من كلام لإمامنا ضامن الجنة الإمام الرضا(ع) أنه قال: فإن قال قائل: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم؟ قيل: لأنه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالأمر والنهي والمنع من الفساد والتغاضب.
مدخل:
من النقاط الجديرة بتسليط الضوء عليها في سيرة الإمام الرضا(ع)، الناحية العلمية في سيرته المباركة، ومن أبرز المفردات التي يجدر دراستها في هذه الناحية، كثرة صدور العلل عنه(ع)، إذ يجد القارئ لسيرته العلمية أنه قد صدرت منه عللاً لكثير من الأمور، فقد تحدث عن علل في الأمور الكلامية، كما تحدث عن علل في الأمور الفقهية، وبعبارة جامعة، صدرته منه(ع) عللاً لأصول الدين، ولفروعه، وهذا ما لا نكاد نتلمسه في سيرة بقية المعصومين(ع)، إذ أن القارئ لسيرة أي واحد منهم ربما يجد صدور شيء من ذلك عنهم، فقد يجد شيئاً من ذلك عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع)، وكذا عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، لكن الموجود عنهم(ع) لا يـبلغ المستوى الموجود عن الإمام الرضا(ع)، كما هو واضح.
ووفقاً لذلك تعدّ هذه ظاهرة جديرة بالدراسة والتحليل، ليتعرف على الدواعي والمناشئ الذي دعته(ع) لذلك، فهل يعود ذلك لحصول ظروف موضوعية علمية في عصره(ع) لم تكن متوفرة في عصر غيره من المعصومين، أم أنه انفتحت مناهج العلم وزادت سبل المعرفة بما لم تكن موجودة عليه في عصر غيره من الأئمة(ع).
حتى نستطيع الإجابة عن ذلك، نحتاج في البداية أن نتعرف على أن التشريعات السماوية في كافة مجالاتها وتقنيناتها، هل تخضع لقانون ما، أم أن جعلها يكون دونما قانون وغرض، وما هو ذلك القانون الذي تخضع له، وما شابه ذلك.
تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد:
يعتقد الشيعة الإمامية أعلى الله كلمتهم، وأنار برهانهم، وكذا المعتـزلة بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، بمعنى أن التشريع الإلهي لكل واحد من الأحكام الإلزامية، سواء منها الوجوبية، أم التحريمية، بل حتى المستحبات والمكروهات، شرعت لوجود مصلحة فيما يكون إلزاماً في جانب الفعل، أو لوجود مفسدة فيما يكون في جانب الترك، والسر في ذلك يعود لكون المشرع وهو الله سبحانه وتعالى حكيم، يستحيل أن يصدر منه شيء من الأمور دونما علة وغاية، بل يكون جزافاً، ولمجرد التعبد فقط دون أن يكون ذلك لوجود مصلحة أو مفسدة واقعية فيه.
فكل ما أمر الباري سبحانه وتعالى به، وأوجبه على العباد لأجل تحصيل ما فيه من مصلحة، كما أن جميع ما نهى عنه تعالى، وحرمه، من أجل اتقاء العباد ما فيه من مفسدة.
ومقابل ما ذكر من القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، قال بعض الأشاعرة بأن الأحكام لا تدور مدار المصالح والمفاسد الواقعية، وإنما تم تشريع الأحكام من قبل الشارع اقتراحاً من دون أن يكون ذلك مبنياً على الحسن والقبح العقليـين، ولا المصالح والمفاسد الواقعية.
وما ذكروه مبني منهم على إنكار الحسن والقبح العقلي، وعلى عدم الممانعة من الترجيح بدون مرجح.
وضعف هكذا مقول واضح، يغني القارئ والمتأمل عن الحاجة إلى الوقوف عنده، فضلاً عن العمد إلى مناقشته.
تقسيم مصالح ومفاسد الأحكام:
ثم إن مصالح ومفاسد الأحكام تنقسم إلى قسمين:
الأول: المصالح والمفاسد ذات الارتباط بآحاد المكلفين: ونعني بها المصالح والمفاسد التي يعود الأثر المترتب منها على شخص المكلف، من دون ملاحظة للنوع، والمجتمع الإسلامي، ويندرج تحت هذا القسم الواجبات العبادية في الجملة، وغالب المحرمات، كالصلاة، والصوم، والحج، والزنا، وشرب الخمر، وما شابه ذلك.
وإنما قيدنا الواجبات العبادية بكونها في الجملة، لأنه لا يـبعد البناء على أن كثيراً من تلك العبادات يلحظ فيها البعد الاجتماعي، والتربوي للمجتمع، وكذا أيضاً التقيـيد في المحرمات بقيد الغالب، لأن جملة كبيرة منها المفسدة المترتبة فيها لوحظ فيها الجانب النوعي، ولم يلحظ فيها الجانب الشخصي، فالجريمة، عندما يدعو الشرع إلى حرمتها، لما لها من مفسدة مترتبة على المجتمع، والنوع البشري، بل حتى الزنا لو قيل بأن المفسدة المترتبة عليها نوعية، وليست شخصية، لم يكن في ذلك بعدٌ وغضاضة.
الثاني: المصالح و المفاسد ذات الارتباط بنوع المكلفين: وهي التي يكون الموجب لتشريعها مصلحة أو مفسدة ملاحظة مصلحة النوع البشري، وحفظ النظم والقوانين والمقررات، كالطبابة، والخياطة، وما شابه ذلك.
علل الأحكام معرفات:
هذا وكثيراً ما يتداول على ألسنة الفقهاء، والكتاب التعبير عن علل الأحكام بأنها معرفات، والمقصود من كونها معرفات أي كونها غايات وآثار ومصالح دعت إلى تشريع الأحكام، وأن غرض التشريع يبتني عليها.
ثم إن مقتضى كون علل الأحكام معرفات، يقتضي أن تكون معرفات لموضوعات الأحكام، بمعنى أنها تكشف عن حدود خصوصيات تأخذ فيه، مثلاً عندما يقال: الخمر حرام، لأنه مسكر، فالعلة معرف للموضوع، وهو المسكر، لا أنها علة لثبوت الحكم للخمر. أو معرفات لمصالح وغايات جعل الأحكام.
هذا ولا يذهب أن كون العلة معرفة للموضوع تنحصر في علة الحكم دون حكمته، كما لا يخفى.
قصور العقل البشري عن إدراك علل الأحكام:
ثم إنه قد يتصور وفقاً لما تقدم منا ذكره من خضوع التشريع السماوي لمصالح ومفاسد، قدرة العقل البشري على فهم تلك المصالح والمفاسد، وإدراكه لها، إلا أنه تصور خاطئ، ضرورة أنه لا قدرة للعقل البشري على إحراز ذلك، لأن الأحكام التعبدية، أحكام توقيفية، يعجز العقل البشري عن فهم عللها، فهو لا يملك القدرة على فهم المصلحة التي دعت أن تكون الصلوات اليومية، رباعية، وثلاثية، وثنائية، كما أنه يعجز عن فهم المصلحة المتصورة في كيفية الوضوء، وكذا في كيفية الغسل، ومثل ذلك ما ورد في مناسك الحج، من رمي الجمار مثلاً، والطواف حول البيت سبعة أشواط، أو الكينونة في عرفات، وهكذا الكلام في التفاوت بين أنواع الكفارات، وكذا التفاوت في أنواع الحدود الثابتة. وقد أشار إلى ما ذكرناه الشهيد الأول(قده) في كتابه القواعد والفوائد، قال(ره): وقد وقع التعبد المحض في مواضع لا يكاد يُهتدى فيها إلى العلة، كالبداءة بظاهر الذراع وباطنه في الوضوء، وكالجريدتين إن لم تُعلل بدفع العذاب ما دامت خضراء، وكرمي الجمرات، والنهي عن بيع الطعام حتى يكال أو يوزن[1].
ومثل ذلك جاء أيضاً في كلام الإمام الخميني(قده)، إذ تكرر منه التأكيد على قصور العقل البشري عن إدارك مصالح ومفاسد الأحكام الشرعية، فقد ذكر في منع استبعاد العفو عن الدم القليل من غير المأكول، مع كونه نجساً، وعدم العفو عن سائر أجزائه مع طهارتها: ضرورة عدم طريق للعقول إلى فهم مناطات الأحكام التعبدية، وإلا فأي فارق عند العقول بين الدم وغيره، وبين مقدار الدرهم وأقل منه، وبين دم القروح والجروح وغيرها إلى غير ذلك من التعبديات، فالفقيه كل الفقيه من يقف على التعبديات ولا يستبعد شيئاً منها بعد ما رأى رواية أبان في الدية[2].
نعم ربما يقال بإمكانية إدارك العقل البشري جملة من الأحكام التي تستفاد من خلال قانون الحسن والقبح العقليـين، وهذا بحسب الظاهر لا ضير فيه، فتدبر.
العلة والحكمة:
هذا وبعد ظهور أن الأحكام الإلهية، بل كافة القوانين السماوية خاضعة لمبدأ المصالح والمفاسد، وأن كل ما يصدر عن الباري سبحانه وتعالى يكون وفقاً لهذا القانون والنظام، نحتاج الآن أن نتعرف على المقصود من العلل التي تكون منشأ لجعل الأحكام وداعياً لجعلها من قبل الشارع المقدس.
هذا ولا يخفى أن هاهنا مفهومين يتكرران على الألسن دائماً ينبغي التفريق بينهما وعدم الخلط، والمفهومان هما، العلة والحكمة، فربما خلط البعض بينهما، بينما بينهما فرق، وعلى أي حال، ليتضح ذلك نحتاج بيان المقصود من كل واحد منهما، فنقول:
العلة: هي المصلحة التي من أجلها شرع الحكم، ويدور مدارها ثبوتاً وعدماً.
وعندما نتأمل هذا التعريف نلحظ أنه يتكون من:
1-أن تشريع الحكم الإلهي كان وفقاً لمصلحة مترتبة فيه، وكذا لو كان التشريع في جانب النهي، فسوف يكون موجب النهي اشتمال المنهي عنه على مفسدة مترتبة على إيجاده خارجاً.
2-أن وجود الحكم يتوقف على وجود هذه العلة، كما أن انتفائها موجب لانتفائه حينئذٍ، وهذا ما يعبر عنه أن الحكم يدور مدار وجود العلة وانتفائها يوجب انتفائه، فهي بمثابة الموضوع الذي يتوقف وجود الحكم على وجوده.
ولنقرب ذلك بمثال: حرمت الخمر لإسكارها، نلاحظ هنا أن تشريع حرمة الخمر يعود لمفسدة موجودة فيها، وهو الإسكار، كما أن حرمة الخمر تدور مدار وجود الخمر، وهذا يعني أنه لو تصورنا يوماً وجود خمر لا يكون مسكراً، فذلك يعني أننا سوف نحكم بعدم حرمته، لعدم توفر العلة التي يدور الحكم وهو الحرمة مدارها وجوداً وعدماً، ووفقاً لوجود هذه العلة، سوف نحكم بحرمة المخدرات، وحرمة الحبوب التي يكثر تداولها اليوم وهي التي يعبر عنها بالحبوب المنشطة، وذلك لتوفر العلة فيها وهو الاسكار.
ومثل قوله تعالى:- (ولا تقل لهما أف ولا تنهمرهما)، فإنه علة لعدم جواز ضربهما، أو إيذائهما، وهكذا.
الحكمة: المصلحة التي من أجلها شرّع الحكم، لكنه لا يدور مدارها ثبوتاً وعدماً.
وهذا التعريف كالتعريف السابق يتضمن أمرين:
1-أن منشأ التشريع لأي حكم من الأحكام سواء كان في جانب الإلزام بالفعل، أم كان في جانب الإلزام بالترك هو المصلحة أو المفسدة المترتبة عليه.
2-إن الغاية التي من أجلها شرّعت الحكمة لا تعد الموجب لوجود الحكم بحيث يكون وجوده متوقفاً عليها، بل لابد من وجود الحكم سواء وجدت تلك الغاية أم لم توجد، وبهذا تفترق الحكمة عن العلة، كما هو واضح، ولنقرب ذلك بمثال: قال تعالى:- (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، نلاحظ بداية أن الغاية التي من أجلها شرّعت الصلاة هي النهي عن الفحشاء والمنكر، لكن هل أن وجوب الصلاة متوقف على وجود النهي عن الفحشاء والمنكر، بمعنى أنه لو لم يكن للصلاة نهي عن الفحشاء والمنكر لأي سبب كان، فلا تجب الصلاة.
في مقام الإجابة نقول بالنفي، بل إن الصلاة واجبة، سواء كان هناك نهي عن الفحشاء والمنكر أم لم يكن، وهذا يعني أن وجوب الصلاة لم يدر مدار المصلحة المذكورة وجوداً وعدماً، وهو ما يعبر عنه بالحكمة، وليس العلة، ومثل ذلك قوله تعالى:- (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، إذ ربما قيل أن الغاية التي من أجلها شرّع الصوم تحصيل التقوى، لكن هذا لا يعني أنه لو لم يترتب على الصيام حصولها، فذلك يعني عدم وجوبه، لأن التقوى حكمة، وليست علة، وهكذا.
هذا وقد ألف شيخ المحدثين شيخنا الأجل المولود بدعاء صاحب الناحية المقدسة(عج) الشيخ الصدوق(ره) كتاباً أسماه علل الشرائع، ذكر فيه نصوصاً شريفة تتضمن عرض ما يتصور من علة للأحكام الشرعية، وبعض الأمور العقدية، والشؤون الإسلامية.
وكذا أيضاً جمع غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(قده) في موسوعته البحار النصوص الواردة في علل الشرائع والأحكام.
ولو أردنا أن نطبق ما سبق وذكرناه من تعريف لمفهومي العلة والحكمة على ما جاء في هذين الكتابين، بل وغيرهما من الكتب المتضمنة لمثل هذه الأمور، فسوف نجد أن تلك النصوص ليست-في الحقيقة-عللاً، وإنما هي حكم للأحكام والشرائع، فلاحظ.
العلل الصادرة عن الإمام الرضا:
ثم إنه بعدما أحطنا إجمالاً بكون القوانين الإلهية مجعولة طبقاً للمصالح والمفاسد، واتضح لنا الفرق بين العلة والحكمة، ينبغي أن نتعرض لما صدر عن إمامنا الرضا(ع) من علل للتشريعات السماوية.
ويمكن تقسيم العلل الصادرة منه(ص)، بحسب الموضوعات التي تضمنـتها إلى أقسام:
الأول: ما يعود للمسائل الكلامية.
الثاني: ما يعود للمسائل الشرعية الفرعية.
الثالث: ما يتضمن قصص الأمم السابقة وأحوالها.
الرابع: ما يرتبط بجملة من الشؤون الإسلامية.
المسائل الكلامية:
وقد تحدث فيه(ع) عن مفردات متعددة:
منها: الحكمة في أمر الخلق بالإقرار بالله سبحانه.
ومنها: الإقرار لله تعالى بالوحدانية.
ومنها: أنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء.
ومنها: بيان العلة في تكليف العباد.
ومنها: العلة في معرفة الرسل.
المسائل الشرعية الفرعية:
وقد ذكر(ع) علل الأحكام الفقهية من باب الطهارة إلى باب الحدود والديات، ففصل الحديث في الواجبات، وفي المحرمات.
ما يتضمن قصص الأمم السابقة وأحوالها:
فتحدث عن غرق الدنيا أيام نوح، وعن غرق فرعون، وعن أولي العزم، وعن الحواريـين، وعن خليل الرحمن(ع)، وإسماعيل صادق الوعد.
ما يرتبط بجملة من الشؤون الإسلامية:
وتحدث في هذا القسم عن كون القرآن الكريم غضاً، وعن أن أمير المؤمنين(ع) قسيم الجنة والنار، وعن صحابة النبي(ص)، وعن علة عدم استرجاع أمير المؤمنين(ع) فدكاً يوم آلت له الخلافة الظاهرية.
لماذا كثرت العلل في عصره:
هذا وبعدما ثبت صدور هذا الكم الهائل من العلل عنه(ع) يـبقى السؤال الذي تم عرضه في مطلع الحديث يحتاج جواباً وهو لماذا كثرت هذه الأمور في عصره(ع)؟…
حتى يتسنى لنا الإجابة على ذلك، نحتاج أن نتعرف شيئاً ما عن الحركة العلمية في عصره(ع)، و العصور المقاربة، فنقول:
لقد اتسعت الحركة العلمية في عصره(ع)، ونشط البحث والتأليف وتصنيف العلوم والتدوين والمعارف، كما نشأت التيارات الفلسفية والفكرية، وبدأت حركة الترجمة والنقل من اللغات والأمم المختلفة، فازدحمت المدارس، وكثرت حلقات الدرس بالأساتذة والطلاب، وقد كانوا يتناولون مختلف العلوم ويخوضون في شتى المعارف.
وقد كان المأمون العباسي شغوفاً جداً بالفلسفة محباً لها، فأمر بالترجمة فيها، والنقل إلى اللغة العربية، وظهر في هذه الفترة الزنادقة، والغلاة، كما انتشر تيار المتصوفة.
ومن الطبيعي أنه في مثل هكذا أجواء سوف تثار الشبه، وتكثر الاعتراضات، مما يستلزم وجود مفزع يلجأ له الناس علماء ومتعلمين، فكان الإمام الرضا(ع) هو المفزع والكهف الذي يأوي إليه الجميع. فكان يناظر أصحاب كل دعوى، ويدحض كل فرية وتهمة توجه للإسلام.
ومن الطبيعي أن جملة من الاعتراضات التي كانت تطرح هي محاولة التعرف على الأسباب والدواعي التي من أجلها شرعت هذه التشريعات ووضعت هذه القوانين، في طي ما كان يعرض في المجتمع الإسلامي من شبه ودعاوى، لذا تصدى(ع) للإجابة عن ذلك.
وبالجملة، إن موجب صدور هذه العلل عنه(ع) يعود لوقوفه أمام التيارات المنحرفة التي كانت تسعى للنيل من الإسلام ككيان، وتعمد لهدم أسسه وبنيانه.
مضافاً إلى تقوية الجانب الإيماني عند المسلمين، لأن من الأمور التي كثرت في الوسط الإسلامي ونمت بشكل كبير جداً في أيام إمامته(ع)، ازدياد الحالة المادية، وارتباط الناس بعالم الدنيا، ونسيانهم الآخرة، واعتمادهم في كثير من شؤونهم الحياتية على النواحي المادية، بحيث ما كانوا ليؤمنوا إيماناً تاماً بالقضايا الغيـبية، وهذا يستدعي لزوم تقريب القضية الغيـبية إليهم بأمور مادية ولو محسوسة، فكان استخدام أسلوب التعليل وبيان علل التشريعات طريقاً عمد من خلاله(ع) لعلاج هذه الحالة في الوسط الإسلامي.
ويؤكد ما ذكرناه ما يتلمسه القارئ في العلل الصادرة عنه(ع)، إذ يجد أنها حكم وليست عللاً، وفقاً للفارق بينهما كما أسلفناه[3].
——————————————————————————–
[1] القواعد والفوائد ج 1 ص 282.
[2] كتاب الطهارة ج 3 ص 36.
[3] من مصادر البحث بدائع البحوث، سيرة رسول الله وأهل بيته ج 2، حياة الإمام الرضا للشيخ القرشي.