س: هل يعلم الموتى بمن يأتي لزيارتهم؟
ج: إن المستفاد من النصوص، أن الموتى يعرفون كل من يأتي لزيارتهم، كما أنهم يأنسون بهذه الزيارة، بل قد تضمنت كلمات بعض الأعلام أنهم يستوحشون عند انصراف الزائر عنهم، فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: إنهم يأنسون بكم، فإذا غبتم عنهم استوحشوا.
والظاهر من هذا النص أن منشأ الاستيحاش ليست المفارقة بعد انقضاء عملية الزيارة، وإنما انقطاع الزائر عن زيارتهم، فلاحظ.
وقد جاء في صحيحة محمد ابن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): الموتى نزورهم؟ قال: نعم، قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ فقال: إي والله، إنهم ليعلمون بكم، ويفرحون بكم، ويستأنسون بكم.
****
س: هل تستمر كتابة الحسنات للميت بعد وفاته، أم أن صحيفة أعماله تطوى، فلا يكتب له شيء من الحسنات والأجر؟
ج: لا إشكال في أن الإنسان متى ما مات، فقد انقطع عن العمل، وطبيعي أن يكون ذلك موجباً لطي صحيفة أعماله، فلا يكتب له فيها شيء من الثواب والحسنات، لكونه منقطعاً عن العمل كما لا يخفى. إلا أنه يبقى تكتب له ثواب أعمال مع أنه لم يعملها، وهذه الأعمال التي تكتب إليه على قسمين:
الأول: ثواب بعض الأعمال التي عملها حال حياته، ويستفيد الآخرون منها، فتكتب له صدقة جارية تؤتي أكلها كل حين.
الثاني: ما يعطى ويبعث إليه من قبل الأحياء من ذويه وأرحامه وأصدقائه وسائر المؤمنين، فإنه يستفيد مما يبعث إليه من قبلهم.
هذا ويمكن تقسيم القسم الأول منهما إلى نوعين بلحاظ مدة استمرار الثواب:
الأول: ما يكون ثوابه مستمراً إلى يوم القيامة.
الثاني: ما يكون ثوابه محدداً بوقت معلوم، ينتهي بمجرد انتهاء ذلك المقدار.
فمن النوع الأول، وهو ما يكون ثوابه مستمراً إلى يوم القيامة:
ثواب سن سنة حسنة، فقد ورد عن النبي الأكرم محمد(ص) أنه قال: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
والاعتقاد بأن المقصود من سن السنة الحسنة يعني الإتيان بشيء جديد ما كان معروفاً أو مألوفاً بين الناس، غير صحيح، تضيـيق للمقصود من ذلك، بل هو يشمل حتى ما كان متداولاً في بعض المناطق لكنه لم يكن مألوفاً أو متداولاً في وسطه الاجتماعي، أو كان معروفاً في وسطه الاجتماعي، لكنه لم يكن متداولاً، فالجمعيات الخيرية التي لم تكن موجودة في بعض المناطق إيجادها يدخل ضمن هذا الإطار، كما أن إحياء بعض المشاريع، أو بثها، أو تجديدها يدخل ضمن ذلك أيضاً، فضلاً عن إيجاد مشاريع لم تكن موجودة من ذي قبل.
ولا ينحصر الأمر في خصوص المشاريع الدينية أو المالية، بل إن ذلك يشمل حتى المشاريع الفكرية، والتربوية والثقافية، والرياضية، وكل ما يكون عائداً بالنفع والخير على المجتمعات الانسانية.
ومنها: قراءة قوله تعالى:- (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)، عند منامه، فقد جاء عن النبي(ص) في من قرأها عند منامه، خلق الله منها سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة.
ومنها: قراءة آية الكرسي، وجعل ثواب قراءته لأهل القبور، فقد قال النبي(ص): إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثواب قراءته لأهل القبور، جعل الله تعالى له من كل حرف ملكاً يسبح له إلى يوم القيامة.
ومنها: أمور نصت الروايات على لحوقها إياه بعد موته، مثل الصدقة الجارية التي أجراها في حياته، وسنة الهدى التي سنها، والولد الصالح، فقد قال الإمام الصادق(ع): ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له.
وجاء عنه(ع) أيضاً أنه قال: ستة تلحق المؤمن بعد موته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وقليب يحفره، وصدقة يجريها، وسنة يؤخذ بها من بعده.
والظاهر أن ما تضمنته النصوص من العنوانين ليس مأخوذاً على نحو الموضوعية، بل إنما ذكر من باب المثال،، وبالتالي يمكن التعدي منها ليكون الأمر شاملاً لكل خير، سواء كان قد صدر منه بالمباشرة، أم كان صدوره منه بالتسبيب، فلاحظ.
ومن النوع الثاني، أعني ما كان ثوابه محدداً بفترة زمنية:
قراءة سورة القدر ستة وسبعين مرة كل يوم، بكيفية معينة، فقد جاء أنه يكون له ألف ملك يكتبون ثوابها ستة وثلاثين ألف عام، ويضاعف الله استغفارهم له ألفي سنة، ألف مرة. وأما كيفية قراءتها، فقد ذكر أن يقرأ سبع مرات بعد طلوع الفجر، وقبل أداء فريضته، وبعد الفراغ من أداء الفريضة يقرأ عشر مرات، وإذا زالت الشمس وقبل فعل النافلة قرأ عشراً، وبعد الفراغ من النوافل يقرأ إحدى وعشرين مرة، فإذا فرغ من أداء صلاة العصر قرأها عشر مرات، وبعد أن يصلي صلاة العشاء يقرأها سبع مرات، فإذا آوى إلى فراشه قرأها إحدى عشرة مرة.
ومنها: قراءة البسملة قبل أن يبدأ بأي عمل من الأعمال، سواء كان عملاً عبادياً كالوضوء، والغسل، أم كان عملاً دنيوياً كقيادة السيارة، والخروج من المنـزل، وهكذا.
ومنها: إقراض المؤمن وإمهاله، فقد جاء فيه أن الملائكة تصلي على المقرض لحين أداء المقترض دينه، إلى ورثته.
وأما القسم الثاني، وهو ما يصله من الأعمال الخيرية التي يبعث بها الأحياء من ذويه، أو من المؤمنين إليه، وأنها تنفعه بعد موته، فقد دلت عليها جملة من النصوص، أيضاً، فقد سأل عمر بن يزيد الإمام الصادق(ع): أيصلى عن الميت؟ فقال: نعم، حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك.
ودلالته على المدعى واضحة، فإن المستفاد منها أنه قد لحقه الأجر والثواب الذي ثبت لأداء الصلاة، بحيث أنه كان في شيء وصار في شيء آخر نتيجة وجود ذلك الثواب، نعم لم يظهر أن الثواب كان موجباً للتكفير عنه فيما كان فيه فيكون مفاد النصوص أنها توجب التكفير، أو أنه نحو من أنحاء التفضل، بإعطاء ثواب إضافي إليه، لم يكن موجوداً عنده؟ الإنصاف ورود كلا المحتملين. نعم لا يجري الاحتمال الأول أعني التكفير في النصوص التي قدمنا، وهي الأعمال التي يلحقه ثوابها حتى بعد وفاته، فتدبر.
كما أن هناك نصوصاً في هذا القسم أيضاً قد لا يتصور التكفير فيها، فلاحظ على سبيل المثال
قول أبي عبد الله الإمام الصادق(ع) : إن الميت يفرح بالترحم والاستغفار له، كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه. فإن ظاهره أنه قد لحقه شيء جديد، وليس انتفاء أمر كان متلبساً به، فلاحظ.
ومن النصوص التي يحتمل فيها الأمران، ما رواه معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: سنة سنها يعمل بها بعد موته، فيكون له مثل أجر من يعمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، والصدقة الجارية تجري من بعده، والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما، ويحج ويتصدق ويعتق عنهما، ويصلي ويصوم عنهما. فقلت: أشركهما في حجتي؟ قال: نعم.
وكيف كان، فالمسألة تحتاج تأملاً، لا يتحمله هذا المختصر، والله سبحانه وتعالى العالم العاصم.
*******
س: ماذا يقول زائر القبور عند زيارتها؟
ج: لا إشكال في مشروعية زيارة القبور، بل هو من المستحبات المؤكدة، وقد دلت على ذلك الأدلة الأربعة، بل قد اشتملت بعض النصوص على أن الميت يفرح بزيارة أهله له، كما تضمنت أيضاً أن مكان قبر الأبوين محل لاستجابة الدعاء، فقد ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمه، بما يدعو لهما.
هذا وليس لزيارة القبور وقتاً محدداً فيمكن زيارتها في الليل والنهار، كما يمكن زيارتها في سائر الأيام. نعم الأفضل أن تكون الزيارة في أحد الأوقات التالية، نهار الاثنين بأكمله، وعصر الخميس، وصبيحة السبت. كما أن استحبابها لا يختص بأحد دون أحد، بل الاستحباب شامل للرجال والنساء على حد سواء للتأسي بمولاتنا الزهراء(ع). ثم إن هناك جملة من المستحبات التي يحسن مراعاتها أثناء زيارة القبور:
منها: أن يكون الزائر حال الزيارة جالساً مستقبلاً القبلة، وإن كان يجوز الزيارة قائماً.
ومنها: أن يضع الزائر يده على القبر.
ومنها: أن يقرأ سورة القدر سبع مرات.
ومنها: أن يقرأ سورة الفاتحة، ويقرأ المعوذتين، وآية الكرسي ثلاث مرات.
ومنها: أن يقرأ سورة يس.
ثم إنه لا يعتبر في الزيارة أن يكون الزائر عند القبر، بل يكتفى بصدق عنوانها وإن لم يكن عنده، والله العالم.