فقه النذر (3)

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
62
0

متعلق النذر:

ونقصد بمتعلق النذر ما يعتبر في الفعل أو الترك الذي يلتـزم به الناذر، وهو ما تعلق النذر به. ونقصد بالفعل الذي يلزم نفسه الإتيان به، كالصيام أو الصلاة، والترك الذي ألزم نفسه بتركه، كتركه التدخين، أو ترك عقوق الوالدين، ويعتبر في المتعلق أمر أساسي، وهو:

التصريح بالمتعلق، فلو قال: لله علي، من دون أن يذكر الفعل أو الترك الذي يريد أن يلتـزم به، كان نذره لغواً لا معنى له.

ما يعتبر في متعلق النذر:

س: هل يعتبر في متعلق النذر شرط أو شيء خاص، أم أنه ينعقد النذر بكل متعلق؟

ج: يعتبر في متعلق النذر أمور، لابد من توفرها:

الأول: أن يكون متعلقه من الأعمال والتروك الراجحة التي يحسن تمنيها لما في فعلها من مصالح أو في تركها من مفاسد.

س: بناءً على اعتبار كون متعلق النذر راجحا، فهل يلزم من ذلك أن يكون الرجحان رجحاناً شرعياً، فلا يكفي الرجحان العرفي مثلاً؟

ج: لا يعتبر في رجحان المتعلق أن يكون الرجحان رجحاناً شرعياً، كفعل الواجب، أو المستحب، ومثل ترك الحرام، والمكروه، بل يكفي أن يكون الرجحان رجحاناً عرفياً، أو يكون الرجحان رجحاناً شخصياً، كما في الكثير من المباحات التي يستحسن العقلاء فعلها أو تركها لما تتضمنه وتشتمل عليه من المصالح والمفاسد الدنيوية التي خبروها في تجاربهم، أو المصالح التي يترجح فعلها أو تركها عندهم لأسباب وظروف خاصة بشخص معين، حتى لو لم تكن عند العقلاء كذلك.

ووفقاً لما ذكرنا فلو لم يكن الفعل أو الترك راجحاً عند العقلاء، فإن كان راجحاً شرعاً، أو كان راجحاً عرفاً، أنعقد النذر، أما لو لم يكن كذلك بمعنى لم يكن راجحاً لا شرعاً ولا عرفاً، بعدما لم يكن راجحاً عقلائياً، بل كان مرجوحاً لا ينبغي فعله، أو تركه، أو كان من المباحات المحضة التي يتساوى فيها الفعل والترك، مثل شرب الماء إذا لم تكن هناك حاجة إليه، فإنه لا ينعقد النذر حينئذٍ.

الثاني: القدرة على وجوب الوفاء به عند حلول وقت الوفاء، وهذا يعني أنه لا يعتبر توفر القدرة على الوفاء عند عقد النذر، وإنما هي معتبرة عندما يحين وقت الوفاء به، فلو نذر ما ليس مقدوراً له من البداية، كما لو نذر العاجز عن القيام الصلاة من قيام، لم ينعقد نذره أصلاً.

العجز عن الوفاء بالنذر:

س: شخص كان يعتقد قدرته على أمر ما، فنذره بناءً على قدرته على الوفاء به، ثم تبين له أنه لا يقدر على الوفاء، به، فهل يحكم بانعقاد نذره؟

ج: إذا ظهر أنه كان عاجزاً عن الوفاء بالنذر من الأول، فإنه يحكم بعدم انعقاد النذر.

س: إذا كان الإنسان قادراً في البداية، وأقدم على عقد النذر، ثم بعد ذلك عجز عن الوفاء به، نتيجة طروء ما يوجب العجز، فكيف يصنع؟

ج: إذا كان قادراً على الوفاء بالنذر، إلا أنه طرأ عليه ما أوجب عجزه، فعندنا صورتان:

الأولى: أن يكون وقت الوفاء بالنذر موسعاً يحتمل معه أو يعلم خلال هذه المدة أن يزول عنه العجز، ويشفى فيتمكن من الوفاء بالنذر، وجب عليه الانتظار ومن ثمّ الوفاء.

الثانية: أن لا يكون الوقت موسعاً، وقد ظهرت عليه أمارات العجز خلال تلك المدة، وجب عليه المبادرة إلى الأداء إن كان قادراً، فإن لم يبادر عدّ حانثاً، ووجبت عليه الكفارة.

نعم إذا لم يكن متوانياً في التأخير، أو فاجأه العجز من غير توقع منه، لم يأثم، ولزمه التريث فإن حصلت له القدرة على الأداء بعد العجز خلال مدة الوفاء وجب عليه أن يفي بما التـزم به من النذر، فإن استمر به العجز حكم عندها ببطلان نذره، ولم يكن عليه شيء.

العجز عن النذر لو كان صوماً:

نعم هناك حالة واحدة إذا عجز فيها المكلف عن النذر، فإنه لا يحكم ببطلان النذر، وهي ما إذا كان النذر صوماً فهنا الأحوط وجوباً أن يكفر مخيراً بين أسلوبين في التكفير:

1-أن يعرض على المسكين أن يصوم عنه، فإذا قبل المسكين بالصيام عنه دفع إلى المسكين مدين من الطعام.

2-أن لا يقبل المسكين الصيام عنه، فهنا يدفع له مداً واحداً من الطعام فقط.

العجز عن القيد:

س: كان الكلام السابق في ما إذا حصل للناذر عجز عن المقيد، أما لو كان عجز الناذر عن القيد، بأن كان المتعلق مقيداً وكان للقيد مدخلية في أصل الالتـزام، وهو مقوم للمتعلق عرفاً، فعجز المكلف عن القيد، ولم يعجز عن المقيد، مثلاً لو نذر أن يعتمر في شهر رجب، أو نذر أن يزور الإمام الحسين(ع) في شهر شعبان، فعجز عن العمرة في شهر رجب، مع قدرته على الإتيان بها في غير هذا الشهر، أو عجز عن زيارة الإمام الحسين(ع) في شهر شعبان مع قدرته على أدائها في غير هذا الشهر، فما هو الحكم؟

ج: في مثل هذا الفرض يحكم بانحلال نذره متى تحقق منه العجز، وسقط عنه وجوب الوفاء به.

س: كان السؤال السابق في فرض دخالة القيد في أصل الالتـزام، وهو مقوم لمتعلق النذر عرفاً، والآن نفرض السؤال السابق نفسه، مع البناء على أن القيد ليس مقوماً للمتعلق عرفاً، مثل أن ينذر زيارة الإمام الحسين(ع) أو حج بيت الله الحرام مشياً على الأقدام، وعجز حينئذٍ، فما هو الحكم؟

ج: في هذا الفرض يجب عليه الوفاء بالمنذور، لأن القيد المأخوذ لم يجعل مقوماً للنذر كما هو الفرض، فيجب الذهاب للحج أو الزيارة، وإن كان عاجزاً عن المشي ما دام يمكنه الركوب.

الثالث: معلومية المتعلق، فلا ينعقد النذر لو كان المتعلق مبهماً، فلو قال الناذر: لله عليّ أن أقوم بعمل، لم ينعقد نذره. نعم يكفي في ارتفاع الإبهام أن يقتصر على ذكر الجنس، أو ذكر النوع ولو لم يذكر المقدار، والوقت وما شابه ذلك، فلو قال: لله عليّ لأتصدقن، أو قال: لله عليّ لأصلين صلاة مستحبة، فإنه يكفيه ذلك في مقام الوفاء أن يأتي بما يكون محققاً لعنوان الصدقة، أو أداء الصلاة المستحبة.

وعليه، لو نذر شخص طاعة يكفي أن يأتي بأي عمل من الأعمال يتقرب به لله سبحانه وتعالى، من صوم أو صلاة أو صدقة، أو أمر بمعروف، أو ما شابه ذلك.

وكذا لو نذر أن يتصدق كفى أن يدفع أي شيء مما يصدق عليه اسم الصدقة، ولو نذر الصيام أو الصلاة المستحبة، كفاه الاقتصار على صوم يوم واحد، وعلى صلاة مفردة الوتر من صلاة الليل، وهكذا.

نعم لو كان حين الإنشاء قد قصد في ذهنه الالتـزام بكيفية معينة، أو قصد الالتـزام بمقدار خاص، فإن صدر منه تلفظ بالعنوان، كالصوم مثلاً، إلا أنه قصد في ذهنه صوم ثلاثة أيام، فإنه يكون ملزماً بالوفاء بما قصده، وهو صوم ثلاثة أيام حتى لو كان لم يصرح بذلك.

تردد الناذر:

س: لو تردد الناذر في المتعلق بين الأقل والأكثر، فعلى ماذا يبني، هل يبني على الأقل، أم يبني على الأكثر؟

ج: إذا حصل للناذر تردد في المتعلق بين الأقل والأكثر، فإن منشأ التردد أحد أمرين:

الأول: أن يكون منشأ التردد هو الإجمال في المنذور، كما لو نذر أن يتصدق بمال كثير، ولم يتضح له المقصود من المال الكثير، فإنه كما يصدق على المائة مثلاً، فهو يصدق على الألف.

الثاني: أن يكون منشأ التردد هو النسيان، بمعنى أنه على علم بأنه قد نذر التصدق، لكنه نسى مقدار ما نذر الصدقة به، هل هو المائة، أم أنه الألف.

وعلى أي حال، فأياً ما كان منشأ التردد بين الأقل والأكثر، سواء أكان هو المنشأ الأول، أم كان المنشأ الثاني، فإنه يكفيه أن يبني على الأقل.

س: لو حصل عند الناذر تردد بين المتباينين، كما لو تردد أنه نذر إطعام الفقراء، أم أنه نذر كسوتهم، أو أنه نذر التصدق على الفقراء، أو قراء مجلس حسيني، فماذا يفعل؟

ج: إذا حصل عند الناذر تردد بين المتباينين كما في الأمثلة المذكورة، فقد اختلف علمائنا في ذلك، فبنى بعضهم على أن وظيفته حينئذٍ هي العمل بجميع تلك المحتملات، فيقرأ مجلس التعزية، ويتصدق على الفقراء، حتى يحرز فراغ ذمته مما اشتغلت به. بينما ألتـزم آخرون بأن عليه أن يعمد إلى القرعة ويستخرج المطلوب منه من خلالها. نعم لو كان فعل الأمرين مثلاً يستوجب حصول ضرر له، أو كان يستلزم عسراً أو حرجاً عليه، ففي هذه الحالة عليه أن يعمد إلى القرعة، لأنها لكل أمر مشكل، فما خرجت عليه القرعة عمل به.

نسيان النذر:

س: شخص عقد النذر، إلا أنه نسي ما عقد عليه النذر، فكيف يفعل؟

ج: إذا نسي الناذر ما عقد النذر عليه، فوظيفته أن يأتي بما يكون محتملاً له في نذره، بمعنى ينظر ما هو المحتمل أن يكون قد نذره، فيأتي به حتى يطمئن أنه أدى ما عليه، ولم يخالف التكليف.

س: لو كان متعلق النذر معلقاً على شيء ما، ثم تبين حصول المعلق عليه قبل حصول الالتـزام، فهل ينعقد النذر أم لا، مثلاً: إذا نذر أن يصلي ركعتين شكراً لله تعالى إذا قدم ولده من السفر سالماً، وبعدما نذر تبين له قدوم ولده قبل أن يعقد النذر، فهل يلزمه الوفاء بالنذر حينئذٍ؟

ج: في الفرض المذكور لم ينعقد النذر من الأساس، وذلك لأن المعلق عليه وهو القدوم كان متحققاً قبل صدور النذر من الناذر، فالمعلق عليه متحقق قبل حصول الالتزام، فلا نذر أصلاً. نعم لو كان نذره مطلقاً بمعنى أنه غير معلق على قدوم الولد من السفر، بل المعتبر مطلق قدومه وفي أي وقت كان، فعندها يمكن القول بلزوم الوفاء بالنذر عليه.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة