أعدت للمتقين

لا تعليق
من القلب إلى القلب
474
0
أعدت للمتقين

 

إن قراءة القارئ للآيات القرآنية والتي سلط الضوء فيها على التقوى ومن خلال زوايا متعددة، توجب مزيد تأمل ونظر في حقيقة هذا العنوان ومدى أهميته، إذ يجد القارئ للآيات المباركة غير أن الباري سبحانه وتعالى يتحدث عن أصل العنوان، فإنه يتحدث مرة عن أن الجنة إنما أعدت لخصوص من كان متصفاً بهذه الصفة، وهي صفة التقوى، وكأن الأمر محصور فيهم دون غيرهم، قال تعالى:- (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، ويتحدث في آية أخرى عن أن قبول الأعمال يكون للمتقين، قال سبحانه:- (إنما يتقبل الله من المتقين)، وهو ظاهر أيضاً في الحصر ما يعني أن من يكون فاقداً لهذه الصفة أعني صفة التقوى لا يكون مقبول الأعمال.

ولهذا نجد واحداً من علماء الطائفة الكبار(ره)، وهو الفقيه السيد السبزواري(ره) في تفسيره، يقرر أن للقرآن أطروحة ونظرية مختلفة في علم الأخلاق تختلف عن بقية النظريات الأخرى، تقوم على التقوى. فما هي التقوى التي تلقى هذه الأهمية من الشارع المقدس، والتي جعلت معياراً لمجموعة من الأمور.

 

من المعلوم أن التقوى واحد من الخلق القرآني، وأحد سنن الأنبياء والأوصياء(ع)، وقد عدّها أمير المؤمنين(ع) رئيس الأخلاق، قال(ع): التقوى رئيس الأخلاق، وهذا يجعلها بمثابة الأم للخلق القرآني.

وللتقوى آثار تظهر على من يتخلق بها، ذلك أن من يتخلق بالتقوى تزكوا نفسه، وتصلح أقواله وأعماله، لأنها تورث الاخلاص والصدق والأمانة، والمحبة، وغير ذلك من الفضائل والمكرمات. ولعل هذا يفسر الصلة بينها وبين البر الذي أشير إليه في قوله تعالى:- (ولكن البر من اتقى)، فالبر هو جامع الفضائل والتقوى هي رئيس الأخلاق والفضائل.

 

حقيقة التقوى:

تضمنت النصوص بياناً لحقيقة التقوى، نشير لاثنين منها:

الأول: ما روي عن أمير المؤمنين(ع)، من تعريفه إياها بأنها: تقوى الله مخافة الجليل، والعمل بالتنـزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.

وعند تحليل التعريف المذكور نجده يقوم على عناصر ثلاثة:

1-مخافة الجليل، وذلك بأن يعيش الإنسان خوفاً من الله سبحانه وتعالى.

2-العمل بالتـنزيل، مما تضمنته الشريعة السمحاء سواء في القرآن الكريم، أم في السنة المباركة.

3-الاستعداد ليوم الرحيل، وهو اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، ويكون الاستعداد لهذا اليوم من خلال تحقيق العنصرين الأول والثاني.

 

وقد خلا التعريف المذكور من الإشارة من قريب أو بعيد إلى مراعاة المستحبات والمكروهات كلاً أو بعضاً. اللهم إلا أن يقرر أن قوله(ع): العمل بالتنـزيل، شامل لهما شأنهما شأن الواجبات اللازم فعلها، والمحرمات اللازم تركها.

الثاني: ما روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: تقوى الله أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك.

ومن الواضح أن هناك أماكن أمرنا بالتواجد فيها، وهي أماكن الذكر والعبادة، وبالتواجد فيها تكون طاعة الله سبحانه، كما أن هناك أماكن قد أمرنا بعدم التواجد فيها، لأن الوجود فيها ينافي طاعة الله سبحانه، فالتواجد وعدم التواجد هو معيار التقوى.

وعلى أي حال ما ذكر حول التعريف الأول من خلوه عن الإشارة إلى مراعاة المستحبات واجتناب المكروهات، جارٍ في شأن التعريف الثاني، على أنه لو بني على سعة دائرة المفهوم بالبناء على شموله لهما لأنهما يندرجان تحت الأماكن التي ينبغي التواجد فيها، والأماكن التي لا ينبغي التواجد فيها، لم يكن بعيداً.

 

ولا يتوهم أحد أن بين التعريفين اختلافاً، بل على العكس تماماً، إذ بينهما تمام الانسجام، لأن ألأماكن التي ينبغي التواجد فيها تكون مورداً لمخافة الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، ومثل ذلك اجتناب الأماكن التي لا ينبغي أن يكون الإنسان فيها، وعلى خلاف ذلك، وجود الإنسان في الأماكن التي لا ينبغي أن يكون فيها، وابتعاده عن الأماكن التي ينبغي أن يكون فيها موجب لانتفاء الاستعداد ليوم الرحيل حينئذٍ بالنسبة إليه، ما يجعله غير ملتـزم بالعمل بالتنـزيل، فضلاً عن أن يكون خائفاً من الجليل، ولا أقل من أنه يكون غافلاً عنه سبحانه وتعالى.

ثم إنه مع البناء على ظهور التعريفين المذكورين في خصوص الجانب الإلزامي للتكاليف الإلهية، فيكتفى بامتثال المكلف للواجبات واجتناب المحرمات لصدق مفهوم التقوى، يوجب البناء على حملهما على أدنى مراتب وجودها، ذلك أن التقوى من المفاهيم المشككة، وهذا يعني تعدد مراتبها، كما سوف نشير إن شاء الله تعالى. نعم يصعب القبول بأن ما جعل مورداً للعناية في القرآن الكريم، وأعطي أهمية خاصة حتى صار سبباً لقبول الأعمال، واستحقاق الجنان هو هذا المعنى، بل الظاهر أن المقصود منه لو لم يكن أعلى مراتبها، فجزماً ليس هو أدنى مراتبها التي قد سمعت.

 

وكيف ما كان، إن المستفاد من التعريفين السابقين، وكذا حال ملاحظة كلمات أهل اللغة، وأهل الاختصاص، أن حقيقة التقوى عبارة الخلق الذي يمنع الإنسان من الوقوع في المعصية، قال تعالى على لسان السيدة مريم العذراء(ع):- (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً)، وفي ذلك دلالة واضحة على أن وجود التقوى عامل مانع للإنسان من الوقوع في الحرام. ولهذا أيضاً أشار أمير المؤمنين(ع) حيث يقول: إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه.  فمع أن المتقي يعرف أسباب الحيل ويحيط بطرق الخداع، إلا أنه يجتنبها لوجود صفة التقوى عنده.

 

وصية الله:

وتظهر أهمية التقوى كونها وصية الله تعالى للأولين والآخرين، قال تعالى:- (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)، وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) في تفسير الآية المباركة، قال: قد جمع الله ما يتوصى به المتواصون من الأولين والآخرين في خصلة واحدة وهي التقوى وفيه جماع كل عبادة صالحة، وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى، والرتبة القصوى، وبه عاش من عاش بالحياة الطيبة والأنس الدائم.

 

العناية بالتقوى:

ويرتفع الاستغراب الحاصل عند كل من يسمع الحديث عن التقوى، وسر الاهتمام بها دون بقية الصفات والخصال الأخلاقية الأخرى حال الالتفات لما تمثله التقوى من أمور، ذلك أنها تمثل التالي:

1-أنها أساس الارتباط بالله سبحانه وتعالى، فبالتقوى يعرف الله عز وجل، ويعبد ويطاع، ويتقرب إليه، يقول أمير المؤمنين(ع): التقوى آكد سبب بينك وبين الله إن أخذت به.

2-أنها مفتاح الهداية، يقول تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم).

3-أنها مفتاح الصلاة والفلاح، قال تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم)

4-أنها سبب نزول الرحمة الإلهية، قال تعالى:- (ورحمتي وسعت كل شيء فأكتبها للذين يتقون).

5-أنها سبب محبة الله تعالى للعبد، قال عز من قائل:- (فإن الله يحب المتقين).

6-أنها لمعية الله العبد، قال تبارك وتعالى:- (واعلموا أن الله مع المتقين)، وقال سبحانه:- (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).

 

ولا ينحصر الأمر في خصوص ما ذكر، بل إن المراجع للآيات القرآنية مثلاً يقف على موارد أخرى غيرها، مثل أن التقوى سبب لنـزول الرزق، وأنها سبب حصول العلم، وأنها سبب الخلاص من الشدائد والبلايا، وهي ستر للعيوب، وحرز من الأخطار، ووقاية من النار، وخير العاقبة، وسبيل الفوز بالجنة، وهي سبب قبول الأعمال، قال تعالى:- (إنما يتقبل الله من المتقين).

فالتقوى، والتي هي وقاية النفس من الوقوع في المهالك، سبب لكل هذا وزيادة، وليس في شيء من الفضائل والصفات الأخلاقية الأخرى مثلها.

 

موارد التقوى:

لما كانت التقوى حالة قلبية تنعكس على الجوارح والأفعال، فإن ذلك يجعل لها موارد نشير لبعضها:

منها: تقوى القلوب:

ويقصد من اتقاء القلوب، اتقائها ذنوب القلب، لأن الذنوب قد تكون ذنوباً لجوارح الإنسان، وقد تكون ذنوباً للجانحة وهي القلب، وذنوب القلب مثل: الشرك، والنفاق، والرياء، والحقد، والكراهية، والبغضاء، شرط الالتـزام بالواجبات والفضائل القلبية، كالإيمان والأخلاص والمحبة، وتعظيم الشعائر الدينية.

وعادة ما تكون تقوى القلوب بعد الامتحان، كامتحان الثبات على الدين، وعدم الحسد، والريب، وما شابه ذلك.

 

ومنها: تقوى الكلام:

وذلك باجتناب المحرم منه كالكذب والغيبة، والنميمة، والسب، وغير ذلك، ولعله يشير لهذا المعنى بعض الآيات التي تضمنت الربط بين الكلام والتقوى، مثل قوله تعالى:- (فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً).

ومنها: تقوى لجوارح والأعمال:

فإن لكل واحد من الجوارح تقوى، فالعين لها تقوى، والأذن لها تقوى، والرجل لها تقوى. وأما الأعمال فقد تضمنت الآيات الشريفة نماذج منها تكون مورداً للتقوى:

1-في العلاقة الزوجية.

2-في العلاقات الاجتماعية.

3-في الاصلاح مع الآخرين.

4-في طعام الإنسان.

 

وقد ورد عن الرسول الأكرم(ص) بأن الآية الجامعة للتقوى هي قوله تعالى:- (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء عن المنكر يعظكم لعلكم تذكّرون)، ولعل السبب في أنها جامعة هو أمرها بالإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات.

وكما تضمنت الآيات الشريفة موارد للتقوى، فقد تضمنت النصوص المعصومية أيضاً موارد لابد لمن يرغب نيل صفة التقوى والحصول على آثارها وبركاتها الحذر منها:

1-دعوة المظلوم.

2-المعاصي في الخلوات.

3-أخذ حقوق الناس المالية، ولو بجعل حجر أساس في البناء.

 

وهذا الاهتمام والعناية الخاصة الحاصلة للتقوى، دون بقية الخصال والصفات الأخلاقية الأخرى تستوجب تساؤلاً عن سبب ذلك،

درجات التقوى:

ويمكن تصنيف درجات التقوى إلى ثلاثة أصناف:

الأول: تقوى العوام:

وهي التي يقتصر أصحابها على فعل الواجبات وترك المحرمات، وقد أشير إليها في التعريفين اللذين ذكرناهما عن أمير المؤمنين والإمام الصادق(ع) عند بيان حقيقة التقوى.

 

الثاني: تقوى الخواص:

وهي أعلى رتبة من سابقتها ذلك أنها لا تقتصر فقط على فعل الواجبات، وترك المحرمات، وإنما تشتمل أيضاً على ترك الشبهات، يقول الرسول الأكرم(ص): إن المتقين الذين يتقون الله من الشيء الذي لا يُتقى منه خوفاً من الدخول في الشبهة.

الثالث: تقوى خواص الخواص:

وأما الدرجة الثالثة، وهي تقوى خواص الخواص، وهي التي أشار إليها الباري سبحانه وتعالى بقوله:- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته)، لأن المقصود من حق تقاته، التقوى الكاملة وهي التي لا يخالطها شيء من الغفلة والوهم، كما ورد ذلك عن رسول الله(ص) قال: اتقوا الله حق تقاته، أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى. وقد أضاف على ذلك الإمام الصادق(ع) فقال: ويشكر فلا يكفر.

نعم من لا يتمكن الوصول إلى الدرجة الثالثة وهي تقوى خواص الخواص، فيمكنه الالتـزام بالدرجة الثانية وهي تقوى الخواص، وحتى لو تعذر عليه ذلك، فيمكنه الاقتصار على تقوى العوام، كما يشير لذلك قوله تعالى:- (فاتقوا الله ما استطعتم)، يعني كل يتقي حسب استطاعته، وقدرته.

 

وسائل التقوى:

وحتى يكون الإنسان متقياً فإنه يحتاج وسائل لابد أن يمر من خلالها لتحصيل التقوى وامتلاكها، نشير لبعضها:

 

الوسيلة الأولى: عبادة الله سبحانه:

من دون فرق بين عبادة وأخرى، فإن جميع العبادات الإلهية سبيل وطريق للوصول إلى التقوى، يقول تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

الوسيلة الثانية: التـزام الصراط المستقيم:

وهو يتمثل في الثقلين اللذين وصى بهما رسول الله(ص): القرآن الكريم، والعترة الطاهرة، قال تعالى:- (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).

الوسيلة الثالثة: تلاوة القرآن الكريم، والتدبر في آياته، والعمل بمضامينه.

الوسيلة الرابعة: محاسبة النفس:

فقد جاء عن رسول الله(ص) أنه قال لأبي ذر: يا أبا ذر، لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك لشريكه، فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمن حل ذلك أم من حرام.

الوسيلة الخامسة: سؤال الله تعالى نفحاته وعطاياه:

يقول تعالى:- (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)، فالزيادة تعني تلك النفحات التي يطلبها العبد من ربه رغبة في شيء أفضل مما عنده[1].

صفات المتقين:

وبعد الإحاطة إجمالاً بشيء من شؤون التقوى حقيقة وآثاراً، وموارد، ودرجات، نعرج شيئاً ما على المتقين، رغبة في معرفة صفاتهم التي يمتازون بها، وملكاتهم التي يختصون بها، ولعل خير ما جمع هذه الصفات والملكات هي خطبة أمير المؤمنين(ع) الواردة في نهج البلاغة والمعروفة بخطبة المتقين، والتي صعق فيها همام ومات، ويمكن تحليل الصفات التي ذكرها أمير المؤمنين(ع) للمتقين في هذه الخطبة إلى جهات:

 

الأولى: البعد المعرفي، والفكري للمتقين:

لأن المتقين هم أصحاب الفضائل الذين يمثلون الحجر الأساس في صيانة الأمة وحفظها من الوقوع في الانحرافات، وهم الذين يعول عليهم في هداية الناس، وتبصرهم بشؤونهم الدينية والدنيوية.

الثانية: القيم الأخلاقية للمتقين:

فإن للمتقين صفات وخصالاً، وسمات وآداباً، جعلت علامات يهتدى بها، تجمع أصول الاعتقاد وفضائل الشيم ومحاسن الأعمال وطيب الخصال، وقد وصفهم الله تعالى في كتابه إذ يقول:- (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنول من قبلك وبالآخرة هم يوقنون).

الثالثة: الفيوضات الربانية:

التي يتحلى بها المتقون في بناء الذات وصناعة النفس عندما يحظى الإنسان بلحظة من العناية الإلهية والألطاف الربانية، لأنها تغنيه وتكفيه، فكيف بمن يُصنع بعين الله تعالى ورعايته ولطفه.

وقد تضمنت خطبة المتقين مصاديق للفيض الإلهي، مثل: حزن القلب، والأمن من الشرور، والزهد في الدنيا، والاقتصاد في المعيشة، وعفة النفس، وغير ذلك.

 

وتشكل هذه الصفات السابقة الركيزة الإيمانية الأساس في حياة المتقين وسيرتهم العملية، ولنركز على اثنتين من هذه الصفات التي ذكرها أمير المؤمنين(ع) في الخطبة:

الأولى: صفات الذات:

ونعني بها تلك الصفات التي تكون متعلقة بالذات، وقد استعرض أمير المؤمنين(ع) نماذج متعددة نشير لبعضها مما يكون مربوطاً بذلك:

الأول: قصر الأمل والخشوع:

قال(ع): تراه قريباً أمله، قليلاً زلله، خاشعاً قلبه.

الثاني: قناعة النفس والحرص على الدين:

يقول(ع): قانعة نفسه، منزوراً أكله، سهلاً أمره، حريزاً دينه، ميّتة شهوته.

الثالث: كظم الغيظ، وكتمان الشر:

قال(ع): مكظوماً غيظه، الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.

الرابع: اليقظة والحذر من الغفلة:

قال(ع): إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يكتب في الغافلين.

الثانية: مكارم الأخلاق، ومحامد الخصال:

التي يتمتع المتقون بها، وقد عدد الإمام علي(ع) في هذه الخطبة مجموعة منها، مثل:

1-العفو والعطاء.

2-صلة الأرحام، قال(ع): يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه. فإن هذه الصفات الثلاث من مكارم الأخلاق ومحامد الخصال.

 

وقد عرض(ع) سلوكيات المتقين في المجتمع، فذكر: الابتعاد عن الفحش، والمرونة في الكلام، وحضور المعروف عنده وغياب المنكر، قال(ع): بعيداً فحشه، ليناً قوله، غائباً منكره، حاضراً معروفه، مقبلاً خيره، مدبراً شره.

وأشار(ع) أيضاً إلى الاستقامة والصمود في شخصية المتقين، قال: في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور.

 

علائم المتقين:

عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتجملاً في فاقة، وصبراً في شدة، وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدى، وتحرجاً في طمع.

ويمكن جعل عنوان لهذا المقطع العلوي والوارد في بيان علائم المتقين، أنه العلاقة بين الأخلاق والدين، والتي يحققها المتقون في سلوكياتهم في المجتمع، وقد عبر عنها أمير المؤمنين(ع) بالعلامات.

 

وأول تلك العلامات التي ذكرها(ع) هما الرحمة والشدة، حيث قال(ع): قوة في دين، وحزماً في لين. أما الأولى وهي القوة في الدين، فتعني الجانب النظري، والعملي في تطبيق الشريعة والعمل بما تضمنته بعيداً عن وساوس الشيطان، وخداع الناس، فهم لا يصيبهم وهن ولا ضعف، ولا يسيطر عليهم اليأس، ولا يدخل الاضطراب نفوسهم، عندهم قوة في دينهم فلا يستطيع المشككون والمنافقون النفوذ إليهم، كما أن مشاكل الدنيا وصعوبات الحياة لا تزعزع شيئاً من إيمانهم، فإن الإنسان متى ظهرت له حقانية الأمور لا يصيبه شيء من الاضطراب، لأنه قد وصل إلى مقام اليقين الراسخ.

 

والتأكيد على عنصر الحزم، لأنه أساس الشخصية المتوازنة، فالمتقون لا يفقدون الليونة في معاملة الناس برفق، وشفقة، تقوم على المحبة، وذلك من خلال عنصرين يملكهما المتقي، وهما: العقل، والإرادة، فالإنسان العاقل يستثمر فكره، ومشورة الآخرين في عواقب الأمور، وما وصلت إليه نفسه من هداية ربانية، يحصل له من خلالها الموازنة في ترجيح الحق من الباطل، وإصدار القرارات الحكيمة التي تتناسب مع المواقف التي هو فيها[2].

———————————-


 

[1] موسوعة أخلاق القرآن ج 2 ص 271- 292(بتصرف)

[2] الأسس التربوية بين القرآن الكريم ونهج البلاغة(بتصرف).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة