من معالم التوحيد (كلمة الجمعة)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
85
0

من معالم التوحيد

 

عندما نعود للقرآن الكريم، نجد ربط آياته بين عناصر ثلاثة، تمثل معالم التوحيد، وأن قوامه بها بحيث لا يتحقق حصوله إلا مع وجودها جميعاً، وأن بينها ترابطاً تاماً، وتلك العناصر هي: الإيمان، والهجرة، والجهاد. قال تعالى:- (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)[1]، وقال سبحانه:- (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)[2].

فإن ملاحظة الآيتين الشريفتين، يؤكد ما ذكرناه من علاقةٍ وترابطٍ وطيدٍ بين العناصر الثلاثة، ويعرف الارتباط بين العناصر المذكورة من خلال ملاحظة البيان التالي:

 

لقد اخترق الإيمان النظام الثقافي والفكري الجاهلي، وهدم الأسس الفكرية والثقافية للشرك، وقد استتبع ذلك هدم المواقع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية له، وسوف يثير هذا الأمر أئمة الشرك للمقاومة والدفاع عن كيانهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فيعمدوا للعدوان على المؤمنين واضطهادهم واستئصالهم، أو إرغامهم على الردة، والعودة لما كانوا فيه، وعدم الابتعاد عنه.

 

ولما كان المؤمنون غير متمكنين من مقاومتهم بسبب التفاوت في العدد والعدة والعتاد، فسوف يؤدي ذلك إلى تصفيتهم كاملة لوجودهم الحركي والفكري والسياسي، وحتى يتمكن المسلمون من الحفاظ على أنفسهم، والاستعداد لمقاومة المشركين لنيل ما كانوا يصبون إليه من نشر الدين والإيمان، فلابد وأن يهاجروا ما دام يتعذر عليهم الجهاد لما عرفت من التفاوت بين القوتين.

 

ولا يتوهم أحد أن تكون الهجرة والحال هذه من صغريات الفرار من الزحف المنهي عنه، والمعدود كبيرة من الكبائر، للاختلاف بين الموضوعين كما هو واضح، لأن الغاية من الهجرة تتمثل في إعداد وتحضير القوة الإسلامية لمقاومة الشرك والضلال، حتى يعود المؤمنون إلى ساحة المواجهة بعد ذلك.

 

ومقتضى ما ذكر، أن الإيمان يستتبع الهجرة في بعض الموارد، والهجرة تستبع الجهاد، لأنها وقعت من أجله[3].

ولقد مثلت هجرة النبي الأكرم محمد(ص)، وأصحابه سواء في هجرتهم الأولى للحبشة، أم في هجرتهم الثانية للمدينة المنورة هذه الحقيقة، إذ أنه لما لم يمكنهم مقاومة كفار قريش، الذين عمدوا إلى استئصالهم من خلال التعذيب والتنكيل بهم، مضافاً إلى القتل، لزمتهم الهجرة كي ما يتمكنوا من الاستعداد والتسلح لمواجهتهم من خلال الجهاد.

 

حقيقة الهجرة:

وليس بين العناصر الثلاثة ما يحتاج بياناً إلا العنصر الثاني منها، وذلك لأن حقيقة الإيمان من الوضوح بمكان ولو في الجملة، كما أن الجهاد لن يخرج عن أحد معنيـين، إما جهاد النفس، وإما جهاد الأعداء، إلا أن المفهوم الثاني، وهو الهجرة، قد يحتاج وقفة وبياناً، ويساعد على ذلك تعدد المعاني المذكورة له عند متابعة الاستعمال القرآني له، أو الاستعمال المعصومي، أو الاستعمال العرفي بقسميه العام أو الخاص، فإن ذلك يفيد تعدد المعاني المذكورة له:

 

فمنها: أن المقصود بالهجرة هو مطلق الترك، وقد استعملها القرآن الكريم فيه هذا المعنى، قال تعالى:- (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً)[4]، فإن المقصود من الهجر هنا هو مطلق الترك. ومن موارد استعمالها في القرآن الكريم بهذا المعنى أيضاً، قوله تعالى:- (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)[5]، فإن المقصود من اتخاذهم إياه مهجوراً يعني تركهم لهم كما لا يخفى.

 

ومنها: تفسيرها بمطلق الطاعة، فقد ورد عن النبي الأكرم محمد(ص) أنه قال: أقم الصلاة وأد الزكاة، واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت تكن مهاجراً[6]. فإن المستفاد منها أن قوام الهجرة وتحققها خارجاً بحصول مطلق الطاعة، ذلك أن جميع ما عدد في الحديث المذكور يعدّ مقوماً لتحققها. وقيل له(ص): فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قيل: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء[7].

 

ووفقاً لهذا سوف يكون المقصود من الهجرة ليست الهجرة المكانية الخارجية، بل يكون المقصود بها الهجرة الباطنية، أي هجرة الإنسان في نفسه، بأن يترك كل ما ينافي الأصالة والكرامة الإنسانية، وهذا النحو من الهجرة من الضرورة بمكان، قبل أن يقوم الإنسان بالهجرة الخارجية[8].

 

ومنها: إن الهجرة تعني هجرة المعاصي والذنوب، وهذا يعني أن قوله تعالى:- (فالذين هاجروا) يعني الذين تركوا المعاصي, ومنه قوله تعالى:- (والرجز فاهجر). وجاء عن النبي محمد(ص) أنه قال: أفضل الهجرة، أن تهجر السوء.

ومنها: تفسيرها بالهجرة إلى الله تعالى، فيكون المقصود من المهاجر، كل من هاجر لله عز وجل، ومعنى الهجرة إليه سبحانه وتعالى، الذوابان فيه، وعليه يكون المقصود من قوله تعالى:- (فالذين هاجروا) أي الذين ذابوا في الله سبحانه وانصهروا بطاعته وحبه، ويساعد عليه قوله تعالى:- (وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم)[9]. وقال النبي(ص): الهجرة هجرتان: إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله تعالى ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة[10].

ومنها: تعريفها بأنها ترك الأهل والوطن في سبيل الله، وهو المعنى الذي استعملها القرآن الكريم فيه، وعليه يكون المقصود من قوله تعالى:- (فالذين هاجروا)، يعني الذين تركوا أهليهم، وأوطانهم. ويساعد على ذلك قوله تعالى:- (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)[11]، فإن التعبير بقوله تعالى:- (ألم تكن أرض الله واسعة)، صريح في أن المقصود منها هو ترك الوطن والأهل، فإن قوله: (أرض الله واسعة)، إشارة إلى ذلك[12].

 

ومع تعدد المعاني المذكورة إليها، سوف يكون الموجود عندنا احتمالين:

 

الأول: أن يكون لها معنى حقيقي واحد، وتكون بقية الاستعمالات من الاستعمال المجازي، وهذا يستوجب وجود قرينة دالة على استعمال اللفظ في معناه الذي وضع له.

الثاني: أن يكون الموجود خارجاً معنى مشتركاً، وليس معنى حقيقياً ومعاني مجازية، بل يكون اللفظ من أصحاب المعاني المشتركة، وعندها يلزم تحديد أن الاشتراك لفظي، أو معنوي. والظاهر لو بني على القول بالاشتراك، سوف يكون من المشترك اللفظي، وليس المعنوي.

 

والظاهر أنه لا يقبل بكلا الاحتمالين، ذلك لأنه يمكن إرجاع المعاني السابقة إلى حقيقة واحدة، وهي عبارة عن مطلق الترك، فيكون المقصود من الهجرة، عبارة عن مطلق الترك. نعم سوف يختلف الترك في كل مورد بحسبه، لأن ترك المعصية مختلف عن ترك الوطن، وهما مختلفان عن ترك كل ما يحول بين العبد وربه. وعندها سوف يكون الاستعمال في جميع الموارد حقيقياً وليس بينها استعمال مجازي، عمدة ما كان سوف يكون تعدداً في المصاديق.

ثم إنه بعد الفراغ عن الإحاطة بحقيقتها، وأنها مطلق الترك، يقع الحديث حول واحد من موارد استعمالاتها ومصاديقها، وهو ترك الأوطان والبلد والأهل لو استدعى الأمر ذلك.

 

حكم الهجرة:

قد عرفت مما تقدم، أن الهجرة واجبة على الإنسان فيلزمه الهجرة من كل مكان لا يمكنه فيه ممارسة معتقداته، ولا الإتيان بشعائره، فلو كان الإنسان يعيش في مجتمع لا يمكنه فيه من المحافظة على حجاب عياله مثلاً، أو منع بناته من الاختلاط، أو لا يمكنه ممارسة عباداته من صلاة أو صوم مثلاً، فضلاً عن معتقداته وشعائره، لزمه الخروج من ذلك البلد والانتقال إلى بلد يمكنه الإتيان فيه بذلك. وهذا ما جرى من المسلمين الأوائل في عصر النبي(ص) فقد هاجر جملة منهم الهجرتين: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة المنورة.

 

ومع فتح باب الهجرة لكل من لا يقدر على التعبد بما يعتقد، وكل من لا يأمن على نفسه، لن يكون الضعف الذاتي مبرراً للاستسلام، ومعذرا من الملامة واستحقاق العقوبة، فلا يكون الإنسان معذوراً للاستسلام لمخططات المستكبرين في السلوك والعقيدة، لينحرف الناس معهم، وينفذون مخططهم من ظلم الآخرين لو طلبوا منهم ذلك.

ولن يسمع الله تعالى إليهم تبريرهم عندما يقفون بين يديه، بأنهم كانوا مستضعفين، لأن وظيفتهم كانت الهجرة من تلك البلاد، حتى يعدّوا أنفسهم ويزودوها بما يجعلهم قادرين على مواجهة هؤلاء والتصدي إليهم، وإضعاف قوتهم، بل إزالتهم نهائياً.

 

أسباب وجوب الهجرة:

ثم إن هناك أسباباً توجب الهجرة على الإنسان:

منها: أن يوجد الإنسان في بلاد الكفر، سواء ولد فيها، أم وجد فيها بعد ولادته، ويمنع ممن ممارسة معتقداته وشعائره، فيجب عليه الهجرة من تلك البلاد الكافرة، قال تعالى:- (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)[13]، فإن المستفاد من الآية أن الهجرة كانت واجبة عليهم بسبب وجودهم في بلاد لا يمكنه ممارسة شعائرهم والاتيان بعبادتهم، وكانت تلك الديار في تلك الفترة دار كفر.

 

ومنها: أن يكون الإنسان موجوداً في بلاد الإسلام، إلا أن حاكمها ظالم يمنعه من الالتـزام الديني، وإقامة شعائره، بل يعذب أو يقتل، كما كان ذلك في زمن أتاتورك في تركيا، بناءً على أن تركيا بلد إسلامي الهوية، وكذا أيام المقبور رضا خان بهلوي في إيران الإسلام، وهنا يجب على الإنسان الهجرة من هذه البلاد تطبيقاً لحساب تقديم الأهم على المهم. وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام الباقر(ع) في تفسير قوله تعالى:- (قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)[14]، قال(ع): لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك، فإن خفتوهم أن يفتنوكم على دينكم فإن أرضي واسعة، وهو يقول:- (فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض)، فقال:- (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)[15].

 

نعم يحسن التوجه إلى نكتة، وهي أن تشخيص الموضوع له نحوان، لأنه تارة يكون تشخيصه بيد المكلف، وأخرى بيد الحاكم الشرعي، ومن الواضح جداً أنه وفقاً لذلك سوف يختلف الحكم الشرعي، فقد يكون السفر واجباً في بعض الموارد، وقد يكون جراء التشخيص مستحباً، وقد يكون نتيجة لذلك محرماً أو مكروهاً، وهكذا.

ومنها: أن تكون الهجرة واجبة لا لوجود الإنسان في بلد الكفر، ولا لعدم قدرة الإنسان على ممارسة معتقداته وعباداته، وإنما يكون ذلك امتثالاً لأمر الحاكم الشرعي، فقد يكون الإنسان متواجداً في بلد إسلامي يمكنه فيه ممارسة جميع ما يعتقد، والاتيان بكل ما يتعبد، إلا أن الحاكم الشرعي ألزمه بالخروج من ذلك البلد إلى بعض البلدان للتبليغ فيها مثلاً، لحاجة تلك البلاد إلى مبلغين، فهنا يجب عليه الخروج والهجرة والسفر.

 

وكما يجب عليه السفر نتيجة لحكم الحاكم الشرعي، يحرم عليه السفر لو كان هناك نهي صادر عنه. وإلى هذا يشير قول النبي الأكرم محمد(ص): لمقام أحدكم في الدنيا يتكلم بحق يرد به باطلاً، أو ينصر به حقاً أفضل من هجرة معي[16].

فنجد أنه(ص) قد جعل المناط في الأفضلية على إقامة الحق، ودفع الباطل، حتى لو كانت الهجرة هجرة معه(ص)، ونحن نعلم مقدار ثواب الهجرة معه(ص).

 

ومنها: أن يكون منشأ الهجرة هو الفرار بالنفس حفاظاً عليها من الهلاك والنفاذ، وذلك لو تفشى في البلد الذي يعيش فيه الإنسان وباء أو مرض خطير، وكان ذلك الوباء أو المرض فتاكاً، فهنا تجب عليه الهجرة.

وكذا لو لم يكن هناك مرض خطير، إلا أن هناك ظواهر طبيعية سوف تقع في ذلك البلد تودي بحياته وحياة عائلته مثلاً، كما لو يسكن بلداً تحت بركان خامل، والآن قد قُررَ أن البركان سوف يتحرك وينفجر، فهنا يلزمه الهجرة فراراً بنفسه.

أو كانت توقعات تشير إلى حصول زلزل كبير وعظيم وخطير، سوف يضرب المنطقة التي يسكنها، ولا يمكن التخلص منه إلا بالهجرة، فهنا يجب عليه الهجرة، للضرورة والانحصار.

 

ومنها: أن تكون الهجرة من أجل البحث عن حجة الله ومعرفة الحق، أو من أجل التعرف عليه، أو لغرض الإيمان به، أو مناصرته، بحيث يتوقف ذلك على الهجرة إليه، كما لو خرج مولاي ولي النعمة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، في مكة المعظمة،واحتاج شخص أن يتأكد أنه المولى أو غيره، وجبت عليه الهجرة إليه من أجل التأكد، للإيمان به.، أو من أجل نصرته، وهكذا[17].

 

المستضعفون من الرجال والولدان:

نعم هناك من يستثنى من الحكم المذكور، أعني وجوب الهجرة، فلا يلزمه ذلك في ما تقدم من أسباب الوجوب، خصوصاً الأول والثاني منها.

والمستثنون هم المستضعفون، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:- (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا* إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً)[18].

 

ولا يخفى أنه ليس المقصود بالاستضعاف في الآية الشريفة خصوص فقدان القدرة البدنية، بل الظاهر شموله للضعف العقدي أيضاً والفكري والاجتماعي، بيانه:

لو كان الشخص يعتقد أنه لا يلزمه ممارسة هذه الشعيرة، ويرى أن وجوده فيه هذا البلد لا يضر بما يلزمه الإتيان به من عبادات أو شعائر، فإنه لا يجب عليه الهجرة، لكونه يملك ضعفاً عقدياً.

أو لو كان الإنسان يعتقد أن الإساءة والحرية وإن استوجبت اختلاطاً بين الذكر والأنثى لا تنافي الشريعة الإسلامية، لأنه يرى أن ذلك من الحريات الفكرية، مثلاً، فهذا أيضاً لا يلزمه الهجرة، وكذا لو كان منشأ ذلك ضعفاً اجتماعياً.

وبالجملة، إن الاستضعاف الوارد في الآية الشريفة والذي يعطي للإنسان معذورية في تركه للهجرة الواجبة، ليس مختصاً بفقدان القدرة البدنية، بل هو شامل لكافة موارد الضعف، فلاحظ.

 

حقيقة المهاجر:

بقي أن نشير في ختام الحديث إلى تحديد المهاجر، وأنه ليس المقصود منه كل من خرج من بيته وانتقل من بلد إلى بلد آخر، فليس كل من هاجر من مكة المكرمة قاصداً المدينة المنورة يعدّ مهاجراً، بل المهاجر هو خصوص من تتوفر فيه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم، والمستفاد من قوله تعالى:- (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون)[19]، فيعتبر فيه توفر صفات ثلاث:

 

الأولى: أن يكون قد أخرج من بلده وعن ماله بسبب حركته السياسية، وهذا يشمل من فرّ بدينه، أما من لم يكن خروجه طرداً وبسبب الضغوط والممارسات من قبل أعداء الله ضده، فلن ينطبق عليه.

الثانية: أن يكون خروجه في سبيل الله وطلباً لفضله الكريم، فيتخلى الإنسان عن دياره وماله ابتغاء رضى الله ورضوانه سبحانه وتعالى.

الثالثة: استمراريته في نصرة الله تعالى ورسوله(ص) وديمومة ذلك عنده، قال تعالى:- (وينصرون الله ورسوله).

 

ومن خلال اعتبار توفر الصفات الثلاث في المهاجر، بحيث يدور العنوان وجوداً وعدماً مدار وجودها، فمن لم يكن مشتملاً عليها، لا ينطبق عليه عنوان المهاجر، ومن كان واجداً لها صدق عليه العنوان، يتضح حال كثير من الصحابة، وأنهم لا ينطبق عليهم عنوان المهاجرين، حتى من كان منهم مع رسول الله(ص) في الغار، لم ينطبق عليه العنوان، لفقدانهم للصفات الثلاث كما لا يخفى.

وعليه، لا يبقى وجه للاستغراب في صدور ما جرى منهم بعد وفاة النبي(ص)، بل حتى الأنصار لو أريد الحديث عنهم.

 

ثواب المهاجرين:

وقد أشير في القرآن الكريم لثواب المهاجرين، فقال سبحانه:- (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبؤئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون)[20]. ومن الواضح أن هذا الأجر المجعول لهم نشأ مما قدموه تضحية للدين، لأن هجرتهم لم تقتصر على ترك المال والعيال، والخروج من الأوطان، بل كانت هجرتهم لله سبحانه وتعالى، وفراراً من الشيطان.

 

[1] سورة البقرة الآية رقم 218.

[2] سورة الأنفال الآية رقم 72.

[3] رسالة التقريب العدد 24 ص 72(بتصرف)، الأمثل في تفسير القرآن المنـزل ج 3 ص 362(بتصرف).

[4] سورة المزمل الآية رقم 10.

[5] سورة الفرقان الآية رقم 30.

[6] كنـز العمال 16 :657/46266.

[7] المصدر السابق 1: 26/17.

[8] الأمثل في تفسير القرآن المنـزل ج 3 ص 365.

[9] سورة العنكبوت الآية رقم 26.

[10] كنـز العمال 16: 657/46262.

[11] سورة النساء الآية رقم 97.

[12] التجديد في تفسير القرآن المجيد ج 4 ص 88-89(بتصرف).

[13] سورة النساء الآية رقم 97.

[14] سورة الزمر الآية رقم 10.

[15] تفسير القمي ج 2 ص 151.

[16] كنـز العمال 16: 655/46253.

[17] التجديد في تفسير القرآن المجيد ج 4 ص 89-91(بتصرف).

[18] سورة النساء الآيتان رقم 97-98.

[19] سورة الحشر الآية رقم 8.

[20] سورة النحل الآية رقم 41.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة