س 1: المستفاد من كلمات أهل اللغة أن الحج لغة عبارة عن القصد، فهل أن للحج حقيقة شرعية مغايرة لما عليه حقيقته اللغوية، أم أنه لا يوجد اختلاف بين حقيقة الحج لغة وشرعاً؟
ج: عند العودة لكلمات أهل اللغة نجد أنهم ينقسمون إلى قسمين في بيان حقيقة الحج، ذلك أن بعضهم يعرف الحج بأنه: القصد. لكن القسم الثاني، لم يقبلوا تعريفه بهذه السعة، ولذلك قالوا بأنه نوع خاص من القصد. نعم اختلفوا في الخصوصية المعتبرة فيه.
وعليه، يقال: لو ألتـزم بأن حقيقة الحج في المفهوم اللغوي هو المعنى الأول، فالظاهر أنه لابد من الالتزام بأن هناك حقيقة مجعولة له غير المعنى اللغوي، سواء قلنا بأنها مجعولة من الشارع، أم قلنا بكونها مجعولة من المتشرعة. لأنه لا ريب في عدم كون المراد من الحج في المصطلح الفقهي والشرعي هو مطلق القصد، بل المقصود مه القصد إلى مكان مخصوص في زمان مخصوص.
وهذا بخلافه لو ألتـزم بالمعنى اللغوي الثاني، فلا ريب في عدم وجود مغايرة بين حقيقته اللغوية وحقيقته الشرعية.
والظاهر كما يستفاد من جملة من المصادر أن المعنى الأصلي للحج ليس مطلق القصد، وإنما القصد إلى مكان مقدس. ويؤكد هذا المعنى أن العرب على اختلاف توجههم الديني، سواء من كان منهم على الحنفية، ومن كان مشركاً أو كان كافراً، كانوا يحجون بيت الله الحرام، وكانت تلك العبادة تسمى عندهم بالحج، مما يكشف عن كون اللفظ كان معروفاً عند العرب قبل مجئ الاسلام.
والمتحصل مما تقدم، أنه ليس للحج حقيقة شرعية، وليس امراً مخترعاً من قبل الشارع، غير ما جاء في كلمات أهل اللغة، والله العالم.
*******
س 2: هل يمكن أن تحدثونا عن مكانة الحج عند الأمم والديانات الأخرى؟
ج: لا يخفى أن التوجه إلى معبد مقدس لأداء الطقوس الدينية كان موجوداً لدى الشعوب السامية. وهذا يعني أن الحج بمعنى قصد بعض الأمكنة المقدسة كان موجوداً في الديانات السابقة. نعم الكلام في الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فالموجود في النصوص الإسلامية للفريقين أنه مما كان قد شرعه الله سبحانه وتعالى قبل خلق آدم، وأن الملائكة كانوا يحجون البيت قبل آدم(ع)، ثم حج آدم وسائر الأنبياء(ع)، إبراهيم وموسى، وداود، وسليمان(ع)، وغيرهم. بل قد جاء في النصوص الواردة من طرق أهل السنة، أن جميع الأنبياء قد أدوا الحج إلا هوداً وصالحاً(ع)، ولم يتضح الوجه في استثنائهما.
على أي حال، من النصوص التي تعرضت لحج الأنبياء من طرقنا: ما جاء في معتبرة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال: لما أفاض آدم من منى تلقته الملائكة، فقالوا: يا آدم بر حجك، أما أن قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجه بألفي عام. وغيرها من النصوص.
وأما بالنسبة إلى حج إبراهيم(ع)، فقد ورد في قوله تعالى:- (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، روايات متعددة في حجه(ع).
وكذلك بالنسبة لحج موسى(ع)، فقد روي عن أبي جعفر(ع) أنه قال: حج موسى بن عمران(ع) ومعه سبعون نبياً من بني اسرائيل خطم إبلهم من ليف، يلبون وتجيبهم الجبال، وعلى موسى عباءتان قطوانيتان، يقول: لبيك عبدك وابن عبدك.
وقد جاء في الحديث عن حج داود(ع) عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: إن داود لما وقف بعرفة نظر إلى الناس وكثرتهم، فصعد الجبل فأقبل يدعوا فلما قضى نسكه أتاه جبرائيل(ع) فقال له: يا داود يقول لك ربك، لم صعدت الجبل.
وقد ورد عن أبي جعفر(ع) في الحديث عن حج سليمان(ع) أنه قال: إن سليمان بن داود حج البيت في الجن والانس والطير والرياح وكسى البيت القباطي.
نعم الشيء الملاحظ أنه لا يوجد ذكر للحج في ما بقي من الديانتين اليهودية والنصرانية، بل لا يوجد ذكر لبيت الله الحرام في العهدين المتداولين.
ومن المعلوم أن اليهود والنصارى ينكرون ذهاب الخليل إلى الجزيرة العربية، وبناء البيت في مكة، وهذا ما يختص به القرآن الكريم، وكتب التراث الاسلامي.
وبالجملة، إن ما كان سائداً قبل الإسلام هو حج العرب لبيت الله الحرام الذين بقوا على دين إبراهيم(ع)، ولما أشركوا وفسدوا أدخلوا كثيراً من الأمور في حجهم، ولم يكن لأصحاب الديانات الأخرى حج إلى البيت الحرام، والله العالم.