س: ألا يعارض قوله تعالى:- ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) ما تضمنته النصوص من لحوق الأجر والثواب للميت بعد وفاته، إذ أن المستفاد من الآية الشريفة أن ما يكون للإنسان من الأجر مقيد بكونه مما سعى فيه هو وعمله، وهذا لا ينطبق على ما يلحقه بعد الموت؟
ج: لا يخفى أن القول بثبوت المعارضة وتصورها بين الآية الشريفة، والنصوص التي تضمنت لحوق الثواب للمتوفى، تبتني على الالتـزام بكون الآية ناظرة للحديث حول العمل الصادر من الإنسان، لتدل على أنه لا يكون للإنسان من أجر إلا على خصوص العمل الصادر منه، ومقتضى ذلك أن تكون الآية الشريفة دالة على أن الثواب يكون للإنسان بنحو الاستحقاق، وليس بنحو التفضل، وهو خلاف المشهور بين الأصحاب، كما لا يخفى.
وعلى أي حال، فبعيداً عما ذكر، يمكن ذكر جوابين يعالجان الإشكال حال وجوده:
الأول: البناء على عدم ثبوت المعارضة بين الآية الشريفة والنصوص، ذلك لأن ما يحصل عليه الإنسان المؤمن من الأجر والثواب بعد وفاته جراء ما أسسه في حال حياته، لا ريب في انطباق عنوان السعي عليه، لأنه لا يخرج عما سعى به هو نفسه. وأما ما يعطاه من ثواب نتيجة ما يقدمه له إخوانه المؤمنين، وذووه، فهو من سعيه أيضاً، لأن الموجب لإعطائه مثل هذا الثواب يعود لما بينه وبين أخيه المؤمن من هذه العلاقة المتمثلة في البعد الإيماني، ومن الواضح أنه لولاها لما كان يحصل على هذا الإهداء، وهذا يعني أن حصوله على إهداء الأعمال نجم من خلال إيمانه، الذي يعد مصداقاً لسعيه، فيثبت المطلوب.
الثاني: إن الأجر المعطى على الأعمال الصادرة من الأنسان، أو الواصلة إليه تارة يكون تفضلياً، وأخرى يكون استحقاقياً-ولا ربط لهذا بالخلاف الكلامي في أن الثواب بنحو التفضل أم بنحو الاستحقاق-فإذا كان العمل مما صدر من الإنسان بنفسه مباشرة، كان داخلاً تحت دائرة الثواب الاستحقاقي، أما لو كان العمل مما يهدى إلى الإنسان من الآخرين، كان من صغريات الثواب التفضلي، ولا يذهب عليك أننا نتحدث عن الأعمال التي تكون مورداً لثبوت الثواب عليها، لا ما إذا كان العمل واجباً، فلاحظ.
ومع عدم القبول بما قدم ذكره من العلاج، ورفع توهم التنافي بين الآية والنصوص المتضمنة للحوق المتوفى الثواب مما يهدى إليه من ذويه، فإنه ترفع المعارضة من خلال البناء على تخصيص الآية المباركة بالنصوص المتضمنة لذلك، لما ثبت في محله من البناء على تخصيص العموم الكتابي بخبر الواحد، والله العالم.