من فقه الضمان

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
13
0

من فقه الضمان

 

جاء في الرواية عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا مع رسول الله(ص) في جنازة، فلما وضعت قال: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم، درهمان، فقال: صلوا على صاحبكم؟ فقال علي(ع): هما عليّ يا رسول الله، وأنا لهما ضامن، فقام رسول الله(ص) فصلى عليه، ثم أقبل على علي(ع)، فقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك.

من الموضوعات الفقهية باب الضمان، وقد افتتحت البحث بالرواية لما فيها من دلالة على ضرورة افراغ الإنسان ذمته من حقوق الآخرين، وأن أحد طرق الإفراغ هو الضمان.

حقيقة الضمان:

والضمان في اللغة هو الكفالة والالتـزام، وهو مأخوذ من ضمن، يعني كفل غيره، وألتـزم أن يؤدي عنه ما قد يقصّر في أدائه.

ووفقاً لهذا التعريف يكون للضمان أقسام ثلاثة:

الأول: الكفالة، وهي تتعلق بضمان النفس، وذلك بالتعهد بإحضار الشخص المشغول الذمة وتسليمه إلى غريمه.

الثاني: الحوالة، وهي تتعلق بضمان المال من قبل شخص أو جهة مشغول الذمة للدائن.

الثالث: الضمان بالمعنى الأخص، وهو نقل المال عن ذمة المضمون عنه، وهو المديون إلى ذمة الضامن وهو الفارغ الذمة للمضمون له، وهو صاحب الدين، كما لو كانت ذمة عمرو مشغولة بألف ريال لزيد، وقام خالد بضمان الألف الذي على عمرو لزيد.

ويعبرون عن الثالث من هذه الأقسام بالضمان بالمعنى الأخص، وهو الذي سوف ينصب الحديث عليه بإذن الله تعالى.

ويمكن تعريف الضمان بالمعنى الأخص في الاصطلاح الفقهي، بأنه: الاتفاق على انتقال الدين من ذمة المدين إلى ذمة الضامن.

ومن الواضح أن ما ذكر يتقوم بشيئين:

الأول: ثبوت المال في ذمة المدين، فلا يشمل الموارد التي لم يثبت المال فيها في الذمة.

الثاني: انتقال الدين بالضمان إلى ذمة الضامن بنحو يترتب عليه فراغ ذمة المدين من عهدة الدين للدائن، واشتغال ذمة الضامن به للدائن كأي دين آخر بحيث لو مات الضامن فإن المضمون يخرج من أصل التركة كبقية الديون الأخرى.

وبهذا يختلف الضمان عن الكفالة، فإن الكفالة وإن كانت ضماناً ما على المكفول من حق مالي، لكنها ضمان أداءٍ معلق على عجز المكفول عن الأداء، فلا ينتقل المال بها إلى ذمة الكفيل، ولا تبرأ ذمة المكفول منه، ولو مات الكفيل أثناء الكفالة فإنها تبطل من أصلها، بينما قد عرفت أنه في الضمان ينتقل الدين إلى ذمة الضامن وتبرأ ذمة المدين، وإذا مات الضامن فإنه يخرج من أصل التركة.

كما تختلف الكفالة عن الضمان أيضاً في أنها تصح في الدين وفي الأعيان الخارجية، بخلاف الضمان، فإنه لا يصح إلا فيما كان ديناً ثابتاً في الذمة.

ومع ملاحظة الفرق بين الكفالة والضمان، وأنه يتقوم بأمرين، يتضح عدم صدق الضمان على بعض العناوين مثل ضمان أداء الدين عن المدين حال عجزه عن الأداء والسداد، فإنه ليس ضماناً بالمعنى الأخص والمصطلح الفقهي حتى لو عبر عنه بالضمان، بل هو في الحقيقة كفالة.

عناصر الضمان الفقهي:

وكيف ما كان، فإن عناصر الضمان الفقهي ثلاثة:

1-المضمون                2-المضمون له                           3-الضامن

ولا يعتبر في الضامن أن يكون شخصاً، بل يمكن أن يكون جهة كالبنك الحكومي، أو الأهلي أو المشترك، والمؤسسات المالية، فيقوم بالتعهد بالسداد لما في ذمة المضمون عنه إلى الدائن. وكذلك المضمون، قد يكون شخصاً، وقد يكون جهة أيضاً.

ومتى حصل عقد الضمان وتحقق فقد اشتغلت ذمة الضامن وفرغت ذمة المضمون عنه من الدين، فلا يحق للمضمون له مطالبة المديون وهو المضمون عنه بالدين. نعم يحق للمضمون له أن يشترط في عقد الضمان الرجوع على المضمون له حال عدم وفاء الضامن بالسداد.

الضمان عقد:

لما كان الضمان عقداً، فيعتبر فيه الإيجاب والقبول كبقية العقود، ولا فرق بين أن يكون الايجاب من الضامن والقبول من المضمون له أو العكس.

كما لا يعتبر في تحقق الضمان رضا المضمون عنه، بل يصح الضمان حتى مع عدم رضاه. نعم إذا كان في ذلك منة أو ذلة عليه، فلا يصح الضمان إلا بعد موافقته.

أمثلة للضمان:

ثم إنه بعد الإحاطة بحقيقة الضمان، لنذكر بعض الأمثلة له:

منها: أن يضمن شخص نفقة الزوجة الثابتة على زوجها فيما مضى، لأنها من الديون التي يجب قضاؤها، فإذا ضمنها الضامن اشتغلت ذمته وبرئت ذمة الزوج منها.

ومنها: لا يصح ضمان نفقة الأقارب الماضية، لأنها ليست من الديون التي يجب قضاؤها.

 

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة