الوظائف المهدوية في الغيبة

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
103
0

الوظائف المهدوية في الغيبة

 

من التساؤلات التي تطرح دائماً عند ذكر الإمام صاحب الزمان(عج) الاستفسار عن الوظائف والأدوار التي يقوم بها خلال فترة الغيبة المظلمة عن الأمة، لعدم وضوح دور مادي يقوم به(عج)، خصوصاً وأن الإمامة منصب إلهي يستلزم القيام بدور رسالي معين، فإذا لم يقم الشخص به فلا معنى لكونه إماماً.

ولا ريب أن الإمام المنتظر المهدي(بأبي هو وأمي)، يقوم بذات الأدوار التي كان يقوم بها آبائه الأطهار(ع)، كما أن هناك أعمالاً وأدواراً يختص بها (روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ولا بأس بالإشارة إلى هذين الدوريين من الأعمال والوظائف التي يقوم بها(عج).

 

الأدوار والوظائف العامة:

وهي كما عرفت الأدوار والوظائف التي يقوم بها كل إمام من الأئمة الأطهار(ع)، ويمكن ذكر ثلاثة منها:

الأول: دور الحجية:

ويعتبر هذا الدور وظيفة أساسية يقوم بها جميع الحجج الإلهية أنبياء كانوا أم أوصياء، فإنهم يشتركون جميعاً في هذا الدور، وهو الحجية، إذ يعدّ هذا الدور هو الدور الثاني للأنبياء(ع)، ذلك أن لهم(ع) دورين وهما:

 

الأول: إيصال الدين إلى البشرية وصولاً يقينياً:

وهو الهدف من بعثتهم(ع)، ويحرز ذلك من خلال توفر شرط العصمة في النبي.

الثاني: إقامة الحجة على الخلق:

فإن بعث الأنبياء(ع) بالدين يقطع كل حجة للناس، فلا يمكن لأحد أن يعتذر بأنه لم يصله الدين أو لم يطلع عليه، ولم يعلم به، وما شابه ذلك، قال تعالى:- (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)[1].

ويشترك الأوصياء والأئمة الأطهار(ع) مع الأنبياء(ع) في هذا الدور، لأن الإمام امتداد للنبي، وكما كان وجوده قاطعاً لكل عذر للإنسان تجاه الدين، فكذلك يكون وجود الإمام المعصوم(ع)، سبباً لقطع كل عذر وحجة، لأن الإمام امتداد للنبي ويقوم بذات دوره في إيصال الدين إلى الناس، فهو المتصدي لإبلاغ الدين وتعاليمه التي لم يتسنى للرسول(ص) إبلاغها لقصر المدة الزمنية التي قضاها في الأمة، وهي ثلاث وعشرون سنة.

 

إن قلت: إنه لا حاجة إلى وجود الإمام أساساً وذلك لأن الدين قد اكتمل بنص القرآن الكريم، حيث يقول تعالى:- (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)[2].

قلت: بعدم دلالة الآية الشريفة على نفي الحاجة لوجود الإمام(ع)، لأن أقصى ما تدل عليه هو كمال الدين، ولسنا بصدد تحديد منشأ كماله، إلا أنها لم تتعرض إلى مسألة تبليغ الدين، فإنه لا ريب في وجود أمور لم يتم إبلاغها للأمة، ولا أقل جملة من القضايا المستجدة التي لم تكن في عصر رسول الله(ص) والتي سوف يتصدى لبيانها الإمام المعصوم(ع)، وهذا يثبت الحاجة الضرورية لوجوده(ع).

والحاصل، منع دلالة الآية على نفي الحاجة إلى وجود الإمام المعصوم(ع) بعد رسول الله(ص).

 

الثاني: الهداية الأمرية:

وهو يستفاد من قوله تعالى:- (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)[3]. وقد أشار إلى ثبوتها للمعصوم(ع) من خلال الآية الشريفة العلامة الطباطبائي(ره)، وحتى يتضح المقصود منها، نشير لمقدمة مستفادة من كلماته(ره):

ينص السيد العلامة(قده) على وجود عالمين، أحدهما عالم الخلق، والآخر عالم الأمر، ويستفاد ذلك من قوله تعالى:- (ألا له الخلق والأمر)[4]، والمقصود من عالم الخلق هو عالم المادة، وأما عالم الأمر فهو عالم الأرواح وليس عالم المادة.

وقد تحدث القرآن الكريم عن عالم الخلق وهو الذي يرتبط بالمادة وكل ما يتصل بها عند حديثه عن خلق الإنسان، فقال تعالى:- (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)[5]، والمقصود بالإنسان هنا هو جسده.

وتحدث عن عالم الأمر عند حديثه عن خلق الروح الإنسانية، فقال تعالى:- (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)[6]، وقد عبر سبحانه بالأمر ولم يعبر بالخلق.

 

ويختلف عالم الخلق عن عالم الأمر في كيفية حصول الإفاضة الإلهية، فإذا كانت الإفاضة من قبل الباري سبحانه وتعالى تعتمد على مادة ومدة، فإن الإفاضة تسمى عندها خلقاً، أما إذا كانت الإفاضة لا تعتمد على ذلك بحيث يتحقق المفاض بنفس الإفاضة دون حاجة إلى مدة ولا إلى مادة، فإنها يعبر عنها بالأمر.

ونفس الشيء ينطبق على الهداية فهي قسمان: هداية خلقية، وهداية أمرية، فإذا كانت الهداية تخاطب الأجساد، فسوف تكون هداية خلقية ويشير إليه قوله تعالى:- (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)[7]، وقوله سبحانه:- (إن هذا لقرآن يهدي للتي هي أقوم)[8]، فإن هذا الخطاب يخاطب الأسماع ويخاطب الأجساد، فقد تتأثر وقد لا تتأثر به، ولذا عبر عنها بالهداية الخلقية.

 

وأما إذا لم يكن خطاب الهداية للأجساد بحيث لم يكن لها علاقة بهذا العالم، فهي هداية أمرية، وهي عبارة عن نور يغرس في قلب الإنسان من دون واسطة مادية ومن دون واسطة جسدية، يقول تعالى:- (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار على نور يهدي الله لنوره من يشاء)[9]، فإن قوله تعالى:- (يهدي الله لنوره من يشاء)، يشير لهذا القسم من الهداية والذي ينغرس في قلب الانسان دون واسطة.

 

ومثل ذلك أيضاً قوله تعالى:- (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء)[10].

ويمارس الإمام المعصوم(ع) كلتا الهدايتين، فيقوم بالهداية الخلقية وذلك من خلال مخاطبة الناس وتوجيههم وأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يمارسه الإمام سواء كان حاضراً بين الناس أم كان غائباً مستوراً عنهم.

ويقوم أيضاً بالهداية الأمرية فإن له(ع) ولاية على النفوس والأرواح، فيمكنه أن يغرس نوراً في النفوس المهيئة لذلك، لأن لنفسه الشريفة(ع) تأثيراً على الأرواح ولو لم تكن هناك وسائط مادية وجسمية، والسر في ذلك يعود إلى أن السيد العلامة(قده)، يرى أن الإمامة مساوقة للهداية الأمرية، فواحدة من خصائص الإمام(ع)، والتي تميزه عن غيره ثبوت هذه القدرة لديه، فهو يملك التأثير المباشر على النفوس والأرواح.

 

وحتى لا يكون الكلام مستغرباً يمكن تقريب المطلب بإبليس اللعين وما يقوم به مع الإنسان، فإن التأمل يكشف عن وجود ولاية له على قلوب الناس تمكنه من الوسوسة فيها، وجرها للانحراف والابتعاد عن الجادة القويمة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا النحو من الولاية، فقال تعالى:- (الذي يوسوس في صدور الناس)[11]، ومن الواضح أن ما يقوم به إبليس ليس أمراً خلقياً، بل هو أمر أمري.

ومع التسليم بثبوت هذه القدرة لإبليس بإعطاء من الله تعالى، فلا محذور أن يعطي سبحانه وتعالى من يصطفي من عباده الصالحين.

 

الثالث: حفظ التشريع:

من المعلوم أن هناك أحكاماً شرعية ثابتة لا تتغير بمرور الأوقات والأزمان، ويعبر عنها بالضروريات، مثل وجوب الصلاة، والصوم، والحج، وحرمة شرب الخمر، والربا، وغير ذلك.

وهناك أحكام فرعية يستنبطها الفقهاء من الأدلة المقررة تخضع لمبنى كل فقيه، ومجتهد فيقع الاختلاف بينهم فيها.

 

والمقصود من تصدي الإمام(عج) لحفظ التشريع نعني به حفظه لأحكامه الشرعية الثابتة التي لا تتغير فيمنع من أن تصيبها يد التحريف والتبديل مهما عمدت التيارات الفكرية إلى تغييرها واستبدالها، وقد يستفاد هذا المعنى مما جاء عن رسول الله(ص): في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وبدع المبطلين وانتحال الغاوين.

 

نتيجة مهمة:

وهذه الأدوار الثلاثة يمارسها الإمام المعصوم(ع) سواء كان ظاهراً ومشهوراً كما كان عليه الأئمة الأطهار(ع)، حتى الإمام الحسن العسكري(ع)، أم كان مستتراً غائباً عن الأنظار كما في الإمام الحجة(عج)، فإنه يمثل الحجة الإلهية على الأرض، لما ورد عن الإمام علي(ع): بلى لا تخلو الأرض من حجة لله، إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، كما أنه يقوم بالهداية الأمرية ويحافظ على ثوابت التشريع والدين.

الأدوار الخاصة:

وأما الأدوار الخاصة التي يقوم بها الإمام الصاحب(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فيمكن الوقوف على العديد منها، وسوف نشير لبعضها طلباً للاختصار:

 

منها: حماية مصالح المؤمنين من مواليه والحفاظ عليها:

ويتضح هذا المعنى من ملاحظة قصة الخضر(ع)، مع نبي الله موسى(ع)، وهي تتمثل في الأمور الثلاثة التي قام بها العبد الصالح(ع):

الأول: خرق السفينة، قال تعالى:- (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً)[12].

الثاني: قتل الغلام، قال تعالى:- (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً)[13].

الثالث: بناء الجدار، قال سبحانه:- (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجراً)[14].

 

وقد جاءت إجابة العبد الصالح(ع) لما قام به من الأعمال، فقال سبحانه وتعالى:- (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً* وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً* فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً* وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً)[15].

 

فإن الأدوار التي مارسها الخضر(ع)، وهو حجة إلهية غير ظاهرة لم يكن يعرفها نبي ذلك الزمان من أولي العزم، وهذا هو ذاته ما يمارسه مولانا الصاحب(عج) في عصر الغيبة المظلمة لمواليه وشيعته، فإن كثيراً من المؤمنين لهم حاجات ومسائل تتعلق بمصيرهم القريب أو البعيد، وبعضها يتعلق بالأخطار التي تحدق بهم والتي لا يشعرون بها، وقد كان دور الخضر(ع)، متمثلاً في إنقاذ السفينة وأهلها المساكين ونجاة الأبوين من خطر ولدهما والحفاظ على الكنـز من الضياع والسرقة وصيانته لحين بلوغ الصبيـين، وما قام به(ع) هو تنفيذ للإرادة الإلهية في الحفاظ على الكيان المؤمن من الشرور والأخطار، وهنا نجد أن دور الإمام المهدي(عج) مشابه لدور العبد الصالح مشابهة بالغة من خلال القيام بهذا الدور الإلهي وهو الحفاظ على المؤمنين والكيان المسلم وصيانته من الأخطار المتوجهة سواء كانت في المستقبل القريب أم البعيد بطريقة لا يشعر بها هؤلاء المؤمنين كما لا يشعرون بأي خطر قادم لعدم علمهم بالغيب، ويشير لذلك حديثه(ص) مع جابر عندما سأله: هل ينتفع الشيعة بالقائم(عج) في غيبته؟ فقال(ص): إي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعوا به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس في وإن جللها السحاب.

 

ومنها: حضوره لقضاء حاجات المحتاجين وتلبية المستغيثين:

وقد نقل ذلك متواتراً بأنه(بأبي هو وأمي)، يحضر شمن أجل إنقاذ المستغيثين وقضاء حوائج الداعين ودفاعه عن المؤمنين، وذب الأخطار والأضرار عنهم، وهذا المنقول متواتراً مما يعضده البرهان، فإنه(عج) ولي الزمان، وأهله، والمتصرف فيهما والقيوم عليهما.

 

 —————————-

[1] سورة النساء الآية رقم 165.

[2] سورة المائدة الآية رقم 3.

[3] سورة الأنبياء الآية رقم 73.

[4] سورة الأعراف الآية رقم 54.

[5] سورة المؤمنون الآية رقم 12.

[6] سورة الإسراء الآية رقم 85.

[7] سورة الشورى الآية رقم 52.

[8] سورة الإسراء الآية رقم 9.

[9] سورة النور الآية رقم 35.

[10] سورة الأنعام الآية رقم 125.

[11] سورة الناس الآية رقم 5.

[12] سورة الكهف الآية رقم 71.

[13] سورة الكهف الآية رقم 74.

[14] سورة الكهف الآية رقم 77.

[15] سورة الكهف الآيات رقم 79-82.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة