س: ما هو المقصود من الحداد؟
ج: نص الفقهاء(رض) على أن المرأة إذا مات زوجها، وجب عليها أمران:
الأول: عدة الوفاة.
الثاني: الحداد.
ومقتضى ما ذكر أن هناك وجوبين عليها، كل واحد منهما مستقل عن الآخر، ويترتب على ذلك ثمرة عملية كبيرة، كما لو تركت المرأة المعتدة عدة الوفاة الحداد عمداً وعصياناً طيلة فترة العدة، أو كان تركها له جهلاً أو نسياناً، لم يجب عليها استئناف العدة من جديد، بل كفاها ما أتت به، ومثل ذلك لو تركته خلالها وألتفت إلى ذلك اثنائها، كفاها ما صدر منها، ولم تحتج إلى الاستئناف من جديد، أو تدارك ما فاتها.
ويقصد من الحداد ترك المرأة المعتدة عدة الوفاة كل ما يعدّ زينة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه، ومن الطبيعي أن هذا الترك سوف يختلف من مكان إلى آخر، أو زمان إلى آخر، فلبس الثياب السوداء كان في زمان من الأزمنة من أجلى مصاديق الحزن والجزع، وقد يكون اليوم من صور الزينة التي تستخدم في أوقاتها، وبالتالي لو كانت المرأة معتدة عدة الوفاة وأرادت الحداد لوجب عليها عدم لبس هذا النوع من الثياب لكونه من مصاديق الزينة، وهكذا.
ومثل ذلك ما تجريه المرأة في بعض شأنها الخاص، من تنظيف للوجه، وتحديد للحاجبين، فقد كان في السابق من مصاديق الزينة، فلو لم ينطبق على ذلك هذا العنوان في هذه الأزمنة مثلاً، لم يكن ممنوعاً على المرأة المحتدة، وهكذا.
هذا وقد نص الفقهاء على تعداد جملة من المصاديق ينبغي على المرأة أثناء فترة الحداد اجتنابها، ويكون ذلك في اللباس أو في البدن. أما في اللباس، فيلزمها أن تترك لبس الملابس الحمراء والصفراء ونحوهما من الألوان التي تعدّ زينة عند العرف، ويجري الكلام أيضاً في الثوب الأسود لو أعد بطريقة توجب عدّه زينة، أو كان متضمناً بعض الخصوصيات التي تجعله كذلك، كما لو كان مخططاً مثلاً، أو ما شابه ذلك.
وأما في البدن، فيكون ذلك بترك التكحيل، والتطيب، والخضاب، وتحمير الوجه مما يعدّ زينة عند العرف. ومثل ذلك يكون في ترك أنواع الحلي، من المصوغات الذهبية، والفضية، وغيرها من أدوات الحلي، بل أدوات الزينة مما ليس حلياً كما يعرف اليوم بالإكسسوارات، وهكذا. نعم لو أضطرت إلى استخدام الكحل مثلاً لظرف ما جاز لها استخدامه، وإن كان الأفضل أن تجعله في الليل، وتمسحه في النهار.
هذا وقد يتصور البعض أن من الحداد ترك تنظيف البدن واللباس، وتقليم الأظفار، والاستحمام، وتمشيط الشعر، وترك الافتراش بفراش فاخر، وترك السكنى في مساكن مزينة، وترك تزيـين أولادها. وهو تصور خاطئ، إذ ليس من الحداد شيء مما ذكر، وهذا يعني أنه يجوز جميع ما ذكر.
ولا يعد من الحداد بقاء المرأة المعتدة أثناء حدادها في بيتها، بحيث لا يجوز لها الخروج، بل يجوز لها أن تخرج منه لضرورة تقتضيه، كما لو كانت بحاجة إلى مراجعة الطبيب للعلاج مثلاً، أو كان خروجها منه لأجل أداء حق أو فعل طاعة كزيارة الوالدين، أو صلة الرحم، أو الذهاب لحج بيت الله الحرام، أو لزيارة أحد المراقد الطاهرة للمعصومين(ع)، أو قضاء حاجة.
وهل يجوز الخروج من بيتها لغير هذه الموارد، أم لا؟ خلاف بين فقهائنا، فألتـزم بعضهم بعدم جواز الخروج منه على الأحوط وجوباً، وبنى آخرون على جوازه لكن على كراهية.
ويجوز للمرأة المعتدة عدة الوفاة أن تجعل حدادها في بيت غير بيت الزوجية، فلا يجب عليها البقاء في بيتها الذي كانت تسكنه عند وفاة زوجها، فيجوز لها التغيـير والانتقال لمسكن آخر، والله العالم.