ركوب المحرم للمصعد

لا تعليق
خواطر حوزوية
57
1

اتفق أصحابنا إلا من شذ منهم على عدم جواز التظليل نهاراً، حال السير، واختلفوا في جوازه ليلاً.

وقد وقع الخلاف بينهم في جواز التظليل في المنـزل بالظل المتحرك حال النـزول، فألتـزم بعضهم بجوازه مطلقاً، سواء كان في الليل أم النهار، ما دام يتنقل في المنـزل، وأختار آخرون جوازه ليلاً بناءً على جواز التظليل في الليل، وعدم جوازه نهاراً.

ثم إنه لو بني على عدم جواز التظليل في المنـزل، حال النـزول بالظل المتحرك، فهل يشمل ذلك التظليل داخل المسكن، كما لو استخدم المحرم أثناء تواجده في سكنه مظلة، وتحرك بها في أرجاء المنـزل، وكذا لو ركب المحرم أثناء تواجده في سكنه المصعد الكهربائي المعروف، وتحرك به بين أدوار السكن، منتقلاً من طابق إلى آخر.

هذا ولما كان استخدام المحرم أثناء وجوده في منـزله للمظلة فرداً نادراً، بخلاف استعماله للمصعد الكهربائي، فإنه يكثر الابتلاء به للمحرمين، خصوصاً مع ارتفاع العمائر السكنية في مكة المكرمة، فسوف ينصب حديثنا عن خصوص هذا الأمر دون البقية.

ولا يذهب عليك، أن تنقيح المسألة تارة بلحاظ الأصل، وأخرى بالنظر إلى النصوص.

أما بالنظر إلى الأصل، فلا ريب أن الأصل يقتضي عدم وجود ما يمنع من جواز الركوب في المصعد الكهربائي، لأن المورد من صغريات الشك في ثبوت المانعية، وقد قرر في محله أنه مجرى لأصالة البراءة، فلاحظ.

نعم الرجوع للأصل، فرع عدم وجود عموم يدل على حرمة التظليل على المحرم مطلقاً من دون تفصيل، ولذا لو لم يتم شيء مما دل على جواز التظليل في المنـزل مثلاً، كان مقتضى ما دل على مانعية التظليل للمحرم البناء على عدم جوازه له، فلاحظ.

وأما بالنظر إلى النصوص، فإن المسألة محل البحث ترتبط بنوعين من النصوص، وهما:

1-ما دل على حرمة التظليل.

2-ما دل على جواز الاستظلال حال النـزول.

وعليه، لابد من النظر في كليهما، فنقول:

أما بالنسبة للنوع الأول، وهو ما دل على حرمة التظليل على المحرم:

فلابد من تحديد موضوع التظليل المحرم على المحرم، وأنه الاستظلال عن الشمس، فيلزمه البروز تحتها، ولا يحرم عليه الاستظلال حال غروبها، أو أنه الاستظلال عن السماء، فيلزمه البروز تحتها من دون فرق بين الليل والنهار.

والفرق بين المحتملين واضح، لأنه لو بني على الأول، فسوف يلتـزم بحرمة الاستظلال متى كانت الشمس موجودة، وعليه لو لم تكن موجودة، وجوازه في غروبها. وهذا بخلاف ما لو بني على المحتمل الثاني، فسوف يبنى على مانعية الاستظلال مطلقاً، سواء كانت الشمس موجودة أم لا.

هذا والمستفاد من النصوص، أن المعتبر هو الإضحاء، بمعنى البروز تحت الشمس، وهذا يعني أن الواجب على المحرم عدم الاستظلال عن الشمس، فإذا غابت لم يحرم عليه الاستظلال، ففي

صحيح عبد الله بن المغيرة المتقدم قال: سألت أبا الحسن(ع) عن الضلال للمحرم؟ فقال: أضح لمن أحرمت له. قلت: إني محرور وأن الحر يشتد علي؟ فقال: أما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين[1].

وفي صحيحه الآخر، قال: قلت لأبي الحسن الأول(ع) أظلل وأنا محرم؟ قال: لا. قلت: فاظلل واكفر. قال: لا. قلت: فإن مرضت، قال: ظلل وكفر، ثم قال: أما علمت أن رسول الله(ص) قال: ما من حاج يضحي ملبياً حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها. مضافاً إلى نصوص المنع عن ركوب القبة والكنيسة، كما فصل ذلك في محله من تروك الإحرام، فليلاحظ هناك.

نعم لا تنحصر حرمة التظليل في خصوص وجود الشمس، بل يحرم التظليل أيضاً متى كان هناك مطر أيضاً، وذلك لوجود نص خاص في المقام، كما فصل في محله.

فتحصل أن المحرم على المحرم حال الإحرام هو الاستظلال عن الشمس.

وأما بالنسبة للنوع الثاني: وهو ما دل على جواز الاستظلال حال النـزول:

فينبغي تحديد موضوع نصوص جواز الاستظلال، وأنه حال النـزول والاستقرار، فلا تشمل تنقلاته في المنطقة الواحدة من جهة إلى أخرى، أو أن موضوعها جواز الاستظلال في المنـزل الواحد، والتنقل في كافة جهاته وأماكنه، لأن المحرم هو خصوص الانتقال من منـزل إلى آخر.

لا يخفى أن النصوص التي تضمنت حرمة التظليل على المحرم السائر مطلقة، وليست مختصة بما إذا كان سيره من منـزل إلى آخر، أو خصوص حال الانتقال:

منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن المحرم يركب في الكنيسة، فقال: لا، هو للنساء جائز[2]. ودلالته على المدعى واضحة، في ثبوت مانعية التظليل للمحرم الرجل، من دون فرق بين كون ذلك حال السير والانتقال من منـزل إلى آخر، أو أن ذلك أثناء تنقله في المنطقة الواحدة بواسطة الظل المتحرك معه، وهو الكنيسة، وقد ذكر في معناها أنها شيء شبيه من الهودج، فلاحظ.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(ع) قال: سألته عن المحرم يركب القبة، فقال: لا، قلت المرأة المحرمة، قال: نعم[3]. ودلالته على المدعى من حيث السعة والشمول لحال الانتقال من منـزل إلى آخر، أو حال النـزول والتنقل في نفس المنـزل لا تختلف عن سابقه، ويقصد من القبة كما في كلمات أهل اللغة، هي الهودج، أو شبيهة به، تصنع من العصي ويجعل فوقه الخشب، أو يلقى عليه الثوب للاستظلال به.

ومنها: صحيحة عبد الله بن المغيرة، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن أحرمت له، فقلت: إني محرور وإن الحر يشتد علي، فقال: أما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المجرمين[4]. وهي أيضاً شاملة لما إذا كان المحرم في المنـزل، أم كان متنقلاً، فلاحظ.

ولا يخفى أنه لو كنا ومقتضى هذه النصوص، لبني على عدم جواز الاستظلال للمحرم مطلقاً، سواء كان ذلك حال السير والتنقل من منـزل إلى آخر، أم كان ذلك أثناء تنقله داخل المنـزل الذي نزل فيه، وكان تنقله فيه بواسطة الظل المتحرك، كما لو نزل مكة المكرمة، وأراد أن يتجول فيها بواسطة المظلة، فإنه يلتـزم بعدم جواز ذلك، وفقاً لإطلاق النصوص المتقدمة، فلاحظ.

ويؤيد ذلك النصوص التي تضمنت جواز الاستظلال حال النـزول في المنـزل، إلا أنها مختصة بالظل الثابت، وليس بالمتحرك، ففي خبر محمد بن الفضيل وبشير بن إسماعيل-في حديث أبي يوسف مع الإمام الكاظم(ع) أنه دخل عليه، فقال: يا أبا الحسن، ما تقول في المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فيستظل في الخباء؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك: يا أبا الحسن فما فرق بين هذا؟ فقال: يا أبا يوسف، إن الدين ليس يقاس كقياسكم، أنتم تلعبون إنا صنعنا كما صنع رسول الله(ص)، وقلنا كما قال رسول الله(ص) كان رسول الله(ص) يركب راحلته فلا يستظل عليها، وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، وربما يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظل بالخباء وفي البيت وبالجدار[5]. فإنها تدل على مانعية الاستظلال حال الحركة، من دون فرق بين كونه قد نزل المنـزل، وتنقل داخله، أو أنه كان متنقلاً من منـزل إلى آخر، فلاحظ.

وخبر عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قال أبو يوسف للمهدي وعنده موسى بن جعفر(ع) أتأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له: نعم، فقال لموسى بن جعفر(ع) اسألك؟ قال: نعم قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح قال: فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال: نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (ع): ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا. قال: فتقضي الصوم؟ قال: نعم. قال: ولم؟ قال: هكذا جاء فقال أبو الحسن(ع) وهكذا جاء هذا. فقال المهدي ما أراك صنعت شيئاً قال: رماني بحجر دامغ[6]. وهو كسابقه من حيث الدلالة، فإن المحرّم هو الاستظلال حال السير من دون فرق بين كونه في المنـزل، وبين كونه حال الانتقال، كما أنه يدل على جواز الاستظلال حال النـزول في المنـزل، لكن بخصوص الثابت دون المتحرك.

نعم ربما منع من الاستناد لهذه النصوص، على فرض تمامية أسنادها، كونها في مقام الاحتجاج، وليست في مقام البيان، فتأمل.

إلا أن بعض الأعاظم(ره)، خص النصوص الدالة على حرمة التظليل، بما إذا كان المحرم متنقلاً من منـزل إلى آخر، فلا تشمل ما إذا نزل في مكان ما، وإن ظلل فيه[7].

وقد جعل الوجه في ذلك، أن نظر النصوص التي تضمنت المنع من حرمة التظليل، لما إذا لم يكن قد نزل منـزلاً، وليس ذكر الخباء فيها إلا من باب الإشارة إلى تحقق نزول المنـزل، وهذا يعني أن دخول الإمام(ع) للخباء، كان بمثابة دخوله منـزله، وأنه كان يعبر عن ذلك بهذا المعنى. ويؤيد هذا المعنى ما تضمنته بعض الأخبار، كخبر محمد بن الفضيل، وإسماعيل بن بشير عن أبي الحسن(ع) كان رسول الله(ص) يركب راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس، فيستر بعض جسده ببعض، وربما يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظل بالخباء، وفي البيت وبالجدار[8].

وربما يساعد على ما استظهره(ره) أمران:

أحدهما: ما كان يصدر من العامة، فإنهم كانوا يستغربون الفرق بين جواز الاستظلال حال النـزول، وعدم جوازه حال السير، ومن الواضح أنه لم يكن هناك خصوصية للنـزول في الخباء، وإنما كان المقصود الإشارة إلى أن وجود الخباء كاشف عن تحقق النـزول في مكان واحد، فلاحظ.

ثانيهما: لا يخفى أن مسألة الاستظلال حال التنقل في المنطقة الواحدة تعدّ من المسائل الابتلائية، وهذا يوجب أن تكون كثيرة الدوران، ويزداد السؤال عنها، إلا أننا نلاحظ عدم وجود شيء من الأسئلة من قبل الرواة حولها، بل لا يوجد ولا سؤال واحد في هذا الموضوع أصلاً، وهذا كاشف عن كون حكمها كان من الواضحات عند الأصحاب، وأنهم قد فهموا من الخباء، العنوان المشير للمكان، والمنطقة الواحدة، وأن حكمها حكم الخباء، كما لا يخفى.

ويلاحظ عليه، أولاً: إن البناء على اختصاص حرمة التظليل بما إذا كان حال السير وطي المنازل، وعدم شمولها للسير داخل المنـزل والمنطقة الواحدة، خلاف الإطلاق الذي قد سمعته من النصوص، وليس في البين ما يوجب رفع اليد عن ذلك، فلاحظ.

ثانياً: إنه ليس في ما بأيدينا من النصوص التي تضمنت جواز الاستظلال إلا النصوص التي كانت تحكي ما يدور بين الأئمة(ع) وخصومهم من المناظرات، وهي مع ضعف أغلبها لو لم يكن جميعها سنداً، فإن القدر الذي تضمنته دلالتها هو جواز الاستظلال حال الجلوس والبيتوتة وما شابه من الاستراحة وتناول الغذاء، ولا يشمل غير ذلك، وهذا واضح في اختصاص الجواز بحال عدم التنقل ولو في المنـزل الواحد والمنطقة الواحدة كما لا يخفى.

وبكلمة، إن ما دل على جواز الاستظلال ناظر لخصوص الاستظلال بالثابت في المكان الذي نزل فيه، ولا يشمل الاستظلال بالمتحرك وإن كان في مكان النـزول، فتدبر.

ثالثاً: إن حمل لفظ الخباء على المكان الذي نزل فيه، وليس على محل إقامته وجلوسه وبيتوته واستراحته، خلاف الظاهر جداً، ويحتاج إلى قرينة واضحة جلية للحمل على المعنى الكنائي، لكونه استعمالاً لم يعهد في كلماتهم، فلاحظ.

رابعاً: إن القول بعدم وجود سؤال عن الاستظلال حال التحرك، فعهدته على مدعيه، فإنه قد ورد في النصوص السؤال عن الاستظلال بظل المحمل، ومن الواضح جداً أن هذا قد يكون حال التنقل في المنـزل الواحد، كما لا يخفى. ففي صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: كتب إلأى الرضا(ع): هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب: نعم[9].

وكما أنه يدعى وضوح المسألة في جانب القول بمشروعية الاستظلال حال التنقل في المكان الواحد حال النـزول، يمكن دعوى عكسها أيضاً، فيقال، بأنه لما لم يفهم الأصحاب وجود خصوصية للاستظلال حال طي المنازل، بل قد فهموا أن الملاك في الأمرين، طي المنازل، والتنقل في المنـزل الواحد، واحد، لذا لم يعمدوا للسؤال والاستفسار، فتدبر.

هذا وقد يتمسك للقول باختصاص المنع بحال طي المنازل، وعدم شمولها لما إذا كان حال النـزول، والسير في المكان الواحد، بما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في ما كتبه من أسئلة للناحية المقدسة(عج)، أنه سأله عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟ الجواب: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم[10]. فإنه وإن كان الأمر منصباً على ثبوت الكفارة، لكونه قد ظلل حال الاختيار، إلا أن السؤال قد اشتمل على قيد، وهو كون الاستظلال قد حصل أثناء الطريق الدال على حصوله حال طي المنازل، وليس في أثناء تنقله في المنـزل الواحد، لأنه لا يقال لمن كان متنقلاً في المنـزل الواحد أنه في طريقه، وإنما يكون هذا التعبير لمن كان قاصداً البيت الحرام، فيقال هو في طريقه إلى مكة المكرمة، فيكون التعبير مشيراً إلى حال التنقل والسير بين المنازل، فيثبت المطلوب.

ولا مجال لأن يدعى أن القيد المذكور، قد أخذ في لسان السائل، ولم يرد في لسان الإمام(ع)، فلا يكون موجباً للتقيـيد. لأن المفروض أن مقتضى المطابقة بين السؤال والجواب، تقضي أن يكون الجواب الصادر منه(عج) متوافقاً مع ما تضمنه السؤال من قيود ولو لم يكن مريداً لبعضها لأشار إلى عدم دخالتها في الحكم.

وبالجملة، مقتضى عدم تضمن جوابه(بأبي وأمي) ما يفيد عدم دخالة القيد المذكور، في سؤال السائل من أن التظليل قد وقع حال طي المنازل، يقضي اختصاص الحرمة به، فلاحظ.

والإنصاف، قرب التقريب المذكور، لولا وجود المانع السندي من التعويل عليها، نعم ربما منع من اختصاصها بحال طي الطريق بين المنازل، باستعمال التعبير المذكور، فيقال لمن خرج من بيته قاصداً البيت الحرام أنه في طريقه للبيت الحرام، فتأمل.

وبالجملة، يبقى المانع السندي كافياً لرفع اليد عن العمل على وفقها، وإن لم ينص على وثاقته، لكن التوصيف الذي ذكره النجاشي في حقه يساعد على البناء على وثاقته، إلا أن وجود النوبختي أحمد بن إبراهيم مانع من الاستناد، لأنه مهمل، فلاحظ.

هذا وقد يسعى لإثبات اعتبار روايته، إما بتوثيقه، أو بالبناء على كونه حسناً على أقل التقادير، اعتماد على أمرين:

أحدهما: إن المذكور صهر للسفير الثاني العمري الابن(رض)، ومن الطبيعي أن من يكون في هذه المرتبة، سوف يكون مطلعاً على الكثير من الأمور الخاصة المرتبطة بشأن العمري(رض)، وتعاملاته، ويحيط بالداخلين عليه، وما شابه، فلو لم يكن ثقة مأموناً، ما أعطي هذا الشرف، وما حظى بهكذا منـزلة.

ثانيهما: اختصاصه بالسفير الثالث أبي القاسم الحسين بن روح(رض)، فقد كان كاتبه، الذي يعتمد عليه في الإجابة على المسائل التي كانت ترد عليه من الشيعة، ويطلب جوابها من الناحية المقدسة، وكان الحسين بن روح(رض) يملي أجوبتها، وأحمد النوبختي يتولى كتابتها، وهذا يكشف عن اختصاص منه بالسفير الثالث، وإطلاع منه على كثير من الأسرار بحكم وظيفته، فهذا لو لم يجعله في أعلى درجات الوثاقة، فلا أقل من كونه كاشفاً عن حسن حال.

والإنصاف، حسن التقريب المذكور بداية، إلا أن التأمل يمنع من قبوله، فقد وجد في أصحاب الأئمة(ع) ممن اطلع على أسرارهم الخاصة، إلا أن ذلك لم يمنعه من الانحراف، فالسكوني، كان من أصحاب أبي عبد الله(ع)، ومن الطبيعي أن يكون محيطاً ولو في الجملة بما له من أسرار، ومكانة قدسية، إلا أنه بقي عامياً، وكذا البطائني، وغيرهما، فلاحظ.

وبالجملة، لا يوجد ما يصلح أن يخرج شاهداً ويتكأ عليه في إثبات وثاقة المذكور، فتدبر.

وعلى أي حال، ثم إنه بعد عدم إمكانية اعتبار سندها، وعدم وجود ما يصلح للجابرية في المقام من عمل المشهور بها، فلن تصلح للاستناد.

حكم ركوب المصعد الكهربائي:

ثم إنه بعد الفراغ عن ملاحظة النصوص، يقع البحث في حكم ركوب المصعد الكهربائي، فنقول:

إن هاهنا فروضاً:

الأول: أن يلتـزم بحرمة التظليل مطلقاً، ليلاً ونهاراً، لأن موضوعه البروز تحت السماء، وليس تحت الشمس، كما أنه يحرم التظليل في المنـزل الواحد مطلقاً.

الثاني: أن يبنى على اختصاص حرمة التظليل بالنهار دون الليل، وأنه يحرم التظليل حال النـزول في المنـزل الواحد.

الثالث: أن يبنى على اختصاص الحرمة بالنهار دون الليل، ولا يحرم التظليل حال النـزول في المنـزل الواحد.

الرابع: أن يبنى على اختصاص الحرمة بالنهار، ويحرم التظليل حال التنقل في المنـزل الواحد.

ولا يخفى أنه سوف يختلف الحكم في كل واحد من هذه الفروض، وعلى أي حال نحتاج البحث ضمن نقطتين:

الأولى: في تحديد المستفاد من نصوص جواز الاستظلال، وأنه خصوص الاستظلال بالثابت في المنـزل، فلا تدل على جواز الاستظلال بالمتحرك فيه.

الثانية: في صدق عنوان التنقل على الصعود في المصعد الكهربائي.

أما بالنسبة للنقطة الأولى، فالظاهر أن ما دل على جواز الاستظلال حال النـزول في الخباء وما شابه، مطلق، فإنه لم يخص ذلك بما إذا كان الاستظلال تحت الخباء فقط، دون ما إذا كان الاستظلال بشيء متحرك مع المحرم فيه، وعليه يمكن التمسك بإطلاقها لإثبات الجواز.

إلا أن يدعى، انصرافها للحالة المعروفة والمألوفة، وهي أن النـزول تحت الخباء عادة يلازمه ترك استعمال شيء آخر يستظل به، فيمنع ذلك من الاطلاق.

أو أن يدعى أنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، فلا يمكن التمسك بها لإثبات الجواز، فلاحظ.

والإنصاف، مقبولية كلا الأمرين، وعليه حال الشك في مشروعية استعمال الظل أثناء التنقل داخل المنـزل، كان المرجع هو ما دل على مانعية التظليل، ولا مجال للاستناد للأصل، لتقدم الدليل الاجتهادي، على الدليل الفقاهتي، فلاحظ.

ومع التسليم بما ذكر، إلا أنه يقرر عدم وجود مانع للبناء على مشروعية الاستظلال في المنـزل بالمتحرك، وذلك لأن المستفاد مما دل على المانعية، هو السير، ولا ريب أن هذا يكون من خلال الانتقال من مكان لآخر في المنطقة الواحدة، والظاهر أن العرف لا يعتبر المنـزل الواحد الذي قد نزل فيه المحرم لسكناه أمكنة متعددة، بحيث يحكم على انتقاله من حجرته لحجرة جاره، أنه قد انتقل من مكان إلى آخر، نعم هو بالمعنى الفلسفي تام، لكنه بالمعنى العرفي في غير محله، ومن المعلوم أن النصوص تحمل على المعنى العرفي، وليس الفلسفي، وعليه، فإن المقصود من المانعية، حال تحقق الانتقال من مكان إلى آخر بنظر العرف، وهذا لا ينطبق على ما إذا كان تنقله في رحاب السكن الذي اتخذه مسكناً له، فلاحظ.

وأما بالنسبة للنقطة الثانية، فإنه وفقاً لما استظهرناه من النصوص، فلن يكون الركوب في المصعد الكهربائي، وحركته العمودية انتقالاً من مكان إلى آخر، وبالتالي لن يكون فيه أي إشكال أصلاً.

نعم لو أدعي أن النصوص الدالة على الجواز مختصة بما إذا كان الاستظلال بشيء ثابت من دون فرق بين كون التنقل داخل السكن، أو خارجه، فإنه يشكل البناء على جواز الركوب فيه، كما لا يخفى.

ووفقاً لما تقدم، سوف يلتـزم بجواز الركوب المصعد الكهربائي للمحرم، في جميع الفروض الأربعة السابقة، فلاحظ.

نعم في المقام تفصيل لبعض الأعلام(ره)، حاصله: إن المصاعد التي توجد في العمائر السكنية على نحوين:

أحدهما: أن يكون المصعد الكهربائي مستوراً عن الشمس، وعن الحر والبرد والمطر، إما بوجود غطاء في آخر البناية، أو بسبب تعدد طبقات العمارة وكثرتها، وضيق الموضع الذي نصب فيه المصعد من العمارة، فلا تتسلط الشمس ولا المطر على نفس المصعد، بحيث لم يكن الوقوف في المصعد وقوفاً في مظلة، ولم يكون الوجود داخله تحت ظل، فيجوز للمحرم استخدامه.

ثانيهما: أن يكون المصعد الكهربائي بارزاً للشمس وللحر والبرد والمطر، بحيث يصدق على الوقوف في المصعد أنه متظلل بسقفه عن الشمس أو عن الحر أو البرد، أو عن المطر في أوقات المطر، فلا يجوز للمحرم الوقوف فيه، وعليه الكفارة متى استخدمه[11].

والوجه في تفصيله(قده) واضح، فإنه يلتـزم بحرمة التظليل داخل المنطقة، فلا يجوز التنقل في مكة المكرمة مظللاً، كما أنه يمنع من التظليل من الشمس والمطر والحر والبرد، ولا كلام لنا في هذا، إنما الكلام في صدق عنوان الانتقال باستخدام المصعد الكهربائي، فالظاهر منه(قده) بنائه على تحقق العنوان، على أساس أنه لا فرق بين الانتقال الأفقي، والانتقال العمودي.

وقد عرفت، أن البناء على مثل هذا في غير محله، لا لوجود لا فرق بين الانتقال عمودياً والانتقال أفقياً، وإنما للشك في صدق عنوان التنقل داخل البناية الواحدة ليكون مشمولاً لما دل على المنع، فلاحظ.

[1] وسائل لاشيعة ب 64 من أبواب تروك الإحرام ح 11.

[2] وسائل الشيعة ب 64 من أبواب تروك الإحرام ح 4.

[3] المصدر السابق ح 1.

[4] وسائل الشيعة ب 64 من أبواب تروك الإحرام ح 11.

[5] وسائل الشيعة ب 66 من أبواب تروك الإحرام ح 1.

[6] المصدر السابق ح 4.

[7] المعتمد في شرح المناسك ج 28 ص 499.

[8] وسائل الشيعة ب 66 من أبواب تروك الإحرام ح 1.

[9] وسائل الشيعة ب 67 من أبواب تروك الإحرام ح 1.

[10] وسائل الشيعة ب 67 من أبواب تروك الإحرام ح 7.

[11] كلمة التقوى ج 3 ص 349 مسألة 728.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة