تفطير الصائم

لا تعليق
من القلب إلى القلب
431
0

من الأمور التي ورد التأكيد والحث الشديد عليها في النصوص المباركة المتضمنة للحديث عن شهر رمضان المبارك، وما له من فضل، وبيان ما له من ميز، موضوع تفطير الصائمين، إذ يجد المراجع للنصوص المباركة الحث الشديد على ذلك، وبألسنة مختلفة، وبأساليب متعددة، وقد بلغت النصوص المتعرضة للحديث عن ذلك مرتبة الاستفاضة، بل لا يـبعد البناء على تواترها، فلاحظ ما ورد في الخطبة التي خطبها النبي(ص) أصحابه في استقبال الشهر الشريف حيث قال: ومن فطر فيه-يعني في شهر رمضان-مؤمناً صائماً كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه فيما مضى، قيل: يا رسول الله، ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائماً؟ فقال: إن الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لم يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائماً، أو شربة من ماء عذب، أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك[1].

وجاء عنه(ص) أنه قال: من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص منه شيء، وما عمل بقوة ذلك الطعام من بر[2].
وعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: من فطر سائماً فله مثل أجره[3].
وعنه(ع) أيضاً أنه قال: من فطر مؤمناً كان كفارة لذنبه إلى قابل، ومن فطر اثنين كان حقاً على الله أن يدخله الجنة[4].
وعن أبي الحسن موسى(ع) أنه قال: فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك[5].

وقد عرضت النصوص الشريفة الأجر والثواب الذي يتحصل عليه المقدم على تفطير الصائمين بنحوين، فتارة عمدت إلى بيان ما يناله من أجر ومثوبة، فلاحظ ما جاء في الخطبة النبوية، وكذا ما جاء عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، وكذا ما ورد عن الإمام أبي الحسن موسى(ع). وأخرى اتخذت بيان شراكة المفطر في الأجر للصائم، بمعنى أن من فطر صائماً كان شريكاً له في أجره، وهي بهذا النحو تعمد إلى عرض منهج مغاير للمنهج المألوف في الأذهان في منشأ الثواب المعطى للمكلف، ضرورة أن المتعارف أن الثواب يعطاه المكلف نتيجة إقدامه على عمل قد عمله، وهذا يعني أن من لم يعمل فلا يكون مستحقاً شيئاً من الأجر والمثوبة، دونما صدور عمل منه، بمعنى أن الإنسان مع أنه لم يعمل أي عمل من الأعمال، ولم يقم بأي فعل من الأفعال، إلا أنه يعطى أجراً وثواباً من الله سبحانه وتعالى، فيكون شريكاً لعاملي العمل، ومستحقاً لما يستحقونه من المثوبة والأجر.

ولا يخفى أن هذا يوجب تعجباً واستغراباً عند المتلقي إذ كيف يتصور الإنسان إعطاء الله سبحانه وتعالى أجراً ومثوبة على عمل من الأعمال، لم يقم المكلف به، ولم يعمد إلى إيجاده خارجاً.
ومنشأ الاستغراب تصور البعض أن الله سبحانه وتعالى يأخذ من جزاء وأجر العامل ليضعه في ميزان الآخر دونما وجه حق، وهو في غير محله. ويتضح صدق ما ذكرناه من خلال الالتفات إلى وجود معنيـين متصوران للشراكة:

الأول: أن يكون المقصود منها هو المعنى العرفي، ونعني به المقاسمة في الأجر والثواب، فمعنى كون الفرد شريكاً مع فرد آخر في الأجر، يعني أن الثواب المعطى للأول منهما سوف يقسم بينهما، فلو كان سيثاب على عمل من الأعمال بعشر حسنات فمقتضى شراكة الثاني معه في الأجر أن يكون للثاني نصيب منه، قد يكون نصفاً، أو أقل من ذلك أو أكثر.

الثاني: أن يكون المقصود منها إعطاء الشريك نفس المقدار المعطى لصاحب العمل الأول، من دون أن ينقص من أجره أو أجر المعطى شيئاً، ففي مثالنا السابق، لو كان صاحب العمل الأصل يعطى من الأجر عشر حسنات، فإن الشريك يعطى مثلها أيضاً من دون أن يدخل على صاحب العمل الأصل شيء من النقص أصلاً، وهكذا.

مستويات الشراكة:

ثم إن الشراكة من القسم الثاني ليست على نحو ومستوى واحد، بل بينها تفاوت، ذلك أنها على قسمين:

الأول: أن تكون الشراكة في الأجر على حد سواء، بمعنى أن كلا الشريكين، أعني العامل والمشارك له في الأجر يأخذان نفس المستوى من الأجر والمثوبة، مثل ما روي عن النبي الأكرم(ص) أنه قال: إن العالم والمتعلم في الأجر سواء. فنجد أنه لم يفرق أجر المتعلم عن أجر المعلم، فما يكون من أجر ثابت للمعلم، فإنه يكون ثابتاً للمتعلم أيضاً.

الثاني: أن يكون للمشارك سهم مما يكون ثابتاً للعامل، بمعنى أنه يكون له من كل عامل يعمل ذلك العمل سهم واحد، ومثاله ما جاء عن أبي جعفر الباقر(ع) في بيان فضل الصلاة على محمد وآل محمد يوم الجمعة دبر صلاة العصر، قال: فقل: اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيـين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته، من قالها سبع مرات رد الله عليه من كل عبد حسنة، وكان عمله في ذلك اليوم مقبولاً، وجاء يوم القيامة وبين عينيه نور.

هذا وقد تضمنت النصوص الشريفة تعداد مجموعة من الأمور يكون الإنسان شريكاً فيها للآخرين مع أنه لم يمارس شيئاً من العمل خارجاً:
منها:  ما ورد عن النبي الأكرم محمد(ص) في الصدقة، فإنه قال: ومن مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها، من غير أن ينقص من أجره شيئاً.
ومنها: المعروف، فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: لو جرى المعروف على ثمانين كفاً لأجروا كلهم، من غير أن ينقص عن صاحبه من أجره شيئاً.

ومنها: تشيـيع جنازة الميت، فعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا أخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، ويصلون عليه، ويستغفرون له، فيكتسب لهم الأجر، ويكتب للميت الاستغفار، ويكتسب هو الأجر فيما اكتسب له من الاستغفار.
ومنها: تعزية المصاب، فعن النبي الأكرم(ص) أنه قال: من عزى مصاباً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المصاب شيئاً.

ومنها: من سن سنة هدى، فعن أبي جعفر الباقر(ع) أنه قال: أيما عبد من عباد الله سن سنة هدى كان له مثل أجر من عمل بذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيء، وأيما عبد من عباد الله سن سنة ضلال كان عليه مثل وزر من فعل ذلك من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
ومنها: إمامة صلاة الجماعة، فقد ورد عن رسول الله(ص) نه قال: من أمّ قوماً بإذنهم وهم به راضون، فاقتصد بهم في حضوره وأحسن صلاته بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده، فله مثل أجر القوم ولا ينقص من أجورهم شيء.

ومنها: زيارة المؤمن لأخيه المؤمن عارفاً بحقه، فعن الإمام الصادق(ع) أنه قال: أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه كتب الله له بكل خطوة منه حسنة، ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة، فإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه، ثم باهى بهما الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدَي تزاورا وتحابا فيّ، حق علي ألا أعذبهما بعد ذا الموقف، فإذا انصرف شيعته الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوايق الآخرة، إلى مثل تلك الليلة من قابل، فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب وإن كان المزور يعرف من حق الزاير ما عرفه الزاير من حق المزور كان له مثل أجره.

ومنها: تفطير الصائم، وهو ما جعلناه محطاً لحديثنا.

وعلى أي حال، ما يهمنا في المقام عند الحديث عن فضل تفطير الصائمين، هو البحث عن فقه هذه النصوص الشريفة، وما هو المستفاد منها، ولنعرض لذلك ضمن أمور:

الأول: إن المستفاد من هذه النصوص أن الأجر والثواب المذكور في هذه النصوص إنما ينصب على تفطير الصائم، بمعنى أن يكون أول ما يتناوله من طعام بعد انقطاعه عن الصوم هو ما يكون مقدماً له من قبل المعطي، وهذا يعني أن الثواب المذكور في النصوص الشريفة، لا يشمل إطعام الصائم في وجبة العشاء مثلاً، ولا في وجبة السحور.

نعم هناك نص يدل على أن مطلق إطعام الصائم في ليلة الصيام مدعاة لاستحقاقه المثوبة والأجر، فقد جاء عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: أيما مؤمن أطعم مؤمناً ليلة من شهر رمضان كتب الله له بذلك مثل أجر من أعتق ثلاثين نسمة مؤمنة، وكان له بذلك عند الله عز وجل دعوة مستجابة[6].
ولا يتصور أن بين النص المذكور والنصوص السابقة نحو تعارض ليقال بحمل المطلق على المقيد، فيلتـزم بأن الجميع بما فيهم هذا النص، يقصد به الإفطار، لا مطلق الإطعام، فإن ذلك بعيد، ضرورة أن كلا النصين مثبت، فضلاً عن تغاير الموضوع، فلاحظ.

الثاني: إن مقتضى ورود التعبير بالإفطار وعنوان الصائم، يستدعي أن يكون ذلك من خلال أول لقيمات يتناولها الصائم، وهذا يعني أنه لو تناول بضع لقيمات في داره مثلاً، أو في مكان آخر، لم يكن محققاً للإفطار عند الآخر، بل لابد أن لا يتناول شيئاً إلا عند من دعاه مثلاً، كما أنه يتحقق إفطاره عند الآخرين لو أن شخصاً جعل طعاماً عاما في مكان عام، فتناول منه غير واحد من المؤمنين، فإنه ينطبق عليه أنه قد فطره، فلاحظ.

الثالث: إن المستفاد من النصوص عدم اعتبار كون التفطير في دار المفطر، بل يتحقق التفطير منه في أي مكان كان، فيمكنه أن يفطره في المسجد، كما يمكن أن يفطره في مكان عام، أو مطعم، وما شابه، نعم الأفضل أن يكون التفطير في بيته، وذلك لأمرين:

1-النص الوارد، فقد ورد عن أبي جعفر(ع) أنه قال: لأن أفطر رجلاً مؤمناً في بيتي أحب إلي من أن اعتق كذا وكذا نسمة من ولد إسماعيل[7].
2-ما ورد من النصوص الشريفة من أن الضيف إذا دخل داراً، فإنه يخرج بذنوب أهل الدار.

الرابع: لا يعتبر في عملية التفطير أن يكون الشخص هو المباشر لتفطير الصائمين، بل يمكنه أن يعمد إلى توكيل القيام بذلك لمن يشاء من المؤمنين، فيقوم عنه بذلك، وهذا يعني أنه يمكن للإنسان أن يشارك في الإطعام، ولو من خلال إيصال بعض الأموال إلى الجهات المعنية والمختصة في عمليات الإطعام، ليقوموا بتفطير الصائمين حينئذٍ، ويكون عندها مشاركاً في عملية تفطير الصائمين.

الخامس: يعتقد الكثيرون أن عملية التفطير لا تكون إلا لخصوص الفقراء والمحتاجين، مع أننا لو رجعنا للنصوص التي حكينا فيما تقدم، وغيرها من النصوص التي تضمنتها الكتب الحديثية، لوجدنا أنها لا تعرض لذلك بنحو أصلاً، بل إن المستفاد منها أن هذه سنة دينية دعت إليها الشريعة السحاء، يترجى من وراءها زيادة اللحمة بين أبناء المجتمع الواحد، وزيادة التقارب بينهم وهم يؤدون هذه العبادة المباركة.

السادس: هل يختص استحباب تفطير الصائمين بخصوص صيام شهر رمضان المبارك، أم أن ذلك يجري في غيره من الصيامات الأخرى؟…
مقتضى غير واحد من النصوص هو البناء على عدم الفرق بين صيام شهر رمضان، وصيام غيره من الشهور، وبالتالي يكون الاستحباب ثابتاً في الكل، فلاحظ.

السابع: يعتبر في الطعام المقدم لتفطير الصائمين أن يكون مأخوذاً من المال الحلال حتى يتحصل المفطر على الثواب، ولا يعتبر ذلك في حق المفطر، توضيح ذلك:
لا ريب ولا إشكال في أن الإنسان إذا تعلقت حقوق الآخرين بأمواله كما لو تعلق بها الحق الشرعي مثلاً، فإنه لا يسوغ له التصرف فيها إلا بإذنهم، لأنهم يعدّون شركاء له في ذلك، وبالتالي يتوقف الحكم بصحة التصرف الصادر منه على كون الشركاء راضين بذلك، وهذا يعني أن المكلف لو أقدم على تفطير الصائمين من أموال تعلق بها الحق الشرعي كان إقدامه على ذلك تصرفاً في مال الغير بغير إذنه، فيكون من التصرف الحرام، ويستحق عليه العقاب، أما بالنسبة للصائم المفطر، فإنه لا يضره شيء، وفقاً لقاعدة لك المهنا وعليه الوزر.

[1] وسائل الشيعة ب 3 من أبواب آداب الصوم ح 1.
[2] المصدر السابق ح 6.
[3] المصدر السابق ح 2.
[4] المصدر السابق ح 9.
[5] المصدر السابق ح 4.
[6] بحار الأنوار ج 93 ص 316 ح 1.
[7] وسائل الشيعة ب 3 من أبواب آداب الصائم ح 12.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة