الحسد هتك الشخصية

لا تعليق
محرم الحرام 1446 هـ
109
0

الحسد هتك الشخصية

من الرذائل الأخلاقية والتي لها آثار سلبية كبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات، مرض الحسد، وقد أشير له في جملة من الآيات الشريفة، والنصوص المعصومية، قال تعالى:- (ومن شر حاسد إذا حسد).

حقيقة الحسد وآثاره:

عرف علماء الأخلاق الحسد بأنه: تمني زوال النعمة عن الآخرين، سواءاً وصلت هذه النعمة إلى الحاسد أم لا. ويختلف الحاسدون في هذا الجانب، ذلك أن بعضهم يقتصر على تمني زوال النعمة عن الغير دون أن يعمل شيئاً، بينما هناك من يسعى لزوال هذه النعمة عن الآخر حسداً له من خلال إيجاد الموانع مثلاً لحصوله عليها، أو بقائها عنده.

ويختلف تمني زوال النعمة من الغير، فلو كانت عند الإنسان من دون إرادة منه، كما ربما يكون عند كثيرين، لم يترتب عليها أثر. أما لو كان وجود ذلك عنده بمحض إرادته، واختياره كما لو كان ذلك من خلال قيامه ببعض المقدمات الاختيارية التي يمكنه تركها، كان هذا من الحسد المحرم والذي يعدّ من الرذائل الأخلاقية.

ويقابل الحسد الغبطة، وهي أن يتمنى الإنسان لنفسه مثلما للآخرين، أو أكثر من دون أن يتمنى زوال نعمة الآخرين. ويشير لهذا ما ورد عن الإمام الصادق(ع): إن المؤمن يغبط ولا يحسد.

دوافع الحسد:

وقد ذكر علماء الأخلاق دوافع ومناشئ للحسد نشير لاثنين منها:

1-الخوف من عدم الوصول إلى الأهداف الدنيوية:

فإن الإنسان يتصور أن النعم الإلهية محدودة، بحيث متى حصل عليها الآخرون فسوف يكون محروماً منها، أو لن يصل إليه منها إلا القليل، وهو خطأ لأن عطاء الله تعالى لا حدّ له ولا انتهاء.

2-الاحساس بالدونية والحقارة:

فالإنسان الذي لا يجد نفسه جديراً بالوصول إلى المقامات العالية، وحيازة المراتب الرفيعة يصاب بعقدة الحقارة والتي تدفعه إلى تمني زوال النعم عن الآخرين حتى لا ينالوا مكانة اجتماعية مهمة، ويكونوا في نفس مستواه.

وقد تمتد جذور الحسد بالحاسد إلى العقيدة، فيعترض على الله تعالى بلسان حاله، لماذا أعطيت فلاناً ولم تعطني، وهكذا. وأين العدالة في ذلك؟ وهذا يكشف عن كون الحاسد يعيش حالة من اهتزاز دعائم الإيمان والتوحيد.

آثار الحسد ونتائجه:

هناك مجموعة من الآثار السلبية التي يتركها الحسد على الفرد وعلى المجتمع، نشير لبعضها:

الأول: العيش في الغم والهم دائماً:

فإن الحاسد لا ينفك في حياته عن ذلك، فهو في غمٍ وهمٍ دائم، وهذا يتسبب له في الابتلاء بالأمراض الجسمية والنفسية، لأنه كلما تقدم الطرف الآخر وحصل له التوفيق والنعمة، تألم الحاسد أكثر حتى قد يناله الأرق الشديد، فيسلب منه الهدوء والاستقرار ويبدأ يصاب بالأمراض والضعف شيئاً فشيئاً، ولهذا يشير أمير المؤمنين(ع): أسوء الناس عيشاً الحسود. وجاء عنه(ع) أيضاً قال: لا راحة لحسود.

الثاني: الابتلاء بالأضرار المعنوية:

وهي أكثر من الأضرار المادية بمراتب، فإن الحسد يأكل دعائم الإيمان، ويمزق علاقة الإنسان مع ربه بحيث يجعل الإنسان يسئ الظن بالله تعالى وحكمته، لأن الحسود في أعماق قلبه يعترض على الله على ما وهب للآخرين من رزق وفضل ونعمة، يقول أمير المؤمنين(ع): لا تحاسد فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب.

الثالث: تعطيل العقل:

لأن الحسد يجعل على عقل الإنسان وبصيرته حجاباً سميكاً فيمنعه من إدراك حقائق الأمور، ومعرفة الواقعيات، فإن الحسود لا يرى نقاط القوة في المحسود، وإنما يبحث دائماً عن عيوبه ونقاط ضعفه، بل لو رأى نقاط قوته فإنه يراها ضعفاً وليست قوة.

الرابع: الخسارة الاجتماعية:

حيث يفقد الحاسد أصدقائه وأصحابه، لأنه يتمنى زوال كل نعمة عند الآخرين، ما يجعله تدريجياً يحسد كل الناس، ومن الطبيعي أن يتسبب هذا في ابتعاد الناس عنه، وحذرهم، بل خوفهم منه.

الخامس: منع الإنسان من الوصول إلى المقامات العالية:

والمراتب السامية في حركة التكامل الأخلاقي والمعنوي والاجتماعي، يقول أمير المؤمنين(ع): الحسود لا يسود.

السادس: تلوث الإنسان بأنواع الذنوب:

فإن الحاسد وحتى يحقق غرضه بزوال نعمة الغير يستخدم كل الوسائل ويرتكب أنواع الظلم والعدوان من الغيبة والتهمة والكذب والنميمة للوصول لغرضه، فقد جاء عن أمير المؤمنين(ع) قال: الحسود كثير الحسرات، ومتضاعف السيئات.

علاج الحسد:

نص علماء الأخلاق أن لعلاج هذا المرض طريقين:

الأول: الطريق العلمي.

الثاني: الطريق العملي.

الطريق العلمي:

أما الطريق الأول، وهو الطريق العلمي، فيتم من خلال نقطتين:

الأولى: التأمل في الآثار السلبية والعواقب الضارة المترتبة على الحسد، سواءٌ على مستوى الروح، أم على مستوى البدن. وذلك من خلال التأمل في الآثار السلبية المترتبة على وجود هذه الصفة عنده، وآثارها الوخيمة عليه، وذلك بأن يعمد إلى التأمل في بعض الحالات المرضية التي أودى المرض بأصحابها إلى الهلاك، كمدمني المخدرات، وكيف أن الإدمان عليها صار سبباً رئيساً في ضياع المدمن وتشريد اسرته، بل ربما نهاية حياته وهو بعدُ في سن الشباب. فضلاً عن فقده لحيثيته الاجتماعية، ومكانته بين الناس.

ومن الطبيعي أن التأمل في مثل هكذا عواقب، مضافاً إلى الإحاطة بالذم الشديد لهذا المرض من قبل الشارع المقدس، وعلماء الأخلاق، بل العقلاء، مدعاة أن يجعل الإنسان يعيد النظر في اتصافه بهذه الرذيلة، وامتلاكه إياها، فيسعى جاهداً إلى تطهير نفسه من هذا الداء، والمداومة فعلاً على الدواء رغبة في رفع المرض واقتلاعه من جذوره.

الثانية: ملاحظة دوافع ومناشئ وجود الحسد عند الإنسان، وقد تمت الإشارة إليها في مضى، فإن ذلك يساعد على تجاوز الإنسان إياها ومن ثمّ تجاوزه لهذه الآفة الخطيرة، وتخلصه من هذا المرض.

الطريق العملي:

وأما الطريق العملي، فالمطلوب من الحاسد أن يستبدل ذكر الآخرين بالسلب إلى ذكرهم بالإيجاب، فعوضاً أن يقوم بالغيبة مثلاً، والذم للطرف الآخر، يسعى إلى ذكر صفاته الإيجابية، ومدحه أمام الآخرين.

وبدلاً من أن يسعى في تخريب حياة الآخر المادية، يقوم ببذل المعونة والمساعدة له، ويذكره بالخير ما أمكنه ذلك. فإن تكرار مثل هذه السلوكيات يمكنها إزالة آثار الحسد من واقع النفس والروح، وتثبت النقطة المقابلة لها وهي حب الخير للآخرين.

ومن المهم أن يربي الإنسان نفسه ليس فقط على عدم تمني زوال النعمة من الغير، بل على تمني بقائها وزيادتها عنده وعند جميع الناس الأخيار والصالحين، فما يطلبه لنفسه من السعادة والخير، يريده ويطلبه للآخرين أيضاً[1].

 

[1] الأخلاق في القرآن ج 2 ص 103-131(بتصرف)، الأخلاق في القرآن الكريم ج 3 ص 2033-243(بتصرف).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة