تداعيات الحدث

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
70
0

[move]تداعيات الحدث[/move]

تمر الساحة السياسية في العالم العربي بمجموعة من الأحداث والمتغيرات، ولم أكن راغباً الحديث حول هذا الموضوع والخوض في غماره، ذلك لما أعتقده من أنني لست من فرسان هذا المضمار، ولست من أهل الإحاطة والدراية والمعرفة التامة فيه، فضلاً عن أن الحديث فيه يستوجب طولاً في البحث، ويحتاج وقت قد لا يسعه هذا المجال. 

إلا أنه ونتيجة لزيادة الأسئلة الموجهة من أخوة الإيمان حول ذلك، وتصوري أن بعض تلك التساؤلات قد توجب شبهاً أو تؤدي للوقوع في حيرة، سوف أتحدث حول موضوعين لهما صلة بذلك، أعمد فيهما لرفع اللبس، وإزالة الغموض بمقدار ما يتسنى لي ذلك.

فتن آخر الزمان:

أما الموضوع الأول، فهو ما كثر التساؤل فيه من قبل المؤمنين وفقهم الله تعالى عن ربط الأحداث الحالية في الساحة، مع قرب ظهور الإمام المنتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ويتمسكون لذلك بما جاء في بعض النصوص من الإشارة إلى هذا المعنى، وبالتالي يقررون أن هذا هو آخر الزمان، وقد قرب ظهور الإمام المهدي(عج)، وقد حان أوان إقامة دولة الحق والعدل والقسط.

فمن النصوص المشيرة إلى ذلك ما ورد عن الإمام رئيس المذهب أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا عَلَم، يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السيفين وإمارة من أول النهار، وقتل وخلع آخر النهار[1].
فإن المستفاد من هذا النص أن الحكومات تكون في حالة تزلزل، وقد عبر(ع) عن ذلك بقوله: وإمارة من أول النهار، وقتل وخلع من آخر النهار.

وقد يتصور أن المقصود من ذلك تعاقب إمارتين في يوم واحد، فتعين حكومة في أول النهار عند الصبح، أو عند ارتفاع النهار مثلاً، وعند الغروب تخلع الحكومة المعينة صباحاً لتعين حكومة جديدة غيرها في ذلك الوقت، وهذا وإن كان هو الظاهر من النص، إلا أن من المحتمل جداً أن يكون الوارد فيه نحو كناية، وليس حقيقة، بمعنى أنه(ع) يشير إلى قصر عمر الحكومات المعينة، ويحسب مقدار عمرها بعدد الساعات التي تكون من طلوع النهار إلى غروب الشمس، سواء كان ذلك أشهراً، أم كان ذلك سنيناً.

وعلى أي حال، فتحقيق المقصود من النص المذكور ليس هذا محله، بل الذي يهمنا هو دلالته على أن هناك حالة من التزلزل والضعف في الحكومات، وأن هناك انهياراً لها، وسقوط.
وقد يبرر موجب الربط بين سقوط الحكومات والدول، وبين قيام دولة الحق المرتقبة على يد ولي الأمر(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، أن هذا التهري والضعف المؤدي إلى سقوط تلك الحكومات يعدّ الممهد الأول الذي يمهد لقيام دولة الحق ورفع راية الخير على كافة أرجاء المعمورة، فإن سقوط دول الظلم، يشكل الأرضية الواضحة لقيام دولته(بأبي وأمي)، وقبول حكومته المباركة.

تحليل الربط المذكور:

وكيف كان، فإن أول ما ينبغي أن يعمد إلى التأمل فيه في هذا الموضوع، هو تحليل السبب والدافع إلى مثل هكذا ربط، وقرن بين هذين الأمرين، وما أتصوره في البين أحد احتمالين:

الأول: أن يكون منشأ هذا الربط وكثرة هذا التساؤل تعود إلى توفر الاستعداد التام بكامل معطياته، من خلال توفير الشروط المعتبرة لظهور الإمام المنتظر(روحي لتراب مقدم جواده الفداء)، والتهيؤ التام لذلك اليوم.

ولا يخفى أن التهيؤ والاستعداد التام لمثل تلك اللحظات المقدسة فرع توفر شروط الظهور، وتحقيقها في الخارج، فإنه وكما نعلم توجد علامات للظهور، وتوجد شرائط للظهور، وعلامات الظهور منها ما هو حتمي، ومنها ما ليس حتمياً، وحتى الحتمي منها ليس مأخوذاً على نحو العلة التامة للظهور ،بل قد أشير إلى أنها مأخوذة بنحو المقتضي، بمعنى أنه لا يتوقف الظهور على تحققها، فقد يحصل الظهور قبل ذلك، وهذا بخلاف شرائط الظهور، فقد عدت بنحو العلة التامة له، وأن تحققه متوقف على حصولها، فما لم تحصل الشروط الثلاثة المطلوبة للظهور، فلن يتحقق في الخارج.

الثاني: أن يكون منشأ ذلك هو ضعف الأمل، وتسرب اليأس للقلوب والتعب والملل من طول الانتظار.
فإن كثرة المعاناة، وزيادة الضغوط الواقعة على المستضعفين المرتقبين لظهور الفرج وتحققه، توجب ضعف الأمل بالتحقق، فلكي لا يصاب المؤمنون بالشك في التحقق، أو لكي لا يعيشون اليأس من التحقق يعمدون إلى التشبث بكل خيط أو بصيص أمل يؤكد لهم قرب الحصول، والوقوع.

ولا يذهب عليك أنه لو كان منشأ ذلك هو الاحتمال الأول، فهو غاية المنى، والرغبة المنشودة، لأن هذا يعني أن هناك مجتمعاً مهدوياً مستعداً يعيش الانتظار الحقيقي بكافة أبعاده ومعانيه ومعطياته.
وهذا بخلاف ما لو كان منشأ ذلك هو الاحتمال الثاني، فإن الأمر سوف يكون مختلفاً تماماً، وسوف تكون النتائج على عكس ذلك كلياً.

التعقيب على هكذا ربط:

هذا ولا يخفى أن الربط المذكور له جملة من التداعيات والآثار السلبية الخطيرة، قد تترك آثاراً عكسية تماماً، سواء في أصل الاعتقاد بالقضية المهدوية، أم في شدة الارتباط بها بعد التسليم بثبوتها، وسوف أشير لأمرين:

 الأول: إن الربط المذكور يقوم على إحراز أن وقتنا هذا هو آخر الزمان الذي علق عليه في غير واحد من النصوص لقيام دولة الحق، ومن الطبيعي أن إحراز ذلك من الصعوبة بمكان، ذلك أن احتمال وجود زمان آخر بعدُ لم يتحقق خارجاً لا زال وارداً، مضافاً إلى أن ما يمكن أن يجعل علامات لآخر الزمان في هذا الزمان المحدد، تجري في غيره من الأزمنة القادمة، وبالتالي الجزم بتحقق موضوع إقامة دولة الحق، وهو آخر الزمان مشكل جداً. وعليه يكون ترتيب الأثر أشكل كما لا يخفى.
وبالجملة، لابد من التوخي والتوقف قبل الجزم حتى يكون المجزوم به حقاً، وإلا كان ذلك مشكلاً.

الثاني: إن الربط المذكور يترتب عليه مجموعة من الآثار السلبية الخطيرة:

منها: ضعف المعتقد بالقضية المهدوية، إذ لا ريب أن تكرر الربط بين الموضوعين، بين الأحداث التي تقع بين فينة وأخرى، وبين قرب الظهور لولي الأمر(روحي لتراب حافر جواده الفداء) مدعاة إلى زيادة اشتياق المؤمنين لتلك اللحظات، إلا أنهم يصطدمون بعدم تحقق ذلك، وسرعان ما ترتفع الصيحات من جديد بالنداء بحلول قرب الظهور، فيتجدد الأمل، وهكذا، إلا أن النتيجة أنه لا يتحقق ذلك خارجاً، وهذا كما لا يخفى على أحد يسبب ضعفاً تدريجياً بالقضية نفسها، بل قد يؤدي إلى التشكيك في ثبوتها، حتى ربما ينتهي الحال إلى إنكارها، وهو من الخطورة بمكان.

وعليه، فلابد وأن يعي هؤلاء الذي يعمدون بين فينة وأخرى إلى تحريك المشاعر والعواطف، وإلهاب القلب بقرب حلول الفرج، وبحلول عصر الظهور، إلى ما يتركه ذلك من أثر وخيم وسلبي على النفوس الإيمانية، ولعل النصوص التي تضمنت أنه عند ظهوره(روحي له الفداء) سوف يُنكر، أو سوف يُكذب، أو أن بعض شيعته يُنكر وجود شيء اسمه المهدي، أو يقول لم يولد، أو يقول قد مات، ترجع إلى مثل هذه الحالات، ذلك أن تكرر الربط دون ظهور قد يؤدي إلى مثل ذلك، فتأمل.

ومنها: ترتب جملة من الآثار النفسية السلبية للأفراد، وتعطيل جملة من مصالحهم، فلو أن شخصاً قد عزم على السفر للدراسة مثلاً، أو قرر السفر للزيارة، أو عقد العزم على إتيان عمل ما، وقد سمع بقرب ظهور المولى(بأبي هو وأمي) فلا ريب في أنه سوف يوقف جميع ذلك، فلن يعمد الطالب إلى السفر من أجل استكمال تعليمه، لأنه سوف يرتقب ظهور الأمل المنشود، والذي سوف يفيض العلم على جميع الخلق، من خلال مسحة كريمة من يده المباركة، وكذا التاجر سوف يوقف السفر لاستكمال شؤون تجارته، لأنه سوف يرغب أن يكون من أول الناس الموفقين للنظر إلى تلك الطلعة الرشيدة، ونيل الرحمات الكريمة من تلك الشخصية الإلهية، وهكذا، ولا ريب أن هذا يترك آثاراً نفسية وخيمة على الأفراد، فكيف إذا كان ذلك التعطيل والتوقف قد صاحبه انتكاسة في الهدف المنشود.

وبالجملة، إن الذي ينبغي أن يعمد إلى توفيره وإيجاده بين شرائح المجتمع وكافة أطيافه هو الإعداد المتكامل من خلال توجيههم إلى تحقيق الظهور، وامتلاكهم إياها ليكونوا على استعداد تام إلى تلك اللحظة، ويكون في حالة ترقب شرائط دائم لتلك الطلعة. ومن المعلوم أن هذا يحتاج إلى عمل دؤوب، لكي يمتلك المجتمع وعي وثقافة الانتظار الحقيقي، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا وجميع المؤمنين والمؤمنات لذلك.

الفراغ القيادي:

وأما الموضوع الثاني، فقد كثر سؤال الأخوة المؤمنين، حول دورنا تجاه الأحداث المذكورة، وكيف يمكننا أن نستفيد منها، ونستغلها لتغيـير واقعنا الحي، وهل بالفعل يمكننا الاستفادة منها، أم أنه لا يمكننا ذلك؟

ولا يخفى أن الحديث عن هذا الموضوع، يجرنا إلى الحديث عن نقطة مهمة جداً، ذلك أن أي مجتمع من المجتمعات يحتاج قيادة، بل إن الإنسان نفسه بحاجة إلى قيادة، فلاحظوا الولد عندما يكون أبوه موجوداً فإن مقومات تربيته وتنشئته تنشئة صالحة تكون متوفرة، بخلاف ما لو كان هذا الولد يتيماً، لأنه يصعب إعداده إعداداً صالحاً، ولا أقل من أن العقبات التي تقف أمام ذلك تكون كثيرة، وكذا الطالب في المدرسة ما لم يتوفر له أستاذ يقدر المسؤولية ويقوم بها على أتم وجه، فلا ريب أن ذلك سيكون حاجزاً من أن يوجد عندنا طالب على مستوى علمي مميز، وهكذا المجتمع ما لم يكن هناك مسؤول يعمد إلى توجيهه وإرشاده، فسوف يكون مجتمعاً تائهاً يعيش حالة من الضياع. ويمكننا تقريب ذلك بالمجتمعات النسائية[2]، فإنها لما كانت تعيش حالة من الفراغ القيادي في مجال التوجيه، أصبح ذلك سبباً رئيسياً لانتشار الكثير من الخرافات والخزعبلات بينها، بل لا ينحصر الأمر في خصوص الوسط النسائي، فإن ذلك سبيل كل مجتمع يفتقد إلى القيادة الموجهة والمرشدة.

