سلطنة الإنسان على ما يملك

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
84
0

قال النبي الأكرم محمد(ص): الناس مسلطون على أموالهم.

مدخل:

امتاز الدين الإسلامي الحنيف على بقية الأطروحات الدينية والقوانين الوضعية بعدة مميزات، من أهمها كونه ينسجم مع الفطرة البشرية، ويتوافق مع الارتكازات العقلائية. وهذا الانسجام مع الفطرة البشرية، والتوافق مع الارتكاز العقلائي، أعطى الأطروحة الإسلامية بعداً تكاملياً أوجب له التميز كما قلنا على كافة الطروحات الأخرى.

ولذا نجد أن التقنينات الإسلامية لا تخدم الفرد على حساب المجتمع، ولا تحابي المجتمع على حساب الفرد وطاقته، فقد لاحظ المقنن الإسلامي جانب الضرر وآثاره على المكلفين فراعى ذلك من خلال نفيه لكل حكم ضرري، ومن خلال نفيه الإضرار بالآخرين، وكذا الإضرار بالنفس.

كما لاحظ في تقنيناته نفي كل عسر وحرج عليهم، فلا يطلب من المجنون ما لايمكنه إيجاده، كما لا يطلب من المريض الذي لا طاقة له على الصيام مثلاً فعله، وهكذا.

ون التقنينات الإسلامية التي عمد فيها إلى إثبات الحق للجميع من دون تميـيز للفرد على المجتمع، أو المجتمع على الفرد، مبدأ الملكية وقانون السلطنة، إذ فسح المجال للفرد بالتملك، كما فسح المحال في ذلك للمجتمع.

قانون السلطنة:

ومما يشير إلى هذا المنهج الإسلامي المتكامل في مراعاة الحقوق وإثباتها، قانون السلطنة، الذي يمثل أحد أبرز القوانين الإسلامية في ملاحظة الحقوق وتطبيقها.

وقانون السلطنة، أو كما يصطلح عليه الفقهاء في القواعد الفقهية، بقاعدة السلطنة، يعني: تسلط كل مالك لشيء من الأشياء على التصرف فيه بما يشاء من التصرفات في ضمن دائرة الحدود الشرعية.

فمن ملك داراً جاز له أن يبيعها لكونه مسلطاً عليها، ومقتضى سلطنته عليها جواز تصرفه فيها بما شاء، كما أنه يجوز له أن يقدم على هبتها لمن يشاء من أصدقائه، أو أولاده، أو زوجته، أو أٌربائه لنفس النكتة.

ومن ملك سيارة جاز له أن يؤجرها على من يشاء وبالأجرة التي يشاء من دون أن يتدخل أحد فيه، وكذا الزوجة العاملة التي تعمل في أي مجال من مجالات العمل كالتدريس مثلاً، أو الطبابة، أو غير ذلك، لها حق التصرف في مرتبها الشهري الذي تستلمه نتيجة قيامها بعملها المقرر لها، وليس لأحد حق في منعها عن التصرف فيها، سواء كان ذلك هو الزوج، أم كان غيره.

من هنا يقرر أن مفاد هذا القانون الإسلامي عبارة عن نفي الحجر على المالك بحيث أن تصرفه فيه لا يحتاج إلى ثبوت إذن من الآخرين في الجملة، فلا يوجد ما يمنع المالك من التصرف في الذي له التسلط عليه من سبب أو غير ذلك.

والحاصل، للإنسان الإقدام على التصرف في كل ما يكون له سلطنة عليه بأن يتصرف فيه بأي نحو شاء، وبأي كيفية أراد، إلا التصرفات التي ورد النهي فيها من الشارع المقدس.

حق السلطنة قانون عقلائي:

ولا يخفى أن هذا المضمون لقانون السلطنة الذي سبق منا بيانه يتوافق والفطرة الإنسانية والارتكازات العقلائية، إذ يجد الملاحظ لسيرة العقلاء تبانيهم واتفاقهم على أنه ليس لأحد أن يمنع أحداً من التصرف في ماله، بل لو قام شخص بمنع شخص عن ذلك لكان عرضة للملامة والمذمة منهم، فيعمدون للاعتراض عليه والقيام بلومه، ويبدون رفضهم لما صدر منه، لأنه تصرف يتنافى وحق السلطنة الثابت له على ملكه، خصوصاً وأنهم يرون أن تسلط ل فرد على ما يملك من الأمور البديهية التي لا تحتاج مزيد بيان أو إقامة برهان.

دائرة حق السلطنة:

قد عرفت من خلال بياننا لمعنى قانون السلطنة اعتبار قيد في ثبوت هذا القانون للفرد، وهو أن لا يكون التسلط الصادر من المكلف من التصرفات التي ورد النهي فيها من الشارع المقدس، وهذا يعني تحديد دائرة قانون السلطنة بحدود معينة وعدم كونها بهذا العرض العريض والسعة.

فما هي المواضع التي تدخل فيها الدين الإسلامي لتحديد قانون السلطنة والقيام بعملية تقنينه؟…

وقبل أن نعمد للإجابة على هذا السؤال، نود الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن الشارع المقدس لا يلغي ما يكون متوافقاً للفطرة البشرية، والارتكاز العقلائي، وإنما يعمد إلى تقنينه لبس إلا مثلاً غريزية الجنس من الأمور الفطرية الجبلية التي لا يمكن للإنسان أن ينفك عنها، وعندما نلحظ القانون الإسلامي، نجد أنه لم يعمد إلى إلغاء هذا الأمر، وإنما قننه ووضع له ضوابط محددة، تمثلت في لزوم كونه عن طريق عقد نكاح شرعيـ وما شابه.

وما نحن في من هذا القبيل، حيث أن الشارع المقدس لم يلغِ حق السلطنة بأكمله، وإنما عند إلى تحديد دائرته، من خلال إخراج بعض الموارد عن سلطنة الإنسان، وهذا يجعلنا نقول بأن هناك بعض الموارد التي أخرج الشارع المقدس فيها الإنسان من قانون السلطنة على ما يملك. ونشير لتلك الموارد.

الإتلاف:

منها: موارد الإتلاف والتبذير من خلال الإسراف والتبذير مثلاً، إذ لا يخفى أن مقتضى قانون السلطنة الثابت للإنسان على ما يملك، ثبوت حق التصرف له فيه بأي نحو من أنحاء التصرفات حتى لو وصل ذلك به حدّ الإسراف والتبذير، والظاهر عدم ممانعة العقلاء في مثل هكذا تصرف، نعم ربما كانوا يستسخفون المقدم عليه ويستصغرونه، لأنه قد أقدم على عمل سفهي لا فائدة فيه.

لكن الشارع المقدس تدخل هنا، فمنع من مثل هذه المعاملة والإقدام عليها، من خلال ما صدر منه من نهي عن الإسراف والتبذير، قال تعالى:- (ولا تبذر تبذيراً* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)[1].

ومقتضى هذا التدخل من الشارع الحجر على المالك ومنعه من كل تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله من غير وجه شرعي، فلا يسوّغ له العمد إلى إتلاف شيء منه، ومصاديق الإتلاف عديدة، كإيداع مال الإنسان أمواله في البنوك الحكومية أو البنوك المشتركة بناءاً على القول بعدم ملكية الدولة، وعدم صدور إذن من الفقيه في ذلك، فإن عملية الإيداع حينئذٍ تعدّ إتلافاً من المودع للمال، لأن المال سيكون عندها مالاً مجهول المالك، لن يسوغ للإنسان أن يتصرف فيه قبل مراجعة الفقيه والاستئذان منه.

ومن مصاديق الإتلاف أيضاً إلقاء المال في البحر، وإحراقه في النار، وتسليط المجنون عليه أو الصبي الذي لا يعرف الصحيح من الخطأ، وهكذا.

الضرائب المالية:

جعل الشارع المقدس في مال كل فرد من المكلفين حقاً شرعياً إذا تمّ استجماع مجموعة من الشروط، فلابد من بلوغ النصاب المقرر في وجوب الزكاة في الأموال، كما أنه لابد من كون الموجود زائداً على المؤونة لكي يتعلق الخمس بالمال، وهكذا.

وعلى أي حال، فإذا تعلق الخمس بمال من الأموال، فإن الشارع قد سلب سلطنة الإنسان على هذا المال، وجعله لا يملك القدرة على التصرف فيه، إلا بعد أن يخرج الخمس منه، وكذا لو تعلق بالمال الزكاة، فإنه لا سلطنة له في التصرف في ذلك المال إلا بعد إخراجه لما تعلق به من زكاة.

صرف المال في المجالات المحرمة:

ومن الموارد التي عمد الشارع المقدس فيها إلى سلب سلطنة الإنسان على ماله، ومنعه من التصرف فيه، موارد صرف المال في المجالات المحرمة، كأن ينفق المال في شراء الخمر مثلاً وشربه، أو ينفقه في القمار، أو ينفقه في شراء آلات اللهو، أو الالآت التي توجب الفساد والضلال في المجتمع، وهكذا.

ويمكن أن نجعل من مصاديق هذا المورد إقراض المال بشكل ربوي، بحيث يقوم صاحب المال بإقراض شخص مع أخذه زيادة عليه، فهو من موارد صرف المال في المجالات المحرمة، فتأمل.

التصرف في مرض الموت وبعده:

للشارع المقدس بالنسبة للمريض في مرض الموت، وكذا للميت بالنسبة لوصيته بعض الأحكام الخاصة، فالمريض في مرض الموت لا تنفذ التصرفات الصادرة منه ما دام في مرض الموت، فلا يحق له أن يهدي ويهب، أو يبيع ويشتري، بمعنى أنه في هذه الحالة يكون مسلوب القدرة على التصرف، فليس له أن يتصرف بحرية في أمواله، وهذا يعني أن لا سلطنة فعلية له عليها.

وكذا أيضاً بالنسبة للوصية، إذ من المعلوم أن ليس للميت من أمواله بعد الموت إلا خصوص الثلث، وهذا يمنعه من الإيصاء بصرف أكثر من ذلك، فلا يجب على الوصي أو الورثة القيام بتنفيذ ما طلب فيما يكون أكثر من الثلث.

وهذا أيضاً يشير إلى كونه مسلوب السلطنة على أمواله فيما بعد الموت بحيث لا يحق له التصرف فيما هو أكثر من ذلك.

السلطنة على الحقوق:

كان جميع ما تقدم منا الحديث عنه عبارة عن ثبوت السلطنة من الشخص على ما يملكه من الأموال، ونود الحديث الآن عن السلطنة على الحقوق، فهل للإنسان سلطنة على الحقوق المختصة به أيضاً كما له سلطنة على الأموال.

فإذا ثبت للإنسان حق ما في شيء، فهل له حق إسقاطه؟… مثلاً للإنسان حق الزواج الثاني، والثالث، والرابع، فهل له أن يسقط هذا الحق عن نفسه، فيلزم نفسه بأن ليس له الإقدام على هذا الأمر.

وكذا للزوج حق النفقة على زوجها، كما لها عليه حق البيتوتة، فهل يسوغ لها أن تقوم بعملية إسقاط هذا الحق، فلا تلزمه بالنفقه ولا البيتوتة، أو ليس لها ذلك؟…

وكذا العمة أو الخالة لهما حق منع الزوج من أن يتزوج بنت الأخ أو بنت الأخت إلا بإذنهما، فهل يجوز لهما القيام بإسقاط هذا الحق، بحيث يسوغ للزوج عندها الإقدام على الزواج من بنت الأخ أو بنت الأخت، أو لا يجوز لهما ذلك؟…

وكذا حق الحضانة فإنه خلال السنـتين الأوليـين للأم، ومن بعد ذلك يكون للأب، فهل لها حق في إسقاطه وتسليمه للأب، وكذا هل للأب حق إسقاطه وتسليمه لها، أم ليس لهما ذلك؟…

وأيضاً حق الخدمة المنـزلية بناءاً على القول بوجوب القيام بذلك على الزوجة، فهل يسوغ للزوج التسلط عليه، وبالتالي يمكنه أن يقوم بإسقاطه، أم لا؟…

وكذا حق الاستيلاد، سواء قلنا بكونه حقاً للزوج أم للزوجة، فهل لمن له هذا الحق السلطنة عليه، أم ليس له ذلك؟…

وكذا لو سبق شخص إلى مكان ما في المسجد بحيث كان له حق في هذا المكان دون البقية، فهل يجوز له أن يسقط حقه في هذا المكان للآخرين، أو لا يجوز له ذلك؟…

وكذا لو أودع الإنسان أمواله في البنك المشترك أو الحكومي مثلاً مع القول بعدم ملكية الدولة، وعدم وجود إذن من الفقيه، فإن المال سوف يكون مجهول المالك، لكن سيكون له حق الاختصاص بالنسبة إلى سحب شيء منه بواسطة بطاقة الصراف الآلي، فهل يجوز لهذا الشخص التنازل عن هذا الحق، أم لا يجوز له ذلك؟…

وهكذا الأمثلة والنماذج كثيرة، التي يكون الكلام فيها منصباً حول الحق، وليس البحث فيها منصباً حول الأموال، وعلى هذا نقول: هل يجري قانون السلطنة في الحقوق كما يجري بالنسبة إلى الأموال، أم أنه لا يجري في الحقوق، بل يكون مختصاً بخصوص الأموال؟…

ما هو الحق:

لكي يتضح الكلام في هذا الأمر، لابد في البداية من بيان مصطلحين موجودان عند الفقهاء، وهما الحق والحكم، ببيان الفارق بينهما، لأنه بعد اتضاح المعنى المراد منهما، سوف يتضح أن بعض الموارد التي يطلق عليها عنوان الحق في الحقيقة ليست من الحقوق، وإنما هي من الأحكام، فنقول:

أما الحق فيراد منه: السلطنة على شيء ، أو على شخص في جهة خاصة، مثل حق الخيار لصاحب الحيوان مدة ثلاثة أيام، في أن يفسخ العقد فيرجع المال للمشتري، أو يمضي العقد.

نعم وقع الخلاف بين العلماء في أن هذه السلطنة الثابتة هنا سلطنة ضعيفة أو لا، وليس هذا مجال الحديث عنه، لكونه يرتبط بالبحوث الفقهية المعمقة. كما أن هناك من العلماء من لم يقبل هذا التعريف للحق، لكننا لسنا بصدد الاستقصاء والبحث في هذا الجانب.

وعلى أي حال، فإذاً المراد من الحق عبارة عن السلطنة على شيء.

وأما الحكم فهو من الأمور الواضحة اليوم، ويراد منه إعتبار الشارع المقدس شيئاً لمصلحة فيه تقتضي فعله، وإن كانت مصلحة غير قوية، أو لمفسدة فيه تستدعي تركه، وإن كانت غير شديدة.

ومن هنا قسم الحكم إلى خمسة أقسام، بلحاظ ما ينطوي عليه من مصلحة أو مفسدة ملزمتين، أو غير ملزمتين، فيقال: واجب وحرام ومستحب ومكروه، ومباح.

بعد هذا نقول: هناك تسامح في التعبير من قبل الفقهاء(رض) بحيث يطلقون لفظة الحق في بعض المواضع والمراد منه في الحقيقة الحكم، وليس المراد منها الحق الاصطلاحي، لأن إحدى المميزات ما بين الحق والحكم، أن الحق مما يقبل الإسقاط، بينما الحكم لا يقبله، وهذا يعني أن هناك تسلطاً وسلطنة للإنسان على الحق لأنه بإمكانه أن يسقط حقه فيه، بينما لا تسلط أو سلطنة له على الحكم، مما يعني أنه ليس له حق إسقاطه.

وعلى هذا يمكننا أن نقسم النماذج التي سبق منا ذكرها إلى قسمين:

الأول: ما يقبل الإسقاط، لكونه من الحقوق، وبالتالي يثبت للإنسان سلطنة عليه.

الثاني: ما لا يقبل الإسقاط، لكونه من الأحكام، فليس للإنسان سلطنة عليه.

فمن الأول، حق الخيار الذي سبق منا الإشارة إليه، فإنه من الأمور التي تقبل الإسقاط، فيثبت كونه حقاً، وهذا يعني أن للإنسان سلطنة عليه.

ومن الثاني حق تعدد الزوجات، فإنه من الأحكام وليس من الحقوق، فلو التـزم الزوج بإسقاطه للزوجة لا يجب الوفاء به، بل له متى أراد الإقدام على الزواج لكونه من الأحكام وليس من الحقوق، وكذا حق البيتوتة عند الزوجة، والنفقة عليها قبل أن تكون بمثابة الدين في ذمة الزوج، وإلا فإنها تقبل الإسقاط لأنها تكون حينئذٍ مالاً للزوجة في ذمة الزوج.

وهكذا سائر الأمثلة التي تقدمت يمكننا تطبيق نفس الميزان المذكور عليها.

السلطنة على النفس والأعضاء:

ومن النقاط الجديرة بالبحث ونحن نتحدث عن قانون السلطنة، الحديث حول ثبوت حق سلطنة الإنسان على نفسه وأعضائه، فهل أن للإنسان سلطنة عليهما، بمعنى أنه مسلط على أعضائه يجوز له أن يفعل فيها ما يشاء، فيجوز له أن يتبرع بكليته، كما يجوز له أن يتبرع بعينه أو بالشبكية، ويجوز له أيضاً أن يوصي بدفع أعضائه إلى بنك الأعضاء مثلاً بعد موته بحيث يستفاد منها في عمليات التشريح أو الترقيع، أم ليس له سلطنة على أعضائه؟…

وكذا الكلام أيضاً بالنسبة إلى نفسه، فهل للإنسان سلطنة على نفسه، فله حق التدخين حتى لو كان التدخين موجباً للضرر الشديد على النفس الذي يعلم عدم رضى الشارع به، وهل يسوغ للإنسان أن يقوم بضرب رأسه بالسيف ليخرج الدم منه في عزاء سيد الشهداء المعروف اليوم بـ(التطبير) حتى لو كان الإقدام على ذلك سبباً من أسباب الإضرار بالنفس، وكذلك هل يسوغ للإنسان أن يضرب ظهره أو صدره بالحديد المعروف بضرب الزنجير مما يؤدي إلى إدماء بدنه وتضرره، كل ذلك من باب أن له حق السلطنة على نفسه، أم ليس له عليها أي سلطنة، وهذا يعني أنه ممنوع من أن يقدم بنفسه على أي شيء أراد، بل لابد من أن يكون إقدامه على خصوص موارد معينة ومحددة؟…

أما بالنسبة إلى النفس، فقد ذكر الفقهاء(رض) أنه ليس للإنسان سلطنة على نفسه إذا كان ذلك مدعاة لإلقائه نفسه في التهلكة، واستدلوا لذلك بقوله تعالى:- ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)[2].

وقد حددوا ذلك بأنه في كل مورد كان إضرار الإنسان بنفسه يصل إلى حد مبغوضية الشارع وعدم رضاه كقطع الإنسان يده، أو قطعه رجليه، فإنه محرم.

أما ما لم يبلغ الأمر إلى هذا المستوى كما لو قصر الأمر على مجرد إخراج الإنسان الدم من جسده، أو أزال عضواً من بدنه لكنه لا تـتوقف عليه حياته، بحيث يمكنه أن يعيش من دونه كبقية الناس كما لو تبرع بكلية من كليتيه، فإنه لا إشكال في الإقدام على مثل هذا العمل.

لا سلطنة مع الإضرار بالآخرين:

هذا وربما أوجب إثبات حق السلطنة لشخص في مورد من الموارد الإضرار بالآخرين، فعندها هل يمكننا الالتزام ببقاء حق سلطنة الإنسان وجريان قانون السلطنة في مثل هكذا مورد. مثلاً لو كان الشخص راكباً في سيارته وأراد استخدام جهاز التسجيل، فرفع الصوت بصورة عالية بحيث يؤدي ذلك إلى إزعاج الآخرين، والإضرار بهم، فهل يثبت له هذا الحق، لكونه مسلطاً على ماله أعني سيارته، وله حق التصرف فيها بالكيفية التي يريد، أم لابد لثبوت قانون السلطنة له من عدم أذيته للآخرين؟…

وكذا استخدام الإنسان لسيارته في الألعاب الخاصة مما يسبب إصدار صدور مزعج، بل مخيف ومرعب للآخرين، فهل يسوغ له ذلك، من باب قانون السلطنة، أم ليس له مثل هذا الحق، لكون سبباً من أسباب ألإضرار بالآخرين؟…

ومن الأمثلة سبق الإنسان إلى الوقوف في مكان من الأمكنة في الطريق يعطي له حق السلطنة عليه ما دام قائماً فيه، لكن لو كان سبقه إلى هذا المكان سبباً لأذية الآخرين كما لو كان ذلك على باب أحد المنازل بحيث يسبب أذى لساكني ذلك المنـزل، فهل يبقى حق السلطنة له على حاله، أم لا سلطنة له في المورد بسبب الإضرار؟…

وعلى أي حال، أمثلة ذلك من واقعنا الحياتي المعاش كثيرة يلحظها الإنسان من دون حاجة منا إلى تعدادها.

ولا يخفى أن الحكم في جميع هذه الموارد هو أن الإضرار بالآخرين يمنع من ثبوت حق السلطنة بمعنى أن قانون السلطنة يقيد بشرط عدم وجود إضرار بالآخرين، أما لو هناك إضرار بالآخرين فإنه لا يجري قانون السلطنة.

وإن شئت فقل، إن هذا من الموارد التي سلب فيها الشارع المقدس سلطنة الإنسان على ما يملك سواء كان المملوك حقاً، أم كان المملوك مالاً.[3]

—————————————————

[1] سورة الإسراء الآية رقم 26-27.

[2] سورة البقرة الآية رقم 195.

[3] المصادر كتاب البيع ج 1 ص 40. فقه الصادق ج 15 ص 203. فقه العقود ج 1 ص 123.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة