هوى النفس

لا تعليق
محرم الحرام 1446 هـ
119
0

هوى النفس

إن المستفاد من الآيات القرآنية والنصوص المعصومية أن أسباب انحطاط الأخلاق في المجتمعات ثلاثة: الدنيا، والشيطان، وهوى النفس. وهي الأسباب التي تمنع من تكامل الإنسان. وسوف نسلط الضوء على واحد منها، وهو الثالث أعني هوى النفس.

هوى النفس، المعنى والحقيقة:

عند الرجوع إلى كتب الأخلاق، يمكن تحديد المقصود من الهوى، بأنه عبارة عن: مجموعة من الغرائز والشهوات المودعة في نفس الإنسان، والتي تتطلب الإشباع بقوة، فتكسب الإنسان لذة عند الإشباع. ويمكن أن نختصر التعريف، فنقول: الهوى: مجموعة الغرائز الكامنة في النفس، والتي تتطلب من الإنسان الاستجابة.

خصائص الهوى:

وللهوى مجموعة من الخصائص نشير لبعضها:

الخاصية الأولى: الحالة التوسعية:

لا يخفى أن الغرائز والشهوات والأهواء ليست على مستوى واحد من حيث درجة الإشباع والاكتفاء، فبعضها لا سبيل إلى إشباعها إطلاقاً، وبعضها تُشبع، إلا أن ذلك يكون بعدما تتوسع كثيراً، وهكذا.

وعلى أي حال، إن الخصلة التي تجمع هذه الغرائز جميعاً هي خصلة التوسع في الطلب وعدم الاكتفاء في الحدود المعقولة من الطلب. ومع أن بعض هذه الغرائز تضعف بالكبر إلا أن بعضها يبقى ولا يتأثر، ويشير لهذا المعنى ما ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنتان: الحرص والأمل. وهو(ص) يشير بهذا إلى أن هاتين الخصلتين واللتان تخضعان للهوى، لا تتأثرا بحصول كبر السن عند الإنسان، بل تبقيان على حالتهما من النهم والرغبة الملحة والشديدة حتى بعدما يهرم الإنسان ويشيخ.

الخاصية الثانية: قوة التحريك والالحاح في الهوى:

يعتبر الهوى من أقوى العوامل المحركة للإنسان، فقد سأل زيد بن صوحان أمير المؤمنين(ع)، فقال له: أي سلطان أغلب وأقوى؟ فقال(ع): الهوى. ويظهر هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز:- (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي).

الخاصية الثالثة: تضاعف حالة النهم في الهوى بالاستجابة:

المعروف وفقاً لمقتضى القاعدة أنه كلما تمت الاستجابة لصاحب الطلب كان ذلك سبباً داعياً له للانكفاء والقبول بما تحصل عليه وتخف الحدة عندها، إلا أن الأمر في الرغبة والشهوة عند الإنسان على خلاف ذلك، فإنه كلما تمت الاستجابة للشهوة، فإنه تزداد حالة النهم عند الإنسان، بل كلما بالغ الانسان في الاستجابة لمطالب الهوى يزداد إلحاحاً وضراوة في الطلب وتقل سيطرة الإنسان عليه، لأن الشهوات كالنيران لما ينفخ فيها تزداد لهيباً وشرراً. ويشير لهذا المعنى أمير المؤمنين(ع) إذ يقول: رد الشهوة أقضى لها، وقضاؤها أشدّ لها. والمقصود في قوله(ع): رد الشهوة، هو الاستجابة المحدودة والمنضبطة، والمقصودة من قوله: قضاؤها، يعني الاستجابة للشهوة غير المنضبطة، واللامحدودة.

ومن المعلوم أن هذه الاستجابة غير المنضبطة للهوى، تضعف الإنسان تجاه عامل الهوى بحيث يصادر إرادة الإنسان وقدرته على السيطرة على الهوى ليصبح مخلوقاً خاضعاً له. نعم لا ينكر أن الهوى قد يكون له دور إيجابي في حياة الإنسان لما عرفت أنه المحرك الأقوى في حياته، وهو سلم الكمال.

آثار اتباع الهوى:

تضمنت الآيات القرآنية، وحتى النصوص الصادرة عن المعصومين(ع)، ذكراً لمجموعة من الآثار المترتبة على اتباع الإنسان لهواه، نشير لبعضها:

1-الخلود إلى الأرض:

والمقصود من ذلك، هو الركون إلى الدنيا، وهو في مقابل الترفع عنها، ويكون ذلك من خلال الاستجابة لجاذبية الأرض، والاستسلام إليها، والتفاعل مع إغراءاتها.

2-الانسلاخ عن آيات الله:

ومعنى ذلك هو الانسلاخ عن وعي آيات الله ومعرفتها، والانسلاخ عن الحكم والمعرفة والبصيرة، فالذين يحكّمون شهواتهم وأهواءهم على أنفسهم، تنقطع علاقتهم بالوعي والبصيرة بآيات الله انقطاعاً تاماً، وترفض أنفسهم العلم والحكمة، فقد ورد عن رسول الله(ص) قال: حرام على كل قلب أغري بالشهوات أن يحل في ملكوت السموات. وجاء عن أمير المؤمنين(ع) قال: حرام على كل قلب مغلول بالشهوة أن ينتفع بالحكمة. وذلك لأن القلب إناء ولا يمكن أن يجتمع في إناء واحد الهوى وذكر الله.

3-استيلاء الشيطان عليه:

لأن الهوى يُحكم قبضة الشيطان على الانسان، وكلما كان اتباع الإنسان للهوى أكثر، كان نفوذ الشيطان على الإنسان أكثر.

4-الغواية والضلال:

لأن من يتبع هواه يغفل عن ذكر الله تعالى، ويتمكن الشيطان منه، فلا يهتدي إلى الصراط المستقيم، ولا يستقيم في حياته.

5-الحرص والجشع:

فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فهو يلهث بصورة دائمة، ومستمرة.

علاج الهوى:

يخطأ من يعتقد أن علاج الهوى يكون من خلال الكبت، فقد عرفت أن الهوى عنصر إيجابي للإنسان، وهذا يمنع من كبته. كما أن الإسلام قد اعترف بهذه الغرائز واعتبرها زينة، يقول تعالى:- (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة)، نعم اعتبر الإسلام ضبط الهوى، يقول الإمام الصادق(ع): لا تدع النفس وهواها، فإن هواها رداها. ولهذا وضع الإسلام ضوابط وحدوداً لممارسة هذه الشهوات والأهواء، فهو لم يحرم العلاقة الجنسية ولم يستقذرها، ولم يمنع عنها، وإنما أباحها ووضع عليها حواجب وضوابط وحدوداً شرعية تحددها، وكذلك حب المال، فإنه لم يرفضه، ولم يستقذره، وإنما أباحه ووضع له حدوداً وضوابط تحده، وهكذا بقية الشهوات الأخرى.

دور العقل في ضبط الهوى وتحديده:

وقد أوكل الشارع المقدس إلى أهم عنصر موجود في الإنسان ويملك القدرة والقابلية لضبط الهوى وتحديده وهو العقل القيام بهذا الدور، فإن العقل هو الذي يتكفل بضبط الهوى ويعمد إلى تحديده، ويكف الإنسان عن الاسترسال في الاستجابة إليه، ويمنعه من الطغيان. وعلى قدر كمال عقل الإنسان وقوته يكون توفيقه في ضبط أهوائه وتحديدها.

العصم:

ولما كان العقل وحده لا يملك القدرة الكافية على مقاومة الهوى، بل يحتاج جنوداً تدعمه مقابل جنود الهوى، وهي العصم، وهي جنود تقبل القوة والضعف، فمتى قويت حصنت الإنسان وعصمته عن الذنوب، أما إذا خفت تمكنت الشهوان منه.

والعصم على طوائف ثلاث:

الأولى: ما أودعه الله تعالى في عمق الفطرة الإنسانية بصورة تكوينية، كالحياء والعفة والرحمة، وما شابه ذلك.

الثانية: ما يكتسبه الإنسان ويتحصل عليه، ويكون للتربية دور أساس في حصوله، مثل: الذكر، والصلاة، والصوم، والتقوى، وما شابه ذلك.

الثالثة: ما أودعه الله تعالى في حياة الإنسان الاجتماعية، وذلك مثل الحياة الزوجية، فإنها عصمة للزوجين معاً، إذ تعصم كلاً منهما عن الوقوع في الحرام، وتعفه عنه. وكذا الجماعة المؤمنة، وهم الأصدقاء الذين يرتبط الإنسان بهم، فإن الجماعة المؤمنة التي يرتبط الإنسان بها تعصمه عن الانزلاق والسقوط، وتحفظه عن الوقوع في المحرمات.

ويمكن أن نذكر نموذجين للعصم، بصورة مختصرة، وهما: الخوف من الله سبحانه وتعالى، والحياء[1].

 

 

[1] الأخلاق في القرآن الكريم ج 1 ص 178-191(بتصرف)، الهوى ص 15-85(بتصرف).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة