النجاح طموح وهدف

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
88
23

النجاح هدف يسعى الجميع لتحقيقه والوصول إليه، فالطالب في دراسته يسعى لتحصيله رغبة منه في الوصول إلى أعلى المستويات التعليمية والمعرفية، كما أن الموظف يهمه جداً أن يكون شخصاً ناجحاً حتى ينال تقدير وثناء رؤسائه، ويحظى بنوائلهم وجوائزهم، والزوجان أيضاً يسعيان أن تكون حياتهما الزوجية حياة ناجحة وسعيدة، كما أن العبد يسعى دائماً إلى انجاح علاقته بالباري سبحانه وتعالى، وهكذا.

ولا يختلف أثنان في عدم تحقق النجاح إلى كل من رغب في الحصول عليه وسعى لنيله، إذ أن جملة من الساعين إلى ذلك يخفقون في الوصول إليه، فقد لا ينجح الطالب في حياته الدراسية، ويخفق في ذلك، كما أن الموظف قد لا يكون ناجحاً في مجال عمله، والحياة الزوجية قد تفشل، حتى أن العابد الذي يسعى إلى أن يكون ناجحاً في علاقته مع الله تعالى، قد لا يحصل على ذلك، بل يفشل في تلك العلاقة.

ومن الغريب جداً، أنه مع فشل بعض الساعين للحصول على النجاح، وعدم تحقيقه في حياتهم التي يرغبون توفره فيها، إلا أننا قد لا نجد من يتساءل عن الأسباب التي تحول دون تحقيقه، أو التي تؤدي إلى حصول الفشل. لأن من الطبيعي جداً أن يكون فشل بعض الساعين للحصول على النجاح، وتحقيقه في حياتهم التي يرغبون توفره فيها، موجباً لإثارة مجموعة من الاستفسارات والتساؤلات حول الأسباب والموانع التي أدت إلى ذلك. ومحاولة معرفة كيف يمكن للإنسان أن يكون شخصاً ناجحاً في أي مجال من المجالات التي يريد، فالطالب مثلاً في مجال دراسته، والموظف في مجال عمله، والزوج في حياته الزوجية، وهكذا.

معنى النجاح:

ولا يذهب عليك، أن الساعي إلى الوصول إلى النجاح يحتاج في البداية أن يكون محيطاً بمعنى النجاح وحقيقته حتى يمكنه أن يسعى إلى الحصول عليه، لأنه لا يمكن أن يسعى الإنسان إلى الوصول إلى شيء ونيله من دون أن يكون عارفاً به، وبمعناه، وإلا كان كمن يبحث وراء السراب.

ومن الأمور المثيرة للانتباه، خلو الآيات القرآنية عن الإشارة إلى مفردة النجاح، أو شيء من مشتقاتها صراحة، ما أوجب هذا أن يتوهم بعضهم عدم أهمية هذا المفهوم من الناحية الشرعية، وأنه من المفاهيم التي لا يوليها الشارع المقدس اعتناء، فلا يلزم أن يعتنى به، فضلاً أن يبحث عنه.

والإنصاف، أن الآيات الشريفة، وإن خلت عن التعرض لمفردة النجاح بمادتها، أو بشيء من مشتقاتها، إلا أن ذلك لا يعني عدم تعرض القرآن إليه، والحديث عنه.

ويتضح هذا عند التأمل في المقصود من مفردتين تضمنتها الآيات الشريفة، وهما مفردة الفلاح ومفردة الفوز، فإن معنى النجاح، قد ضمن فيهما، فإنه لا يتصور أن يتحقق فلاح من دون أن يكون هناك نجاح، بل إنه الطريق لتحققه، وقد عدّه القرآن الكريم صفة بارزة في الفئة الخاصة، فلاحظ قوله تعالى:- (قد أفلح المؤمنون)[1]، وقوله سبحانه:- (قد أفلح من تزكى)[2]، لا يكون إلا بعد أن يتحقق النجاح، وإلا فلا.

كما أنه لا يخفى على أحد أن معنى الفوز يتضمن النجاح، لأنه لا يتصور أحد أن يكون الإنسان فائزاً من دون أن يكون قد حقق النجاح.

وبالجملة، إن القول، بعدم تضمن الآيات القرآنية الحديث عن النجاح، في غير محله، بل إنه قد ضمّن كما في الكثير من المفاهيم ضمن مفردات ومفاهيم أخرى، بحيث عدّ بمثابة القاعدة الأًصل لتحققها ووجودها، فلاحظ.

وكيف ما كان، فإنه يمكن أن يذكر تعريفان لمعنى النجاح:

الأول: ما تضمنته كلمات اللغويـين، فإن المستفاد منها في بيان حقيقته، أنه عبارة عن: الظفر بالمطلوب وتحقيق الغاية[3].

وهذا التعريف ينطوي على أمرين:

الأول: نيل الإنسان ما كان يصبو إليه، من خلال تحقيقه لمطلوبه، سواء كان ذلك المطلوب أمراً مادياً، أم كان أمراً معنوياً.

الثاني: ترتب الأثر على ما كان يسعى الإنسان إليه، فإن من الواضح أن من يطلب النجاح، يرغب أن يتحصل على الأثر المترتب على ذلك النجاح، فإن أثر النجاح في الحياة الأسرية مثلاً، يعني الاستقرار، فضلاً عن المودة والمحبة بين الزوجين، وهكذا.

الثاني: ما جاء في كلمات علماء النفس، وأنه عبارة عن: شعور داخلي يحصل عند الإنسان إذا تحقق له ما يصبوا إليه.

والكاشف عن هذا الشعور الآثار التي تحصل عند الإنسان، مثل زيادة ثقته بنفسه، أو تنمية القدرات الذاتية الكامنة لديه، أو تطوير المهارات الموجودة عنده، أو قدرته على استخدام الوقت استخداماً مثالياً، وهكذا.

وبالجملة، لا يظهر أن بين التعريفين فرقاً، بل هما يشيران إلى أمر واحد، وبينهما تمام الاتفاق، فلاحظ.

وحتى تكون حقيقة النجاح جلية واضحة، نعرض لبيان المناقض له، وهو الفشل، أو الإخفاق، وقد عرف في كلمات اللغويـين: هو التهاون في الإرادة وضعف في التصميم من خوف أو غيره[4].

وقد ذكرت له جملة من الآثار، كالاضطراب، والاختلاف، وذهاب القوة، والجبن والكسل[5].

أقسام النجاح:

ثم إنه يمكن تقسيم النجاح بحسب الدوافع التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها والنجاح فيها إلى قسمين:

الأول: النجاح العابر:

وهو الذي لا تكون الأهداف التي يسعى للوصول إليها فيه ذات دوام واستمرار، أو تكون ذات أثر محدود. ويمكننا أن نقرب ذلك بمجموعة من الأمثلة:

عندما يدخل شهر رمضان المبارك، نجد أن الكثير من المؤمنين يعيشون حالة من التغيــير، فتراهم يلتـزمون بأداء صلاة الجماعة، كما أنهم يلتـزمون بقراءة القرآن الكريم، ويديمون إحياء الليل، وفي ليلة القدر يصلون الليل بالنهار إحياء لتلك المناسبة، إلا أنه وبمجرد أن ينقضي الشهر الكريم، نجدهم يعودون سيرتهم الأولى، فلا ترى لهم وجوداً في المساجد، وعادة حالة القطيعة والجفاء بينهم وبين القرآن الكريم، وهكذا.

وكذلك بعض الحجاج الذين يوفقون لأداء مناسك الحج، فإنهم خلال فترة تواجدهم في مكة المكرمة يلتـزمون أداء الفرائض الخمس جماعة، ويعيشون حالة من الانقطاع إلى الله تعالى، والارتباط به، وتراهم في يوم عرفة يعيشون حالة خاصة من التضرع وكثرة البكاء والخشوع، إلا أنهم بمجرد أن يعودوا إلى أوطانهم تعود حالة الجفوة بينهم وبين الباري سبحانه وتعالى، وكأنهم قد نسوا ما كانوا فيه خلال موسم الحج، وهكذا ما يجري من المؤمنين خلال موسم عاشوراء.

وكذلك بعض الطلاب، فإنهم لا يملكون فكراً بعيداً، فتجد أن أقصى ما يطمحون إليهم هو تحقيق النجاح في هذا العام، وبأي كيفية كانت، من دون أن يكون لهم رؤية بعيدة المدى تفيد أنهم يرغبون ليس في النجاح فقط، وإنما في تأسيس مجموعة من القواعد والأسس التي يبنى عليها لمستقبل أفضل مشرق، وهكذا.

والأمثلة التي تقدمت وإن تضمنت نجاحاً، إلا أننا لو تأملناها، لوجدنا أن هذا النجاح لا يخرج عن كونه نجاحاً عابراً، لا يكون بعيداً، وإنما يكون محدوداً بأمد أو وقت ما، وينتهي بمجرد انقضاء ذلك الأمد وانتهاء.

الثاني: النجاح الدائم:

ويمكن تعريفه بأنه: الذي يكون الهدف فيه واحداً من الأهداف الكبيرة والعالية في الحياة، ولا يوجد هدف أعظم وأكبر من أن يكون الإنسان الأنموذج الأكمل لخلافة الله تعالى على الأرض، وذلك من خلال تحقيق مفهوم هذه الخلافة بكل معانيها وحيثياتها، مع التحلي بالأخلاق الفاضلة والقيم الكريمة[6].

أسباب النجاح:

ومن الطبيعي بعد أن اتضحت حقيقة النجاح، وتم تحديد المقصود منه، أن يكون في الأذهان سؤال: ما هي أسباب النجاح، وكيف يمكن للإنسان أن يكون ناجحاً؟ فإن هذا الأمر هو الذي يود الجميع أن يحيط به، فالطالب الذي يمارس الدراسة، يهمه أن يحيط بالأسباب التي تكفل له النجاح لمواصلة مشواره التعليمي ليبلغ أعلى المستويات، كما أن الزوج الذي بدأ بناء أسرة وحياة زوجية، يهمه أن يعرف الأسباب التي تكفل له نجاح حياته الزوجية، وهكذا الداعية ورجل الدين، فإنه يهمه أن يحيط بالأسباب التي تكفل له أن يكون ناجحاً في قيامه بدوره ومسؤولياته.

توجد عندنا رواية صادرة عن الإمام الصادق(ع)، وقد جمعت جميع أسباب النجاح التي يحتاج إليها كل من يود تحقيقه وتحصيله. وليعلم أن تلك الأسباب التي اشتمل عليها النص الذي سوف نذكر، لا تختص بشيء من موارد النجاح دون آخر، بمعنى أنها تشمل جميع موارده، سواء كان مورداً مادياً دنيوياً بحتاً، أم كان مورداً اجتماعياً، أم كان مورداً روحياً، وهكذا. فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: ما كل ما نوى شيئاً قدر عليه، ولا كل من قدر على شيء وفق له، ولا كل من وفق لشيء أصاب له، فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والاصابة، فهنالك تمت السعادة[7].

وقد تضمن الخبر المذكور أموراً ثلاثة:

الأول: أنه ليس شرطاً أن كل من يسعى إلى تحقيق النجاح، أن يحققه، لأن تحقيقه يحتاج مقومات، قد لا تكون متوفرة عنده، وقد ذكر أن أحد أهم المقومات القدرة على الوصول إلى النجاح.

الثاني: إن الإنسان قد يمتلك القدرة على الوصول إلى النجاح، إلا أنه يفتقر أمراً آخر يعتبر مقوماً لحصوله وتحقيقه، وهو التوفيق إليه، لأن الإنسان ما لم يتوفر على التوفيق، لا يمكن أن يحقق غرضه.

الثالث: أشار(ع) إلى الأسباب التي متى توفرت كانت موجبة لحصول النجاح وتحقيقه، وقد ذكر: النية، والقدرة، والتوفيق، والإصابة.

ولا يذهب عليك، أن الأمر لا ينحصر في خصوص هذه الأسباب الأربعة، وإنما تشكل هذه الأسباب القواعد الأساس، والتي ينطوي تحت كل واحد منها أمور أخرى دخيلة في تحققها، فتدبر.

هذا وينبغي التنويه إلى أن هذه الأسباب المذكورة في كلامه(ع) بينها تمام الارتباط والعلاقة، بمعنى أنه لا يكفي لتحقيق الغرض المنشود وجود بعضها، بل لابد وأن تكون مجتمعة بأجمعها، لأن بينها علقة وارتباطاً كما لا يخفى. فإن لبعضها أبرز الأثر في تحقيق بقية الأفراد الأخر، فوجود الإرادة مثلاً، وهو المتفرع عن النية، يكون سبباً داعياً إلى أن يملك الإنسان الراغب في النجاح التحدي، ومن ثمّ التضحية، ليحصل في النهاية على الإبداع، فإنه لا يتصور أن يصل الإنسان إلى الإبداع لو لم يكن مالكاً التضحية، ولا يكون ذلك إلا إذا كان يعيش حالة التحدي، وهي التي تتولد من خلال وجود الإرادة الصلبة والحديدية، فلاحظ.

وكيف ما كان، فسوف نعرض للأسباب التي تضمنتها الرواية الصادقية، ونشير إلى ما ينطوي عليه كل واحد من أمور تكميلية تدخل في عنوان أسباب النجاح:

منها: النية الحسنة:

لابد أن تكون دوافع الإنسان تجاه العمل الذي يسعى للنجاح فيه دوافع خيرة، وأن تكون نيته نية حسنة، فإن هذا يعدّ شرطاً أساسياً في تحقيق النجاح وتحصيله، وذلك لأن من كانت غايته بعض الأهداف الخاصة، كمن يسعى لإسقاط شخص ما، أو يسعى للحط من مكانته، أو تكون غايته احباط عمل الآخرين، أو غير ذلك من الدوافع غير الحسنة، من الطبيعي أن لا يوفق لتحقيق النجاح، وإن توفر له ما أراد، وذلك لأن النجاح ليس مجرد النيل من الآخرين، وإنما النجاح عمل يرتبط بالله سبحانه وتعالى، لأنه ما لم يكن العمل مرتبطاً به، فسوف يحرم الإنسان عندها من التوفيق الإلهي، والمدد الرباني، وهذا موجب لعدم تحقق غرضه.

ولم ينحصر التأكيد على أهمية النية في تحقق النجاح في الرواية الصادقية التي تقدمت، بل قد تضمنت النصوص الشريفة تأكيداً على هذا الجانب، فقد جاء عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: عود نفسك حسن النية وجميل المقصد، تدرك في مباغيك النجاح[8]. وهذا إشارة إلى أن حصول التوفيق منه سبحانه وتعالى يتوقف على أن تكون نية الإنسان نية حسنة. وجاء عنه(ع) أيضاً أنه قال: بحسن النيات تنجح المطالب[9]. والسر في جعل النية سبباً لنجاح المطالب ما عرفت من أن وجودها يمثل طريق الارتباط بالباري سبحانه وتعالى، ليكون ذلك سبباً لتحصل الإنسان على التوفيق. وقال(ع) أيضاً: أقرب النيات بالنجاح أعودها بالصلاح[10].

ولا تتحقق النية الحسنة إلا إذا توفرت أمور:

أحدها: التفكير الجدي:

ولا يخفى أن هذا متفرع عن النية التي أشير إليها في كلام الإمام أمير المؤمنين(ع)، والإمام الصادق(ع)، فلاحظ.

وكيف ما كان، فإن التفكير عند الأفراد ينقسم إلى قسمين، لأنه لا يخلو إما أن يكون تفكيراً إيجابياً، أو يكون تفكيراً سلبياً، وحتى يتنسى للإنسان تحقيق النجاح لابد وأن يكون تفكيره تفكيراً إيجابياً، فإن صاحب التفكير السلبي لا يمكن له أن يصل إلى ذلك أبداً، لأنه يعيش حالة من اليأس والإحباط. بخلاف ما إذا كان تفكيره إيجابياً، فإن ذلك يدفعه لتحقيق النجاح والوصول إليه، وكفى أن يتوجه إلى أن وجود التفكير الإيجابي هو أحد الأسباب التي توجب حصول الثقة بالنفس عند الفرد، ليندفع للسعي للوصول إلى أهدافه التي يود نيلها وتحقيقها.

ولا ريب أن الظفر بالمطلوب، يحتاج أن يكون التفكير منصباً على ملاحظة أنفع الأفكار وأحسنها، وإلا لن يتسنى الوصول للغرض.

ثانيها: الدقة في الهدف والتركيز عليه:

وهذا أيضاً مثل سابقه في كونه من أفراد النية ومتفرع عليها، وربما عدّ فقدانه أحد أهم الأسباب الموجبة للإخفاق وعدم تحقق النجاح.

ولا أظن أن الحديث عن هذا الأمر يحتاج بسطاً، إذ يكفي أن يعلم أنه من الأمور العقلائية، فإن سيرة العقلاء قائمة على أنه لا يمكن للإنسان أن ينتج، فضلاً عن أن ينجح ما لم يتوفر على عنصر التركيز، فإن صاحب الفكر المشتت، لا يستطيع أن يصل إلى شيء أبداً.

ثالثها: الإيمان:

ولا نقصد به الإيمان العقدي، الذي يكشف عن إيمان الإنسان بالله سبحانه وتعالى، فإن ذلك مفروغ عنه، لأننا ذكرنا في مطلع الحديث عن أنه لابد وأن تكون النية حسنة لترتبط بالله سبحانه وتعالى. وإنما نقصد من الإيمان في المقام الإيمان التربوي، وهو يعني: قناعة الإنسان واعتقاده بامتلاكه الأهلية والقدرة على تحقيق ما يود الوصول إليه، أو الحصول عليه، فإذا لم يكن الإنسان مؤمناً بقدراته، ولا معتقداً أن له القابلية على أن يحقق أهدافه، فمن الطبيعي جداً أن لا يحصل على ذلك. ولذلك لابد وأن يملك الإنسان ثقة بنفسه أن لديه الكفاءة أن عنده من الإمكانيات ما تكفل له الوصول إلى غرضه والظفر بمطلوبه.

ولا يبعد أن يكون هذا هو المقصود مما روي عن أمير المؤمنين(ع) في قوله: لا وسيلة أنجح من الإيمان[11]، فتدبر.

رابعها: الرغبة الحقيقية في الهدف:

لا ريب أن أبرز عوامل تحقيق الهدف، وجود الرغبة عند الإنسان في الوصول إليه، فالطالب الذي لا يملك الرغبة للدراسة، لا يمكن له أن ينجح، كما أن فقدان عنصر الرغبة عند الزوجة مثلاً في استقرار الحياة الزوجية، مانع من حصول النجاح لها، وهكذا من لا يملك رغبة التوبة، لا يمكن أن يكون قريباً من الله تعالى.

وبالجملة، إن الرغبة تمثل محركاً ودافعاً عند الإنسان، يجعله ينبعث من أجل تحقيق الغرض ، وبلوغ النجاح.

هذا وقد يخلط الكثير بين عنصرين فيجعلهما واحدا، وهما عنصر الخبرة والرغبة، فيتصور أن تحقيق المطلوب متوقف على توفر مبدأ الخبرة، وبدونه لا يمكن الحصول عليه.

ونحن لا ننكر ما للخبرة من دور فعال في تحقيق النتائج الإيجابية، إلا أننا نقرر أن للرغبة درواً لا يقل أهمية في تحقيق النجاح، لو لم يكن دورها أهم من دور الخبرة، فلاحظ. وعليه، لا يلزم أن يخلط الأمران، بل لكل واحد منهما أثره، ودوره.

ومنها: القدرة:

ونقصد بها أن يكون الإنسان ممتلكاً للقابلية على تحقيق الطموح الذي يسعى للوصول إليه، ونيل الغرض الذي يود تحقيقه، فما لم يكن قادراً على ذلك، بحيث يكون مفتقداً إلى مثل هكذا أمر، فلن يتسنى له الوصول لما لمطلوبه وغرضه، فلاحظ.

وعلى أي حال، ينطوي تحت هذا العنوان مجموعة من المفردات دخيلة في تحصيل سبب القدرة، نشير لبعض منها:

أحدها: تحديد الهدف:

ويمكننا القول بأن كثيراً من حالات الإخفاق التي تصيب الطامحين للوصول إلى النجاح منشأها فقدان تحديد الأهداف، ذلك أنهم يقدمون في السعي للوصول إلى النجاح من دون أن يكون عندهم هدف واضح ومحدد يسعون لتحقيقه، وقد عرفت عند بيان حقيقة النجاح أنه ظفر بالمطلوب، ولا يكون هذا الظفر إلا جراء تحديد هدف يسعى إلى الوصول إليه وتحقيقه، فكيف يمكن الوصول من دون أن يكون هناك تحديد؟!.

وتقسم أهداف الأفراد من حيث مضمونها، إلى أهداف قصيرة، وأهداف متوسطة، وأهداف طويلة، كما أنها تتنوع بحسب غاياتها، إلى أهداف دنيوية، وأهداف أخروية، والدنيوية، قد تكون مادية، أو اجتماعية، أو سياسية، وهكذا.

وبالجملة، أياً ما كان الهدف الذي يسعى الإنسان، فإنه يحتاج أن يكون واضحاً ومحدداً، كي ما يتسنى له أن يصل إليه، فلاحظ.

ثانيها: الرؤية والاستراتيجية:

إن تحديد الرؤية والاستراتيجية يسرّعان كثيراً في الوصول إلى الظفر بالغرض وتحقيق المطلوب، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن للإنسان رؤية، فإن من الطبيعي أن المالك للرؤية سوف يكون عمله منظماً، وبالتالي يكون انتقاله في خطوات أسباب النجاح وفق ملاحظة الأولويات، فلا ينتقل من سبب إلا بعد أن تتوفر جميع مقوماته، وهكذا يأتي للسبب الثاني، وهذا بخلاف من لا يكون ممتلكاً للرؤية في مقام العمل، فإن عمله سوف يغلب عليه عنصر العشوائية والفوضى، وهذا يستوجب أن يتنقل بين الأسباب دونما إتمام منه لكل مقومات كل واحد منها، فيسبب ذلك تشويشاً واختلالاً.

مضافاً إلى أن وجود رؤية عند الإنسان يعطيه مساحة واسعة من التخيل، تكفل له أن يتحرك بعيداً في طور الوصول إلى الأهداف المنشودة.

وكما أن وجود الرؤية يعطى سعة في الأفق، ويفسح المجال للخيال، فإنه أيضاً أحد الأسباب الموجبة لتوفر عنصر الطموح والهمة عند الفرد، لأن وجودها يسبب تولد الطموح عند الإنسان لتحقيق ما يصبو إليه، وهذا بخلاف من لا رؤية عنده، فإنه لن يتوفر على الطموح أساساً، فلاحظ.

ثالثها: التخطيط والتدبير:

ويعتبر هذا الأمر من المفردات التي يتبانى جميع العقلاء على أهميتها في كافة المجالات، ولا يختص ذلك بمن يرغب الوصول إلى النجاح، بل كل فرد يعيش على صفحة الوجود، يقرر العقلاء حاجته إلى أن يمتلك التخطيط والتدبير.

ولم تختلف النصوص الشريفة عن المنهج العقلائي، إذ نجدها قد أمضت ما قام عليه ارتكازهم، فقد ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: التدبير قبل العمل يؤمنك الندم[12]. والنص المذكور يشير إلى واحدة من النتائج السلبية التي قد تترتب على الإقدام على عمل ما من دون أن يكون هناك تخطيط، فأشار(ع) إلى الإخفاق الذي قد يصاب به الإنسان، ما يوجب حصول الندم عنده بعد ذلك.

وجاء عنه(ع) أيضاً أنه قال: قدر ثم اقطع، وفكر ثم انطق، وتبين ثم اعمل[13]. وهذا النص يمثل الطريقة المثلى في كيفية التعاطي مع الأمور، والإقدام على عمل ما، فإن التقدير يمثل عملية التخطيط والرؤية، والتفكير يمثل النية الحسنة، ثم يكون العمل بعد ذلك.

وعلى أي حال، فإن من اللازم على من يصبو للوصول إلى النجاح والحصول عليه أن يكون ممتلكاً لخطة عمل مدروسة، يسير على وفقها، ولنقرب ذلك بمثال اجتماعي، إن الزوجين الذين يرغبان أن ينجحا في حياتهما الأسرية، لابد وأن يكونا قد وضعا خطة لحياتهما، تشتمل كيفية التفاهم بينهما حال وقوع مشكلة، وكيفية علاجها، وكيف سيقومان بتربية أولادهما، وكيف، وكيف، وهكذا. فإن وضع هذه الخطة كفيل بأن تكون حياتهما حياة سعيدة وموفقة، وإلا فلا.

ومنها: التوفيق الإلهي:

ولا أظن أننا بحاجة إلى أن نتحدث عن هذا السبب، لأن نيله يعتمد على مدى ما يملكه الإنسان من نوايا حسنة وإخلاص، وقرب من الباري سبحانه وتعالى.

ومنها: الإصابة:

ونقصد بها الظفر بالمطلوب، والوصول إلى الغرض، وهذا الذي يكون خاتمة الأسباب حتى يتحقق الهدف، وهذا السبب يتوقف على أمر واحد، وهو التنظيم، فإن جميع ما قدم، لن يكون ذا جدوى لو لم يكن هناك تنظيم لما يراد الوصول إليه، ويكون ذلك من خلال تنظيم أشياء متعددة ذات ارتباط، تبدأ من تنظيم الأوقات، وتمر بتنظيم الجهد والطاقة، وهكذا.

أسلحة النجاح:

ولا ينحصر الوصول إلى النجاح فقط في توفر أسبابه، بل إن هناك عنصراً آخر لابد من توفره، وهو يتمثل في الأسلحة التي يلزم توفرها لمن يبحث عن توفير أسباب النجاح، ذلك أن فقدانها يمثل مانعاً من توفر الأسباب، فإن من لا يملك العلم على سبيل المثال، لا يمكنه أن يملك التدبير والتخطيط، كما لا يمكنه أن يعيش التنظيم، وهكذا.

وقد حصرت أسلحة النجاح في ثلاثة عناصر:

أحدها: العلم:

إن التدبر في جميع ما تقدم ذكره من الأسباب كاشف عن أن وجودها لا يكاد يكون لو لم يكن الساعي للنجاح يملك العلم والمعرفة، وكما عرفت قبل قليل، كيف يمكن للجاهل أن يعتني بالتخطيط والتدبير، أو كيف يمكن لمن لا يعلم أن يعي أهمية الهدف، ولزوم وجود همة ورغبة وتفكير وطموح، وهكذا، إذاً حتى يمكن للإنسان أن يحقق أسباب النجاح، لابد وأن يكون ممتلكاً لسلاح العلم، وإلا فلن يتمكن من تحقيقها.

ثانيها: الأخلاق:

يعتبر وجود الأخلاق في كافة المجالات الحياتية من الضروريات، والتي تكفل لمالكها النجاح في ما يصبو إليه، ولعل في سيرة الأنبياء(ع) شاهداً على ما نقول، إذ أنهم لم يكونوا أغنياء، أو أصحاب جاه، وإنما بلغوا ما بلغوا واستطاعوا أن يغيروا الواقع بما كانوا يملكونه من أخلاق.

وهذا هو الذي يلزم أن يتوجه إليه الساعي لتحصيل النجاح، فإنه أحوج ما يكون صاحب خلق، لمدخلية ذلك في تحقيق نجاحه.

ثالثها: الحكمة:

وهي حسن الإدارة والتنظيم للعمل، والتدبير وكيفية التصرف، وقد أشرنا إلى أهمية ذلك في ما تقدم، فلا نعيد.

أسباب الفشل:

وكما تحدثنا عن أسلحة النجاح وأسباب حصوله، لنعرض أيضاً إلى موجبات حصول الإخفاق، والأسباب التي تؤدي إلى وجود الفشل، فكما كان هناك تطلع وبقوة إلى معرفة الأسباب التي توجب النجاح، فإن هناك رغبة ملحة في المقابل لمعرفة الأسباب التي توجب حصول الفشل، وقد تضمنت البحوث النفسية جملة من الأسباب، نشير إلى بعضها:

منها: انتظار النجاح وعدم القيام بأي عمل:

وهذا من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الفشل، ذلك أن الكثيرين لا يملكون همة ولا رغبة، فتراهم يجلسون وكأنهم ينتظرون حصول الفرج من السماء، من دون أن يسعوا في التغيـير أو في الإصلاح، فضلاً عن أن يقوموا بالتخطيط والتدبير، وإنما يعيش الشخص منهم حالة من الخمول والاسترخاء المطلق، فهو يرى المشاكل الاجتماعية بكافة معانيها، إلا أنه لا يقوم بأي شيء من أجل علاجها، وهو يتلمس حاجة المجتمع إلى أمور كثيرة، لكنه لا يفكر، فضلاً عن أن يخطط، أو أن تكون لديه رؤية يمكنه من خلالها تغيـير واقع المجتمع، وإصلاح شأنه، وهكذا.

ومنها: عدم إنجاز العمل كاملاً:

إن كثيراً من الشباب يمتلك المقومات الأساسية للنجاح، وقد تتوفر لديه أسلحته، إلا أننا نجدهم يخفقون في الوصول إليه، وتراهم يتساءلون كثيراً: لماذا حصل الإخفاق، وما هي أسبابه؟

لو تأملنا، وجدنا هؤلاء يعيشون في البداية حماسة وربما شديدة جداً لمجموعة من الأفكار والاستراتيجيات، ويسعون إلى تحقيقها رغبة في النجاح، إلا أنهم وبعد مدة من الزمن يصابون بشيء من الملل والسأم، ولهذا لا ينجزون ما ابتدأوه من عمل، ويقفون ربما في منتصف الطريق، ومن الطبيعي جداً أن عدم إكمال العمل يكون موجباً لحصول الإخفاق والفشل، فإن النجاح يتوقف على إنجاز العمل كاملاً، فلاحظ.

ومنها: فقدان التخطيط الواضح:

قد عرفت في الحديث عن أسباب النجاح الحاجة إلى التخطيط، وهذا يعني أن فقدانه سوف يكون سبباً مؤدياً لحصول الإخفاق والفشل، فلاحظ.

ومنها: التخاذل وعدم الثبات على الهدف:

إن بعض الأفراد لا يمكنه أن يبقى على هدف واحد، ولذا تجده يعدد الأهداف التي يرغب تحقيقها، ليبلغ النجاح، وغالباً ما يكون عدم الثبات على هدف واحد سبب من للإخفاق والفشل.

ومنها: الكسل والخمول:

من الطبيعي أن من يود النجاح لا يعيش حالة التأخير والتسويف في العمل، ولذلك لا يعرف لعبارة سوف أفعل ذلك مستقبلاً، سوف أقوم بذلك بعد مدة، سأنفذ ذلك يوم غد، معنى، وليس لها في قاموس حياته العملي مكاناً.

إن جميع هذه المفردات وأشابهها، لا يعرف أصحاب الطموح والرؤى والتخطيط للنجاح شيئاً منها، لأنهم أشخاص يعيشون بعيداً عن الخمول والكسل، ويحبون العمل، لأنهم على معرفة تامة أن الوصول للغاية المنشودة، وتحقيق الطموح والحصول على الهدف الذي هو النجاح، لا يكون إلا من خلال ذلك، وليس من خلال التأجيل والتأخير، والتسويف[14].

[1] سورة المؤمنون الآية رقم 1.

[2] سورة الأعلى الآية رقم 14.

[3] لاحظ القاموس المحيط مادة نجح ج 1 ص 364.

[4] التحقيق في كلمات القرآن الكريم مادة فشل ج 9 ص 99.

[5] المصدر السابق.

[6] الطريق إلى النجاح ص 15 (بتصرف).

[7] بحار الأنوار ج 5 باب الهداية والإضلال ح 50 ص 210.

[8] ميزان الحكمة النية ج 8 ص 3419 ح 21008.

[9] المصدر السابق ح 21013.

[10] المصدر السابق ح 21014.

[11] الطريق إلى النجاح ص 35 عن غرر الحكم.

[12] تحف العقول ص 70.

[13] الطريق إلى النجاح ص 66 عن كتاب غرر الحكم ودرر الكلم.

[14] استفدنا من كتاب الطريق إلى النجاح.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة