من المقدمات التي لابد من تحصيلها لصحة صلاة الفريضة الاستقبال، فكما يعتبر إحراز الطهارة لصحتها، كذلك يعتبر في صحتها استقبال القبلة. وأما بالنسبة لصلاة النافلة، فهناك صورتان يختلف الحكم في كل واحدة منهما عن الأخرى:
الأولى: أن لا يكون المكلف مستقراً حال أدائه الصلاة، كما لو أراد أدائها راكباً في السيارة، أو في الطائرة، أو أراد أدائها ماشياً، سواء كان في سفر أم كان في حضر، فهنا لا يعتبر الاستقبال في تمام الصلاة، كما لا يعتبر في بعض أجزائها، بحيث لا يلزم أن يكون مستقبلاً القبلة حال تكبيرة الإحرام، كما لا يلزم أن يكون حال الركوع أو السجود مستقبلاً إياها. بل له ترك الاستقبال في جميع أجزاء الصلاة، نعم مراعاته مهما أمكن أولى، خصوصاً تكبيرة الإحرام، والركوع والسجود.
الثانية: أن يكون المكلف حال أدائه صلاة النافلة مستقراً، كما لو أراد أدائها في المسجد، أو أراد أدائها في المنـزل، فهنا يلزمه على الأحوط وجوباً استقبال القبلة، ولا يجوز له تركها، وعليه لو صلى والحال هذه من دون استقبال كانت صلاته فاسدة، فلاحظ.
ووفقاً لما ذكرنا، فالأولى لمن يريد أداء النافلة اختيار أدائها حال الاستقرار، مستجمعة لشرائط الصحة كاملة بما في ذلك الاستقبال.
ثم إن ما ذكرناه من عدم اعتبار الاستقبال في النافلة حال عدم الاستقرار، لا يفرق فيه بين الابتداء والاستدامة، فلو كان مستقراً ومستقبلاً في ابتداء النافلة، ولكنه خرج عن الاستقرار والاستقبال في إثنائها اختياراً، أو اضطراراً، وأتم النافلة صحت صلاته، وكذلك العكس، بحيث كان غير مستقر، واستقر لزمه الاستقبال وصحت صلاته.
ولا يخفى أنه لا يلزم من البناء على عدم اعتبار الاستقبال في النافلة حال عدم الاستقرار، سقوط غيره من شرائط صحة الصلاة، كالطهارة مثلاً، أو إباحة لباس المصلي، أو طهارة بدنه، أو طهارة لباسه، بل ينحصر الأمر في الاستقبال بخصوصه، ولا يتعدى منه إلى غيره، فلاحظ.
هذا ومقتضى سقوط اعتبار الاستقبال في النافلة حال عدم الاستقرار، هو عدم الانتقال إلى شيء آخر، بل يلتـزم بسقوط الشرط، أعني استقبال القبلة، فلا ينتقل إلى استقبال الطريق مثلاً، أو استقبال المقصد، أو استقبال رأس الدابة لو كان راكباً عليها.
ثم إن الحكم المذكور من عدم اعتبار الاستقبال في النافلة حال عدم الاستقرار، لا يختص بنوع من النوافل دون الأخرى، بل يجري فيها جميعها، سواءً كانت من النوافل ذوات الأسباب، أم كانت من غيرها، فلاحظ.