مطهرية الاستحالة
من المطهرات المذكورة في كلمات الفقهاء الاستحالة، وعدّها كذلك لا يخلو عن مسامحة، لأن المفروض أن التطهير يستوجب بقاء الموضوع المطهر بعد تنجسه، والمفروض عدم انحفاض ذلك في الاستحالة لحصول عنوان جديد يختلف عن العنوان السابق.
ويترتب على تحقق الاستحالة خارجاً ثمرات عملية كبيرة، فإن كثيراً من الأطعمة يدخل في صناعتها بعض المواد التي يحرم تناولها كالجيلاتين الحيواني، وقد لا يكون مذكى، وكذا بعض الأدوية يدخل في صناعتها مثل ذلك، ومن الواضح أن عدم ذكاة ما أخذت منه، أو عدم حلية أكلها مانع من تناولها، لكنه مع حصول الاستحالة فسوف لن يكون هناك مانع من تناولها.
وكيف ما كان، فإن الاستحالة توجب المطهرية من دون فرق بين العين النجسة والعين المتنجسة، فكما لو تحول الكلب إلى ملح، يطهر نتيجة الاستحالة كذلك لو تحول العصير المتنجس إلى حقيقة نوعية أخرى يطهر أيضاً.
ويقصد من الاستحالة تغير الصورة النوعية وتبدلها بصورة نوعية أخرى، سواء كان التبدل والتغير عقلياً دقياً، أم كان عرفياً، توضيح ذلك:
إن التغير للاشياء له صورتان:
الأولى: أن يكون التغير في الأوصاف الشخصية للشيء مع بقاء حقيقته النوعية على حالها من دون تغيير، مثل تغير القطن إلى قماش يلبس، أو تغير اللبن إلى جبن، أو تغير الحنطة إلى دقيق، فإن جميع ما ذكر لم يتضمن تغيراً في الحقيقة النوعية بوجود حقيقة جديدة مختلفة، وإنما تغيرت الأوصاف الشخصية لذلك الشيء.
الثانية: أن يكون التغير تغيراً في الحقيقة النوعية، بوجود حقيقة نوعية أخرى مغايرة لهذه الحقيقة تختلف عن الحقيقة السابقة، كما لو تحول الكلب إلى ملح، أو تحولت النطفة إلى انسان أو حيوان، وما شابه ذلك.
ولا يخفى أن المقصود من الاستحالة التي توجب التطهير هي الصورة الثانية، وليست الصورة الأولى، فإن مجرد تغير الأوصاف الشخصية لا يكفي للبناء على تحقق الاستحالة للبناء على حصول الطهارة.
ثم إن تغير الصورة النوعية إلى حقيقة أخرى مختلفة له مصداقان:
الأول: أن يكون التغير تغيراً دقياً عقلياً فلسفياً، كما لو تغير الحيوان أو النبات إلى حقيقة نوعية جديدة مختلفة، كالكلب الذي تحول ملحاً، أو النطفة التي تحولت حيواناً. فإن حقيقة الملح تختلف تماماً بنظر العقل عن حقيقة الكلب كما لا يخفى، وهكذا.
الثاني: أن يكون التغير تغيراً عرفياً، وليس تغيراً عقلياً بحيث تكون المغايرة بينهما عند العرف فيرى وجود مغايرة بين الحقيقة الجديدة الحاصلة وبين الحقيقة السابقة التي كانت عليها، فالكولاجين يختلف بنظر العرف تماماً عن الجيلاتين، والكبسولات الدوائية مثلاً تختلف عن المادة المأخوذة منها من الحيوان الذي لا يحل أكله، وهكذا.
والبناء على حصول الطهارة بالاستحالة شامل لكلا المصداقين، سواء كان التغير تغيرا عقلياً، أم كان التغير تغيراً عرفياً.