بعد الثورة التكنولوجية الهائلة تعددت وسائل التواصل الاجتماعي، فظهرت أمور لم تكن معروفة من قبل مثل الفيس بوك، وتويتر، والواتساب، والتانجو، وغير ذلك مما يجعل التخاطب مع الآخر سهلاً مهما بعدت مسافته.
ويتعاطى العديد من المؤمنين مع هذه الوسائل دون ملاحظة منهم لرؤية الشرع الشريف فيها، بل ربما أعتقد كثيرون شرعية التعامل معها بقول مطلق لكونها من المباحات التي لم يرد فيها نهي.
والظاهر أن الوسائل المذكورة من العناوين المشتركة شأنها شأن الأدوات التي تكون كذلك كالتلفاز والمذياع وما شابه، مما يستعمل في المحلل كما يستعمل في المحرم.
ومع كونها كذلك، فسوف يلتزم بحرمة استعمالها أحياناً، وجواز استعمالها في وقت آخر، بل قد يلتزم بمحبوبية الاستعمال الذي يصل إلى الاستحباب.
استعمال وسائل التواصل في المحرم:
ولا يختص الأمر ببعضها دون البعض، بل يجري ذلك في أغلبها، نعم هو في بعضها أوضح من البقية. وكيف ما كان، فمصاديق استعمالها في المحرم عديدة نشير لبعضها:
منها: جعلها وسيلة لإقامة علاقة بين الرجل الأجنبي والمرأة الأجنبية ويبدأ بالحديث مع بعضهما البعض في غفلة منهما عن حدود العلاقة التي تربطهما وفقاً للرؤية الشرعية، وقد يتعدى الأمر إلى أن تطول تلك المحادثات لساعات ويتعرف كل واحد منهما على خصوصيات الآخر، وقد يصل لما لا يحمد عقباه من تبادل للصور وما شابه.
ومن نماذج ذلك ما يعمل في الواتساب من المجموعات العائلية، والتي تتضمن الشباب والشابات من أبناء العائلة الواحدة، كأبناء العمومة والعمات والأخوال والخالات، ويتم الحديث والتبادل للموضوعات، وقد تتبادل النكت وغير ذلك، ولا يلتفت إلى عدم شرعية مثل هذه الأمور وافتقار كثير منها للضوابط الشرعية المرعية. بل قد يدخل بعضها تحت عنوان المفاكهة الممنوع شرعاً.
ومنها: استخدامها وسيلة تشهير وإيذاء للمؤمنين، وإسقاط لبعضهم والحط من قدرهم، وما شابه ذلك.
ومنها: كونها وسيلة لبث الشائعات وإثارة الفتنة بين المؤمنين، وإشاعة الفاحشة في أوساطهم.
ولا ينفي المسؤولية عن الفرد أن يذيل رسالته بعبارة: (كما وصلني)، فإن هذا لا يجعل العهدة في عنق الراوي للخبر الأصل، بل إنه يشمل من قام ببثه ونشره، والمساعدة على تلقيه وتناقله.
ومنها: استعمالها وسيلة لبث الأخبار والأحاديث المكذوبة سواء على المعصومين(ع)، أم على المؤمنين، وهكذا.
استعمالها في المباحات:
وكما يمكن استعمالها في الأمور المحرمة كذلك يمكن الاستفادة منها في الأمور المشروعة، ولنشر لبعض موارد الاستعمال المذكور:
منها: أن تكون وسيلة لصلة الأرحام الواجبة والمستحبة-لابد من ملاحظة الفتوى الشرعية في كفاية الصلة من خلالها-
فيتواصل الأخوة والأخوات من خلال مجموعات الواتساب مثلاً ويتعرفون أخبار بعضهم البعض، ويقفون على شؤون كل واحد منهم، وكذلك تتواصل العائلة الواحدة مع بعضها من خلال ذلك فيحيط أبناء العمومة مثلاً بمن مرض من الأسرة ومن سافر، أو عاد من سفره، وهكذا.
ومنها: أن تستعمل لبث الموعظة الحسنة وعلاج القلوب المريضة والقاسية، من خلال ما يبث من خلالها من مواعظ وتذكير بالموت والآخرة وما يوجب التنبه من الغفلة واليقظة، وحياة القلوب، وأمثال ذلك.
ومنها: أن يستفاد منها في بث المعارف الدينية والقيم التربوية والأخلاقية فتستخدم لنقل الفتاوى الشرعية، وعرض المبادئ الأخلاقية، والمفاهيم العقدية وما شابه ذلك.
ومن الواضح أن الحكم في الاستعمالات المحللة مختلف، فبث المعارف الدينية يدخل ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وأما بث القيم والمبادئ الأخلاقية فقد يكون مستحباً وقد يكون مباحاً، وهكذا.
وبالجملة على أولياء الأمور، وعلى الواعين من أبناء المجتمع ملاحظة الاستعمال لهذه الوسائل وضبط ذلك وفق الرؤية الشرعية لتكون من وسائل السلوك إلى الله سبحانه وتعالى.