بإحرام حج التمتع، وقد أدى أعمال عمرة التمتع، وقبل أن يحرم الإمام(ع) بإحرام حج التمتع، ويخرج من أرض مكة المكرمة إلى أرض منى ليبات فيها ليلة التاسع، ثم يمضي إلى أرض عرفات ليقف على صعيدها، صُدّ عن إكمال حجه، لهذا حول عمرة التمتع التي أداها إلى عمرة مفردة، بأن طاف طواف النساء، ثم خرج من مكة.

الثاني: أن يكون الإمام(ع) قد اعتمر عمرة مفردة في أول دخوله إلى أرض مكة المكرمة، ولم يحرم بإحرام آخر غيرها حتى في شهر ذي الحجة.

ومن الواضح أنه وفقاً للاحتمال الأول، تكون الرواية موافقة للمشهور التاريخي، بخلافه على الاحتمال الثاني، فإنه على خلاف ذلك تماماً.

وقد رجح(ره)، في هذا الكتاب الاحتمال الثاني، مع أنه قد بنى(قده) في كتاب البحار على المشهور التاريخي.

ويتحصل مما تقدم، بأنه يصعب البناء على القبول بما تضمنته كتب المقاتل من أن الإمام الحسين(ع) قد قلب حجه إلى عمرة مفردة، بمعنى أنه قد عدل من نية الإحرام الفعلية بالحج إلى نية فعلية أخرى بالعمرة المفردة، لأن المفروض أنه مصدود، وقد عرفت أن وظيفة المصدود الإحلال من إحرامه المتلبس به بالذبح ليس إلا، ولا يكون مطلوباً بأداء عمرة مفردة.

نعم لو بني على ما احتملناه، من أن العدول كان في العزم والنية، ولم يقع التلبس بعدُ من الإمام(ع) بإحرام، أمكن التوفيق بين ما تضمنته نصوص المصدود، وبين ما تضمنته كتب السير والمقاتل. كما يمكن القبول بالاحتمال الأول الذي ذكره العلامة المجلسي(ره) في ملاذ الأخيار، من أنه كان مصدوداً بعد الفراغ من أداء أعمال عمرة التمتع، وقبل التلبس بإحرام الحج، وقد عدل(ع) عن إكمال مناسك الحج، فأتى بطواف النساء، وهو الذي عبر عنه في كلمات أرباب السير والمقاتل بأنه جعلها عمرة مفردة، إذ ليس في عمرة التمتع طواف نساء، وإنما هو طواف العمرة المفردة، فظن الناس أنه قد قلب الحج إلى عمرة مفردة.

وقد يحتمل أن يكون قلب الحج الفعلي إلى عمرة مفردة من الأحكام الخاصة بالإمام الحسين(ع)، كالعمل بالتقية، فإن هناك مجموعة من التأويلات في ترك الإمام الحسين(ع)، للتقية أشرت إليها في بحث آخر، وقد ذكرت من ضمنها أن ذلك من الأحكام الخاصة به(ع)، فيمكن أن يكون المقام من هذا القبيل أيضاً.

كما يمكن البناء على أن نصوص المصدود صادرة متأخرة عن عصر الإمام الحسين(ع)، ما يعني أن الوظيفة إلى زمانه(ع)، لم تكن ما ذكر، سواء بني على أن عدم بيانها لتأخر في التبليغ لا لعدم التشريع، لنكتة اقتضت ذلك، أم كان ذلك لعدم تشريعها بعد البناء على ثبوت حق التشريع للمعصوم(ع)، فتأمل.

كيف كان الخروج من مكة:

ولم يختلف خروج الإمام الحسين(ع) من مكة عن خروجه من المدينة المنورة، فكما كان خروجه من أرض طيبة الطيبة جهراً وعلانية، وإن كان ذلك في ليلة مطيرة، طلباً للحفاظ على ستر العلويات المخدرات، فقد كان خروجه(ع) من أرض مكة المكرمة كذلك وفي وضح النهار ليعلم به جميع من كان في أرض مكة من الحجيج، وليراه كل من يدخل إليها لأداء مناسك الحج. نعد قد جاء في كتاب إبصار العين، للسماوي، ما يوحي بأن خروجه(ع) كان سراً، ولم يكن علانية، بلحاظ أن خطبته(ع) التي خطبها يوم خروجه من مكة، وهي: خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، قد ألقاها في خصوص أصحابه، لما جمعهم ليلة الثامن قبل الخروج من مكة. وقد خلا كلامه من الإشارة إلى أي مصدر من المصادر التي نقل عنها، ومن المعلوم أن كتب إبصار العين لا يعد مصدراً تاريخياً، ولو متأخراً حتى يعول عليه في مثل هذه الأمور. مع أن الموجود في المصادر أنه(ع) قد ألقى هذه الخطبة في الحجيج، وهذا يساعد على أن الخروج كان علنياً، لأنه قد صرح في نهاية الخطبة بخروجه(ع): ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاءا لله نفسه، فليرحل معي، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله.

الإصرار على الخروج من مكة:

وربما يتساءل البعض عن دواعي الإصرار على الخروج من مكة وفي هذا التوقيت بالتحديد؟ والظاهر أن من أفضل الإجابات التي ذكرت في المقام، هو ما أجاب به المحقق التستري(ره) في كتابه الخصائص، وحاصله: أن للإمام الحسين(ع)، تكليفيـين: أحدهما واقعي، والآخر ظاهري.

أما التكليف الواقعي، فإنه كان لازماً على الإمام(ع)، بيان الحق وبطلان ما عليه الطرف الآخر، لأن الإمام(ع) لو سالم وبايع لظن الناس شرعية الآخر وصحة عمله، وعدم جواز مخالفته، ولكن لما عرّض الإمام(ع) نفسه المقدسة، وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم، عرف أهل زمانه ومن جاء بعده صاحب الحق وصاحب الباطل.

وأما التكليف الظاهري، فإن الإمام الحسين(ع) قد سعى أن لا يقتل في الحرمين، فتهتك حرمتهما بقتله، ويكون ذلك سبباً في وأد نهضته العظيمة، إذ يمكن لخصومه أن يدعوّا براءتهم من قتله، لأنه قد قتل مثلاً أثناء الطواف، أو حال الوقوف في عرفات، أو وقت رمي الجمرات، وقد كان القاتل مندساً بين الحجيج، فربما حصلت له عملية اغتيال، أو كان موته نتيجة وطئ بالأرجل، بسبب الازدحام والتدافع من الناس عليه رغبة في التبرك به، لأنه ابن رسول الله(ص)، وهكذا. بل سوف يقرر أعداؤه أنهم المطالبون بدمه، فيخدعون الناس، وقد كان الإمام(ع) عالماً أنه ما لم يبايع سوف يقتل حتماً، ولذا أختار أن يكون قتله في أرض حددها هو(ع)، ولا يمكن لأعدائه تبرئة أنفسهم من الجريمة التي سوف يقدمون عليها ويرتكبونها.

 

[1] موسوعة الإمام الحسين(ع) في الكتاب والسنة ج 3 ص 303-305، وقد أشير لذلك أيضاً في كتاب مع الركب الحسيني، الإمام الحسين(ع) في مكة المكرمة ص 93-98.

[2] مستمسك العروة ج 11 ص 192.

[3] معتمد العروة ج 2 ص 236.

[4] مهذب الأحكام ج 12 ص 349.

[5] نعم يصعب حمل عبارة الشيخ المجلسي(ره) في البحار على هذا المعنى، فتأمل.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة