صفات المتقين الإيمان بما أنزل الله على أنبيائه(ع)

لا تعليق
محرم الحرام 1446 هـ
106
0

صفات المتقين الإيمان بما أنزل الله على أنبيائه(ع)

 

وأما الصفة الرابعة، والخامسة[1]، وهي الإيمان بما أنزل الله تعالى أنبيائه ورسله(ع)، فيؤمن برسالة النبي الأكرم محمد(ص)، والتي أنزلها الله تعالى عليه، كما يؤمن برسالات الأنبياء الآخرين والتي أنزلها الله تعالى عليهم. ويجمع الأمر حصول الإيمان من الإنسان بجميع الأنبياء والمرسلين، من خلال الإيمان برسالاتهم الإلهية، ويشير هذا التعبير القرآني إلى اعتقاد المتقين بعدم وجود أي اختلاف في مبادئ دعوة الأنبياء(ع)، وأسس رسالاتهم، وقد جاءوا جميعاً من أجل هدف واحد يكمل اللاحق منهم ما بدأه السابق في قيادة البشرية نحو كمالها المرسوم[2].

ولا تختلف الصفة محل البحث عن الصفتين السابقتين في ارتباطهما بالإيمان بالغيب، فيكون حالها حال الصلاة الإنفاق.

نوع آخر من المتقين:

وقد احتمل بعض الأعيان(قده)[3]، أن تكون الآية القرآنية، وهي قوله تعالى:- (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)، بصدد الإشارة إلى نوع آخر من المتقين أعلى رتبة ومنـزلة من المتقين الذين تحدثت عنهم الآية السابقة ووصفتهم بأنهم يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله تعالى. وهذا النوع الثاني من المتقين أفضل مقاماً وأعلى رتبة من النوع الأول، لأن النوع الثاني يمتلك مضافاً لما يوصف به المتقون من النوع الأول، من الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله تعالى، أنهم يؤمنون بما أنزل على جميع الأنبياء والمرسلين(ع).

وقد جعل(ره) القرينة على دعواه، وجود كلمة(الذين)، على أساس أن الاتيان بها يشير إلى جماعة جديدة، إذ لو كان الحديث عن ذات الجماعة، لم يكن هناك ما يوجب التكرار لكلمة(الذين) والاتيان بها.

ما أنزل إليك:

وكيف ما كان، سواء بني على أن الحديث عن الإيمان بما أنزل على الأنبياء(ع)، يعدّ حديثاً عن نوع آخر من المتقين أعلى رتبة وأرفع درجة ومنـزلة، أم كان حديثاً عن ذات النوع من المتقين، ما يعني أنه نوع واحد، وليس متعدداً، فإن المقصود مما أنزل إليك، هو كل ما أوحي إلى سول الله(ص)، فيشمل القرآن الكريم، وغيره كالأحاديث القدسية. وأما ما أنزل من قبلك، فيشمل جميع الكتب السماوية التي أنزلت على الأنبياء والمرسلين(ع).

تقديم القرآن على الكتب السماوية:

وفي تقديم الإيمان بما أنزل على النبي الأكرم محمد(ص) على ما أنزل على من قبله من الأنبياء(ع) احتمالان:

الأول: الإشارة إلى أفضلية القرآن الكريم، وتقدمه على سائر الكتب السماوية.

الثاني: أن موجب التقديم هو أن الإيمان بما أنزل على رسول الله(ص) مشتمل على الإيمان بما أنزل على من قبله(ص)، من الأنبياء والمرسلين(ع) إجمالاً، لأن الشريعة تحتوي على أصول جميع الشرائع السماوية من أصول الدين وبقية الأمور الأخرى، فتكون الآية الشريفة محل البحث نظير قوله تعالى:- (والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله).

ثم إن مقتضى تقديم قوله تعالى:- (والذين يؤمنون بما أنزل إليك)، على قوله سبحانه:- (وما أنزل من قبلك) على انتفاء الايمان عن أهل الكتاب اتباع نبي الله موسى ونبي الله عيسى(ع)، ما لم يؤمنوا بالقرآن الكريم، لأن القرآن هو الكامل الأبدي، وما سواه كان تشريعاً خاصاً بوقته وزمانه.

وقد يتعجب البعض من تأكيد القرآن الكريم على الإيمان بما أنزل على رسول الله(ص)، ظناً منه أن الإيمان بالغيب يلازم الإيمان بما أنزل على رسول الله(ص)، ويندفع العجب حال الالتفات لما يسمى اليوم بالربوبيـين، وهم الذين يقولون بعدم الحاجة لبعثة الأنبياء(ع)، بل يكتفى بالعقل الموجود عند الإنسان، لأن الأنبياء(ع)، لن يأتوا بشيء أبعد مما يدركه العقل، ولهذا لا يحتاج الإنسان إليهم.

وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً، إذ يكفي لبطلانه عجز العقل البشري عن الإحاطة بالطريقة التي يُعبد الله تعالى بها.

ومن الواضح أن الإيمان بما أنزل على النبي محمد(ص)، يستلزم الإيمان بسائر الكتب السماوية للأنبياء السابقين(ع)، بل يمكن استنتاج حقانية الأنبياء السابقين، وحقانية كتبهم من القرآن بواسطة أمور ثلاثة:

الأول: أن جميع الشرائع السماوية تشترك في أصولها وفي الخطوط العامة لمعارفها، يقول تعالى:- (إن الدين عند الله الإسلام)، فإن الإسلام في الآية الشريفة والذي هو حصيلة القرآن الكريم ونتاجه، هو روح جميع الأديان الإلهية.

الثاني: إن القرآن الكريم مصدق للكتب السابقة له، وهو مهيمن عليها، قال تعالى:- (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه).

الثالث: إن الأنبياء السابقين(ع) محط إطراء وتمجيد عظيمين في القرآن، وقد عرض القرآن قصصهم وسيلة للهداية والنجاة، وبيّن معارفهم وأخلاقهم، وأحكامهم غير المنسوخة.

التصديق المعاد:

وقد كانت الصفة الأخيرة للمتقين في الآيات الشريفة، هي الإيمان والتصديق بالمعاد، فقال تعالى:- (وبالآخرة هم يوقنون)، فإنه لا جدوى من الإيمان بالرسالة والوحي والكتب السماوية السابقة والأنبياء السابقية من دون الإيمان والاعتقاد بالمعاد، وهذا يكشف عن جانب التناسب والارتباط بين مواضيع الآية محل البحث، فبعد ذكرها الايمان بالرسل وكتبهم، ذكرت الإيمان بالمعاد، والبعث يوم القيامة.

الناس والقيامة:

وينقسم الناس بالنسبة إلى الآخرة إلى ثلاثة أصناف:

الأول: الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، ويشترونها بثمن باهض، وهو تضيـيع السعادة الأبدية، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:- (فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى)، وكذا قوله سبحانه:- (اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة)، ويميز هؤلاء أنهم قد ضيقوا أفقهم فلم يشاهدوا غير الدنيا ولذا اختاروها.

الثاني: وهم الذين عبر عنهم القرآن الكريم بأنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وذلك لأنهم تارة يكونوا من أهل الدنيا، وأخرى يكونوا من أهل الآخرة، فصاروا مصداقاً لقوله تعالى:- (خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً).

الثالث: وهم الذين رجحوا الآخرة على الدنيا، فلم تجذبهم الدنيا بمظاهرها الخداعة، ولم تؤثر فيهم، فأعرضوا عنها إلا بمقدار ما يكون وسيلة توصلهم للآخرة، وإليهم يشير سبحانه بقوله:- (الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة).

مراتب الإيمان لأهل الآخرة:

وليس المؤمنون بالآخرة مرتبة واحدة، بل إنهم مختلفون لاختلاف عالم الآخرة، فإن من المعلوم أن الآخرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: جهنم، والجنة، والرضوان، قال تعالى:- (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة ورضوان)، ولهذا يكون أهل الآخرة على مراتب وفق اليقين الموجود عند كل منهم، فإن يقين بعضهم منحصر في دائرة الخوف من جنهم، ويكون مبلغ سعيهم في كيفية الخلاص من لهيب نيرانها، ويكون يقين الفريق الآخر أعلى رتبة من يقين هذا الفريق، لأنه يعتقد بنعيم الجنة، ولهذا يسعى لنيله والحصول عليه. وأما الفريق الثالث، والذي هو أعلى المراتب الثلاث من حيث اليقين، فإن يقينه في إطار المقام المنيع للقاء الحق سبحانه، فلا ينحصر في دائرة الخوف من النار، أو الشوق إلى الجنة، بل يسعى إلى نيل الرضوان من الله تبارك وتعالى، وهم مصداق قوله تعالى:- (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون). ومن أجلى مصاديق أصحاب هذا النوع هم الذين يصلون إلى أعلى درجات الرضا، فيصبرون على العذاب ويعضون على الجراح والألآم[4].

 

[1] بناءً على عدهما صفتين، وقد عرفت في مطلع البحث أنه يمكن عدهما صفة واحدة، والأمر سهل يسير.

[2] الأمثل في تفسير القرآن المنـزل ج 1 ص 71.

[3] مواهب الرحمن ج 1 ص

[4] مواهب الرحمن ج 1 ص 87-100 ، الأمثل في تفسير القرآن ج 1 ص 70-76 ، تسنيم ج 2 ص 179-233 ، التدبر في القرآن ص 327-362(بتصرف).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة