فقه البنوك (5)

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
67
0

 
أحكام البنوك:

ثم إنه بعد الفراغ عن منشأ التقسيم واتضاح الفارق بين التقسيم الثنائي والثلاثي، والثمرة المترتبة على ذلك، نحتاج تعريف كل واحد من الأقسام المذكورة، قبل أن نبدأ الحديث حول الأحكام المرتبطة بها:

البنك الحكومي: وهو الذي يكون رأس ماله مكوناً من أموال الدولة.
البنك الأهلي: وهو الذي يتكون رأس ماله من مال شخص واحد أو من أموال أشخاص مشتركين فيما بينهم.

البنك المشترك: وهو الذي يكون رأس ماله مشتركاً ما بين الدولة والأهالي، سواء كانت النسبة بين الطرفين متساوية، أم كانت النسبة بين الأطراف متفاوتة.

الاقتراض من البنك الأهلي:

وأول ما ينبغي الحديث عنه هو الاقتراض من البنوك الأهلية، وحكم ذلك، فنقول:
لا إشكال في عدم جواز الاقتراض من البنوك الأهلية مع شرط الزيادة، وذلك لانطباق عنوان الربا القرضي عليه حينئذٍ، وحرمته من المسلمات، وتدل عليه أيضاً جملة من النصوص الشريفة الواردة عن أهل البيت(ع):

منها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال : مَنْ أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلاّ مثلها فإن جوزي أجود منها فليقبل ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه1.

ومنها: موثق إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم (ع) الرجل يكون له على المال قرضاً فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منه منفعة فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منـه منفعة أيحل ذلك له ؟ قال : لا بأس إذا لم يكن بشرط3.

التخريج على المضاربة:

ولكن قد يقال : بإمكان تصحيح المعاملة من خلال تخريجها على المضاربة الشرعية فنقول بأن البنك مضارب والمقترض هو العامل بعد تعيين الربح والاتفاق على مقداره.
إلاّ أن الحق هو عدم تمامية هذا الوجه لعدم توفر الشروط المعتبرة في تحقق المضاربة الشرعية في مثل هكذا عقد فلا يمكن تخريجه فنياً على ذلك .

وبعبارة أوضح إن المال المأخوذ على حاله، بل الذي يجري هو أن الآخذ للمال يسعى إلى سدّ حاجته وقضائها من خلال استفادته من هذا المال الذي أخذه من البنك ثم يرجع له مال آخر بعد مدة قد اتفق الطرفان عليها .
ولا يخفى أن هذا الوجه وما فيه بنفسه قد يذكر لتصحيح الاقتراض من البنك الحكومي بناءاً على مسلك القائلين بملكية الدولة.

الاقتراض من البنك الأهلي بشرط الزيادة:

ثم إنه وقع الخلاف بين علمائنا أنه لو اقترض والحال هذه أعني بشرط دفع الزيادة، فهل يحكم بصحة القرض، وبطلان الشرط، أم يحكم ببطلان المعاملة كاملة، أقوال في المسألة. والمعروف بين أعلامنا المعاصرين، هو البناء على صحة القرض، وإن كان الشرط باطلاً.

وقد استدل لصحة العقد وبطلان الشرط بأمور:

1ـ إطلاقات الكتاب والسنة و عموماتها، فإنها قاضية بصحة العقد مع بطلان الشرط.
2ـ قاعدة الشرط الفاسد ليس بمفسد للعقد.
3ـ أصالة البراءة عن الحرمة بالنسبة لغير الزيادة.

الحيل الشرعية:

هذا وقد ذكر الفقهاء جملة من الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها أن يتخلص من الوقوع في الربا، وتعرف بالحيل الشرعية، وقبل أن نتعرض إليها، لا بأس بالتعريف بحقيقة الحيل الشرعية، ومدى مشروعية الاستناد إليها.

ويمكن تعريف الحيل الشرعية بأنها ما يتوصل بها إلى إثبات حق أو دفع باطل من خلال طريق مباح .
وقد وقع البحث بين الأصحاب في جواز الحيلة الشرعية للفرار عن الربا وعدمه، فاختلفوا في المسألة على أقوال ثلاثة:

الأول: جواز ذلك، وهو مختار الميرزا المحقق القمي(قده) صاحب القوانين في كتابه جامع الشتات وفي رسالته غنائم الأيام1 . ومن العامة قال به أبو حنيفة والشافعي2 .
الثاني: عدم الجواز، وقاله السيد المرتضى(ره) كما جاء في الناصريات في كتاب الشفعة. قال (ره) : كل حيلة من شفعة وغيرها من المعاملات بين الناس فإني أبطلها ولا أجيزها3، وقد نسب مثل ذلك في مفتاح الكرامة للمقدس الأردبيلي (ره)4.
وبه قال بعض الأعيان (ره)5. ومن العامة قال بعدم الجواز مالك6 .
الثالث: التفصيل بين ما إذا كان لأجل الفرار من الوقـوع في الربا فهي جائزة، وأما إذا كانت لأجل تحليل الحرام فلا.

أدلة المانعين:

استدل المانعون:

1-ما ورد في قوله (ص): إنما الأعمال بالنيات1، بتقريب : إن الطرفين قد قصدا المعاملة الربوية فالمعطي للزائد والآخذ له قصدا إعطاء وأخذ الزيادة، فهما يجريان المعاملة بقصد النفع ولولا النفع والزيادة لم تجر المعاملة.
وفيه: إن الطرفين لم يقصدا ذلك، بل قصدا الفرار من الوقوع في الحرام بالابتعاد عن الوقوع في الربا.

2-إن الحيلة الشرعية ناقضة للغرض. ونقضه قبيح عقلاً. فلو جوزها الشارع لنقض غرضه.
وفيه: إن نقض الغرض إنما يتحقق بتحليل الحرام إلى الحلال وهو منتفٍ في البين.

3-قوله تعالى:- (وسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون)2.
روى القمي قصة أصحاب السبت عن تفسيره قال :حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) قال: وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب (ع) إن قوماً من أهل أيلة من قوم ثمود وإن الحيتان كانت سيقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت فلبثوا في ذلك ما شاء الله لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها فاصطادوها يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الأيام فقالت طائفة منهم لئن نصطادها فعتت وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليسار  فسكتت فلم تعظهم فقالت للطائفة التي وعظتهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً فقالت الطائفة التي وعظتهم معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون .

قال: فقال الله عز وجل (فلما نسوا ما ذكرّوا به) يعني لما تركوا ما وعظوا به على الخطيئة فقالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم هذه الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله مخافة أن ينـزل بكم البلاء فيعمنا معكم .

قال : فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن تصيبهم البلاء فنـزلوا قريباً من المدينة فباتوا تحت السماء فلما أصبحوا أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس أحد فوضعوا سلماً على سور المدينة ثم أصعدوا رجلاً منهم فأشرف على المدينة فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون لها أذناب فكسروا الباب قال : فعرفت القردة أنسابها ولم تعرف الأنس أنسابها مـن القردة فقال القوم للقردة ألم ننهكم؟..

فقال (ع) :والله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا وقد قال الله تعالـى (فجعلناهم غثاء فبعداً للقوم الظالمين) .

وقال تعالى (أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون)1.

فتدل على المنع من استخدام الحيلة حيث أنها لو كانت جائزة لما كان هذا هو مصيرهم.
وفيه : إن الاستدلال بها على المنع من الحيلة الشرعية في غير محله لأن الصيد قد وقع حقيقة منهم يوم السبت مع أنهم منهيون عن ذلك لا أنهم قاموا بحيلة معينة، بل لقد أجروا حيلة وذلك من خلال تحوير النهي عن الصيد إلى النهي عن خصوص الأكل وهذا تلاعب بالتشريع كما لا يخفى .
 

 

1 وسائل الشيعة ب19 من كتاب التجارة ح11
3 وسائل الشيعة ب19 من كتاب التجارة ح13
1 جامع الشتات ص134 . غنائم الأيام ص517
2 المغني لابن قدامة ج4 ص179
3 الناصريات ـ الجوامع الفقهية ـ ص253 المسألة 178
4 مفتاح الكرامة ج4 ص527
5 البيع ج2 ص105 . تحرير الوسيلة ج1 ص492 مسألة 7
6 المغني لابن قدامة ج4 ص179
1 وسائل الشيعة ب5 من مقدمات العبادات ج6
2 الأعراف : 163
1 تفسير القمي ج 1.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة