الحرص على الخير

لا تعليق
من القلب إلى القلب
11
0

الحرص على الخير

 

مع أن المتعارف عند الناس أن الحرص من الأمور المذمومة، إلا أننا نجد عناية النصوص الدينية بهذه الصفة، وحثها على أن يمتلكها الإنسان المؤمن، فقد قال تعالى في حديثه عن رسوله الكريم محمد(ص):- (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

وكما أولت النصوص الدينية عناية بصفة الحرص، ودعت بنحو أو بآخر إلى أن يمتلكها الإنسان المؤمن، نجدها أيضاً قد ذمت وجودها عند الإنسان، قال تعالى:- (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة)، ويظهر هذا المعنى أيضاً من قوله سبحانه:- (إن الإنسان خلق هلوعاً* إذا مسه الشر جزوعاً* وإذا مسه الخير منوعاً)، فإن الآية الثالثة تشير إلى وجود صفة الحرص عند الإنسان كما سوف يظهر من خلال بيان حقيقته.

حقيقة الحرص:

والمقصود من الحرص هو الرغبة الشديدة، أو شدة الرغبة، والميل إلى شيء معين.

أقسام الحرص:

ويمكن التوفيق بين ما تضمنته النصوص الدينية، بالبناء على أن الحرص نوعان:

أحدهما: مذموم، وهو الذي يكون منصباً على الحرص على الدنيا وملذاتها، ويشير إليه كل النصوص التي تضمنت ذم الحرص، ودعت الإنسان المؤمن إلى أن يتجرد عن الاتصاف به.

ثانيهما: الحرص الممدوح، والذي يمكن عده خلقاً قرآنياً، ويكون موضوعه الرغبة الشديدة إلى فعل الخير، وهو المعني بحرص رسول الله(ص) على الأمة، فإن قوله تعالى:- (حريص عليكم)، إشارة إلى مقدار ما كان يحمله رسول الله(ص) من المسؤولية، ومدى شدة حرصه على هداية الأمة، ودلالتهم على ما فيه خيرهم، وسعادتهم.

وما ذكرناه يقف عليه كل من يراجع سيرته المباركة، فقد تضمنت كتب التأريخ أنه(ص) كان شديد الحرص على دعوة الناس إلى الإسلام، حتى أنه لم يترك نحواً من أنحاء الدعوة، ولا طريقة أو أسلوباً يمكن به هداية الأمة إلا وعمد إلى استعماله وتطبيقه، بل كان في بعض الأحيان يقصد الناس إلى بيوتهم، وأماكن تجمعاتهم، ويدعوهم إلى التوحيد، سواء كان ذلك في السر أم كان في العلن. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك حتى أنه وصف رسول الله(ص) أنه في دعوته الأمة وإحساسه بالمسؤولية يكاد أن يزهق مهجته الشريفة ويهلك نفسه المباركة، قال تعالى:- (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين)، وقوله عز من قائل:- (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً)، لأن معنى الباخع هو الهالك.

وبالجملة، إن الحرص على هداية الأمة يعدّ واحداً من الخلق القرآني، والإسلامي، وهو من الحرص الممدوح، الذي ينبغي أن يكون سجية وصفة وخلقاً يتحلى به العلماء وكافة طلبة العلوم الدينية، بل أهل الإيمان أيضاً من الشباب المؤمن، لأنه من أجلى صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مصاديق الحرص الممدوح:

وقد اشتملت النصوص الشريفة على مصاديق متعددة تشير للحرص الممدوح نشير لبعضها:

منها: الحرص على العلم:

ويستفاد هذا المعنى من نصوص عديدة كخطبة المتقين الواردة عن أمير المؤمنين(ع)، وهي من الخطب الجليلة التي ينبغي أن لا يكتفي المؤمنون بحفظها لجعلها دستوراً لهم في الحياة العلمية، بل يحيون بمضامينها، لما تحويه من معالم مهمة جداً في مجال تربية النفس وتهذيبها، ورفع مستوى المعرفة عندها.

وعلى أي حال، فقد جاء فيها: فمن علامة أحدهم، أنك ترى له قوة في دين وحرصاً على العلم. وذيل الكلمة التي قد سمعت تشير إلى مدى ما يملكه المتقون من الحرص الشديد على تحصيل العلم والاتصاف به، ومقدار الرغبة الشديدة لديهم في ذلك.

ومن الواضح أن توصيفهم بالحريصين على تحصيل العلم، يكشف عن أنهم يستغلون كل آن ولحظة للظفر بشيء من المعرفة، فيستغلون كل الأوقات والفرص للحصول على ذلك.

ومنها: الحرص على أداء الواجبات:

فقد ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: إن كنت حريصاً على استيفاء طلب المضمون لك، فكن حريصاً على أداء المفروض عليك. وكأن أمير المؤمنين(ع)، يشير إلى أن هناك علاقة العلة والمعلول أو السبب والمسبب تقريباً، بحيث أن أداء الإنسان ما وجه إليه من الفرائض، يكون علة وسبباً من أجل أن ينال الإنسان ما وعد به من الأمور والأشياء.

ومنها: الحرص على تحصيل علو الدرجات:

وهذا من أهم الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها الشاب المؤمن، فضلاً عن رجل الدين، ومن الطبيعي أنهما يشتركان في جانب لتحصيل علو الدرجات فيه، وهو البعد المعنوي والذي يكون من خلال إنشاء علاقة خاصة مع الله تعالى، ويكون الهم هو العلو في هذه العلاقة والرقي في مدراج الكمال المرتبطة بها، كما يختص طالب العلم بتحصيل علو الدرجات في مجالا لعلم والمعرفة والتحصيل والرقي والتقدم للإمام بصورة أفضل وأكبر.

وعلى أي حال، فقد أشير لهذا المصداق في قول الإمام الباقر(ع): لا حرص كالمنافسة في الدرجات. فيكون واحداً من الأغراض التي يعنى المؤمن بها هو كيفية حرصه على الرقي في سلم الكمال، والارتفاع في الدرجات العالية[1].

 

 

 

[1] موسوعة أخلاق القرآن ج 2 ص 500-501(بتصرف).

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة