خروج يأجوج ومأجوج

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
811
0

من الأحداث الذي عدّت من علامات الظهور للإمام المهدي(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، خروج يأجوج ومأجوج، وخالف في ذلك أبناء السنة، فجعلوا خروجهما من أشراط الساعة، وليس من علامات الظهور.

وقد ذكرا في موردين من القرآن الكريم، فقال تعالى في سورة الكهف:- (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)[1]. وقال عز من قائل في سورة الأنبياء:- (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ)[2].

ومن الواضح جداً أن هذا ليس تكراراً ليكون منافياً لبلاغة القرآن الكريم، بل هو مثل بقية الموارد الأخرى، التي يتعرض فيها القرآن الكريم للحديث عن الموضوع الواحد من جوانب متعددة، فيكون ذكره في كل مورد بحسب ما يقتضيه الأمر، وتدعو له الحاجة، فنجد الباري سبحانه يتعرض في سورة الكهف للتعريف بالجرائم التي يقوم بها يأجوج ومأجوج، وحالة الخوف والهلع التي أصابت الناس منهما، حتى طلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهما سداً، وسوف يبذلون له مالاً على عمله هذا. بينما نراه تعالى يتحدث في سورة الأنبياء، عما سيجري بعد أن يقوما بهدم السد الذي بناه ذو القرنين، وقدرتهما على اختراقه وتجاوزه.

ولا يخفى أن هذا المعنى مبني على حمل الألفاظ على ظواهرها بالالتزام بكون يأجوج ومأجوج حقيقة خارجية، وأنهما يشيران إلى موجود خارجي من البشر، وسيأتي الحديث عن ذلك إن شاء الله تعالى.

ولا يذهب عليك، أن الجزم بكونهما حقيقة خارجية، وعنوان بشري يعتمد على تمامية الدليل على ذلك، ما يعني لزوم ملاحظة ما جاء في الكلمات، وما تضمنته النصوص المتعرضة لحديث عنهما. ما يستدعي لزوم التعريف بهما.

يأجوج ومأجوج:

أختلف المفسرون وعلماء اللغة في اشتقاق هذين الاسمين، والمعروف بين الأكثر عدم الاشتقاق، وأنهما اسمان أعجميان، وخالف بعضهم فقال بالاشتقاق فيهما، وتفصيله يطلب من محله. كما أختلف أيضاً في أصلهما ونسبهما، فذكرت أقوال، يمكن إرجاعها إلى قولين:

الأول: الالتـزام أنهما من الجنس البشري، وهذا القول ينحل إلى رأيـين:

أحدهما: أنهما من ولد يافث بن نوح(ع)، واستندوا القائلون بهذا القول إلى نصوص، منها ما رواه الصدوق(ره) في العلل عن عبد العظيم الحسني، قال: سمعت علي بن محمد يقول: جميع السودان حيث كانوا من حام، وجميع الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج من يافث حيث كانوا[3].

ثانيهما: أنهما من ولد آدم(ع)، واستندوا في قولهم إلى أقوال المؤرخين، وإلى النصوص كالذي رواه ابن عمر عن النبي(ص) قال: إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم[4].

ولا يخفى أنه قد يكون المقصود من كونهما من ولده(ع)، الإشارة إلى أنهما من الجنس البشري مقابل القول بأنهما ليسا كذلك، ولا يعني ذلك أن المقصود أنهما ولدان له مباشرة كهابيل وقابيل. خصوصاً وان هناك مانعاً قد يوجب البناء على عدم الالتزام بكونهما ولدين له مباشرة، وهو بقائهما إلى وقت الظهور، مع أن المفروض أن الطوفان قد أغرق الأرض وما عليها.

والمانع المذكور يمكن دفعه، بالبناء على عدم عالمية الطوفان وشموليته لجميع الأرض، بل يقصر على خصوص قوم نوح(ع)، ما يعني أن هناك بقاعاً من الأرض لم يشملها، وليكن مكان وجودهما من تلك البقاع، فلاحظ.

إلا أن احتمال كون المقصود عودهما إلى الجنس البشري، وأن التعبير بكونهما من ولد آدم(ع)، إشارة إلى أنهما من نسله، يمنعه تصريح غير واحد من العلماء، بأنهما أولاد آدم وحواء(ع).

وعلى أي حال، فقد تفرع على هذين الرأيـين، أقوال، فجعل بعضهم يأجوج من الترك، ومأجوج من الجبل والديلم. وقال آخر بأنه لما كان يافث أبو الترك فكلاهما منهم. وقال ثالث بأن يأجوج هم الترك، ومأجوج هم المغول، ويعودان إلى أب واحد يسمى الترك.

الثاني: الالتزام بأنهما ليسا من الجنس البشري، وفقاً لما رواه شيخنا الكليني(ره) في روضة الكافي بسند ينتهي إلى أمير المؤمنين(ع)، وقد سئل عن الخلق، فقال(ع): خلق الله ألفاً ومائتين في البر، وألفاً ومائتين في البحر، وأجناس بني آدم سبعون جنساً، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج[5].

ولا يخفى معارضتها لما قدم من رواية العلل، لذا عمد العلامة المجلسي(قده) إلى ترجيح رواية العلل عليها، لكون رواية العلل أقوى سنداً منها، ما يمنع من الاعتماد عليها.

مع أنه عمد إلى توجيه رواية الروضة، فذكر(قده) بأنه يمكن حمل على أنه لا يكون أحد من ولد آدم(ع)، إلا ويكون من الناس، إلا يأجوج ومأجوج فإنهما من ولد آدم(ع)، إلا أنهما ليسا من الناس[6].

ومقتضى ما ذكره(ره)، هو البناء على أنهما من الجنس البشري، لكنهما ليسا من الأنس، فتأمل[7].

ولا يذهب عليك أن الرأيـين، لا يعول عليهما ذلك أن مستنديهما أخبار آحاد، لابد وأن يحرز فيهما موجبات اعتبار النص، ولا يتوفر شيء من ذلك في كليهما، ما يعني أن الحكم بكونهما من الجنس البشري، أو ليسا منه، مما لا دليل عليه، فتأمل جيداً.

صفاتهم وأوصافهم:

وقد تضمن ما تحدث عن يأجوج ومأجوج ذكر مواصفات وأوصاف عجيبة وغريبة جداً لهما، فقد عدّ لبعضهم أربعة أعين، وأن بعضهم له رجل واحد ينقز عليها نقز الظباء، ولا يموت الرجل منهم حتى يكون له ألف ولد من صلبه، وأن منهم من يفترش إحدى أذنيه، ويتغطى بالأخرى، ومنهم له ذنب وقرن وأنياب بارزة.

فمن النصوص التي تضمنت تعداد هذه الصفات العجيبة، ما رواه حذيفة عن رسول الله(ص) أنه سأله عنهما، فقال(ص): يأجوج أمة ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه……. قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال(ص): هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز. قلت: وما الأرز؟ قال: شجر بالشام طول الشجرة عشرون ذراعاً في السماء وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلحف بالأخرى، ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه[8].

ومنها: ما جاء عن أمير المؤمنين(ع) في وصفهما، قال(ع): يأجوج ومأجوج صنف منهم في الطول شبر، وصنف منهم مفرط في الطول، لهم مخالب الطير، وأنياب السباع، وتداعي الحمام، وتسافد البهائم، وعواء الذئب، وشعورهم تقيهم الحر والبرد ولهم آذان عظام، إحداها وبر يشتون فيها، والأخرى جلدة يصيفون فيها.

ومنها: ما روي في التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم عن أبي عبد الله(ع) قال: ليس رجل منهم يموت حتى يولد له ن صلبه ألف ذكر. ثم قال(ع): هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة[9].

تحديد مكان وجودهم:

وقد حدد مكان وجودهم في بعض الكلمات بالأقاليم السابع، وفقاً لما تضمنته نصوص من أن الأرض سبعة أقاليم، فعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: إن الدنيا سبعة أقاليم: يأجوج ومأجوج، والروم، والصين، والزنج، وقوم موسى، وإقليم بابل[10].

وقد وصفت الأرض التي يقطنونها بأنها تقع في شرق الإقليم السابع، وإن أرضهم يحيط بها جبل يقال له فزنان، وهو جبل قائم الجنبات، ولا يقدر أحد على صعوده، وبه ثلوج منعقدة لا تنحل عنه أبداً، وبأعلاه ضباب لا يزول أبداً، وخلف هذا الجبل بلاد يأجوج ومأجوج وهي بلاد ثلج ومطر وبرد.

وقد تضمنت أيضاً وصفاً لحياتهم أنها بدائية همجية فيها شدة وقساوة وتوحش، فإذا ساحوا في الأرض لا يتركون شيئاً أخضر إلا أكلوه، ولا يابساً إلا احتملوه، ولا يمرون بفيل أو وحش أو حيوان إلا افترسوه وأكلوه، ويأكلون كذلك كل من مات منهم.

كما تضمنت أنهم يأكلون الحيتان، والطير، والناس، وكل ذي ناب ومخلب، وأن منهم من يشرب الدم فقط ليس شيئاً غيره، كما أن فيهم افتراس وبطش عجيب.

وقد سمعت في النصوص التي حكينا، أنهم يتكاثرون بسرعة، وكيف أن الرجل منهم لا يموت حتى يولد ألف ولد من صلبه[11].

ولا يخفى أن ما قدم ذكره، إما أن يكون مستنداً إلى أخبار آحاد، لابد وأن تخضع لضوابط القبول والحجية، في السنة والمتن، حتى يمكن البناء على قبولها، أو أنها آراء اجتهادية ذكرها بعض الباحثين والكتاب، ومن المعلوم أنها لا تكون مستنداً يعتمد عليه في الإثبات كما هو واضح.

ولما كانت الأخبار المذكورة لا تدخل دائرة الحجية، وأغلب الظن أنها لا تصل حد الاستفاضة، فضلاً عن التواتر، فإن ذلك موجب للتوقف في ما ذكر بياناً من الأمور التي ذكرت حولهما، كما أن الأقوال المذكورة وقد عرفت حالها، ليس مورداً للاحتجاج والاستدلال، فتدبر.

وقت خروجهم:

هذا وما يهمنا الحديث عنه فعلاً، هو تحديد وقت خروجهم، لما عرفت من وجود خلاف أن خروجهم يكون من أشراط الساعة، أم أنه يكون من علامات الظهور؟

وبالعودة إلى الآيات الشريفة التي تحدثت عنهما، يمكن البناء على أجنبية ما جاء في سورة الكهف حولهما عن هذا الموضوع، لما عرفت من أن المستفاد من هذه الآيات هو الحديث حول طغيانهم، وفسادهم، وما شابه ذلك، ولا ربط لذلك أصلاً بتحديد وقت خروجهم كما لا يخفى.

نعم في ما تضمنته سورة الأنبياء يمكن القول بوجود إشارة إلى ذلك، فإن قوله تعالى:- (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ)[12]، فإن تحديد المقصود من الوعد الحق في الآية الشريفة يعين كثيراً على معرفة وقت خروجهما، بناء على أن المقصود هو الإشارة إلى وقت خروجهما، لا الإشارة إلى وقت انهيار السد.

وبعبارة أوضح، إن في قوله تعالى:- (واقترب الوعد الحق) احتمالان:

الأول: أن يكون المقصود منه حصول الوعد الإلهي بفتح يأجوج ومأجوج بعد ردمها، وذلك بانهيار السد الذي أقامه ذو القرنين، نتيجة انتهاء العمر الزمني لهذا السد[13]، ويساعد على هذا الاحتمال ما جاء في سورة الكهف، قال تعالى:- (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)[14].

الثاني: أن يكون المقصود من الوعد الإلهي هو خروجهما، وليس ناظراً إلى انتهاء العمر الزمني للسد. ومع أن أصحاب هذا المحتمل قد اتفقوا في تحديد المقصود من الوعد الإلهي، وأنه خروجهما، إلا أنهم قد اختلفوا في تحديد وقته وزمانه، فانـقسموا إلى رأيـين:

أحدهما: ما يحدد زمان خروجهما بما يسبق قيام الساعة، وحلول يوم القيامة، ولذا عدّ خروجهما من أشراط الساعة. ويدل على هذا الرأي، أمران:

الأول: التمسك بوحدة السياق، ذلك أن الآية محل البحث واقعة في سياق الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة:- (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ 0 إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ0 لَوْ كَانَ هَؤُلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ0 لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ)[15].

الثاني: جملة من النصوص:

منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك-في حديث يتحدث فيه عن نزول المسيح وسيطرة المسلمين وقتلهم لليهود-: ويظهر المسلمون فيكسرون الصليب ويقتلون الخنـزير، ويضعون الجزية، فبينما هم كذلك، أخرج الله يأجوج ومأجوج.

ومنها: ما أخرجه مسلم-في حديث يتعرض لنـزول المسيح(ع)-: فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون.

ثانيهما: ما يحدد زمان خروجهما بما يسبق ظهور الإمام المهدي(عج)، لذا عدّ خروجهما من علامات الظهور.

وأجيب عن المحتمل الأول، بكونه خلاف الظاهر عن الآية، فإن ظاهرها تأخر الوعد الحق عن فتح يأجوج ومأجوج، وأن فتحهم يكون عند اقتراب الوعد الحق، لا عند نجازه، ومن المعلوم أنه لو كان المراد بالوعد الحق، الوعد بفتحهم، لكان فتحهم تحقيقاً لذلك الوعد، لا أن يكون مقترباً.

وعليه، لو كان الوعد بفتحها مراداً من قوله تعالى:- (فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء) فهو غير مراد من قوله تعالى:- (واقترب الوعد الحق)، بل المراد به وعد آخر متأخر زماناً عن الفتح[16].

وبناءً عليه، سوف يكون الأمر منحصراً في خصوص الاحتمال الثاني ونبقى وترجيح أحد الرأيـين الذين تضمنهما في تحديد زمان الخروج، وأنه قبل يوم القيامة، أو أنه قبل ظهور الإمام المهدي(روحي لتراب حافر جواده الفداء).

ولا يخفى أن الأمرين الذين استند إليهما في الاستدلال للرأي الأول، وهو أن زمان الخروج من أشراط الساعة، يمكن دفعهما، فيجاب عن الأول، بأن وحدة السياق وإن كانت قرينة عقلائية يعتمد عليها في تحديد المقصود، لكن ذلك رهين إحراز الصغرى، وهو أن هذه الآية فعلاً قد وقعت في سياق هذه الآيات وقت نزولها، كي ما يكون المدعى تاماً، فلاحظ.

على أنه يكفي لرفع اليد عن هذا الظهور، أعني يوم القيامة وجود محتمل آخر لا يقل من حيث المقبولية عنه، وهو أن يكون المقصود من الوعد الحق هو يوم الظهور العالمي للمنقذ الإمام الحجة(عج)، خصوصاً إذا علمنا أن لذلك اليوم من الأحكام الخاصة التي تقرب جداً من الأحكام التي تكون في يوم القيامة من عدم القبول بالتوبة، وقتل مجموعة من الناس المنحرفين، وذهابهم إلى جهنم، وأمثال ذلك[17].

وأما النصوص، فيجاب عنها: بأنها معارضة بنصوص أخرى تضمنت أن خروجهما من علامات الظهور، وليس من أشراط الساعة، وقد سمعت شيئاً منها في ما تقدم. على أن نزول المسيح عيسى(ع)، وكسر الصليب، وقتل الخنـزير من علامات الظهور، وهذه تعبيرات مشيرة إلى قيام الدولة المهدوية، كما لا يخفى. مضافاً إلى حالة الخوف الذي تعتري المسلمين ينتفي بظهور الإمام المنتظر(عج)، ما يعني أن الخوف الذي يسببه خروجهما يكون منتهياً بالظهور[18].

ومع عدم تمامية الرأي الأول، سوف ينحصر زمان خروجهما في الرأي الثاني، وهو قبل الظهور، خصوصاً وأن النصوص التي تضمنت الإشارة إلى أن خروجهما يسبق خروج المسيح عيسى(ع)، تساعد على هذا المعنى لما عرفت من أن نزول المسيح عسى(ع)، ليصلي خلف الإمام المهدي(ع)، ما يعني أنه يكون قبل القيامة، وبعد الظهور المبارك للإمام المنتظر(ع)، فلاحظ.

كما يمكن أن يلتـزم أن التعبير بقرب حلول الساعة، كناية عن التعبير عن ظهور الإمام المهدي(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فتأمل.

كيفية خروجهم وما يعملون بعده:

وقد اشتملت بعض النصوص على بيان كيفية خروجهم بتدميرهم السد، أو نتيجة انهياره، فقد روى أبو هريرة عن النبي(ص) أنه قال: يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً، قال: فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان حتى إذا ما بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس حفروا قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً إن شاء الله تعالى، واستثنى، قال: فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه، فيخرقونه ويخرجون على الناس.

وروى في البحار خبراً عن حذيفة بن اليمان قريباً منه، جاء فيه: إن القوم لينقرون بمعاولهم دائبين، فإذا كان الليل قالوا: غداً نفرغ فيصبحون وهو أقوى من الأمس حتى يسلم منهم رجل حين يريد الله أن يبلغ أمره فيقول المؤمن: غداً نفتحه إن شاء الله فيصبحون ثم يغدون عليه فيفتحه الله، فوالذي نفسي بيده ليمرن الرجل منهم على شاطئ الوادي الذي بكوفان وقد شربوه حتى نزحوه، فيقول: لقد رأيت الوادي مرة وإن الماء ليجري في أرضه، قيل: يا رسول الله: ومتى هذا؟ قال: حين لا يبقى من الدنيا إلا مثل صبابة الإناء[19].

والحديثان قد تضمنا شئياً غريباً وهو وجود مسلم بين يأجوج ومأجوج، وهو الذي دعاهم لقول: إن شاء الله، وقد صرح خبر حذيفة بذلك، وهذا يوجب المعارضة مع كل ما قدم من نصوص تضمنت عكس ذلك تماماً، ولذا لو كان الأمر منحصراً في خصوص خبر أبي هريرة لم يكن ما يوجب التأمل، لما هو المعروف من حال أبي هريرة، وعدم استبعاد استناده في مثل هذا الخبر لكعب الأحبار، كما ذكر ذلك ابن كثير[20]. لكن وجود خبر آخر ينتهي إلى حذيفة يوجب التوقف، مع أن خبر حذيفة أيضاً ساقط عن الاعتبار، فتأمل.

هذا وقد نقل السيوطي في الدر المنثور خبر أبي هريرة من دون اشتماله على ذكر الرجل المسلم الذي كان يقول لهم قولوا: إن شاءا لله، فلاحظ.

وقد ذكرت النصوص الأعمال التي يقومون بها بعد خروجهم، فقد جاء عنه(ص): ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء، فيبعث الله عليهم نغفاً[21] في أقفائهم، فيقتلهم بها، قال(ص): والذي نفس محمد بيده، إن دواب الأرض لتسمن شكراً.

مدة بقائهم:

وكما تعرضت النصوص لخروجهم وللأعمال التي يقومون بها تعرضت أيضا للحديث عن مدة بقائهم، وقد تعددت الأقوال في تحديد ذلك، فذكرت تحديدات:

منها: تحديد ذلك بأربعين يوماً.

ومنها: تحديده بسبعين.

ومنها: تحديد مدة البقاء بأربعة أشهر.

ومنها: ما حدد مدة مكثهم في الأرض بسبع سنين.

وقد اختلفت النصوص في بيان سبب هلاكهم، فبينما تذكر بعضها أن ذلك يكون بواسطة دود يكون في أقفيتهم، أو أعناقهم، أو في أسماعهم ومناخرهم، تذكر نصوص أخرى أن هلاكهم يكون بواسطة ريح سوداء مثل التي أرسلها على قوم عاد، فيدخل في أفواههم، ويخرج من أدبارهم. وفي ثالث أنه تعالى يرسل عليهم المسيح عيسى بن مريم(ع)، فيدعو عليهم فيموتون.

ولا يخفى أن وسيلة الهلاك مختلفة، إذ ذكرنا ثلاث منها، إلا أن الكل يتفق في حصول ذلك ووقوعه، فلاحظ.

حقيقة يأجوج ومأجوج:

ووفقاً لما قدم من عرض للحديث عن يأجوج ومأجوج، لا مجال للقول بأن الحديث عنهما ليس حديثاً عن حقيقة خارجية، وعن وجود خارجي، ما يعني أن الكلام كان منصباً على المعنى الرمزي، وأنه لا وجود لهذين الموجودين، فلا يوجد شيء اسمه يأجوج ومأجوج، وإنما هما عنوان مشير إلى مفهوم رمزي يقصد، كما ألتـزم به بعض الأعلام(ره)، فإنه منع من كون المقصود في النصوص المذكورة الحقيقة الخارجية، وأن هناك موجودا باسم يأجوج ومأجوج، بل هذان عنوان مشير إلى مفهوم كنائي رمزي، وهو الحضارة المادية المعاصرة، كما كانت المادية البدائية في عصر ذي القرنين، وقد كانت متمثلة في قبائل يأجوج ومأجوج، وقد شكى المجتمع المتضرر له ما كان يفعله هؤلاء، وطلبوا منه المعونة، فاتخذ تدابير تمثلت في شكلين أساسيين:

الأول: بناء السد الموصوف في القرآن الكريم المتكون من الحديد والصفر، وهو يحتوي على الحماية العسكرية من هجمات تلك القبائل البدائية الملحدة.

الثاني: بناء السد المعنوي في المجتمع المؤمن، وزرع المفاهيم وقوة الإرادة الكافية ضد الانحراف والفساد.

ومع الجهود التي قام بها ذو القرنين للقضاء على تلك المادية البدائية، إلا أنه لم يوفق على إنهائها بأكملها، بل بقي شيء منها ليتمخض بعد حوالي ثلاثة آلاف سنة عن سيطرة جديدة للمادية لكنها مادية تقدمية، ومعقدة ذات شعارات براقة، وذات قوة ومنعة بحيث يصعب مجرد التفكير في منازلتها، فضلاً عن القضاء عليها. فإذا بسطت هذه المادية الملحدة سيطرتها على الأرض، وسيطرت على خيرات البلاد الإسلامية، ضمن سيطرتها على العالم كله، يطلقون أقمارهم الصناعية للفضاء الخارجي، الذي عبرت عنه النصوص برمي السهام في السماء، وكما كان لذي القرنين دور في منازلة المادية البدائية الأولى، يكون للإمام المهدي المصلح الغيبي(روحي وأرواح العالمين لتراب حافر جواده الفداء) دور في منازلة المادية المتطورة المعاصرة، ويساعد على هذا المعنى ما تضمنته بعض النصوص من مقارنة بين الإمام المنتظر(عج)، وبين ذي القرنين، فلاحظ[22].

وقد علل اختياره للمفهوم الرمزي الكنائي، على المعنى الحقيقي، مع أن الأصل أن تحمل الألفاظ على ظواهرها، بأمرين:

الأول: إن النصوص التي تحدثت عن قصة يأجوج ومأجوج تتضمن تهافتاً بين مدلولاتها، وحذراً من إسقاطها بعد عدم كون ما تضمنته قابلاً للإثبات التاريخي، يعمد إلى تأويلها بمعنى كنائي رمزي. فقد جاء في خبر مسلم وجود المسيح عيسى بن مريم(ع) بين المسلمين عند انتشار يأجوج ومأجوج، مع أن النصوص الأخرى افتقدت ذكره. كما أن بعض النصوص تضمن أن هلاكهما يكون بدعائه(ع)، وكذلك إزالة جثثهم، والأخبار الأخرى خالية عن ذلك. وقد جاء في خبر مسلم أن تطهير الأرض من نتنهم يكون بنـزول، المطر، مع أن النصوص الأخرى لم تتعرض لذلك، وهكذا.

الثاني: اشتمال النصوص التي تعرضت للحديث عنهما على ما لا يمكن التصديق به، ما يعني إما أن تسقط هذه النصوص برفع اليد عنها، أو يعمد إلى تأويلها بما يكون مقبولاً ومعقولاً، فلاحظ مثلاً ما تضمنته من موتهم فجأة، أو ما جاء فيها من أكل ماشيتهم للحم، مضافاً إلى ما تضمنته من تصرفاتهم الغريبة، كشرب بحيرة طبرية حتى تجف، وكذا قيامهم بإرسال السهام إلى السماء لغزوها، فتسقط ملطخة بالدم، وغير ذلك[23].

ولا يذهب عليك أنه(ره) لا يلتـزم بالمعنى الكنائي في حقيقة يأجوج ومأجوج مطلقاً، بل المستفاد من كلامه أن يأجوج ومأجوج الذين ذكرا في القرآن الكريم، يمثلان حقيقة خارجية، وأنهما موجودان بالوجود الخارجي، إلا أن يأجوج ومأجوج الذين سيكونا في عصر الإمام المهدي(عج)، ليس لهما وجود خارجي، وإنما هما عنوان كنائي رمزي، يشير إلى تلك الحقيقة التي افترضها، وهي مقاربة للحقيقة التي كان يمثلها وجود يأجوج ومأجوج في الحديث القرآني.

وبكلمة، إن النصوص الشريفة قد استعارت النتيجة التي تمثلها حقيقة يأجوج ومأجوج في عصر ذي القرنين، وهي المادية البدائية، وطبقتها على المادية المتطورة التي سوف تكون في عصر ما قبل الظهور.

والإنصاف، أن الالتزام بما ذكره صعب جداً، ذلك أنه يعتمد على التفكيك بين الحقيقتين التي تضمنتها النصوص، مع أن التأمل في النصوص يفيد أن المعصوم(ع)، كان يتحدث عن حقيقة واحدة وهي يأجوج ومأجوج التي كانت معاصرة لذي القرنين، وان الموجودين حالياً إلى عصر الظهور، إنما هو استمرار لتلك الحقيقة والوجود، وليس وجوداً آخر لحقيقة مغايرة، بمعنى أنه من نسل هؤلاء الذي كانوا في ذلك الوقت. كما أن الجزم بأن النصوص إنما استعارت المسمى، وطبقته على حقيقة مشابهة يحتاج قرينة واضحة يمكن التعويل عليها، وما ذكر من التهافت التاريخي، أو تضمن النصوص ما لا يمكن التصديق به لا يصلح لذلك، إذ يمكن دفع ما عد تهافتاً بأن النصوص ليست في مقام الحصر، وليست في مقام البيان من جميع الجهات، ما يوجب إمكانية التوفيق والجمع بينها دون أدنى مشقة. وما تضمنته النصوص مما لا يمكن التصديق به، وإن لم يكنا تفسيره وفهم المقصود منه، إلا أنه يتوقف فيه، ويرجأ لملاقاة الإمام(ع)، فتأمل.

وبالجملة، إنه من الصعب جداً حمل النصوص المذكورة على الفهم الرمزي، ولا نجد موجباً لذلك، بل يلزم أن تبقى على ظاهرها، وما تضمنته النصوص من عجائب أو غرائب، يتوقف فيه لحين ملاقاة المعصوم(ع).

خاتمة:

ثم إن جميع ما ذكر، إنما يتم بناءً على توفر شروط الحجية والاعتبار في النصوص التي تعرضت للحديث عن خروج يأجوج ومأجوج، والحق الحقيق بالإتباع أن أكثرها لو لم يكن كلها لا يصلح لذلك أبداً، ما يعني عدم إمكانية الالتـزام بشيء من التفصيلات التي تضمنتها. نعم لو كانت هذه النصوص متواترة، أو لا أقل مستفيضة، فإنه سوف يلتـزم بأصل المسألة أعني خروجهما قبل الظهور، ليعد ذلك من علاماته، وإلا فإن حتى هذا المعنى لا يمكن القول به.

والذي-أحسب-أن النصوص المتضمنة للحديث عن خروجهما مستفيضة، توجب الاطمئنان، ما يعني إمكانية الالتزام بكون خروجهما من علامات الظهور، لكن لا يمكن البناء على شيء مما جاء فيها من تفصيلات، والله العالم بحقائق الأمور، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

[1] سورة الكهف الآية رقم 94.

[2] سورة الأنبياء الآية رقم 96.

[3] بحار الأنوار ج 6 ص 314، تفسير الصافي ج 2 ص 29.

[4] الدر المنثور ج 4 ص 250.

[5] روضة الكافي ص 185.

[6] بحار الأنوار ج 6 ص 314.

[7] لم يتضح لي مقصود العلامة المجلسي(ره) في بيانه للخبر، فلاحظ.

[8] الدر المنثور ج 4 ص 250.

[9] بحار الأنوار ج 12 ص 178.

[10] الخصال ص 336.

[11] يأجوج ومأجوج بين الحقيقة والخيال ص 22-28.

[12] سورة الأنبياء الآية رقم 97.

[13] الأمثل في تفسير القرآن المنزل ج 9 ص 319.

[14] سورة الكهف الآية رقم 98.

[15] سورة الأنبياء الآيات رقم 97-100.

[16] تاريخ الغيبة الكبرى ص 529.

[17] المصدر السابق ص 529-530.

[18] تاريخ ما بعد الظهور ص 158.

[19] بحار الأنوار ج 6 ص 311 ح 8.

[20] تفسير القرآن العظيم ج 3 ص 103-104.

[21] دود يكون في أنوف الحيوانات، كالإبل والغنم.

[22] تاريخ ما بعد الظهور ص 150-153.

[23] تاريخ ما بعد الظهور ص 148-149.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة