ظلامة التسمية بحرب
من الظلامات التي وقعت على الإمام الحسن(ع)، تسميته بحرب عند ولادته، من قبل أبيه أمير المؤمنين(ع)، أو رغبته في أن يسميه بذلك لولا منع رسول الله(ص) إياه عن ذلك، وقد برر ذلك بأن علياً(ع) كان يحب أن يكنى بأبي حرب.
وقد استند القائلون بذلك لما روي عن أسماء بنت عميس، قال: قبّلت جدتك[1] فاطمة(ع) بالحسن والحسين(ع)، فلما ولد الحسن(ع) جاء النبي(ص)، وقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبي(ص)، وقال: يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.
ثم قال لعلي(ع): بأي شيء سميت ابني هذا؟ قال علي(ع): ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله-وقد كنت أحب أسميه حرباً-فقال النبي(ص): وأنا لا أسبق باسمه ربي عز وجل فهبط جبرئيل، وقال: العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: علي منك بمنـزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك، فسم ابنك هذا باسم ابن هارون، فقال النبي(ص): وما اسم ابن هارون يا جبرئيل؟ قال: شبر، فقال النبي(ص): لساني عربي، قال سمه الحسن[2].
ومنع جملة كبيرة من علماء الطائفة المحقة صدور ذلك من أمير المؤمنين(ع)، بل وردود مثل هذه الرغبة عنده، بل عدوا ذلك فرية وكذباً عليه(ع).
وحتى يتضح الحق في المقام لابد من دراسة الرواية المذكورة وملاحظة مدى إمكانية الاستناد إليها.
مصدر الحديث:
لم يقتصر وجود هذه النصوص والتي تضمنت تسمية أمير المؤمنين(ع)، ولده الإمام الحسن(ع) بحرب أو رغبته في ذلك على خصوص مصادر المسلمين، بل وجد مثل هذا المعنى أيضاً في نصوص الخاصة، فقد جاء ذلك في ثلاثة مصادر على ما يبدو، وهي: كتاب عيون أخبار الإمام الرضا(ع) مروياً عن الإمام الرضا(ع)، ينقله عن أسماء بنت عميس، وكتاب مستدرك الوسائل لشيخنا النوري(ره) بسند ينتهي إلى الإمام زين العابدين(ع)، وهو ينقله عن أسماء بنت عميس حيث حدثته بذلك، وكتاب المناقب لابن شهراشوب(ره)، نعم يمكن قصر الأمر على خصوص المصدرين الأولين، ورفع اليد عن الثالث وذلك لاحتمال أن يكون قد أخذ الحديث من كتاب مسند أحمد بن حنبل.
وقد تعددت المصادر الناقلة للحديث في كتب المسلمين، إذ يجد الباحث ما لا يقل عن ثلاثة عشر مصدراً نقلت ذلك، مثل: سيرة ابن إسحاق، ومسند أبي داود الطيالسي، والطبقات الكبرى لابن سعد، ومسند أحمد بن حنبل، والمعجم الكبير للطبراني.
صور الحديث في المصادر:
ومن الأمور الغريبة، التي يلحظها من يتابع الحديث محل البحث في مصادر المسلمين، تفاوتها من حيث المتن زيادة ونقيصة، ذلك أن القارئ لها يجد اختلافاً بينها من هذه الجهة، أعني في صور الحديث المنقولة في مصادره ذلك أن المراجع لها يقف على وجود تفاوت فيها من حيث الزيادة والنقيصة، ولنشر لبعض موارد الاختلاف الحاصل فيها:
منها: التفاوت في وجود الرغبة عند أمير المؤمنين(ع)، في التكنية بأبي حرب، حيث تضمنت بعض مصادر الحديث من كتب المسلمين النص على أن علياً(ع)، كان يحب أن يكنى بذلك، وخلت مصادر أخرى من ذكر هذا الأمر تماماً.
ومنها: اشتمال بعض المصادر على أن رسول الله(ص) قد تصدى لتسمية الإمام الحسن(ع) باسم ولد نبي الله هارون(ع)، وخلت مصادر أخرى من الإشارة لذلك.
ومنها: ما تضمنته بعض المصادر من أن الذي تصدى لتسمية الإمام الحسن(ع) بحرب، هو السيدة الزهراء(ع)، وليس أمير المؤمنين(ع)، وبخلاف ذلك جاء في مصادر أخرى أن المتصدي لعملية التسمية هو أمير المؤمنين(ع).
مع أن الموجود في جميع المصادر المذكورة هو حديث واحد، وليس حديثاً متعدداً، كما أن الراوي له شخص واحد، فلا يوجد تعدد في رواة الحديث، بل إن الناقل عن الراوي للحديث أيضاً شخص واحد، ولم ينقل عنه من قبل أشخاص متعددين.
ومثل هكذا تفاوت في النقل مع كون الحال كما سمعت، يكشف عن عدم وجود دقة في النقل، ويوجب عدم التعويل على مثل هكذا خبر لعدم الثقة به، لوجود تشكيك في ضبط الراوي المباشر للحديث، كما يحتمل أن يكون منشأ اختلال النقل وعدم ضبطه هو الراوي عنه، بل قد يتعدى الأمر ليصل التشكيك في ضبط أصحاب الكتب الناقلة للحديث، وهذا يمنع من البناء على الخبر، وترتيب الأثر عليه، وذلك لما نص عليه علماء الحديث من أن أحد الأسباب الموجبة لعدم حجية نص من النصوص اضطراب متنه، ومن مصاديق الاضطراب في المتن وجود الاختلاف في نقله من طبقة لطبقة، ما يسلب الوثوق والاطمئنان به، وهذا ما نلحظه في الحديث محل البحث، إذ عرفت وجود التفاوت بين المصادر الناقلة له.
وبالجملة، إن وجود مثل هكذا اضطراب في متن الحديث ناجماً من التفاوت الحاصل بين المصادر الناقلة له زيادة ونقيصة، يوجب منع حجية الخبر، بل سقوطه عن الحجية. هذا كله بعيداً عن دراسة الخبر سنداً.
وأما مع القيام، بذلك، فسوف تكون النتيجة أوضح لرفع اليد عنه، ويتضح ذلك من خلال ملاحظة سند واحد من المصادر الناقلة للخبر، كسيرة ابن إسحاق، فإنه قد وقع في طريق الخبر المذكور يونس بن عمرو، وقد جاء في ترجمته أنه كان يقدم عثمان على علي، وهذا يكشف عن معتقد الرجل، وأنه كان عثمان الهوى، وغالباً ما كان للانتماء العقدي دور في أحاديث الرجل، وأفكاره ومعتقداته. ومع رفع اليد عن هذا الجانب، فقد نص أبو حاتم في ترجمته على أنه صدوق، لا يحتج به، وهو بهذا يشير إلى أنه لا يعول على مروياته، ولا يستند إليها في مقام الاستدلال والاحتجاج.
على أنه لو رفعت اليد عن ملاحظة حال يونس بن عمرو، فإن جميع الأحاديث في مصادر المسلمين ترجع إلى شخص واحد كما سمعت، وهو هاني بن هاني، وهو الهمداني الكوفي، وقد ذكر علماء الجرح والتعديل من المسلمين في شرح حاله، أنه مجهول، لا يعرف. ومثل هكذا تعبير كافٍ لسقوط الخبر عن الاعتبار والحجية، فلا يصلح أن يكون مستنداً لإثبات شيء.
إن قلت: إن الحديث محل البحث لا يحتاج نقداً لسنده، وذلك لوجوده كما عرفت في ثلاثة عشر مصدر من مصادر المسلمين، وثلاثة مصادر على الأقل من مصادر الخاصة، ومع رفع اليد عن كتاب المناقب لابن شهراشوب، لاحتمال أن يكون ناقلاً للحديث من كتاب مسند أحمد بن حنبل، سوف يكون الحديث منقولاً في خمسة عشر مصدر على الأقل، ومثل هكذا عدد يوجب حصول التواتر، وقد قرر في محله أن الخبر المتواتر لا يحتاج نقداً سندياً، بل يستند إليه، ويحتج به ولو كان ضعيف السند.
قلت: لا ريب في تمامية الكبرى، من أن الخبر المتواتر لا يحتاج نقداً سندياً، إلا أن الكلام في الصغرى، وهي عدّ الحديث محل البحث متواتراً، ذلك أن مجرد تكثر المصادر الناقلة له لا يوجب كونه كذلك، لأن وصف حديث ما بأنه متواتر فرع توفر الشروط المعتبرة في صدق التواتر فيه، وهذا ما لا يتوفر في المقام، فإن أحد الشروط المعتبرة في التواتر أن يكون منقولاً في كل طبقة من طبقاته بتعدد في الرواة، بحيث يكون الرواة له في كل طبقة عدداً كثيراً، وهو غير موجود في الحديث محل البحث، إذ قد عرفت أن الراوي له شخص واحد، والناقل عنه شخص واحد، وهذا يمنع من صدق عنوان التواتر عليه.
إن قلت: إن الحديث محل البحث لا يحتاج نقداً سندياً، لأن ما يحتاج ذلك هو خصوص الخبر العقدي، والذي يتضمن عقد القلب، أو الخبر الفرعي الفقهي، والذي يحتاج عملاً، وأما الخبر التاريخي[3]، فإنه لا يحتاج ذلك، والخبر محل البحث خبر تاريخي، يتضمن نقل قضية تاريخية في البين، وهي أن الإمام علياً(ع)، سمى ولده الحسن(ع)، أو كان يحب أن يسميه بحرب، ومثل هذا الأمر لا يحتاج عقد قلب، ولا عمل، فيكون خبراً تاريخياً، وعمدة ما يعتبر في الخبر التاريخي أن يحصل الوثوق والاطمئنان بحصول الحادثة، ويكون ذلك من خلال جمع القرائن الموجبة لذلك، وأحد أهم القرائن الموجبة لذلك معرفة مصدر الحديث التاريخي، وأنه كتاب معلوم النسبة لمؤلفه، ومعرفة المؤلف، وأنه ضابط في ما ينقل، وهذا متوفر في المقام، فإن المصادر الخمسة التي ذكرناها معلومة النسبة لمؤلفيها، ومؤلفوها من الضابطين، ما يعني تحقق الوثوق والاطمئنان بوقوع مثل هذا الحديث التاريخي، فيثبت المطلوب.
قلت: نسلم بتمامية ما ذكر، شرط أن لا يكون متن الخبر مشتملاً على ما لا يمكن الالتـزام به حين نقده، بعرضه على القاعدتين العقلية والشرعية.
بقي أن يشار إلى أن شيئاً مما ذكر من اضطراب المتن، وإن لم يجر في النصين الواردين في مصادر الخاصة، إلا أنهما غير سالمين سنداً، إلا مع القبول بما قيل، من أن التعبير عن الكتاب بالعيون، كما في كتاب عيون أخبار الرضا، يكشف عن أن ما وقع في الكتاب المذكور معتبر سنداً، فتأمل. إلا أن ذلك لو قبل، فلن يصح الاستناد للخبر أيضاً إلا بعد نقده متناً، وهذا يعني أن الخبرين الواردين في مصادر الخاصة شأنهما شان بقية الأخبار الواردة في مصادر المسلمين.
نقد متن الحديث:
حتى يقبل بحديث من الأحاديث يعتبر فيه بعد احراز صدوره، خلوه من موانع القبول بمتنه، فلو كان متنه مشتملاً على ما يمنع من قبوله، كان ذلك موجباً لسقوطه عن الحجية، ولو كان خبراً تاريخياً.
وينطوي الحديث محل البحث على موانع تحول دون القبول به، نشير لبعضها:
أحدها: مخالفته لما هو الثابت تاريخياً:
فقد عرفت أن الخبر الدال على التسمية المذكورة ينتهي إلى أسماء بنت عميس، وأنها التي كانت عند السيدة الزهراء(ع)، حال ولادتها بالإمام الحسن(ع)، وقد لفته(ع) بخرقة صفراء، كما سمعت، وهذا مخالف لما هو الثابت تاريخياً، من أن أسماء كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب(رض) في أرض الحبشة، ولم تأت للمدينة إلا في السنة السابعة يوم الانتصار في غزوة خيبر، وقال عندها رسول الله(ص) كلمتها المشهورة: لا أدري بأيهما أسر، بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر.
ووفقاً لما ذكر، لن يكون الخبر المذكور معتبراً، بل سوف يكون ساقطاً عن الاعتبار والحجية.
ثانيها: عدم وجود ما يوجب عناية أمير المؤمنين(ع) بهذه التسمية:
وهذا بعدٌ عقلائي، ذلك أن العقلاء حال الإقدام على انتخاب اسم ما، يكون لهم غرض بالإقدام على ذلك، وهذا ما لا يتصور في المقام، ويتضح ذلك حين الوقوف على المقصود من اسم حرب الذي تضمنه الحديث، لوجود محتملين في المقام:
الأول: أن يكون اسم حرب اسماً للمعنى الوصفي، فيكون مأخوذاً من نفس عملية الحرب والقتال.
الثاني: أن يكون اسم حرب اسماً للعلم الشخصي، نظير بقية الأسماء التي تعدّ علماً، مثل محمد وعلي، ومهدي، وغير ذلك.
وقد استحسن العقاد الاحتمال الأول في مجموعته، وهو محبة أمير المؤمنين(ع) أن يكنى بأبي حرب، وعلل ذلك بأنه رجل شجاع، يحب الحرب.
وهو تعليل عليل، لأن مجرد التسمية بصفة لا يوجب انطباع خصائص تلك الصفة على المسمى، فكم من شخص سمي بأسد مثلاً وهو في الحرب نعامة.
وعلى أي حال، فإنه يمكن دعم الاحتمال الأول، بأمرين:
أحدهما: ملاحظة الحديث الذي تضمن تسمية الإمام الحسن(ع) بحرب، أو محبة أمير المؤمنين(ع)، لذلك، وفق بعض صور النقل، فإنها تساعد على أن تكون التسمية من باب الاسم الوصفي، وليس من باب العلم الشخصي.
ثانيهما: ما روي مرسلاً عن أمير المؤمنين(ع)، أنه قال: كنت رجلاً أحب الحرب.
موانع القبول بالاحتمال الأول:
ويمنع من القبول بالاحتمال الأول، موانع:
أحدها: إن ملاحظة واقع أبناء أمير المؤمنين(ع) في الحروب، مانع من أن يكون الدافع للتسمية ما ذكر، فقد تضمنت المصادر التاريخية شرحاً لأحوال أبناء أمير المؤمنين(ع) في الحروب، من أن شجاعتهم كانت ظاهرة للعيان دون حاجة للتسمية بهذا الاسم.
ثانيها: بعد البناء على أن رسول الله(ص) لم يقبل الإمام الحسن(ع) باسم حرب، فلم لم يقم أمير المؤمنين(ع) التسمية بأحد الأسماء المشتقة من اسم حرب، مثل: حارب، ومحارب، وما شابه ذلك.
ثالثها: بعد التسليم بأن للتسمية بالاسم الوصفي أثراً على المسمى به، وأن أمير المؤمنين(ع) كان شغوفاً بهذا الاسم لحبه للحرب، وما دام رسول الله(ص) لم يقبل منه أن يسمي أحداً من أولاد ابنته فاطمة(ع) بهذا الاسم، فلم لم يقم أمير المؤمنين(ع)، بتسمية واحد من أبناءه من غير السيدة الزهراء(ع) بهذا الاسم، خصوصاً وأن لأمير المؤمنين(ع) ما لا يقل عن سبعة أولاد من نسوته غير السيدة الزهراء(ع).
رابعها: ما تضمنته كتب التأريخ من سيرة أمير المؤمنين(ع)، مع أعدائه ومناوئيه، والتي تكشف وبصورة جلية واضحة أنه(ع) لم يكن شخصاً محباً للحرب والقتال والدماء، فإنه لم يكن يرهق الناس بطشاً وما كان يخالف أوامر رسول الله(ص) ومثال ذلك أنه لم يبرز لعمرو بن عبد ود العامري، بين خصال ثلاث: الإسلام فلما لم يقبل بذلك، عرض عليه أن يرجع عن القتال، ويترك قتل النبي(ص)، فلما لم يقبل، دعاه إلى المبارزة.
الاحتمال الثاني:
ولا يتصور أن مقتضى القسمة الحاصرة تعين الاحتمال الثاني وهو أن يكون الداعي للتسمية باسم حرب هو العلم الشخصي، لأنه مع بطلان الاحتمال الأول، يكون المجال للاحتمال الثاني، وذلك لعدم وجود منشأ عقلائي أن يقدم الإمام أمير المؤمنين(ع)، لتسمية ولده باسم حرب العلم الشخصي، لأن المراجع للمصادر التاريخية يجدها تنص على أنه لم يكن هناك أحد يسمى باسم حرب خلال تلك الحقبة إلا حرب بن أمية بن عبد شمس، وهو والد أبي سفيان، وهو جد معاوية بن أبي سفيان، ومن البعيد جداً أن يكون حال الرجل وموقفه مع سيدنا عبد المطلب(ع) خافياً على أمير المؤمنين(ع)، حتى يقدم على تسمية ولده باسمه، كيف وهو الذي يقول في جواب له على معاوية: إنا بنو عبد مناف فكذلك، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق.
ومثل هذا الكلام الصادر من الإمام(ع)، يكشف عن أن حال حرب بن أمية كان واضحاً جداً لأمير المؤمنين(ع)، من جده عبد المطلب(ع)، وهذا مانع من أن يقدم على تسمية ولده باسمه.
ويساعد على وضوح حال حرب عند الهاشميـين، بل عند المجتمع العربي، وموقفه من بني هاشم، مفاخرة عبد الله بن جعفر(رض) مع يزيد بن معاوية في محضر أبيه معاوية، إذ جاء فيها أن عبد الله(رض) قال ليزيد: بأي آبائك تفاخرني؟ أبحرب الذي أجرناه، أم بأمية الذي ملكناه، أم بعبد شمس الذي كفلناه.
فإن هذا كله يكشف عن عدم اشتمال شخصية حرب على شيء يجعل أمير المؤمنين(ع) أن يسمى ولده الإمام الحسن(ع) باسمه، ويحب أن يكنى به.
المانع الثالث: مبغوضية التسمية بحرب للشارع المقدس، ما يوجب أن يكون متن الحديث مخالفاً لأصل من أصول العقيدة المذهبية، وتوضيح ذلك:
لما كان المعيار في مبغوضية اسم من الأسماء هو ملاحظة رأي الشارع المقدس، وليس الإنسان نفسه، فكل اسم قبحه الشارع المقدس يكون قبيحاً، فلابد وأن يلتـزم بما يصدر عنه، ولهذا ورد أن رسول الله(ص)، قد غير بعض الأسماء لقبحها، وحتى يبنى على القبول بتفكير الإمام علي(ع) في تسمية ولده بحرب، فضلاً عن قيامه بذلك لابد وأن يكون اسم حرب من الأسماء المحبوبة للشارع المقدس، ولا أقل من عدم كونه اسماً قبيحاً، وإلا فلو كان من الأسماء القبيحة، فلن يتصور أن يقوم أمير المؤمنين(ع) بالإقدام على ذلك.
وقد نص على أن أحد الأسماء القبيحة التي غيرها رسول الله(ص) اسم حرب، فقد غير اسم رجل كان يسمى بذلك، وسماه سلماً، وهذا يمنع أن يقوم أمير المؤمنين(ع) بتكنية نفسه بهذا الاسم، فضلاً عن أن يسمي ولده بذلك. فهل يتصور أنه(ع) لم يسمع بما ورد في البخاري وغيره بأسانيد مختلفة أنه(ص) قال: تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عز وجل: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبح الأسماء حرب ومرة. إن من المستبعد جداً ألا يكون(ع) قد سمع هذا الحديث عن رسول الله(ص)، ويسمعه غيره، وهو الذي كان يحدث عن أنه كان يتبع رسول الله(ص) تبع الفصيل إلى أمه.
وكيف ما كان، ألا يدل اصرار أمير المؤمنين(ع) على التسمية بحرب والحال هذه، على مخالفته لرسول الله(ص)، وهذا ما لا يمكن تصوره في شأنه(ع)، ما يجعل مضمون هذا الحديث مخالفاً لأصل من أصول العقيدة المذهبية وهو العصمة، لأن إقدام أمير المؤمنين(ع) على هذه التسمية مخالفة صريحة لرسول الله(ص)، وهذا لا يتوافق وما نعتقد من ثبوت العصمة المطلقة لأمير المؤمنين(ع)، لأن ثبوت ذلك يحول دون أن تصدر منه أدنى مخالفة للنبي الأعظم(ص). وهذا كله يساعد على أن يكون الحديث محل البحث موضع تأمل من حيث الوقوع والتحقق، وهو أقرب ما يكون للوضع والاختلاق، لمجموعة من الأغراض التي كان يسعى إليها الواضعون.
المانع الرابع: مخالفة الحديث للنصوص التي تضمنت كنية أمير المؤمنين:
إن ما تضمنه الحديث من أن أمير المؤمنين(ع) كان يحب أن يكنى بأبي حرب، يخالف ما تضمنته النصوص من أنه(ع) كان معروفاً بمجموعة من الكنى، كأبي الحسن، وأبي الريحانتين، وأهم الكنى التي عرف بها(ع)، وقد كانت أحبها إلى قلبه، ما أطلقه عليه رسول الله(ص) في موارد متعددة، وهو تكنيته بأبي تراب، وقد كانت تكنيته بها قبل ولادة الإمام الحسن(ع) بفترة من الزمن، ومن الواضح جداً أن أحد الأغراض التي كان يسعى إليها الواضعون لرواية التكنية بأبي حرب، هو تضيـيع كنية أمير المؤمنين(ع) بأبي تراب، وتفويت الفضيلة الخاصة التي تكون له من خلال التكنية بها.
ومن خلال ما تقدم، يتضح أنه لا يمكن البناء على القبول بصدور تسمية أمير المؤمنين(ع) ولده الإمام الحسن(ع)، بحرب، بل ولا يمكن البناء على وجود رغبة لديه(ع) في ذلك، لما عرفت من حال الحديث الدال على ذلك سنداً ومتناً، ما يوجب وجود واحدة من الظلامات التي وقعت على الإمام أبي محمد الحسن الزكي(ع)، وواحدة من التهم الملصقة بأمير المؤمنين(ع)، لأغراض سياسية وعقدية.
[1] في الخبر أن الخطاب كان للإمام زين العابدين(ع).
[2] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 25.
[3] يمكن تميـيز القضية التاريخية عن القضية العقدية والفرعية، بأنها القضية التي لا يحتاج الاستناد إليها إلى عقد القلب، ولا العمل.