صلة الرحم

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
88
0

وهو العنوان المقابل لعنوان القطيعة التي سبقت الإشارة إليه، والحديث عنه، وقد نص على أنه من الواجبات، فمن الكتاب العزيز يدل على ذلك قوله تعالى:- (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)[1]. وتقريب الاستدلال بها يعتمد على أن تكون كلمة(الأرحام)الواردة في الآية الشريفة معطوفة على لفظ الجلالة فيها، فتكون قراءتها بالنصب، ليكون المعنى: واتقوا الله واتقوا حق الأرحام، وذلك بصلتها ومراعاة حقوقها، وعدم قطيعتها.

والتقريب المذكور في بيان وجه الاستدلال وإن كان وجيهاً، إلا أن هناك مانعاً يمنع من الجزم به، وهو وجود قراءات أخرى في الآية الشريفة، بما فيها قراءة النصب لتكون الأرحام معطوفة على محل الجار والمجرور، وليس على لفظ الجلالة، فتكون أجنبية عن المدعى تماماً.

نعم يمكن الاستفادة من دلالتها على المقام، لكن بمعونة النصوص الشريفة، كصحيح جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قول الله عز ذكره:- (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) قال: فقال: هي أرحام الناس، إن الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها، ألا ترى أنه جعلها منه[2].

وقريب من هذه النصوص، النصوص التي وردت في تفسير ما أمر الله به أن يوصل، في قوله تعالى:- (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)[3]، وقوله سبحانه:- (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطون ما أمر الله به أن يوصل)[4]، ففي موثق عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قول الله عز وجل:- (الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل)فقال: قرابتك[5].

ولا يعارض هذه النصوص المفسرة للآيات بالقرابة النصوص التي تضمنت أن المقصود بها رحم آل محمد(ص) لأن الظاهر أن ذكرها من باب الجري والتطبيق ليس إلا، فلاحظ.

ولا يخفاك أن هذا ليس استدلالاً بالكتاب العزيز، وإنما هو استدلال بالنصوص، كما هو واضح.

نعم يمكن الاستدلال للوجوب من الكتاب بقوله تعالى:- (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى)[6]، فإنها تدل على مطلوبية الإحسان لذي القربى، وهم الأرحام، ومن المعلوم أن الإحسان إليهم صلة، كما أن صلتهم إحسان، ومن البعيد حمل القربى في الآية المباركة على خصوص قرابة النبي الأكرم محمد(ص)، ويساعد على هذا الاستبعاد وجود قرينة في الآية تتمثل في ذكر الوالدين، فلاحظ.

وأما الاستدلال على وجوب صلة الرحم بالنصوص الشريفة، فإن النصوص المتضمنة لذلك كثيرة، فعن أبي عبد الله(ع) قال: المكارم عشر، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن، فإنها تكون في الرجل ولا تكون في ولده، وتكون في ولده ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في الحر،

صدق الناس، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، واقراء الضيف[7].

وكما تضمنت النصوص بياناً لحكم الصلة، وأنها أمر لازم، تضمنت أيضاً عرضاً للآثار المترتبة على ذلك، سواء في عالم الدنيا، أم في عالم الآخرة، فعن رسول الله(ص) أنه قال: وصلة الرحم زيادة في العمر.

وعن أبي الحسن الرضا(ع) قال: يكون الرجل يصل رحمه فتكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله ثلاثين سنة، ويفعل الله ما يشاء.

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر(ع) قال: صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى وتيسر الحساب، وتنسى في الأجل.

وجاء في بعضها أنها تحسن الخلق وتطيب النفس، وتزيد في الرزق، وتسمح الكف.

معنى الصلة:

وكما تعرفنا في ما تقدم على حقيقة القطيعة ينبغي أن تتعرف أيضاً على حقيقة الصلة، فما هو المقصود منها؟

يجري في الصلة ما سبق ذكره في القطيعة من عدم وجود حقيقة شرعية لها، وبالتالي يكون المرجع في تحديدها هو العرف، وقد ذكر اللغويون في بيان حقيقتها: أنها الإحسان إلى القرابة، قال في أقرب الموارد: وصل رحمه، أحسن إلى الأقربين إليه من ذوي النسب والأصهار، وعطف عليهم ورفق بهم، وراعى أحوالهم.

وسائل الصلة:

هذا وقد تحصر الصلة في أسلوب واحد وطريقة واحدة لا غير، فيعتقد أن الطريق لتحقيقها منحصر في ذلك، وعليه لو لم يزر الرحم رحمه، لا يقال أنه قد وصله.

والصحيح أن الصلة غير منحصرة في وسيلة واحدة، بل إن هناك وسائل أخرى يمكن تحقيقها من خلالها، وتلك الوسائل هي:

1-الاتصال هاتفياً.

2-إيصال السلام إليهم.

3-تفقد أحوالهم من قريب أو بعيد.

4-السؤال عنهم بطريق أو بآخر.

5-مشاركتهم ومواساتهم في المناسبات.

ومقتضى ما ذكر من وسائل، أنه لا تنحصر الصلة في خصوص الزيارة، بل تحقيقها في الخارج يتم من خلال وسائل عديدة، فلاحظ.

[1] سورة النساء الآية رقم 1.

[2] أصول الكافي ج 2 ص 150.

[3] سورة الرعد الآية رقم 21.

[4] سورة الرعد الآية رقم 25.

[5] أصول الكافي ج 2 ب 27 من صلة الرحم ص 151.

[6] سورة النساء الآية رقم 36.

[7] وسائل الشيعة ب 4 من أبواب جهاد النفس ح 4.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة