محورية القرآن الكريم وكفى
اختلفت رؤى المسلمين وأنظارهم بالنسبة لمرجعية القرآن الكريم الدينية، ومدى إمكانية الاعتماد عليه، فوجدت نظريات:
الأولى: محورية القرآن الكريم وحده وكفى، فلا حاجة لشيء غيره وسواه، لأنه يلبي كافة الاحتياجات البشرية، ويحقق الرغبات الانسانية، وهو الدستور الشامل لكل شيء، وقد تبنى هذه النظرية بعض الكتاب المعاصرين، وتبعه جماعة.
وقد يجعل من صغريات ذلك إجمالاً ما يرد على ألسنة بعضهم حال المحاور من مطالبتهم أن يكون الدليل من القرآن الكريم، ولا يقبل من غيره.
ومن الواضح، أن البناء على النظرية المذكورة يلغي دور السنة تماماً، فلا تصلح أن تكون مرجعاً، بل ولا مبيناً لشيء من القرآن الكريم.
الثانية: وهي التي لا ترى مرجعية للقرآن الكريم على نحو الاستقلال، وإنما تجعل المدار في المرجعية للسنة الشريفة، لبناء القائلين بها على عدم حجية ظواهر الكتاب العزيز، وفقاً لما تضمنته بعض النصوص، من أنه لا يفهم القرآن إلا خصوص من خوطب به. فهو يشتمل على الناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، و لا يحيط بذلك إلا خصوص من خوطب به.
الثالثة: وهي التي جعل المرجعية الدينية للقرآن الكريم، وله المحورية، مع ثبوت المدارية للسنة الشريفة، فليست السنة مصدراً مستقلاً في قبال القرآن الكريم، بل هي تفهم في ظله، ومعه، لأنها قد جاءت لتبين ما نزل منه، وعليه، فالمرجعية للقرآن الكريم، وعليه تدور السنة.
والصحيح من هذ النظريات هي النظرية الثالثة، لأنه لا غنى للقرآن الكريم عن السنة، ولا غنى للسنة المباركة عنه، والاعتماد على أحدهما دون الآخر لا يحقق الغرض، بل لابد من العمل بهما معاً.
وتمامية ما ذكر، بلحاظ ما في النظريتين الأخريـين من الخلل، ما يوجب عرض دليل كل واحدة منهما ومناقشته، وقد سبق منا التعرض للحديث حول أدلة النظرية الثانية في محاضرة بعنوان القراءات القرآنية، لذا سوف أقصر الحديث على خصوص أدلة النظرية الأولى.
نظرية محورية القرآن:
وعرض النظرية الأولى من النظريات الثلاث، يستوجب الحديث ضمن عنصرين:
الأول: دوافع اختيار النظرية:
استند القائلون بالنظرية القرآنية في مختارهم إياها إلى أمور، جعلوها دليلهم على حجية هذه النظرية دون غيرها من النظرية، وبالتالي منعوا من الاستناد إلى غيرها، فذكروا أن القرآن الكريم لا مثيل له، وأن الناس مطالبون بما أنزل على رسول الله(ص)، ولم ينـزل عليه إلا خصوص السور القرآنية، فيكون المتبع هي خصوصها دون غيرها، وأنه صراط الله المستقيم، وما عداه خروج عن ذلك، وأنه الحكمة. إلا أن عمدة ما ذكر في أدلتهم ثلاثة:
الأول: ما تضمنته الآيات القرآنية الشريفة من المنع من العمل بالظن، فقال سبحانه وتعالى في غير واحدة من آياته:- (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً)[1]، ولما كانت الأغلبية العظمى في السنة نصوص آحاد، وفقاً لما نص على ذلك علماء الحديث، فتكون مفيدة للظن، فلا مجال للعمل على وفقها، للنهي الوارد في الآيات القرآنية.
وبعبارة أخرى، إن المستفاد من الآيات القرآنية، اعتبار الاعتماد على كل ما يكون مفيداً للحق واليقين، وعدم الاعتماد على الظنون، بل قد نهي عن ذلك، والروايات ظنون، لأنها أخبار آحاد، فلا يعتمد عليها.
ولا يخفى أن الدليل المذكور يقوم على تشكيل قياس منطقي من الشكل الأول، كبراه: النهي عن العمل بالظن، وصغراه: النصوص التي تمثل السنة ظنون، فتكون النتيجة المنع عن العمل بها، للنهي عن العمل بالظن في القرآن الكريم.
الثاني: إن مقتضى ما تضمنته مجموعة من الآيات الشريفة للقرآن الكريم بأنه أحسن الحديث، مانع من ترك الإنسان له، والاستناد إلى غيره، ولو كانت النصوص الصادرة عن النبي(ص). بل قد اعتبر القرآن الكريم الاستناد إلى شيء آخر غير القرآن الكريم، تمسكاً بلهو الحديث، قال تعالى:- (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم)[2]، فإن التعبير بكلمة:- (ومن الناس)، حقيقة تنطبق على كل مجتمع بشري في أي زمان ومكان، أعرض عن الاعتماد على القرآن الكريم، والاستناد إلى غيره، وإن اختلفت الدوافع والأغراض في ذلك.
الثالث: يعتبر القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للإسلام، ولا مصدر آخر سواه، فقد نص الله سبحانه وتعالى وهو الصادق على أن القرآن نزل تبياناً وتفصيلاً لكل شيء، وأنه لم يفرط في شيء منه، بمعنى أنه لم يغفل كل ما هو ضروري وهام، فلا يحتاج بياناً، لعدم اشتماله على الغموض، كما لا يحتاج التفصيل لعدم وجود الإجمال فيه. فهو كتاب واضح، ليس فيه شيء من الغموض فلا يحتاج بياناً، قال تعالى:- (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)[3]، والتبيان هو التوضيح لما يستلزم البيان والتوضيح، ومن المعلوم أن الشيء الواضح بذاته لا يحتاج لما يبينه ويوضحه، وإلا كان فضولاً وثرثرة في الكلام لا حاجة إليها. فعدم تعرض القرآن الكريم مثلاً لعدد ركعات الصلاة، وعدم بيان كيفيتها، يعود لعدم الحاجة إلى ذلك، لأنه قد علم سبحانه أنه لن تواجه الإنسان مشكلة في ذلك.
وبالجملة، إن جميع ما يحتاج بياناً، فقد عمد القرآن الكريم إلى بيانه وإيضاحه، وكل ما لم يقم القرآن ببيانه، وتركه، فإنه لا يحتاج بياناً، ولذا تركه.
الثاني: دفع الإشكالات الواردة عليها من خلال بعض الآيات القرآنية:
وقد يعترض على النظرية المذكورة من خلال الاستناد لبعض الآيات القرآنية التي يظهر منها خلاف ما ذكر:
منها: قوله تعالى:- (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)[4]، فإن ظاهرها وجود مصدر آخر مع القرآن الكريم، وهو الذكر الذي نزل للنبي محمد(ص) كي يبين به القرآن الذي نزل للناس.
وبالجملة، إن دلالتها على المطلوب بلحاظ اشتمالها على كلمة الناس، التي يقصد منها من كان معاصراً لرسول الله(ص).
وأجيب عنها، بأن ملاحظة السياق القرآني لما سبقها يمنع من كون المقصود من لفظة الناس المعاصرين لرسول الله(ص) من أهل مكة والمسلمين، بل المقصود بها هم أهل الكتاب، الذين نزلت فيهم الكتب السماوية السابقة، واختلفوا وحرفوا فيها بعض ما جاء فيها.
ويساعد على هذا المعنى استعمال لفظة الناس في العديد من الآيات الشريفة بمعنى طائفة معينة، كما في قوله تعالى:- (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً)[5]، وقوله سبحانه:- (يوسف أيها الصدّيق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون)[6].
والحاصل، إن مفاد الآية الشريفة هو بيان الحق لأهل الكتاب بما تضمنته الكتب السماوية بسبب ما لحقها من تحريف منهم وتغيـير وإخفاء وكتمان لما جاء فيها من الحق.
ومنها: قوله تعالى:- (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)[7]، على أساس أن الأمر بطاعة الرسول، يفيد اتباعه في كل ما يأتي به، ولا ريب أن مما يأتي به ما يصدر عنه من أحاديث، فيلزم اتباعه فيها، بمقتضى الآية القرآنية، وهذا يمنع من جعل الحجية لخصوص القرآن الكريم دون السنة الشريفة.
وقد أجيب عنها، بوجود فرق بين مصطلحي النبي والرسول الذين تضمنتهما الآيات الشريفة، في الاستعمال القرآني، فإن الملاحظ للآيات الشريفة يجد اطلاقهما على النبي الأكرم(ص) بلحاظين مختلفين:
الأول: لحاظ صفته البشرية البعيدة كل البعد عن الجانب السماوي، وقد جاء التعبير فيها بكلمة النبي.
الثاني: لحاظ صفته الملكوتية التي يبلغ فيها عن الله سبحانه وتعالى، وقد استعمل فيها التعبير بكلمة الرسول. توضيح ذلك:
إن الملاحظ للآيات القرآنية التي تضمنت الحديث عن رسول الله محمد(ص) بصفة النبوة، يجد أنها تتحدث عنه بلحاظ صفته البشرية، بما هو محمد بن عبد الله، وفي حياته وشوؤنه الخاصة، وعلاقاته الانسانية بمن حوله، وتصرفاته البشرية، حتى أن الآيات التي تضمنت عتابه قد وردت بلسان النبي، وهذا يعني أن العتاب كان بلحاظ تصرفاته البشرية، فلاحظ قوله تعالى:- (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك)[8].
ومثل ذلك عندما تحدث القرآن الكريم عن علاقاته بأزواجه، كان الخطاب بوصفه نبياً، قال تعالى:- (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً)[9].
وحتى عندما تحدث القرآن عن زوجاته(ص)، خاطبهن بنساء النبي، وليس نساء الرسول، قال سبحانه:- (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)[10].
وأما الآيات التي تضمنت وصفه(ص) بصفة الرسالة، فإنها ناظرة لما كان يبلغه عن الله سبحانه وتعالى وينطق به من القرآن الكريم، لا بلحاظ صفته البشرية.
ومن هنا يتضح أن الأمر بطاعة الرسول(ص) منحصرة حال كونه متحدثاً بالقرآن الكريم لا مطلقاً، فتكون طاعته عندها طاعة لله سبحانه وتعالى، قال عز من قائل:- (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله)[11].
نقد النظرية المذكورة:
ولا يخفى عدم تمامية شيء مما ذكر دليلاً على النظرية المذكورة، ما يمنع من الاستناد إليها والتعويل عليها.
مناقشة الدليل الأول:
فقد تضمنت كلمات الأعلام إجابات متعددة حوله، نشير لبعضها:
أولاً: إن موضوع الآيات المذكورة في كلام أصحاب النظرية حول الظن، لا ربط لها بمسألة حصر الحجية في خصوص القرآن الكريم دون غيره، بل هي ناظرة إلى الرد على الكفار وذمهم الذين يتبعون الظن ويعولون عليه في قضايا مهمة، كأصول الدين من التوحيد والنبوة والمعاد، ويساعد على ذلك ملاحظة سياق الآيات القرآنية، ليكون قرينة على تحديد المراد، قال تعالى:- (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)[12].
ثانياً: لو لم يقبل ما ذكر في دلالة الآيات الشريفة المستند إليها في المقام، إلا أنه يصلح للمنع من صلاحيتها للاستدلال، لأنها سوف تكون مجملة لوجود احتمالين في تحديد المقصود منها، ولا يوجد ما يرجح أحدهما على الآخر، وعندها سوف يقتصر على خصوص القدر المتيقن بسبب وجود قرينة، والقدر المتيقن منها هو خصوص أصول الدين.
ثالثاً: بعد التسليم بدلالتها على حرمة العمل بالظن، فإن ما دل على حجية الروايات الظنية من القرآن الكريم، مثل آية النبأ، وهي قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)[13]، وقوله تعالى:- (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)[14]، يكون مخصصاً لها، بل حاكماً عليها.
مناقشة الدليل الثاني:
وأما الدليل الثاني، وهو الذي تضمن وصف القرآن الكريم بأنه أحسن الحديث، وهو أمر لا ينكر، فإن القرآن الكريم هو أحسن الحديث، إلا أن في البين سؤالاً، يطرح، وهو: من أين استفاد المستدل أنه لا يجوز العمل بشيء غيره، ولا يصح الاستناد إلى ما سواه؟
إن مجرد كونه موصوفاً بالأحسنية لا يلغي البقية، فإن الوصف لو كان صيغة تفضيل فمقتضاه أن الباقي حسن، إلا أنه أحسن.
وأضعف من ذلك، وصف كل ما غير القرآن الكريم بأنه لهو الحديث، فإن ذلك دعوى عدتها على مدعيها، وحمل قوله تعالى:- (ومن الناس من يشتري لهو الحديث)، على ذلك، لا دليل عليه.
مناقشة الدليل الثالث:
وأما الدليل الثالث، فإن الجواب عنه يتضح بالإحاطة بهدف نزول القرآن الكريم، لأن ذلك يمثل قرينة على تحديد المقصود من الآية الشريفة، توضيح ذلك:
إن منشأ اللبس الذي وقع فيه أصحاب النظرية هو ملاحظة أداة العموم الواردة في الآية الشريفة، وهي كلمة كل ف قوله سبحانه وتعالى:- (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)[15]، ففسروا الآية المباركة بعيداً عن الهدف من نزول القرآن الكريم، فقالوا أنه يشتمل على كل شيء من دون استثناء، فهو يشتمل على ما يرتبط بالعلوم الدنيوية من الطب والهندسة وغير ذلك، وما يرتبط بالعلوم الأخروية أيضاً.
وهذا التفسير يصطدم بحقيقة وواقع مؤداه، أن القارئ للآيات الشريفة لا يجدها تشتمل على شيء من العلوم الطبية، ولا شيئاً عن الفيزياء، ولا العلوم الطبيعية، وكذا العلوم الانسانية من التاريخ والاجتماع وتاريخ الانسان.
وهذا يعني عدم صحة هذا التفسير، وأن المقصود من أداة العموم في الآية المباركة ما يكون منسجماً مع الهدف من نزول القرآن الكريم، حتى يكون محققاً لكونه تبياناً لكل شيء، لأنه سوف يكون المقصود هو الشمولية لتحقيق الهدف الذي نزل القرآن الكريم من أجله، ويكون معنى الآية عندها أن القرآن مشتمل على بيان كل ما يوجب تحقيق هدفه الذي نزل من أجله.
ولما كان الهدف من نزول، هو الوصول بالفرد والمجتمع إلى حالة التكامل والرقي، فسوف يكون المقصود من كل شيء في الآية الشريفة هو كل الأمور اللازمة للوصول إلى طريق التكامل، لأن القرآن دعوة حق لبناء الإنسان[16].
الإشكال على الإجابات:
وأما ذكره أصحاب النظرية محل البحث، جواباً عما يرد عليهم من الإشكال، فيدفع:
أما الأول، وهو حمل لفظ الناس المذكور في قوله تعالى:- (وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)[17]، على أهل الكتاب، لا يخرج عن كونه دعوى غير مبرهنة، فتكون عهدتها على مدعيها، لأن المراجع للآيات الشريفة، يجدها قد اشتملت في فئة على استعمال هذا المفهوم بمعنى الجماعة الكبيرة، قال تعالى:- (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً). على أن مجرد استعمال لفظة الناس في فئة أو جماعة كأهل الكتاب، لا يوجب تعينها دائماً وأبداً في تلك الجماعة.
وأما الثاني، وهو التفريق بين مفهومي الرسول والنبي حال ذكرهما في القرآن الكريم، وهو الجواب عن الاستناد لقوله تعالى:- (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، في لزوم العمل بكل ما يصدر عن رسول الله(ص)، وهو لا ينحصر في خصوص القرآن الكريم، فإن فيه:
أولاً: أنه لا يوجد على التفريق المذكور في كلمات أصحاب النظرية، دليل واضح ولا قرينة من القرآن الكريم يستند إليها، بل هو مجرد تفسير بالرأي من خلال حمل الآيات المتضمنة للتعبير بالنبي على أمر، والآية التي تضمنت التعبير بالرسول على أمر آخر.
ثانياً: أن التفسير المذكور، يتنافى وما تضمنه القرآن الكريم من جعل رسول الله(ص) أسوة حسنة، قال تعالى:- (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)[18] ، فإنه وفقاً لدعوى أصحاب النظرية، أن رسول الله(ص) في المقام بصفته الملكوتية، وهي بعيدة كل البعد عن العنصر الناسوتي، ولا ربط لها بالقضية البشرية، فكيف يجعل(ص) أسوة حسنة للبشر، وهو مرتبط بعالم الملكوت.
ولا يرد أن التأسي في الجملة، لا بالجملة، لأن المدعي يقرر أن النبي الأكرم(ص)، حين التلبس بصفة الرسالة ليس فيه شيء ناسوتي أبداً، بل هو ملكوتي مرتبط بعالم الملكوت، فكيف يجمع بين الأمرين، بين جعله(ص) أسوة وبين كونه ملكوتياً.
تنبيهان:
الأول: قد يتصور أن النظرية المذكورة، وهي نظرية محورية القرآن الكريم وكفى لا تختلف شيئاً عن مختار العلامة الطباطبائي(ره)، في رؤيته في تفسير القرآن الكريم بالقرآن، لعدم الفرق بينهما. وهو ممنوع، وإن صدر من بعض الباحثين المعاصرين(وفقه الله)، فنسب العلامة الطباطبائي(ره) إلى مقولة حسبنا كتاب الله، وجعل رؤيته التفسيرية من صغرياته.
ومنشأ المنع، أن القائلين بالنظرية المذكورة، لا يرون حجية لشيء من النصوص الشريفة، ويبنون على عدم صلاحيتها للمرجعية مطلقاً، وهذا يختلف تماماً مع منهج السيد(ره)، فإن تفسير القرآن بالقرآن لا يعني سلب المرجعية عن النصوص، وإنما هو يقرر أنه حال تفسير الآيات الشريفة يعتمد على خصوص القرآن الكريم.
الثاني: ربما قيل، إن النظرية المذكورة قريبة جداً من رؤية الإمامية القائمة على جعل المرجعية الأساس للقرآن الكريم، واعتبار عرض الرواية على القرآن، فلا يقبل خبر من الأخبار إلا بعد عرضه على القرآن الكريم.
ولا إشكال في التسليم أنه يعتبر في حجية الخبر عرضه على الكتاب العزيز، والمقصود من عرضه ملاحظة نسبته معه، فلو كان الخبر منافياً للكتاب بنسبة التباين، وجب طرحه ورده، وعدم العمل على وفقه لما صدر عنهم(ع) في هذا المقام.
وهذا يكشف عن مدى الفرق بين الموردين، إذ قد سمعت أن أصحاب النظرية المذكورة لا يتبنون شيئاً من النصوص، ولا يجعلون لها أهمية ولا مرجعية، وأما ما عليه الإمامية أعلى الله كلمتهم وأنار برهانهم، فإنه مختلف تماماً، لأنهم لا يسلبون المرجعية عن النصوص، وإنما يعتبرون فيها شرطاً للحجية، وفرق بين المقامين.
[1] سورة النجم الآية رقم 28.
[2] سورة لقمان الآية رقم 6.
[3] سورة النحل الآية رقم 89.
[4] سورة النحل الآية رقم 44.
[5] سورة آل عمران الآية رقم 173.
[6] سورة يوسف الآية رقم 46.
[7] سورة النساء الآية رقم 59.
[8] سورة التحريم الآية رقم 1.
[9] سورة الأحزاب الآية رقم 28.
[10] سورة الأحزاب الآية رقم 32.
[11] سورة النساء الآية رقم 80.
[12] سورة النجم الآية رقم 27. ولا مجال للإشكال في المقام بعدم إحراز وحدة السياق، لأن المراجع لكلمات المفسرين، لا يجدهم يذكرون شيئاً عن نزول هذه الآيات الشريفة متفرقة.
[13] سورة الحجرات الآية رقم 6.
[14] سورة التوبة الآية رقم 61.
[15] سورة النحل الآية رقم 89.
[16] مستفاد من محاضرة موجود في موقعنا بعنوان: التغيـير هدف نزول القرآن.
[17] سورة النحل الآية رقم 44.
[18] سورة الأحزاب الآية رقم 21.