وأوضح ذلك بصورة أكثر، من خلال عرض السؤال التالي: كيف يكون التعاطي مع حصول أي حدث من الأحداث في المجتمع، فلو حصلت جريمة قتل فيه، أو وقعت حادثة سرقة، أو تم الاعتداء على عرض من الأعراض، فما هي ردة الفعل المتوخاة من المجتمع تجاه هذا الحدث؟

لقد أشرت في حديث سابق لي من خلال هذا المنبر عند حديثي عن المجتمع الراشد أن ذلك لن يخلو عن أحد محتملات، فإما أن يتعامل مع الحدث بشيء من السلبية، أو بشيء من الغوغائية والانفعالية، أو بشيء من الحكمة والعقلانية.

ولا ريب أن اتخاذ المنهج الثالث رهين وجود قيادة يمكنها توجيه المجتمع للتفاعل مع الحدث بصورة رشيدة، والاستفادة منه بصورة فعلية صحيحة، وهذا ما أردنا الإشارة إليه من خلال ذكر الحاجة إلى القيادة، وأهمية دورها في المجتمع.

إذاً يتضح من خلال العرض السابق أن هناك حاجة ماسة إلى وجود قيادة، وأنه من دون ذلك لن يكون هناك ما يدعو إلى النجاح والتقدم للإمام.
ولا ريب أن اتخاذ أي قرار في أي موقف من المواقف، أو في أي حدث من الأحداث لابد وأن يكون ناتجاً من خلال القائد الذي يعول عليه في التوجيه في اتخاذ القرارات وإلا استوجب ذلك الفوضى.

العلاج الإسلامي لمشكلة الفراغ القيادي:

وقد تضمن التشريع السماوي علاجاً لمثل هذه المشكلة، أعني مشكلة الفراغ القيادي، فإن مقتضى مدنية الإنسان الطبعية تستوجب وقوع استعباد من الإنسان لمثله، وسعي حثيث للسيطرة عليه، وهذا يحول المجتمع البشري إلى مجتمع غابي، لذا عالج الباري سبحانه وتعالى مشكلة الحاجة إلى القيادة الاجتماعية ببعث الأنبياء وإرسال الرسل، لتكون واحدة من أهداف بعثتهم المباركة القيام بعملية سد الفراغ القيادي في المجتمعات البشرية.

ومن بعد الأنبياء يأتي دور الأوصياء والأئمة والخلفاء(ع)، فإنهم يقومون بنفس الدور الذي يقوم به الأنبياء والرسل، فيتولون مهمتهم، في قيادة الأمة وتحديد واجباتها، ومسؤولياتها.
وفي زمان الغيبة المظلمة، قد أوكل أمر قيادة الأمة، وسدّ حالة الفراغ القيادي الذي تبتلى به الأمة إلى الفقهاء، وفقاً للتوقيع الصادر من الناحية المقدسة، فقد ورد: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله.

وهذا يعني أنه لابد وأن يكون أي تصرف من التصرفات تحت غطاء المرجعية حتى يكتسب الصفة الشرعية، فما لم يكن كذلك، فإنه سوف يكون خارجاً عن هذا البعد كما هو واضح.
ولعل هذا يبرر لنا اصرار الكثير من أهل الإيمان على إيكال قيادة العديد من المشاريع والأعمال إلى طلبة العلوم الدينية، ورجال الدين، وذلك لأنهم يمثلون الامتداد الطبيعي لخط المرجعية المقدس، إما لكون أغلبهم وكلاء للمرجعية، أو لأنهم سوف يسيرون على نهجها ويهتدون بهديها، ولو من خلال المراجعة إليها في كل تصرف وعمل.
وعلى أي حال، فإن مثل هذا الإيكال يكشف عن حالة من حالات التدين والارتباط بالشريعة المقدسة.

وقد تبين من خلال ما تقدم، أن وجود أي قرار أو تصرف لابد وأن يكون مصدره من القيادة التي تقود المجتمعات، وأن هذه القيادة لابد وأن تكون مكتسبة للصفة الشرعية حتى يخول لها التصدي لمثل هذا الأمر، وهذا يجرنا إلى سؤال مهم جداً حتى نتمكن من الإجابة على السؤال الذي طرحناه في بداية هذا المحور، وهو: هل نتملك قائداً في مجتمعنا أم لا، وهل يوجد عندنا قائد في هذا المجتمع أم لا؟

لا يختلف اثنان على توفر مجموعة غير قليلة من رجالات الدين، وطلبة العلوم الدينية، ولا يختلف اثنان أيضاً أن بينهم وكلاء للمرجعية كما أن صفة التدين والمراعاة للضوابط الشرعية متوفرة ولله الحمد عندهم، مضافاً إلى امتلاك الكثير منهم للمستوى العلمي، والدراية المعرفية، إلا أن السؤال يبقى: هل أن هؤلاء قد عمدوا إلى التصدي للقيام بمهام القائد أم أنهم لم يقوموا بذلك؟

فالسؤال لا يعني عدم وجود الأفراد الذين يملكون المؤهلات، وإنما هل تصدى من يملك المؤهلات لمثل هذه المسؤولية، أم أنه بعدُ لم يتصد لها، وما هي الأسباب التي منعت من التصدي؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تحقق لنا الإجابة عن أصل التساؤل الذي افتتحنا به المقام، فإنه ما لم يكن لنا قائد، فلن يقرر الموقف، ولن يحدد العمل المطلوب، ولن يستفاد من الظروف الموضوعية التي تمر في كل مرحلة مرحلة.

ولهذا يأتي سؤال آخر، من هو المسؤول عن إعداد القائد، وتهيئته ليتصدى للقيام بالمهام المناطة به؟

لا يخفى أن مجرد وجود المؤهلات والقدرات القيادية لا تكفي لتحقق القيادة، بل لابد وأن يكون القائد مدعوماً وبصورة واضحة من قبل القواعد الشعبية، وهو ما يسمى اليوم بالجماهير، فإنها العامل الأبرز في قيام القيادة بدورها، وأدائها لواجبها، وهذا وإن كان لا يخلي مسؤولية أصحاب القدرات من عرض أنفسهم كقادة في البداية حتى تلتف حولهم القواعد الشعبية، إلا أن ذلك لا ينفي مسؤولية الجماهير من أن تقوم بحمل هؤلاء على التصدي للقيام بما هو المطلوب منهم، وأداء ما يرتجى.

ولا يخفى على أحد أن أول الأشياء التي يلزم على الجماهير تحصيلها هو وعيها لمسؤوليتها من خلال إلغائها لإنتمائتها الشخصية، وعدم الاشتغال بها، والعمد إلى التفكير في المبدأ الأهم، والهدف الأبعد، وهو ما يعرف بالمصلحة العامة، ومن الواضح جداً أن هذا لن يكون إلا من خلال التلاحم التام والدائم بين أفراد المجتمع.

وقد اتضح من خلال ما تقدم، أن الاستفادة من أي حدث من الأحداث وتفعيله ليصب في المصلحة، فضلاً عن اتخاذ قرار فيه، أو بشأنه يحتاج إلى وجود قيادة حكيمة واعية تقدر على تقدير الظروف، وتسير الأمور بالاتجاه الصحيح حتى يتحقق الهدف، وتحصل الغاية.

ولا يتصور أحد أن الحاجة إلى القيادة تنحصر في التعاطي مع الأحداث الخارجية، كالأمور السياسية، والأمور المطلبية فقط، لأنه تصور خاطئ، بل إن القيادة دورها أكبر، وأوسع من ذلك، فإن لها تأثيراً حتى في الفعاليات والشؤون الإدارية الداخلية، ووسائل العمل، كما أنها سوف تكون مرجعاً يتوجه إليه للتوفيق بين المتنازعين والمتخاصمين في مجال العمل الاجتماعي، وغير ذلك.
 

 

[1] كمال الدين ج 2 ص 348.
[2] من نعم الله تعالى على المجتمع اليوم وجود قنوات عديدة أخذت على عاتقها القيام بتوجيه المجتمع النسوي، كما أن من نعمه علينا وجود كوادر نسائية على مستوى عالي جداً في الناحية المعرفية، وقد عمدنا إلى ممارسة دورهن القيادي في هذا المجال، نسأل الله تعالى لهم دوام الموفقية.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة