لم تذكر قصة أصحاب الكهف في القرآن الكريم إلا مرة واحدة، وقد عرضها الباري سبحانه وتعالى بنحو اختلف عن عرضه لغيرها من القصص، ذلك أن المعروف من طريقة القرآن الكريم أن يعرض القصة بصورة مباشرة، فيتعرض لما يود التعرض إليه من أحداث، إلا أن الأسلوب الذي عرضت به قصة أصحاب الكهف اتخذت منحى مغايراً، فقد عرضها الباري سبحانه وتعالى في البداية بصورة موجزة، فقال تعالى:- (أم حسبت أن أصحاب الكهف الرقيم كانوا من آياتنا عجباً* إذ آوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً* فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً* ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً)[1].
ثم بعد ذلك عمد إلى عرضها بصورة مفصلة، فقال سبحانه:- (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى* وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً)[2]
أصحاب الكهف والرقيم:
وقد تضمنت الآيات الشريفة التي عرضت قصة أصحاب الكهف التعبير بكلمة(أصحاب الكهف والرقيم)، ما قد يظهر منه التعدد، وأن أصحاب الكهف والرقيم جماعتان مختلفتان، فيكون التعبير القرآني مشيراً إلى فئتين، وليس مشيراً إلى فئة واحدة، وإن كان يحتمل أن يكون هذا التعبير ناظراً لخصوص فئة واحدة، عبر عنها بذكر صفتين لها، أصحاب الكهف،، وأصحاب الرقيم.
وكيف ما كان، فهنا احتمالان في المقام:
الأول: أنهما فرقة واحدة، وليسوا فرقتين، فأصحاب الكهف هم أصحاب الرقيم، ويستدل لذلك: بأن القرآن الكريم قد اقتصر على ذكر قصة واحدة فقط، وهي قصة أصحاب الكهف، ولم يذكر شيئاً يرتبط بأصحاب الرقيم، فلو كانوا جماعة أخرى مغايرة لأصحاب الكهف، لأشار إليهم.
ولهذا عمد القائلون بهذا القول إلى تفسير الرقيم، بما يتناسب وهذا المعنى، فذكرت عدة تفسيرات:
منها: أن الرقيم اسم للجبل الذي كان فيه الغار أو الكهف الذي آوى إليه أهل الكهف، وعليه يكون تعبير الباري سبحانه وتعالى تارة بلحاظ المكان الذي قد دخلوا فيه، وهو الكهف، وأخرى بلحاظ الجبل نفسه.
ومنها: أن الرقيم، هو اسم للأرض التي كان فيها الكهف الذي آوى إليه الفتية.
ومنها: أن الرقيم، هو اسم للمدينة التي خرج منها الفتية الذين آووا للكهف.
ومنها: أن الرقيم، يقصد منه معناه اللغوي، لأن الرقيم بمعنى المرقوم، من الرقْم، وهو الكتابة والخط، وذكر أن المقصود به في المقام، اللوح الذي رُقمت، أي كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف، بعدما عرفوا.
ويلاحظ عليه: أن مجرد اقتصار القرآن الكريم على عرض قصة أصحاب الكهف دون القصة الأخرى، لا يعني أنهما بمعنى واحد، خصوصاً عند الالتفات إلى أن القرآن الكريم ليس كتاب قصة، وإنما ذكرت القصص فيه لجملة من الأهداف والغايات، ويساعد على هذا عدم عرضه لكل التفاصيل والجزئيات المرتبطة بالقصة، وهذا خلاف منهج الكتب المعدة لعرض القصص.
مضافاً إلى أن التفسيرات التي ذكرت لتحديد المقصود من الرقيم، لا تساعد على الاتحاد، لأنه لا معنى لذكر اسم الجبل، أو ذكر اسم الأرض التي يقوم الجبل عليها، نعم لو كان المقصود منه اسم المدينة، قد يكون له وجه، إلا أن هذا يحتاج ما يوجب تعينه. ومثل ذلك في عدم القبول، كون المقصود منه المعنى اللغوي، وأنه بمعنى المرقوم، أي المكتوب، لأنه لا يتصور معنى وجيهاً لتسميتهم بأنهم الذين قد كتبت أسمائهم في لوح، وعلق على باب الكهف.
والحاصل، إن ما جعل دليلاً للبناء على الاتحاد وأنهما فئة واحدة، وليسوا فئتين، كما جاء في كلمات بعض الأعلام المعاصرين(حفظه الله)، كما ترى[3].
الثاني: أنهما فرقتان وطائفتان تختلف كل واحدة منهما عن الأخرى، ويشهد لذلك أمران:
أحدهما: ما تضمنته كتب اللغة العربية، من أن الأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة، وقد عطف أصحاب الرقيم على أصحاب الكهف، ما يعني أنهم غيرهم.
ثانيهما: قوله تعالى:- (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً)[4]، فإن التعبير بكلمة الحزبين واضح في التعدد، لأنه لو كانت جماعة واحدة، لعبر عنها بالحزب، والتعبير بالحزبين يشير لما ذكرنا.
وقد يضاف لذلك أيضاً ما ذكره الشيخ الطبرسي(ره) في المجمع، قال: وقيل: أصحاب الرقيم هم النفر الثلاثة الذين دخلوا في غار، فانسد عليهم، فقالوا: ليدع الله تعالى كل واحد منا بعمله حتى يفرج الله عنا، ففعلوا فنجاهم الله، ورواه النعمان بن بشير مرفوعاً[5].
وقد ورد المحاسن قريب من هذا المعنى، إلا أنه لم يتضمن الإشارة إلى أنهم أصحاب الرقيم، فقد روى بسنده إلى جابر الجعفي، يرفعه، قال: قال رسول الله(ص): خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض، فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقمت باب الكهف. فقال بعضهم لبعض: عباد الله، والله ما ينجيكم مما وقعتم إلا أن تصدقوا الله، فهلم ما عملتم لله خالصاً، فإنما أُسلمتم بالذنوب، فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أني طلبت امرأة لحسنها وجمالها فأعطيت مالاً ضخماً، حتى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار، فقمت عنها فرقاً منك، اللهم فارفع عنا هذه الصخرة، فانصدعت حتى نظروا إلى الصدع. ثم قال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت قوماً يحرثون كل رجل منهم بنصف درهم، فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم، فقال أحدهم: قد عملت عمل اثنين والله، لا آخذ إلا درهماً واحداً وترك ماله عندي فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض، فأخرج الله من ذلك رزقاً، وجاء صاحب النصف الدرهم فأراده، فدفعت إليه ثمن عشرة آلاف، فإن كنت تعلم أنما فعلته مخافة منك فارفع عنا هذه الصخرة، قال: فانفرجت عنهم حتى نظر بعضهم إلى بعض، ثم إن الآخر قال: اللهم إن كنت تعلم أن أبي وأمي كانا نائمين فأتيتهما بقعب من لبن، فخفت أن أضعه أن تمج فيه هامة، وكرهت أن أوقظهما من نومهما، فيشق ذلك عليهما، فلم أزل كذلك حتى استيقظا وشربا، اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فارفع عنا هذه الصخرة، فانفرجت لهم حتى سهل لهم طريقهم، ثم قال النبي(ص): من صدق الله نجا[6].
[1] سورة الكهف الآيات رقم 9-12.
[2] سورة الكهف الآيات رقم 13-14.
[3] الأمثل في تفسير القرآن المنزل ج 9 ص 183.
[4] سورة الكهف الآية رقم
[5] مجمع البيان ج 6 ص 697.
[6] المحاسن ج ص