يجب على المكلف قضاء ما فاته من الصيام الواجب، من دون فرق بين أن يكون تركه للصيام الواجب عليه من باب التعمد والتجرؤ على الله سبحانه وتعالى، أم كان تركه الصيام لعذر من الأعذار، كما لو كان مسافراً، أو كان مريضاً، أو كان سكراناً، أو كان نائماً، ولم يأتِ بالنية، أو كانت المرأة حاملاً، أو كانت مرضعاً، أو كانت حائضاً، أو كانت نفساء.
ومقتضى ما ذكرنا أنه لابد وأن يكون المكلف محرزاً لعدم أدائه صيام شهر رمضان، أو صيام أيام منه، فلو كان يشك في حصول صيامه بعض أيام شهر رمضان، أو يشك مثلاً في صومه اليوم السابق من شهر رمضان، فإنه يبني على تحقق الصوم منه، وبالتالي لا يجب عليه القضاء.
كما أن مقتضى تقيـيدنا الحديث بالمكلف، يفيد أن ما فات الصائم أيام صباه وقبل بلوغه ذكراً كان أو أنثى، فإنه لا يجب عليه قضائه.
المستثنون من القضاء:
هناك أفراد لا يجب عليهم قضاء ما فاتهم من الصوم، وهم:
1-الكافر الأصلي الذي بلغ كافراً، سواء كان متولداً من أبوين كافرين، أم كان متولداً من أبوين مسلمين.
2-المجنون الإطباقي، فإنه إذا عقل بعد جنونه، لم يجب عليه قضاء ما فاته أثناء فترة جنونه. وكذا المجنون الإدواري إذا حدث له الجنون قبل طلوع الفجر، وهو وقت الإتيان بالنية.
3-المغمى عليه إذا حصل عنده الإغماء قبل أن ينوي الصوم عند طلوع الفجر.
4-الشيخ والشيخة، فإنهما إذا تركا الصوم بسبب عسره عليهما، أو لأنه حرجي لهما، لم يجب عليهما القضاء حتى لو زال عنهما الضعف بعد ذلك، وتمكنا من القضاء. ومثلهما في الحكم المريض المصاب بداء العطاش.
5-المريض الذي استمر به المرض إلى حلول شهر رمضان الثاني، فلا يجب عليه القضاء حتى لو قدر بعد ذلك عليه، نعم يجب عليه إخراج فدية عن كل يوم.
س: شخص أصيب بمرض، فلم يتمكن من الصيام أثناء شهر رمضان، إلا أنه شفي من مرضه بعد ذلك، قبل حلول شهر رمضان الثاني، ولم يقضِ الصيام بسبب سفره المتواصل مثلاً، فما هو حكمه؟…
ج: ما دام الشخص مشغول الذمة بقضاء شهر رمضان فيجب عليه الصيام، ومجرد كثرة سفره لا يعدّ عذراً له في تركه القضاء، فإن لم يفعل حتى حلّ رمضان الثاني، فإنه يكون ملزماً بالقضاء والفدية على الأحوط وجوباً. نعم على رأي بعض الفقهاء من أنه إذا انطبق عليه عنوان كثير السفر، فإنه يسوغ له الصيام في السفر، فمع انطباق عنوان كثير السفر عليه في المقام، فيجب عليه القضاء في سفره، ولا يضره ذلك.
أحكام القضاء:
س: هل يجب على المكلف الفورية في قضاء ما وجب عليه قضائه من الصيام، بمعنى أنه يجب عليه المبادرة إلى قضاء ما فاته من صيام شهر رمضان، أم لا؟…
ج: لا تجب الفورية في قضاء شهر رمضان، نعم الأحوط استحباباً عدم تأخير القضاء إلى أن يحل عليه شهر رمضان الثاني.
س: هل يجب على المكلف أثناء قضائه صيام شهر رمضان الترتيب بينها في القضاء، فلا يقضي ما فاته من العشرة الثانية مثلاً، قبل قضائه ما فاته من العشرة، وهكذا؟…
ج: لا يجب على المكلف الترتيب في القضاء، فيجوز له قضاء ما فاته في العشرة الثانية، أو الثالثة من الشهر الشريف، قبل ما فاته من العشرة الأولى.
س: شخص فاتته أيام من شهر رمضان المبارك، فهل يجب عليه تعيـين الذي فاته عندما يود القضاء، أم لا؟…
ج: لا يجب على المكلف القائم بعملية قضاء ما فاته من الصيام في شهر رمضان تعيـين اليوم الذي يود قضائه.
س: لو كان على المكلف قضاء من عدة رمضانات، فهل يجب عليه تعيـين ما يقضيه أنه من أي رمضان، مثلاً عليه قضاء من رمضان في هذه السنة، ومن رمضان فيا لسنة السابقة، ومن التي قبلها، فعندما يعزم القضاء، فهل عليه تعيـين أن المقضي من أي سنة هو؟…
ج: لا يجب عليه تحديد أن اليوم المقضي من صيام شهر رمضان، هو لأي سنة من سنوات القضاء. نعم لو أنه أقدم على التعيـين تعين اليوم في ما عينه، وينفعه ذلك في مسألة ثبوت الفدية من حيث التأخير في أداء الصوم قبل حلول رمضان الذي يليه. مثلاً: لو فرض أنه قصد بالقضاء، القضاء عن السنة قبل الماضية، برأت ذمته منه، فإن لم يصم ما عليه من السنة اللاحقة حتى حل شهر رمضان الثالث، وجبت عليه الفدية مضافاً إلى القضاء. نعم في حال تضيق وقت اللاحق بمجيء رمضان الجديد، فالأحوط وجوباً أن يقضي اللاحق أولاً. وإن كان لو نوى السابق صح صومه، لكنه سوف تجب عليه كفارة لتأخير اللاحق.
س: لو كان على المكلف قضاء رمضانات متعددة، وعندما أقدم على القضاء لم يعين أي الرمضانات يقضيه، فما هو الحكم؟…
ج: في حال عدم تعيـين المكلف في القضاء لأحد الرمضانات المقضية، فإنه يقع عن السابق، وعليه أن يصوم بعده آخر الرمضانات، فإن حلّ رمضان الثالث ولم يقضه، وجب عليه مضافاً إلى القضاء الفدية.
س: لو كان على المكلف قضاءات متعددة، لرمضان، ولغيره من الصيام الواجب، كنذر، أو كفارة، فهل يجب عليه تقديم قضاء شهر رمضان على غيره؟…
ج: لا يجب تقديم قضاء شهر رمضان على غيره من أقسام الصوم الواجب، كصوم الكفارة، أو النذر غير المعين، بل يجوز له البدء بأيها شاء.
س: شخص يعلم بأن ذمته مشغولة بقضاء صيام شهر رمضان، أو بقضاء رمضانات متعددة، إلا أنه لا يعلم المقدار الواجب عليه قضائه، فما هي وظيفته؟…
ج: إذا كان المكلف يعلم بأن ذمته مشغولة بقضاء صيام شهر رمضان، لكنه لا يعلم المقدار الذي يجب عليه أدائه، فعندها يبني على الأقل الذي يحرز معه فراغ ذمته مما هي مشغولة به.
س: شخص فاته صيام شهر رمضان بسبب المرض، وظل مريضاً حتى مات في مرضه، فهل تكون ذمته مشغولة بالصيام، ليجب القضاء عنه؟…
ج: من فاته صيام شهر رمضان بسبب مرض، ولم يشفَ من مرضه ومات، فإنه لا يجب القضاء عنه، لأن ذمته لا تكون مشغولة بشيء.
س: امرأة حاضت في نهار شهر رمضان، وماتت قبل طهرها من الحيض، أو ماتت بعد طهرها وقبل تمكنها من القضاء، وكذا لو كانت المرأة نفساء، فهل تكون ذمتها مشغولة بشيء؟…
ج: المرأة الحائض التي طهرت ولم تتمكن من قضاء ما فاتها أيام حيضها، وكذا المرأة النفساء، وماتتا، لا يجب القضاء عنهما، لعدم كون ذمتيهما مشغولة بشيء.
س: شخص أصيب بمرض فلم يتمكن من صيام شهر رمضان، واستمر به المرض حتى دخل عليه رمضان جديد، فهل يجب عليه القضاء؟…
ج: من كان مريضاً في شهر رمضان مثلاً فلم يتمكن من الصيام، ولم يبرأ من مرضه حتى جاء رمضان الآخر، لم يجب عليه القضاء، وإنما يجب عليه أن يتصدق بإخراج فدية عن كل يوم، ومقدار الفدية مدّ من الطعام.
س: في الفرض السابق لو أراد المريض المذكور عوضاً عن إخراج الفدية القضاء، فهل يجزيه ذلك؟…
ج: لا يجزي القضاء في الفرض المذكور عن الفدية، لأن وظيفته كما ذكرنا هي التصدق بإخراج فدية، وليست وظيفته القضاء.
س: هل يجوز لمن عليه قضاء شهر رمضان أن يصوم صياماً مستحباً؟…
ج: لا يجوز لمن كانت ذمته مشغولة بقضاء صيام شهر رمضان أن يصوم صياماً مستحباً.، كما لا يجوز له أن يصوم تبرعاً عن غيره. نعم في المورد الذي لا يمكنه فيه قضاء صيام شهر رمضان كما لو كان مسافراً، بحيث يكون السفر مانعاً له من صحة الصوم، يمكنه أن يصوم صياماً مستحباً في موارد جواز الصيام في السفر.
س: من كانت ذمته مشغولة بقضاء صيام شهر رمضان، هل يجوز له أن يؤجر نفسه للصيام عن الغير؟…
ج: يجوز لمن كانت ذمته مشغولة بقضاء صيام شهر رمضان أن يكون أجيراً عن غيره في الصوم المستحب، أو الواجب.
من يتولى القضاء:
عرفنا أنه يجب على المكلف قضاء ما فاته من الصوم في موارد وجوب الصوم عليه، لكن لو مات المكلف ولم يتحقق منه قضاء ما وجب عليه من الصوم، فإنه يجب حينئذٍ على ولده الأكبر قضاء ما فاته إذا كان تركه الصوم لعذر وكان قادراً على القضاء.
س: هل يشترط في الولد الأكبر الذي يتولى القضاء عن أبيه أن يكون مستجمعاً شروطاً معينة أم لا؟…
ج: يشترط في الولد الأكبر الذي يتولى القضاء عن أبيه أن يكون متصفاً بالصفات التالية:
1-أن يكون بالغاً، فلو لم يكن بالغاً حين موت أبيه، وبلغ بعد ذلك لم يجب عليه القضاء عنه.
2-أن يكون عاقلاً، فلو لم يكن عاقلاً عند وفاة أبيه، وأصبح عاقلاً بعد ذلك لم يجب عليه القضاء عن أبيه.
3-أن لا يكون ممنوعاً من إرث أبيه، حيث أن هناك أسباباً تمنع الولد من أن يرث والده، مثل كونه قاتلاً لأبيه، فلو كان كذلك فإنه لا يجب عليه القضاء عنه.
س: هل يجب على الولد الأكبر أن يتولى القضاء بنفسه عن أبيه؟…
ج: لا يجب على الولد الأكبر أن يتولى القضاء بنفسه عن أبيه، بل يمكنه أن يستأجر شخصاً من أمواله هو يتولى القضاء عنه.
س: هل توجد موارد يسقط القضاء فيها عن الولد الأكبر؟…
ج: نعم يسقط القضاء عن الولد الأكبر متى ما أوصى الأب بالقضاء عنه من أمواله، فعندها تنفذ الوصية، ومع تنفيذها فليس على الولد الأكبر شيء.
س: هل يجب قضاء ما فات الأم كما يجب القضاء عن الأب؟…
ج: ينحصر وجوب القضاء عن الأب فقط، فلا يجب القضاء عن الأم، نعم يستحب القضاء عنها.
الفدية:
ونعني بها ما يترتب على الإفطار الذي يكون الصائم فيه معذوراً، وهي تجب في الحالات التالية:
1-على الشيخ والشيخة، وذي العطاش إذا تركوا الصيام بسبب كونه شاقاً عليهم، بخلاف ما لو كان متعذراً عليهم، أو مضراً بهم، فإنها لا تجب.
2-على الحامل المقرب، وعلى المرضعة قليلة اللبن، إذا كان الصوم يضر بالجنين، أو يضر بالرضيع.
3-على من أخر قضاء صيام شهر رمضان إلى حلول شهر رمضان الثاني، من دون فرق في سبب التأخير بين كونه متهاوناً مع قدرته على القضاء، أو كان منشأ التأخير استمرار المرض.
نعم لو كان قادراً على القضاء، وعازماً عليه، فحصل له مانع يمنعه منه، كالمرض مثلاً، أو السفر، أو غيرهما فإنه يجب عليه القضاء، والفدية على الأحوط وجوباً.
س: من استمر به المرض الذي يمنع من الصوم ومن قضائه عدة سنوات، فهل يجب عليه دفع الفدية عن كل سنة سنة؟…
ج: نعم يجب عليه في الفرض المذكور أن يدفع الفدية في نهاية كل عام، حتى لو استمر الأمر معه إلى آخر العمر.
س: شخص أخر قضاء شهر رمضان لسنة واحدة سنين متعددة، فهل يلزم من ذلك تعدد الفدية عليه؟…
ج: في الفرض المذكور لا تتعدد الفدية عليه، بل هو ملزم بفدية واحدة فقط، وهي عن تأخيره القضاء إلى رمضان الثاني.
مقدار الفدية:
مقدار الفدية عن اليوم الواحد هو ثلاثة أرباع الكيلو يعطى للفقير الواحد، والأحوط استحباباً أن يكون المدفوع للفقير كيلو ونصف.
ويمكن لمن عليه فدية أيام عديدة أن يدفعها لفقير واحد، ولا يكفي فيها أن يعمد إلى دعوة الفقير وإشباعه، بل لابد من أن يعطيه الفدية. والأحوط استحباباً أن تكون الفدية من القمح والطحين.