قال تعالى:- (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)[1].
من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان أخذ عليه ميثاقاً يستوجب طاعته له، ويجعله يعترف له سبحانه بالربوبية المطلقة، والحاكمية المطلقة، ويقر على نفسه بالعبودية، إلا أن الكلام في تحديد موضع أخذ هذا الميثاق الواقع بين الله سبحانه وتعالى من جهة، وبين عباده من جهة أخرى، وما هي حيثياته، وكيفيته وجملة من الأمور المرتبطة بذلك.
إن الرجوع للآيات الشريفة يعطي تصوراً أولياً يفيد في الإجابة حول هذه التساؤلات المثارة، فيستفاد منها مثلاً أن هناك نحوين من الميثاق، أحدهما الميثاق المباشر، والآخر الميثاق غير المباشر، ونعني بالميثاق المباشر هو الذي لا يتضمن واسطة بين الباري سبحانه وتعالى وبين عباده، مما يعني أن المتولي لعقد الميثاق وأخذه من المواثقين هو الباري سبحانه، بينما يقصد من الميثاق غير المباشر أن هناك واسطة بينه تعالى وبين الخلق، وهم الأنبياء والرسل، والأوصياء، فيتولى الواسطة أخذ تلك المواثيق من المواثقين، كما لا يخفى.
والظاهر أن الآية التي أفتـتحنا بها مقامنا تشير إلى الميثاق المباشر، بينما يشير للنحو الثاني العديد من الآيات الشريفة، ووفقاً لهذا يمكن القول أن الميثاق الإلهي قسمان، الميثاق المباشر، والميثاق غير المباشر.
تعريف الميثاق:
هذا وقبل الحديث عن أول القسمين من أقسام الميثاق، لابد من أن نتعرف على ما هو المقصود منه، إذ يراد من الميثاق، العهد المؤكد الذي يكون بين العبد وربه، يعترف فيه العبد لله سبحانه وتعالى بالربوبية، وعلى نفسه بالعبودية، ويلتـزم بموجب هذا الميثاق بالطاعة لله سبحانه وتعالى.
ووفقاً لهذا الميثاق، تتحقق عندها رابطة بين العلاقة التكوينية، والعلاقة التشريعية، بين الله تعالى وعباده.
الميثاق الإلهي المباشر:
وأول ما يتبادر إلى الأذهان، هو التساؤل عن موضع أخذ الميثاق المباشر، هذه المعاهدة التي وقعت بين الله سبحانه وتعالى وعباده، وأين كان موضعها، وكيف كانت؟
قلنا، بأن الآية التي أفتـتحنا بها المقام تشير إلى الحديث حول هذا الموضوع، إلا أنها لا تعرض لذلك بنحو التفصيل، فإنها لا تتحدث عن بيان كيفية ذلك الميثاق، ولا كيفية أخذه، نعم هي متضمنة للحديث عن أصل الموضوع، وهو أن الله سبحانه وتعالى قد أخذ الميثاق والعهد على الإقرار بالربوبية له من عباده، وقد أقر العباد على ذلك، والتزموا به على أنفسهم له سبحانه.
إن عدم تعرض الآية الشريفة لبيان التفاصيل المذكورة، أوجب اختلافاً بين المفسرين، دعى إلى تعدد النظريات المفسرة لعملية الميثاق، والتفاصيل المرتبطة به، وبعيداً عن مدى القبول بهذه النظريات، ورفضها، ومدى صحة بعضها، إلا أن المقدار الثابت عندنا هو دلالة الآية الشريفة على وجود ميثاق بين الله سبحانه وبين عباده. وكيف كان، فلنعرض لبعض النظريات المذكورة في تفسير الميثاق، والإشارة لموضع أخذه سبحانه وتعالى من عباده.
النظرية الأولى: عالم الــــذر:
وتقرر هذه النظرية أن الله سبحانه وتعالى، قد أخذ من ظهر آدم(ع) ذريته وقبل ميلادهم، أو أنه أخذ من آدم(ع) ذريته، ومن ظهور ذريته ذريتهم، ومن ظهور الذرية من الجيل الثالث ذريتهم من الجيل الرابع، حتى استوفى كل ذرية آدم قبل ميلادهم، ومنحهم العقل والوعي والإرادة، ثم خاطبهم:- (ألست بربكم)فكانت الإجابة بالإيجاب، والتـزموا لله تعالى بالطاعة والعبودية، ثم بعد ذلك ردهم الله سبحانه إلى أصلاب آبائهم، واجتمعوا من جديد في صلب آدم(ع)، إلى أن أخرجهم سبحانه مرة أخرى إلى الحياة الدنيا.
والحاصل، إن هذه النظرية تقوم على أساس أنه سبحانه وتعالى، أحضر أبناء آدم(ع) عند خلقه من صلبه، على هيئة كائنات ذرية صغيرة الحجم، وأخذ منهم الميثاق، ومن الطبيعي أن يكون لهذه الكائنات الدقيقة صغيرة الحجم شعور ووعي وعقل.
وقد استندت هذه النظرية في أطروحتها بهذه الكيفية إلى أمرين:
الأول: الاستناد إلى أن لفظة الذرية التي وردت في الآية الشريفة محل البحث مشتقة من مادة ذر، وهي تعني الكائنات الصغيرة والدقيقة جداً، كذرات الغبار، وصغار النمل.
الثاني: النصوص الشريفة والواردة من طريق الفريقين، ولذا عرفت هذه النظرية بأنها نظرية أهل الحديث، فقد سأل زرارة أبا جعفر الباقر(ع) عن قولا لله عز وجل:- (وإذ أخذ ربك من بني آدم)قال: أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه، وأراهم نفسه ولولا ذلك ما عرف أحد ربه[2]. ومثل ذلك جاء عن أبي عبد الله الصادق(ع) في قول الله عز وجل:- (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم)قال: أخرج الله من ظهر آدم من ذريته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه، ولولا ذلك لن يعرف أحد ربه، ثم قال:- (ألست بربكم قالوا بلى)[3].
ومع غض الطرف عن النصوص المذكورة، إذ أن الوارد من طرقنا يغلب عليه الضعف السندي، فإن هناك تساؤلات تثار حول هذه النظرية، أُشير إليها في كلمات غير واحد من المفسرين:
منها: ما هي الفائدة المتوخاة من أخذ هذا العهد والميثاق من قبله سبحانه من عباده وقبل ميلادهم، خصوصاً وأنه ليس هناك من يتذكر هذا العهد والميثاق الذي تعهد به وألتـزم.
ومنها: لا يختلف اثنان في نسيان العنصر البشري لهذا الميثاق، ومع نسيانه له فلن يكون هذا حجة عليه يوم القيامة، لأن العمل فرع التذكر، ومع عدم التذكر، فلن يعمل، فلا يكون محجوجاً.
ومنها: إن الذي يكون حجة على الإنسان هو ما يكون قد صدر منه بنفسه التي يحيى بها في عالم الدنيا، وهذا يعني أنه لو صدر من الإنسان اعتراف بشيء لكن بنفس أخرى غير هذه النفس، فلن يكون لذلك الاعتراف أدنى أثر أو فعلية في ترتب الأثر عليه. ولذا لابد وأن يكون الاعتراف الصادر في عالم الذر وفقاً لهذه النظرية قد صدر بنفس النفس التي سوف يحيى بها الإنسان في عالم الدنيا، وإلا فلا قيمة له.
ولا يختلف أحد في أن النفس البشرية قد نشأت مع البدن في هذه النشأة الدنيوية، ونموها وتكاملها إنما هو بنمو وتكامل هذا البدن، ولا تستقل عنه إلا بعد موته[4].
ومنها: إن النظرية المذكورة مخالفة لظاهر الآية الشريفة، ضرورة أن الآية تتحدث عن الأخذ من بني آدم، بينما النظرية المذكورة، تقرر الأخذ من ظهر آدم(ع)، فلاحظ[5].
نعم أصعب ما يوقف الباحث أمام هذه النظرية هي النصوص الكثيرة الواردة في بيانها، ومن الفريقين، والضعف السندي المتصور في جملة منها قد يعالج من خلال استفاضتها لو لم يقل بتواترها، ولذا يصعب أن يكون المنشأ لردها ورفضها منحصراً في عدم إحراز صدورها، وهذا يعني أنه لابد وأن تعالج من طريق آخر، فإما أن يتصرف فيها دلالياً وذلك بحملها ولو على خلاف ظاهرها، أو أن تكون مما يرجئ، ويرد علمه إلى أهله.
ولو بني على الأول، أعني التصرف الدلالي في الظاهر، ولو بالحمل على خلاف الظاهر نتيجة وجود قرائن مساعدة، لم يكن ذلك بعيداً، وهذا ما فهمه شيخنا المفيد(قده)، وغيره من الأصحاب، كما سيتضح عند عرض نظريتهم، فأنتظر.
النظرية الثانية: الوجود الملكوتي والوجود الملكي:
وهي نظرية سيدنا العلامة الطباطبائي(قده) في تفسيره الميزان، وقد بني سيدنا العلامة(قده) نظريته على أساس الالتـزام بوجودين، وجود ملكوتي، ووجود ملكي، وقد استفاد ذلك من خلال قوله تعالى:- (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم)[6].
توضيح ذلك: يقرر السيد الطباطبائي(قده) بأن لكل شيء في هذه الدنيا وجودين، وجود واسع لا يتقدر بقدر، وهو يحيط بالوجه الذي يلي الدنيا، ووجود مقدر ومحدد، وهو الوجه الذي يلي الدنيا، وينمو تدريجياً، ويخرج بموجبه من القوة إلى الفعل، وقد استفاد ذلك من قوله تعالى:- (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم)، فإن المقطع الأول من الآية يشير إلى الإحاطة التامة له سبحانه وتعالى بالموجودات في عالم الملكوت، وهو إشارة إلى وجودها غير المحدود والمقدر بقدر، وأما المقطع الثاني من الآية فيتحدث عن الوجود الملكي، وهو الوجود المحدود والمقدر بقدر، لقوله تعالى:- (بقدر معلوم)، ووفقاً لهذا فلكل شيء في هذا الوجود وجهان مختلفان، أحدهما في عالم الملكوت عنده سبحانه، والآخر في عالم الملك، ينـزل من الوجه الأول بأمر منه تعالى، وهذان الوجهان ليسا شيئين مختلفين، بل هما وجهان لشيء واحد، أحدهما الوجه الذي يكون عنده تعالى، والثاني، ما يكون نازلاً إلى عالم الدنيا. ولا يخفى أن هناك تأخراً رتبياً بين الوجهين، فوجه عالم الملك متأخر رتبة عن وجه عالم الملكوت، ومتفرع عليه. ثم إنه بعد وضوح هذا المعنى وهو بمثابة الكبرى، أمكننا أن نفسر الآية الشريفة، ذلك أن سيدنا العلامة(قده) يقرر أن الميثاق المأخوذ فيها كان في عالم الملكوت، وأنه سبحانه قد أخذه منهم في وجههم الأول، أعني عالم الملكوت، فهم في عالم الملكوت يشاهدون سبحانه، فيقرون له بالربوبية، ويقرون على أنفسهم بالعبودية، ويلتـزم له تعالى بالتسليم والطاعة[7].
والحق أنها من النظريات الإبداعية لصاحب الميزان(قده)، وهي من الدقة بمكان بحيث يصعب على كل أحد إدراكها والوصول إلى معناها، ونحن لا نجد ما يمنع من القبول بها، ولا ما يتصور إيراداً عليها، إلا كونها مما لا يتناسب والعقول البسيطة التي يرجى أن يكون القرآن الكريم لها هدى وبينات من الهدى، إذ أن الدقة العقلية فيها تجعلها من الأمور الغير متصورة، ولا المستفادة من الآية الشريفة، فلاحظ.
النظرية الثالثة: الاستعداد والقابلية:
وهذه النظرية تتفق مع النظرية الأولى في أصل الفكرة، فهي تقوم على ما قامت عليه، وتقرر نفس ما قررته، إلا أنها تضيف بعد ذلك ما يوجب اختلافها عنها فتقرر أن الجواب والإقرار الذين وقعا من بني آدم في تلك النشأة كان بلسان الاستعداد، وهو لسان مألوف في المخاطبات القرآنية، وقد استعمله القرآن الكريم في غير مورد. وبيان هذه النظرية: إن الإنسان عند انتقاله من صلب أبيه إلى رحم أمه، وانعقاد نطفته ليس هو إلا ذرة، إلا أن هذه الذرة تمتلك الاستعدادات والقابليات الجديرة بالاهتمام، فهي تملك مثلاً الاستعداد والقابلية لمعرفة الباري سبحانه، وهكذا.
وبالجملة، إن هذه الذرات تملك جميع الاستعدادات والقوى والإمكانات والمواهب التي تبرز في شخصية الإنسان السوي من العقل والفطرة والضمير والعاطفة والإحساس، والبصيرة والفؤاد والسمع والبصر، وهكذا. وهذه هي التي استنطقها الباري تعالى، فأجابت بلسان الاستعداد الكامن والموجود عندها له تعالى بالربوبية والتسليم والطاعة. ويشهد لصحة هذا المعنى أعني الخطاب بلسان الاستعداد ما جاء في قصة آدم(ع)، في قوله تعالى:- (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم)[8]، فإن الثابت عدم تحقق الإنباء منه(ع)، وإنما عرف الملائكة(ع) أنه يملك القابلية والاستعداد. ومثل ذلك قد يجري في قوله تعالى:- (فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)[9]، فإن توجيه الكلام للسماء والأرض وهما الفاقدان للشعور يعني أنه خطاب عن طريق التكوين، فيكشف عن خضوعها تكويناً لمشيئته سبحانه.
وتعتمد هذه النظرية على أن الألفاظ لم توضع لخصوص المصاديق وإنما وضعت للمفاهيم، ومجرد تبادر بعض المصاديق إلى الذهن لا يوجب حصر المفهوم فيها، فلفظ القلم والميزان، واللوح والكتاب، لا يعني حصر المعنى المراد منها في خصوص مصداقها الحسي المتبادر إلى الأذهان. ووفقاً لهذا فما جاء في آية الميثاق من إشهاد وسؤال، لا يلزم أن يكونا على وفق الطريقة المألوفة، على أساس أنه المصداق الحسي لذلك، بل مقتضى المفهوم أن يكون له معنى آخر، وهو ما تقرره النظرية الثالثة[10].
هذا والمناقشة في هذه النظرية واضحة، إذ أول ما يلاحظ عليها عدم انسجامها مع الزمان الواقع فيه الميثاق، والذي تتحدث عنه الآية الشريفة، توضيح ذلك:
إن الظاهر من الآية المباركة أن أخذ الميثاق كان في الزمان الماضي، ومقتضى هذه النظرية أن الميثاق أخذ عند خلقة الإنسان وتكوينه، مع الاستعداد والقابلية للهداية، فيلزم أن يكون ظرف الحادث وظرف الخطاب واحداً، مع أن ظاهر الآية خلاف ذلك، فإنه يفيد تعدد ظرفي أخذ الميثاق، والخطاب.
ومما تناقش به النظرية المذكورة أيضاً، إن مقتضى كون هدف الآية بيان أن الإنسان مخلوق ذا قابليات يستدعي أن يكون الخطاب فيها ليس بلغة الإشهاد، وإنما بلغة التعريف، أي يعرفهم سبحانه نفسه، ولا حاجة لأن يقروا على أنفسهم، بل يقتضي أن يخبروا بالمعرفة.
وأخيراً، إن حمل الخطاب والإشهاد على الخطاب والجواب التكويني، ولغة الاستعداد يحتاج قرينة صارفة له، وإلا كان من حمل اللفظ على خلاف ظاهره.
النظرية الرابعة: الحياة الدنيا والولادة الطبيعية:
وتعتمد هذه النظرية على تفسير الآية الشريفة على حسب ظاهرها دونما حاجة إلى تصرف فيها، فتقرر أن الميثاق قد أخذ في هذه النشأة، وفي الحياة الدنيا التي نعيشها، وأن الذرية التي أخذها الله تعالى من ظهور بني آدم ليست من الذر المبثوث، وإنما هي ذرية حقيقة، بمعنى النسل والنشأ، والمقصود من أخذ الذرية من بني آدم، يعني من أصلاب الأباء وأرحام الإمهات، والميثاق الذي تشير إليه الآية الشريفة ميثاق فطري، يعقده العبد مع الباري سبحانه في الإقرار بالربوبية لله تعالى، والعبودية والطاعة لله بصورة فطرية، ويكون هذا الميثاق الفطري في مرحلة من مراحل النضج والوعي الفطري من دون استثناء. ويساعد على هذا المعنى، بل ربما يشير إليه الحديث النبوي المعروف: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه. نعم إن اللغة التي تم بها الخطاب هي لغة رمزية، فخطابه تعالى للذرية يرمز إلى الخلق والربوبية، وفي الخلق والربوبية ما يستنطق المخلوق للإقرار بربوبيته تعالى، والاعتراف له بالحاجة.
وتظهر هذه النظرية من شيخنا المفيد في أجوبته على المسائل السروية، حيث قال: إن هذه الآية من المجاز في اللغة، كنظائرها مما هو مجاز واستعارة، والمعنى فيها: أن الله تبارك وتعالى أخذ من كل مكلف يخرج من ظهر آدم وظهر ذريته العهد عليه بربوبيته من حيث أكمل عقله، ودله بآثار الصنعة على حدوثه، وإن له محدثاً لا يشبهه، يستحق العبادة منه بنعمه عليه، فذلك هو أخذ العهد منهم، والإشهاد لهم على أنفسهم بأن الله تعالى ربهم[11]. واستشهد لإثبات أن اللغة رمزية، وأنه هذا الأسلوب مستعمل في القرآن الكريم بقوله تعالى:- (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)[12]، قال(قده): وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام، ولا السماء قالت قولاً مسموعاً، وإنما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها، ولم يتعذر عليه صنعها، فكأنه لما خلقها(قال لها وللأرض ائتيا طوعاً)فلما تعلقتا بقدرته كانتا كالقائل(أتينا طائعين)[13].
فالاستجابة الفطرية يعني الإقرار بربوبية الباري سبحانه، والتسليم والطاعة له بلغة الفطرة.
ووفقاً لهذه النظرية يمكن أن تعالج النصوص التي تمسك بها أصحاب النظرية الأولى، فيقال: بأن النصوص الشريفة تتحدث بلغة الرمزية، وهي ما أشار له شيخنا المفيد(قده)، والله العالم بحقائق الأمور.
[1] سورة الأعراف الآية رقم 172.
[2] بحار الأنوار ج 41 ص 258.
[3] المصدر السابق ص 250.
[4] هذا بناءً على نظرية صدر المتألهين، المعروفة بالحركة الجوهرية، فلاحظ.
[5] مجمع البيان ج 4 ص 497، الميزان في تفسير القرآن ج 8 ص 325-327، تفسير الرازي ج 4 ص 221-222.
[6] سورة الحجر الآية رقم 21.
[7] الميزان ج 8 ص 319-322.
[8] سورة البقرة الآية رقم 33.
[9] سورة فصلت الآية رقم 11.
[10] الميزان في تفسير القرآن ج 8 ص 333، تفسير الرازي ج 4 ص 322، مجمع البيان ج 4 ص 498، في ظلال القرآن ج 9 ص 58-59، الأمثل في تفسير القرآن المنـزل.
[11] راجع بحار الأنوار ج 5 ص 264.
[12] سورة فصلت الآية رقم 11.
[13] راجع بحار الأنوار ج 5 ص 264.