فقه البنوك (2)

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
56
1

معنى المسائل المستحدثة:

ثم إنه وقد اتضح لنا وجود هذه الموضوعات الجديدة أو المتجددة في الحياة الإنسانية، وهي ما يمكن التعبير عنها بالمسائل المستحدثة، أو المستجدة، فينبغي أن نذكر تعريفاً للمسائل المستحدثة، حتى تكون الضابطة عندنا واضحة، فنقول:

المسائل المستحدثة عبارة عن: كل موضوع جديد يطلب له حكم شرعي، سواء لم يكن هذا الموضوع موجوداً في عصر التشريع، أم كان موجوداً لكنه طرأت عليه بعض التغيرات جعلته يختلف نوعاً ما عما كان عليه في عصر التشريع، وإن كان لا زال ينطبق عليه الاسم السابق.

وهنا نواجه تساؤلاً وهو :

هل أن فقه أهل البيت له القابلية والقدرة على معالجة هذه الأمور وأمثالها مما هو رهين التقدم الزمني أم لا؟

تختلف منهجية التعامل مع المستجدات من المسائل بين فقه أهل البيت وبين بقية المذاهب الإسلامية الأخرى ويتضح ذلك من خلال ملاحظة منهجية الاستنباط عند فقهاء المذهب الشيعي وأدلته وملاحظة ذلك عند فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى ، ولنركز على خصوص ما هو متعلق بمحل بحثنا فنقول:

إذا وجدنا مسألة جديدة في موضوعها بالبيان السابق فكيف يمكننا أن نعالجها من الناحية الفقهية ؟
أما المذاهب الإسلامية الأخرى فإنها تعتمد في الإفتاء في مثل هذه المسائل على مثل القياس والاستحسان وسد الذرائع، ويقصد بكل واحد مما ذكرنا:

القياس: وهو إثبات حكم في محل بعلة لثبوته في محل آخر بتلك العلة . والمحل الأول وهو المقيس يسمى نوعا ويسمى المحل الثاني وهو المقيس عليه أصلا وتسمى العلة المشتركة جامعا.

الاستحسان: وهو محل خلاف بينهم في تحديد معناه إذ عرف بأنه الأخذ بالسماحة وانتقاء ما فيه الراحة ، وعرف أنه الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة ، وعرف أنه ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس.

سد الذرائع: الذريعة ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء وسدها يحصل بهذا المعنى: أن الرب تعالى إذا حرم شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء النفوس به.

ثم إن منشأ اعتمادهم على مثل هذه الأمور يعود لمفهوم الاجتهاد عندهم إذ هو على ثلاثة أقسام:

الأول: الاجتهاد البياني وهو استنباط الحكم الشرعي من النصوص.

الثاني: الاجتهاد بمعنى تشريع الحكم وجعله فيما لا نص فيه فإن المجتهد في هكذا موارد يعمل رأيه الخاص وفهمه في تشخيص الحكم الشرعي إما على أساس القياس الظني أو على أساس مبدأ الاستحسان أو على أساس مبدأ المصالح المرسلة أو على أساس مبدأ سد الذرائع ويكون هذا الحكم المجعول من قبله بمنزلة حكم الله سبحانه وذلك بمقتضى قولهم بالتصويب. وهذا المعنى ممنوع لأن الظن لا يغني من الحق شيئا وإنما لجئوا إلى ذلك لقلة المصادر والنصوص المتوفرة لديهم وحيث حرموا أنفسهم الانتهال من أهل البيت وما صدر منهم ، وقعوا فيما وقعوا فيه.

الثالث: الاجتهاد في مقابل النص ومن أمثلته المعروفة تحريم عمر للمتعة وهذا كسابقه لا يقبله الشيعة الإمامية لأنه ليس من حق المجتهد التشريع وإنما عليه بذل وسعه للوصول إلى الحكم الواقعي المجعول من خلال ملاحظة الأدلة.

وأما الشيعة فإنهم يعالجون هذه المسائل من النصوص الخاصة والعامة إن وجدت وأيضا بالقواعد الكلية المستفادة من الأدلة المعتبرة ، فلا يتمسكوا بشيء من الظنون لأن الاجتهاد عندنا هو استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأدلة المعتبرة.

ثم إن الشيء الثابت بالأدلة أن لكل واقعة حكما في الشريعة الإسلامية ، علمنا به أم لم نعلم.
وهذه الأحكام الواقعية كانت مودعة عند رسول الله وبعده عند أوصيائه المعصومين فالحوادث الواقعة لا تخلو من حكم واقعي ، وإذا لم نظفر بالحكم الواقعي فإنه يمكننا التعبد حينئذ بحكم ظاهري قطعا ، لأنه قد ثبت عندنا أن الفقيه إما يعلم الحكم الواقعي أو يظن به ظنا معتبرا دلت على اعتباره الأدلة القطعية أو يشك.

وفي حالة الشك عليه أن يرجع إلى أحد الأصول العملية المعتبرة ، أعني البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب ، وهذه الأصول حاصرة لموارد الشك فلا يتخلف عنها شيء.
ونتيجة هذا أنه لا يوجد عندنا فراغ قانوني في الشريعة الإسلامية لا واقعا ولا ظاهرا ووظيفة المجتهد هي اكتشاف وتشخيص الحكم الموجود في الشريعة.

إلى هنا أظن أن الجواب عن السؤال المتقدم صار واضحا وأن فقه أهل البيت لا يقف عاجزا أمام مستجدات العصر ومتطلباته بل هو يواكب التقدم الحضاري ولديه العلاجات الفقهية الصحيحة لكل شيء جديد.
هذا ويمكننا أن نضيف لما تقدم أمورا ثلاثة يمكن من خلالها معالجة الأمور المستجدة مما يكون من متطلبات العصر:

الأول: معرفة القضية التي انصب الحكم عليها: لأن القضايا على نوعين: خارجية وحقيقية. فالقضايا الخارجية هي التي يكون الحكم فيها ثابتا على الأفراد الموجودة في الخارج .وأما الحقيقية فالحكم فيها تابع لموضوعاتها التي يقدر وجودها في الحال أو في الماضي أو في المستقبل ، وقد لا يكون لها مصداق فعلا في الخارج ، إلا أن الحكم صادق.
والظاهر أن أغلب الأحكام الشرعية الواردة بصورة القضايا سواء كانت بصورة الإخبار كقوله : المؤمنون عند شروطهم.أو الإنشاء كقوله تعالى:- (أوفوا بالعقود) واردة بنحو القضية الحقيقية فلا تنحصر في المصاديق التي كانت موجودة في عصر الأئمة بل تشمل جميع المصاديق التي توجد لها في كل زمان ومكان إلا إذا قام دليل على خروجها واستثنائها ، وبالخصوص الآيات القرآنية للتصريح بأنها لجميع العالمين إلى يوم القيامة.

من هنا نقول: إن قصر الصلاة للمسافر اليوم أمر لازم حتى وإن كان بالوسائل السريعة لعدم كون القضية الدالة على القصر خارجية لتختص بتلك الأسفار التي كانت في الأزمنة القديمة ، نعم لو قام دليل على الاختصاص بها رفعنا اليد عما قلناه لكنه لم يقم قطعا.
ولا يخفى أنه يمكن من خلال هذه الكبرى علاج كثير من المسائل المستحدثة والمستجدة التي يواجهها المكلف نتيجة تطور العصر ، ولا بأس أن نشير لبعض النماذج:

1-مسألة التأمين: لما كان التأمين عقدا من العقود يمكننا استفادة جوازه وحليته من خلال القاعدة العامة المستفادة من قوله تعالى:- (أوفوا بالعقود).
2-إجراء العقد بالهاتف فقد يقال بتصحيحه لنفس النكتة السابقة.
3-الإيداعات البنكية بجميع أقسامها حيث خرجها فقهاؤنا على القرض ورتبوا عليها أحكامه.
4-صناديق الاستثمار البنكي ويمكن علاجها على أنها مضاربة بعد تحقق الشروط المعتبرة فيها.

الثاني: إن إطلاقات الأدلة اللفظية تشمل كل مصاديق موضوع الحكم الشرعي ولا تنحصر في خصوص المصاديق التي كانت في فترة صدور النص أو ما يقاربها ، وعليه تكون الإطلاقات شاملة حتى المصاديق المستجدة في عصرنا ومن خلال هذه الكبرى يعلم حال كثير من مستجدات العصر ، وعلى سبيل المثال مسألتي الترقيع والتشريح.

الثالث: إن كثيرا من المسائل المستجدة تندرج تحت العناوين الثانوية فمثلا حرمة أكل لحم الميتة من الواضحات التي لا تشكيك فيها ، إلا أن هذه الحرمة ترتفع في حالة الاضطرار وهذا ما يعبر عنه بالحكم الثانوي مقابل الحكم الأولي وهو حرمة أكلها.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة