مدخل:
من الأمور المعتبرة في الشريعة الإسلامية،أنه لا يجوز أكل الحيوان حياً،بل لابد من كونه قد فارقت روحه جسده بطريقة مقررة من الشارع المقدس،حتى يجوز أكله،ولذا لو أن شخصاً اقتطع قطعة من حيوان حي لم يجز له أن يأكله بحال من الأحوال،كما لا يجوز له أن يستخدم جلده لو أخذ الجلد منه وهو حي فيما يعتبر فيه تحقق التذكية،بل لو أكل منه وهو حي،كان حكمه حكم أكل الميتة،كما أن استخدام جلده في هذه الحالة،كاستخدام جلد الميتة.
نعم يستثنى من ذلك السمك،فيجوز أكله حياً،بل يجوز أكله حتى قبل أن تهمد حركته،ولا يعتبر في جواز أكله تحقق موته،بل يكفي تحقق صيده،بالأمور التي يعتبرها الشارع المقدس،كما سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
التذكية:
كما لا يجوز أكل الحيوان عدا ما استثني حياً،كذلك لا يجوز أكله قبل أن تتحقق تذكينه،فما لم يذكَ،لا يجوز أكله،لأنه ميتة،أو في حكمها.
والتـذكية،مصطلح يراد به:إحداث الموت في الحيوان بطريقة خاصة،إما بالاصطياد إن كان الحيوان يذكى بالصيد،أو بالذبح إن كان يذكى بالذبح،أو بالنحر إن كان الحيوان يذكى بالنحر.
وفي مقابل التذكية موت الحيوان حتف أنفه،أو موته بأي كيفية كانت،لكن دون توفر الشروط المعتبرة في التذكية،حتى لو كان موته عن طريق الذبح أو الصيد أو النحر لكن دون أن تتوفر الشروط المعتبرة في الذبح،فإنه يعامل حينئذٍ معاملة الميتة.
هذا وقد وقع البحث بين أعلامنا،في أن التذكية هل تختص بخصوص،الحيوان المحلل الأكل،بهدف أكل لحمه،أو الانتفاع بأجزائه،أو أنها شاملة حتى للحيوان غير المحلل الأكل؟….قولان بين الأصحاب.
فقال بعض العلماء بأن التذكية لا تختص بالحيوان المحلل أكله،بهدف أكل لحمه أو الانتفاع بأجزائه،بل تشمل كل حيوان حتى محرم الأكل،أهلياً كان أم برياً،أليفاً أم وحشياً،طائراً كان أم غيره،ما عدا الكلب والخنـزير،وما عدا الحشرات،أيضاً إلا الجراد منها.
فمن اصطاد أرنباً أو أسداً،أو قام بذبح قط،أو فأر،يحكم بطهارة أجزائه وصحة الانتفاع به في كل عمل يتوافق مع شروطه،فيمكن أن تجعل وعاء للمشروبات،أو المأكولات،كأن تجعل قربة ماء أو وعاء سمن،أو ما شابه.
بل لا فرق في قبول الحيوان المحرم للتذكية بين ما هو محرم بالأصل،كالأسد والثعلب،وبين ما هو محرم بالعارض،كمثل الحيوان الجلال أو الحيوان الموطوء،فإنه وإن حرم أكل لحمه ونجست فضلاته،لكنه يبقى مما يقبل التذكية،كغيره من الحيوانات،فينتفع به في غير الأكل من أنواع الاستعمالات.
هذا وكما عرفت أن التذكية تتحقق بأحد أمور:
1-الذبح.
2-النحر.
3-الصيد.
فينبغي التعرض لهذه الأقسام الثلاثة كل على حدى.
الذبح:
وهو أحد الأسباب التي يتحقق بها التذكية،وحقيقة الذباحة أنها إماتة الحيوان بإسالة دمه واستنـزافه حتى تزهق روحه،ويتحقق ذلك بطريقين:
ثانيهما:النحر،وسيأتي عليه الكلام لاحقاً.
وأولهما الذبح:وهو قطع ما يصطلح عليه بالأوداج الأربعة،وهي عرقا الدم الرئيسيان الأيمن والأيسر اللذان يوجدان في الرقبة،والحلقوم،وهو مجرى الهواء،والمريء،وهو مجرى الطعام.
وهذه الأوداج الأربعة تتجمع في أعلى الرقبة عند نقطة الاتصال بالرأس،فإذا قطعت هذه الأوداج بشروط معينة تأتي إن شاء الله،صار الحيوان مذكى،فيحكم بطهارته،وجواز أكله،إن كان الحيوان مأكول اللحم.
ثم إن هذه الطريقة تصلح لتذكية كل حيوان ما عدا الجمل،أما الأسماك والزواحف،فلا يتحقق فيها الذبح،ولا النحر،لاختلافها تكويناً وخلقاً عن سائر الحيوانات التي تقبل ذلك.
شروط الذبح:
لابد للحكم بتحقق التذكية،من خلال الذبح أن تتوفر مجموعة شروط نذكرها تباعاً:
1-أن يكون الذابح شخصاً مسلماً،ذكراً كان أم أنثى،فاسقاً كان أم مؤمناً أم مخالفاً،مختاراً كان أم كان مكرهاً على القيام بعملية الذبح،أعمى كان أم مبصراً.
فلا يصح الأكل من ذبيحة قام بذبحها شخص كافر،وأما إذا كان من أهل الكتاب،فقال بعض العلماء بجواز أكل ذبيحته،وقال بعض آخر بعدم جواز أكلها،وفصل ثالث فقال:أنه إذا كان يسمي على الذبيحة،أو يحتمل صدورها منه فيجوز أكلها،أما لو لم يكن كذلك فلا يجوز أكلها،ومنشأ ذلك كله لاختلاف الروايات في المقام.
هذا وقد يسأل سائل:
هل يعتبر في الذابح أن يكون بالغاً سن التكليف،أو يجوز الأكل من ذبيحة الصبي حتى لو لم يكن مكلفاً،لكنه كان ملتفتاً لما يعتبر في تحقق الذبح،وقد حقق ذلك كله؟…
ونجيب:
بأنه إذا كان الصبي غير بالغ،وكان ملتفتاً لما يعتبر في تحقق التذكية،وقد حقق ذلك كله،فيحكم بحلية ذبيحته،أما لو لم يحرز ذلك منه،يشكل البناء على حلية ذبيحته،فلا يترك الإحتياط الواجب بترك الأكل منها.
2-أن يكون الذابح ممتلكاً لدرجة من الشعور بحيث يتحقق معها القصد إلى الفعل والوعي له،فلا تحل ذبيحة من وقعت السكين من يده،فذبحت الحيوان،من غير قصد منه،كما لا تحل ذبيحة الصغير الذي لا يتحقق القصد منه.
أما المجنون والسكران فإن ذبيحتهما تحلان إذا كانا يمتلكان مرتبة من الوعي بحيث يتحقق أن لديهما قصد،وإلا فلا يبنى على حليتها.
3-أن يستقبل بالذبيحة حين الذبح القبلة،فلو أخل بالاستقبال بها عامداً حرمت،أما لو كان ترك الاستقبال لنسيان منه أو لجهل باشتراط ذلك في صحة الذبح،أو كان عدم تحقق الاستقبال من باب الخطأ في جهة القبلة،بمعنى أن القبلة لجهة الغرب،لكنه اعتقد أنها لجهة الشمال فذبحها على أساس أنه مستقبل بها إلى القبلة والواقع غير ذلك،لم تحرم الذبيحة في جميع ذلك.
وكذلك لو لم يعرف جهة القبلة،أو لم يتمكن من توجيهها إليها ولو من خلال الاستعانة بشخص آخر،واضطر إلى ذبحها في حالتها تلك،كالحيوان المستعصي أو الواقع في البئر ونحوه،فإنها تحل في جميع ذلك.
بل حتى لو خاف أن تموت عليه الذبيحة لو قام بتوجيهها إلى القبلة،مثلاً كانت الذبيحة قد وقعت في بئر مثلاً،أو اصطدمت بها سيارة مثلاً،وقد أدركها صاحبها وهي حية لم تمت بعد،لكن إذا قام بالاشتغال بتوجيهها للقبلة يخاف أن تفوت منه،فعندها يسقط لزوم الاستقبال،فلو ذبحها من دون توجيهها للقبلة في مثل هذا الفرض يبنى على حليتها.
والشرط المذكور هنا إنما هو استقبال الذبيحة للقبلة،فلا يشترط أن يكون الذابح مستقبلاً لها،بل لو لم يكن مستقبلاً للقبلة كان الذبح صحيحاً،نعم الأحوط استحباباً أن يكون الذابح مستقبلاً للقبلة أيضاً.
وقد يسأل سائل:
كيف يتحقق استقبال الحيوان للقبلة؟…
فنجيب:
أن تحقق استقبال الحيوان للقبلة فيما إذا كان قائماً أم قاعداً،بما يتحقق به استقبال الإنسان حال الصلاة سواء كان قائماً أم كان قاعداً،وبعبارة أوضح،يتحقق الاستقبال منه بجعل مقاديم بدنه جهة القبلة.
أما لو كان الحيوان مضطجعاً على أحد جانبيه الأيمن أو الأيسر،فيتحقق عندها استقباله للقبلة باستقبال بطنه لها،ولا يعتبر أن تكون اليدين،أو الرجلين مستقبلين للقبلة.
4-أن يأتي الذابح بالتسمية عند شروعه في الذبح،أو أن يكون إتيانه بها متصلاً مع الذبح عرفاً،فلا يجزي صدور التسمية من غير الذابح على الذبيحة المذبوحة،كما لا يجزي أيضاً صدور التسمية من الذابح عند مقدمات الذبح،كربط المذبوح مثلاً.
فإن قال قائل:
لو ترك التسمية،فما هو حكم الذبيحة؟…
قلنا له:
ترك التسمية،تارة بنحو العمد،وتارة بنحو النسيان،أو الجهل.
أما لو كان تركه لها بنحو العمد،فإن هذه الذبيحة تحرم حينئذٍ،فلا يجوز الانتفاع بشيء منها،أما لو تركها جهلا منه بوجوبها في حلية الذبح،أو كان تركه لها نسياناً منه لها فهل يحكم بحرمة الذبيحة؟…
قال بعض العلماء بالتفصيل،فحكموا بحليتها في حال النسيان،أما لو تركها جهلاً منه فالظاهر الحرمة.
ثم إن التسمية المطلوبة،لابد وأن تكون صادرة من الذابح بنحو القصد منه،بمعنى أنها صدرت منه على الذبيحة بداعي الذبح،ولهذا لا تجزئ التسمية الصادرة اتفاقاً،أو التي صدرت لغرض آخر.
وهل يعتبر أن تكون صادرة من شخص يعتقد وجوبها في الذبح،فلو وجدنا شخصاً يجيد الذبح،لكنه لا يعتقد بوجوب التسمية في الذبح وقلنا له بأن عليه أن يأتي بها،فاستجاب لطلبنا وجاء بالتسمية فهل يكفي ذلك في صحة الذبح؟…
الجواب،هو أن ذلك أمر غير معتبر في صحة الذبح فيصح الذبح في مثل هذه الحالة.
ثم إن التسمية تتحقق بذكر الله تعالى مقروناً بلفظ من ألفاظ الثناء والتعظيم،مثل الله أكبر،وبسم الله،والحمد لله ولا إله إلا الله،ونحو ذلك.
وهل يكفي ذكر لفظ الجلالة من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تاماً دالاً على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد؟….
قال بعض العلماء بأن الاكتفاء بذلك لا يخلو عن إشكال،فمقتضى الإحتياط الواجب عنده ترك الذبيحة التي اكتفي فيها بذكر لفظ الجلالة فقط،وقال بعض آخر من العلماء أن الاكتفاء بذلك لا يخلو عن قوة.
ذبح الأخرس:
كان هذا الذي تكلمنا عنه هو ذبح غير الأخرس الأصم،أما هو فيكفي في تحقق التسمية منه،أن يقوم بتحريك لسانه وشفتيه تشبيهاً بمن يتلفظ بها مع ضم الإشارة بالإصبع إليه.
وأما المصاب بالخرس لكن لا على أنه أمر ذاتي فيه،بل أصابه الخرس لعارض،فهو ملتفت للفظها فيأتي بها على قدر ما يمكنه،فإن عجز حرك لسانه وشفتيه حين إخطاره بقلبه،وأشار بإصبعه إليه على نحو يناسب تمثيل لفظها إذا تمكن منها على هذا النحو،وإلا أتي بها بأي وجه ممكن.
5-تحقق قطع الأوداج بآلة الحديد مع الإمكان،فلو قطعت الأوداج الأربعة بغيره مع التمكن منه،لم تحل الذبيحة،حتى لو كانت آلة القطع معدن من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضة والرصاص وغيرها.
والمراد من الحديد هو الحديد الخالص،فلا يجوز الذبح بالحديد المخلوط وهو ما يصطلح عليه اليوم بالأستيل على الأحوط وجوباً،وكذا لا يجوز الذبح بالحديد المطلي بالأستيل.
نعم ذكر أهل الخبرة أن الأستيل حديد مصفى،مشتمل على خليط من مواد أخرى كالحديد نفسه،فإنه مشتمل على مواد أخرى أيضاً.
وعلى هذا لابد من ملاحظة نسبة الخليط في الإستيل،فإذا كانت مقاربة لنسبته في الحديد المتعارف-ولعل الغالب هو ذلك-جاز الذبح به،وإلا فلا.
نعم إذا لم يوجد الحديد جاز الذبح بكل ما يحقق قطع الأوداج الأربعة،حتى لو لم تكن هناك ضرورة للاستعجال في الذبح كالخوف من أن يتلف الحيوان قبل ذبحه لو أخر.
والموارد التي يجوز الذبح بها حينئذٍ مثل المعادن الحادة،والزجاجة،والحجارة الحادة،وغير ذلك.
بل حتى لو كانت الآلة تقطع الأوداج لكن بصعوبة يجوز الذبح بها كما في المنجل،لكن لا يجوز الذبح بمثل السن والظفر حتى لو لم يتوفر الحديد.
6-قطع الأوداج الأربعة،وهي عرقا الدم الرئيسيان الواقعان في جانبي الرقبة،والحلقوم،والمريء.
ولا يغني شقها وقطعها جزئياً عن القطع التام الكلي،كذلك يجب قطع الأربعة جميعها،فلا يغني قطع الحلقوم عن قطع سائر الأوداج،نعم قال بعض العلماء بإجزائه،ولا يجزي قطع غيره عن غيره.
هذا ولابد من حدوث قطع هذه الأوداج أثناء حياة الحيوان بنحو يكون موته مستنداً إلى قطعها بتمامها،فلو قطع بعضها فمات الحيوان ثم قطع الباقي لم يحكم بحلية الحيوان.
هذا ويتحقق القطع للأوداج الأربعة من خلال جعل الخرزة المسماة في عرفنا بالجوزة مع الرأس،فلو كانت الجوزة مع الجسد كان معنى ذلك عدم تحقق القطع المعتبر في تحقق الحلية،وعليه يلزم أن يعود فيقطع من جديد ما دامت الذبيحة لم تمت بعد ليصح ذبحه،وإلا حرمت.
هذا ولو طرأ للحيوان شيء استلزم أن يشرف على الهلاك،كأن كان مريضاً،أو افتـرسه حيوان مفترس،أو أصيب بجرح بالغ،أو نحو ذلك،فهنا حالتان:
الأولى:أن تبقى أوداجه سليمة،فيحل بالذبح،ولو لم تعلم حياته،إلا من حركة يده،أو من خلال طرفة عينه.
الثانية:أن يستلزم ذلك الحادث تمزق بعض أوداجه،فإن أدركه حياً،وقطع بالذبح باقي الأوداج حل الحيوان حينئذٍ.
أما لو سبب الحادث التي حدث له قطع جميع أوداجه الأربعة فإنه لا يحل بمجرد إمرار السكين عليها بعد انقطاعها كلها.
وذكر بعض العلماء أنه إذا لم يبق من الحلقوم شي لم يحل أكل الذبيحة،وكذا لو كان الباقي مقداراً من الجميع معلقاً بالرأس أو متصلاً بالبدن على الأحوط.
واعلم أنه يجوز قطع الأوداج من الخلف،وتحل الذبيحة بذلك،كما أنه يجوز غرز السكين في رقبة الحيوان تحت العروق،ثم تحريكها إلى الإمام لقطع الأوداج بها،إذا قطع الأوداج.
هذا وينبغي على الذابح أن لا يستمر في حز المذبح حتى لا يؤدي ذلك إلى فصل الرأس عن الجسد،فإن حصل ذلك منه عمداً بحيث فصل الرأس عن الجسد،لم تحرم الذبيحة،نعم قال بعض العلماء أنه ارتكب محرماً يأثم عليه على الأحوط وجوباً.
أما لو حصل منه قطع الرأس سهواً،أو كانت السكين حادة فسبقته إلى قطع الرأس فلا شيء عليه.
ومثل ذلك لو استمر في الحز حتى أصاب نخاعها،وهو الحبل الممتد من الرأس في الرقبة نزولا في سلسلة الظهر.
7-خروج الدم بالمقدار المتعارف منها حال الذبح،فلو لم يخرج الدم،أو كان الخارج قليلاً بلحاظ نوع الذبيحة المتصور فيها خروج دم أكثر من ذلك،بسبب ما كإنجماد الدم في عروقها،أو غير ذلك،لم تحل.
نعم يحل أكلها حتى لو كان الدم الخارج منها أقل من المقدار المتصور خروجه من مثلها،إذا كان هناك سبب أدى إلى قلة دم الذبيحة،كما لو أصيبت الذبيحة بنـزيف أدى بها إلى ذلك.
8-أن تحصل من الذبيحة حركة بعد تمامية الذبح،حتى لو كانت تلك الحركة يسيرة،بأن تطرف بعينها،أو تقوم بتحريك ذنبها،أو تركض برجلها.
وإنما يلجأ لهذا الشرط في حالة حصول الشك في أن الذبيحة قبل ذبحها هل كانت حية،أو لا.
أما إذا لم يكن هناك شك في تحقق حياتها قبل الذبح فلا يعتبر حصول هذا الشرط لتحقق الحلية.
ولا يعتبر في صحة الذبح أن يكون الذبح من البداية إلى النهاية من قبل شخص واحد،بل يجوز أن يقع الذبح من أكثر من واحد بنحو الاشتراك،بأن يذبحا مقترنين، فيأخذا بالسكين معاً ويذبحا بها معاً،أو يقوم أحدهما بقطع بعض الأعضاء،ويقوم الآخر بقطع الباقي،دفعة واحدة،أو يقع ذلك منهما على نحو التدريج،لكن في مثل هذه الحالة لابد من التسمية منهما معاً فلا يجتزئ بتسمية أحدهما.
الذبح بالمكائن الحديثة:
بعدما عرفنا كيفية الذبح،والشروط المعتبرة في عملية التذكية،يمكننا الآن أن نقرر حلية المذبوح بالمكائن الحديثة من عدمه،وبعبارة أخرى،إذا توفرت الشروط المعتبرة في التذكية في المذبوح بالمكائن الحديثة أمكننا أن نلتـزم بحلية لحمه،وطهارته،وإمكان استخدام جلده في الصلاة،
نعم هناك بعض الإشكالات التي تثار على الذبح بالمكائن سوف نشير لبعضها،ونحيل البقية لملاحظة القارئ العزيز في فهم الجواب،وهذه الإشكالات هي:
1-إن الحيوان أثناء ذبحه،لا يوضع على الأرض،بل يكون معلقاً في الآلة.
وجوابه:أنه لا يعتبر عندنا أن يكون الحيوان أثناء ذبحه موضوعاً على الأرض،بل يجوز ذبحه حتى لو يكن كذلك.
2-إن الحيوان الذي يذبح بالمكائن الحديثة،لا تكون الحياة الطبيعية فيه مستقرة من جهة توجيه شحنة كهربائية إليه حتى يهدأ ويخمد عن الحركة والاضطراب.
وجوابه:بأنه قد عرفت أن وجود استقرار الحياة،وعدم كون الحيوان مخدراً،ليس شرطاً معتبراً في تحقق التذكية،ومن ثم حصول الحلية.
3-إن الذبح بالمكائن الحديثة،لا يحقق حصول الذبح بالسكين.
وجوابه:ليس من الأمور المعتبرة عندنا في تحقق التذكية،ومن ثم حصول الحلية كون الذبح حاصلاً بالسكين.
4-إن الذبح بها يستدعي عدم حصول مقارنة ذكر الله سبحانه من الذابح على الذبيحة،باعتبار عدم وجود ذابح في الحقيقة،بل الذي يقوم بعملية الذبح هو الآلة،كما لا يخفى.
وجوابه:بأنه إذا لم يكن هناك فاصل زمني،يمنع من تحقق الصدق العرفي على ذكر الله على الذبيحة،ولو ممن يقوم بتشغيل الآلة،بحيث يعد عرفاً أنه ذكر اسم الله عليها،كفى ذلك في تحقق التذكية.
وأما القول بعدم وجود ذابح أصلاً فيصدق عرفاً على الظاهر أن الذي يضغط على الزر الكهربائي لتشغيل الماكينة عنوان الذابح،فإذا ذكر اسم الله عليها في وقت الذبح،وكان مسلماً،وكانت الذبيحة مستقبلة للقبلة،كفى ذلك في الحكم بالحلية.
نعم هنا قد يقال،بأن الذي يجري هو صدور تسمية واحدة على عدد كبير من الذبائح،فهل أن ذلك كافٍ لتحقق الحلية،أو أنه يعتبر حصول تسمية على كل ذبيحة ذبيحة؟…
نقول:إذا كان ذبح جميع هذه الذبائح يقع دفعة واحدة،بمعنى أن السكين الذي هو آلة الذبح تقع على الجميع دفعة واحدة،كان ذلك كافياً في تسمية واحدة لأنه يصدق عليه عرفاً أنه ذبحها جميعاً مرة واحدة فيكتفى بتسمية واحدة،أما لو كانت تقع على الذبائح كل واحدة مستقلة عن البقية،مثلاً فلا يكتفى بتسمية واحدة.
محرمات الذبيحة:
هناك بعض الأشياء التي يحرم أكلها من الذبيحة حتى بعد ذبحها على الطريقة الشرعية المعتبرة التي عرفت ما هو المعتبر في تحققها،وهذه الأمور المحرمة هي:
1-الدم،حتى لو كان قليلاً،كمثل الدم الذي يتخلف ويبقى في داخل القلب،أو الكبد.
2-الغائط المتخلف في بطن الحيوان،وهو المسمى بالروث في المواشي،وفي الطيور يسمى بالسلح.
3-العضو التناسلي في الذكر،وفي الأنثى.
4-المشيمة،وهي موضع الولد.
5-العصبان الممتدان من الرقبة على جانبي سلسلة الظهر ما بينها وبين الجلد وصولاً إلى الذنب،ويقال لهما العلباوان،ومفردهما علباء وهي حبل أبيض قاس جداً.
6-خرزة الدماغ،وهو حبة تشبه الحمص وبقدرها،يميل لونها إلى البني الغامق،وتوجد في أسفل الدماغ.
7-النخاع الشوكي،وهو حبل أبيض طري يمتد في داخل سلسلة الظهر من الرقبة إلى الحوض.
8-الغدد،ويقال لها:الدرن،وهي كتل من اللحم لونها رمادي،وتتواجد في أماكن مختلفة من الجسم،وأكثر ما توجد في الدهن الذي يكون مع الرئتين.
9-الطحال.
10-المرارة.
11-حدقة العين وهي البؤبؤ.
وكل ما لم نذكره فهو من الأمور التي يحل أكلها،بما في ذلك الغضروف والأمعاء،وإن كان يكره أكل الكلى وأذنا القلب،وأما ما لا يعتاد أكله،كالعظم والجلد من الحيوان،فإن الأحوط استحباباً ترك أكله،نعم أكل هذه الأشياء من الطيور لا إشكال فيه ما عدا الدم والرجيع،نعم احتاط بعض العلماء في البقية في الطيور والأسماك احتياطاً وجوبياً.
ما تعرف به التذكية:
توجد مجموعة من الطرق التي يمكن من خلالها معرفة تحقق التذكية،نشير إليها:
1-العلم بتحققها،إما من خلال الحس والمعاينة،أو ما شابه ذلك من الأسباب التي توجب حصول العلم بتحققها عند المكلف.
2-شهادة شخصين عادلين بحصولها،بل يكتفي بعض العلماء بشهادة عدل واحد،أو شهادة رجل واحد ثقة،وبعض العلماء يقبل خبر الثقة لكن إذا أفاد وثوقاً واطمئناناً.
فلو وجد المكلف حيواناً كاملاً،أو وجد بعض لحمه،أو وجد جلده،لكنه لم يعلم بحصول التذكية له من عدمها،فكيف يتعامل معه،هل يحكم بحلية لحمه،فيجوز له أكله،ويحكم بطهارته،كما يحكم بجواز الصلاة في جلده،أولا ؟….
نقول في جميع هذه الموارد يبنى على عدم تحقق التذكية فيه،وبالتالي لا يجوز أكل لحمه،كما لا يجوز استعمال جلده في الأمور التي يشترط فيها تحقق التذكية للحيوان الذي يستعمل جلده.
لكن لا يحكم بنجاسته حتى لو كانت له نفس سائلة،شرط أن لا يعلم أنه ميتة،توضيح ذلك:
إذا وجد المكلف حيواناً كما قلنا،فلم يعلم أنه مذبوح على الطريقة الشرعية،فيحكم بحلية لحمه وطهارة جلده،أو أنه ميتة ليحكم بعدم جواز شئ من ذلك.
فنقول:هنا أمور يشترط فيها إحراز التذكية فلابد من توفرها حتى يسوغ الانتفاع بهذا الشيء،وإلا فلا.
فالأكل مشروط بإحراز كون هذا الحيوان مذكى،وفي مثالنا هذا الحيوان لم نحرز تحقق تذكيته،فعليه لا يجوز للإنسان الأكل منه،لعدم إحراز التذكية،التي هي شرط في تحقق الحلية.
أما النجاسة،فلا يمكن القول بحصولها هنا حتى لو مس الحيوان مع الرطوبة،وذلك لأن الموضوع في النجاسة هو الميتة،وهذا الحيوان لم يحرز كونه ميتة،بل هو مشكوك التذكية،ومقتضى الأصل البناء على الطهارة فلا يقال حينئذٍ بنجاسته،لكن قال بعض العلماء بنجاسته في مثل هذه الحالة.
وأما الصلاة في جلده فالمعتبر أن تقع الصلاة في ما هو مذكى،وبما أن هذا مشكوك التذكية،فلا تجوز الصلاة فيه،لكن قال بعض العلماء بجواز الصلاة فيه أيضاً لكون المعتبر عنده أن لا تقع الصلاة في الميتة،لا أن تقع في المذكى،وعليه يجوز الصلاة في مشكوك التذكية،مع احتمال وقوع التذكية عليه.
هذا وتستثنى من الحكم المذكور بعض الحالات،وهي إذا وجدنا الحيوان،وعليه إحدى إمارات التذكية،وهي:
1-يد المسلم المبالي،فإن ما يوجد في يده من اللحوم والشحوم والجلود إذا لم يعلم أنها من غير المذكى،يحكم عليها بكونها مذكاة ظاهراً،لكن هذا الحكم بشرط أن يقترن وجوده في يده بما يظهر منه تصرفه فيه تصرفاً يناسب التذكية،كعرضه اللحم والشحم للأكل،وإعداده الجلد للبس والفرش.
أما لو لم يكن مقترناً بما يناسب التذكية كما إذا رأينا بيده لحماً لا يدرى أن سيأكله،أم سيقدمه للكلاب مثلاً فلا يحكم في مثل هذه الحالة بتحقق التذكية.
هذا ولا فرق في المسلم الذي تكون يده إمارة على التذكية،بين الموالي لأهل البيت(ع)والمخالف،شرط أن لا يكون ناصبياً.
2-سوق المسلمين المبالين بالتعاليم الشرعية،فإن ما يوجد فيها من اللحوم والشحوم والجلود محكوم بالتذكية ظاهراً،سواء أكان بيد المسلم،أو مجهول الحال لكن كان في سوق المسلمين،أما لو كان في يد الكافر،ولو كان في سوق المسلمين فلا يبنى على حليته.
3-أن يكون مصنوعاً في بلاد الإسلام،فإن ما يصنع فيها من اللحم،كاللحوم المعلبة،أو من جلود الحيوانات،كبعض أنواع الأحزمة والأحذية،وغيرها محكوم بالتذكية ظاهراً،من دون حاجة إلى الفحص عن حاله.
ثم إن المدار في كون البلد منسوباً إلى الإسلام،هو غلبة السكان فيه بحيث ينسب عرفاً إليه،حتى ولو كانوا تحت سلطة الكفار،أما لو تساوت النسبة بين المسلمين والكفار من جهة عدم الغلبة،فحكمه حكم بلد الكفر.