ثقافة الاعتذار
لما كان الإنسان مخلوقاً لا ينفك عن الخطأ إلا من عصم الله، بل يمثل الخطأ جزءاً من تركيبته السلوكية، احتاج إلى الاعتذار.
ونقصد به اقرار الإنسان بصدور الخطأ منه واعترافه بذلك وطلبه العفو والصفح والمسامحة، فالزوج قد يخطأ في حق زوجته ويحتاج منها مسامحته وكذلك هي، والصديقان قد يخطأ كل منهما في حق الآخر ويطلب صفحه وعفوه، والجار مع جاره والزميل مع زميله، وهكذا.
ومما يؤسف له أن تكون نظرتنا للاعتذار نظرة سلبية، ونعدّه أمراً معيباً، ظناً منا أنه يكشف عن حالة من الضعف والانكسار. ونغفل عن أن الاعتذار قيمة إنسانية وأخلاقية عالية.
أصناف الناس تجاه الاعتذار:
ويمكن تقسيم الناس حيال هذه القيمة الأخلاقية إلى ثلاثة أصناف:
الأول: من يملك روح المبادرة لإيجادها خارجاً بمجرد صدور الخطأ منه، فيعمد الزوج سريعاً إلى الاعتذار من زوجته، وطلب المسامحة منها، وكذا يقوم الصديق بالإقرار بخطأه أمام صديقه رغبة في صفحه وعفوه. وهذا الصنف يقل وجوده في محيطنا الاجتماعي.
الثاني: من يحتاج وقتاً وزماناً كي ما يقوم بالاعتذار، وذلك لعدم قناعته مباشرة بصدور الخطأ منه، فهو يحتاج إلى جلسة مراجعة وشفافية مع النفس حتى يقنع بخطأه واشتباهه، ويمثل هذا الصنف عددا جيدا في وسطنا الاجتماعي.
الثالث: من يرفض الاعتذار ويمتنع عن القيام به مكابرة وعناداً ورفضاً له، بل يطلب من الناس قبول ذلك منه ومعذوريته في فعله، وما أكثر هؤلاء بيننا.
ويعاني أصحاب هذا القسم من أحد مرضين، بل ربما كليهما، وهما مرض الغرور، وضعف الشخصية فهو لا يملك الشجاعة للوقوف أمام الآخر والاعتراف بخطئه.
من يعتذر:
ومن المهم التوجه إلى أن الاعتذار لا يطلب من كل أحد، لأن من الممكن جداً أن من تطالبه الاعتذار ليس مقتنعاً بحصول خطأ منه، فالزوج عندما يطالب زوجته أن تعذر إليه عليه أولاً أن يحزر قناعتها بخطئها، لأن السبب الرئيس في بعض موارد رفض الاعتذار يعود لاختلاف المفاهيم، فما يراه الزوج خطئاً تراه الزوجة صواباً، وما يعتبره الصديق تقصيراً، يراه الآخر تحديداً للعلاقة، وهكذا مع الزميل في العمل، أو الجار وغير ذلك.
ولهذا حتى يتحقق الاعتذار لابد أن يشعر الآخر بكونه مخطئاً، ويقرّ بذلك، فإنه لن يعتذر ما لم يؤمن بالخطأ.
وقد نحتاج أحياناً الاعتذار من الآخرين الذين نتدخل في شؤونهم وفي طريقة حياتهم، وأسلوب أفكارهم.
آثار عدم قبول العذر:
وقد حثت النصوص الشريفة على قبول العذر من المعتذر، فقد جاء عن أمير المؤمنين(ع) قوله: اقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً.
وعن الإمام زين العابدين(ع) قال: لا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره، وإن علمت أنه كاذب. وقال(ع) أيضاً: إن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره.
وقد تضمنت النصوص الآثار المترتبة على عدم قبول العذر، فعن النبي الأكرم محمد(ص)، قال: من أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك منه، محقاً كان أو مبطلاً، فإن لم يفعل لم يرد عليّ الحوض.
وفي رواية أخرى قال(ص): لم ينل شفاعتي. وقد وصف الإمام الصادق(ع) من لا يقبل عذر أخيه المؤمن بأنه أنقص الناس عقلاً.