ندب الشارع المقدس إلى الاحتياط، فورد: أخوك دينك فاحتط لدينك، وورد: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.
وتظهر أهمية الاحتياط لدخالته في كافة الشؤون الحياتية للأفراد، والجوانب المالية، والأسرية، وهو وسيلة حماية من الوقوع في المحرمات.
ولا يعني العمل به العسر في الدين، ولا الضيق على المكلفين في الامتثال، بل يقصد منه مراعاة جانب التوازن وعدم الاستهتار في جانب العمل تجاه أمور عدة.
وهو يجري في كل الموارد، فكما يحتاط في العبادات، كالوضوء والصلاة مثلاً، يلزم الاحتياط في المعاملات من حقوق الناس، وحقوق الزوجة وما شابه، فلا يقتصر على شيء دون آخر.
ويجري الاحتياط في موارد متعددة، وبصور مختلفة، فقد يكون في الدين، وقد يكون في القول والعمل، وقد يكون في غير ذلك.
الاحتياط في الدين:
فيكون في الدين بمراعاة الأمور التالية:
١-الوقوف عند الشبهات العقدية والفكرية، فيرد علمها إلى أهلها، فلا ينكر شيئاً ورد عن المعصومين(ع) لمجرد عدم قدرته على استيعابه، وعدم قدرة عقله على تصوره، فقد ورد عن الإمام الباقر(ع)أنه قال: أما والله، إن أحب أصحابي إليّ أورعهم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه اشمأز منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا.
٢-عدم نسبة شيء من الدين إلى الدين، وحماته الطاهرين(ع) كالرسل والأنبياء والأوصياء(ع).
٣-عدم الاستخفاف بالتعاليم الدينية والأحكام الشرعية.
الاحتياط في القول والعمل:
وذلك بالتوقف في موارد الشبهات المرتبطة بذلك، وله مصاديق:
١-حديث الرجل الأجنبي مع المرأة الأجنبية خصوصاً وقد ورد أن كثرة محادثة النساء تميت القلب.
٢-النيل من المؤمنين، وخصوصاً رجال الدين بتوجيه التهم إليهم والتشهير بهم، وما شابه ذلك.
٣-التواجد في مجالس اللهو والفساد.
التطرف الديني:
وليس من الاحتياط في الدين ما نجده اليوم منتشراً في بعض المجاميع من تطرف ديني في التعامل مع الدين والتعاطي مع الآخرين، فإنه أبعد ما يكون عنه، بل هو مما ورد النهي والمنع منه، فقد جاء عن الرسول(ص) قوله: إن أقواماً يتعمقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرمية. وجاء عنه(ص) أيضاً قال: إياكم والتعمق في الدين فإن الله تعالى قد جعله سهلاً، فخذوا منه ما تطيقون، فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيراً. والتعمق لغة هو المبالغة والخروج عن حد الاعتدال والإفراط. وجاء عن الإمام موسى(ع) قال: لا تعمق في الوضوء.
صفات المتطرفين:
ويحمل المتطرفون مجموعة من الصفات التي تميزهم عن الآخرين:
منها: العقلية المنغلقة والمحدودة، بسبب الأجواء الخاصة والمنطوية التي يعيشون فيها، فلا يرتبطوا بالآخرين، ولا يتعرفوا عليهم، بل تقتصر علاقاتهم على الموافقين لهم في الفكر والرؤى، لذا تجدهم متزمتين في أفكارهم وآرائهم، وفي الأحكام على الآخرين.
ومنها: الجمود الفكري والديني، وهذا أمر طبيعي ينتج من خلال ما هم عليه من انغلاق فلا تتسع المدارك ولا يطلع على ما لدى الآخر، وعندنا قامة دينية بارزة بل هي أبرز شخصية اليوم في الوسط الشيعي، بل الإسلامي، وهي شخصية سيدي المرجع الإمام السيستاني(دامت بركاته) فإنه أنموذج رائع في الانفتاح على الآخر والتعرف على أفكاره وإن اختلف معه.
ومنها: دعوى امتلاك الحقيقة المطلقة، فيعتقد هؤلاء أنهم على حق وغيرهم على باطل. فكل من يختلف معهم في الفكر ليس على شيء أبداً.
وما أحوجنا اليوم أن نحدّ من هذا التطرف الديني، ونحاول الانفتاح على الآخر ممن يختلف معنا في المنهج والفكر، لنرقى بمستوانا، ولنربي جيلاً واعياً بحقائق المذهب وقوته وعظمته.