فقه البنوك (3) – أقسام البنوك

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
74
0

أختلف فقهاؤنا الأعلام(أطال الله في أعمار الموجودين، ورحم الله الماضين) في تقسيم البنوك، فنجد بعضهم قسمهم إلى ثلاثة أقسام، وهي: بنوك حكومية، وبنوك أهلية، وبنوك مشتركة ما بين الحكومية والأهلية.

بينما نجد قسماً آخر من فقهائنا، اقتصروا في مقام التقسيم على قسمين فقط، فلم يذكروا إلا البنوك الحكومية، والبنوك الأهلية.

ومن الطبيعي أن القارئ، والسامع لهذا التفريق بين الفقهاء يستوقفه ذلك ليتساءل عن منشأ هذا الاختلاف، خصوصاً مع التوجه إلى أن مسألة المصارف والبنوك من المسائل المستحدثة والمستجدة، مما يعني أن منشأ الاختلاف لا يعود لاختلاف الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة(ع)، وعليه فما هو سبب هذا الاختلاف بين الفقهاء؟

لا ريب أن الاختلاف ليس اختلافاً لفظياً بحيث لا تترتب عليه ثمرة عملية، وليس مجرد تنويع وتفنن في العبارة كما هو واضح، إذاً ما هو الموجب لهذا الاختلاف؟.

الصحيح أن هناك ثمرة عملية تترتب على هذا الاختلاف، وأن الموجب للاختلاف بين الفقهاء يعود لاختلافهم في مبنى فقهي أدى لهذا التقسيم، فمن قال بملكية الدولة قسم البنوك إلى قسمين فقط، أما من لم يقل بملكيتها، فقد جعل الأقسام ثلاثة، وحتى تكون الثمرة العملية بين التقسيمين واضحة، لابد من الحديث حول ملكية الدولة وبيان الخلاف الفقهي الموجود بين علمائنا فيها.

ملكية الدولة:

تنقسم الملكية في كافة الأمور إلى قسمين:

الأول: ملكية حقيقة، وهي ملكية الله سبحانه وتعالى لكافة ما هو موجود في هذا الوجود.

الثاني: ملكية اعتبارية، وهي تعني ملكية الموجودات لما تملكه من أشياء في هذا العالم، فملكية الإنسان للمال مثلاً، أو للعقار، أو للسيارات، أو للأنعام، إنما هي ملكية اعتبارية، وليست ملكية حقيقة، ونعني بكون ملكيته اعتبارية، أي أنها مجعولة من قبل معتبر اعتبر له هذه الملكية، وهذا يعني أنه كما اعتبر المعتبر ثبوت الملكية له، يمكن للمعتبر أيضاً أن يعتبر زوالها.

ثم إن الملكية الاعتبارية لها مصداقان:

الأول: أن تكون الملكية خاصة لفرد أو لأفراد معينين ومحددين، وهي التي تسمى بالملكية الحقيقية.

الثاني: أن تكون الملكية للجهة، وهي التي يعبر عنه بالملكية الحقوقية، وعادة ما تكون لجهة معينة، مثل ملكية الفقراء للصدقات مثلاً، أو ملكية المسجد لشيء ما، أو ملكية الحسينية لبساط محدد وهكذا.

ومن مصاديق ملكية الجهة ملكية الدولة، وملكية البنك، وأمثال ذلك.

ولا إشكال بين علمائنا في ثبوت الملكية الاعتبارية من النحو الأول، وهي الملكية الخاصة، وإنما الكلام بينهم في ثبوتها من النحو الثاني، أعني ملكية الجهة، فقد وقع الاختلاف بينهم في ذلك بعدما اتفقوا على ثبوتها لبعض العناوين التي كانت موجودة في عصر صدور النص، كالمسجد وما شابه، لكن هل هي ثابتة للدولة مثلاً أم لا؟…

هذا والمقصود من عنوان الدولة هو ما يعرف في القوانين الوضعية بالشخصية المعنوية أو الشخصية الحقوقية وهي عبارة عن ما لا يكون مـن قبيل الفـرد الإنساني كالدولة والمصارف الحكومية والوزارات والجمعيات وغير ذلـك في مقابل الشخصية الحقيقية التي يراد بها : الفرد الاعتيادي من الإنسان حين يصبح له أية علاقة بأية معاملة . والمميز بين العنوانين هو إن الشخصية الحقيقية تقوم بفرد معين بخلافه في الشخصية المعنوية، بل هي كيان عرفي مستقل عن الأفراد .

ويمكن تقسيم الشخصية المعنوية إلى قسمين :

الأول : ما يرجع إلى الشخصية الحقيقية أو قل ما يرجع إلى الملكية الحقيقية مع أن الجامع هو عنوان الشخصية المعنوية.وبيان ذلك :

أن تكون هناك مؤسسة إلاّ أنها ترجع إلى مجموعة من الأشخاص لأنهم هم المالكون لأسهمها ، كالبنك الأهلي كما في موردنا .

الثاني : ما لا يرجع إلى الملكية الشخصية بل يبقى على ملكية الجهة. ومثاله البنوك الحكومية أو البنوك المشتركة بين الحكومة والأهالي بالنسبة إلى حصة الدولة .

وهنا يقع سؤال حاصله : بالنسبة للقسم الثاني وهو ما لا يرجع إلى الملكية الشخصية بل إلى ملكية الجهة كالدولة مثلاً من الذي يكون طرفاً في المعاملات المجراة كما في البنوك الحكومية مثلاً .

من هنا وقع الخلاف بين الأصحاب في أن هذا الكيان العرفي هل له القابلية في الملكية أو لا.

وبعبارة ثانية هذه الجهة المعنية القائمة بدون أفرادها هل لها قابلية للملكية أو لا ؟…

ولا يخفى أن العاملين فيها إنما يقومون بالمعاملة عن الجهة لا عن أنفسهم.

ومن هنا أنفتح باب البحث بين أعلامنا للإجابة على هذا التساؤل فقال بعضهم بقابلية العنوان والجهة للملكية. وقال آخرون بعدم قابليته لذلك .

ثم إن القائلين بقابليته للملكية انقسموا إلى قسمين:

الأول : وهم القائلون بملكية مطلق المصاديق لكل عنوان وجهة.

الثاني : وهم المفصلون في ذلك فقالوا بملكية بعض العناوين دون بعضها لا لعدم المقتضي فيها بل لوجود المانع.

وعلى هذا وقع الخلاف بين أعلامنا في ملكية الدولة التي هي أحد المصاديق للعنوان في قابليتها للملكية وعدمها . فقال بعضهم بملكية الدولة وقال البعض بنفيها .

هذا وقد وقع الخلاف بين القائلين بعدم ثبوت ملكية الدولة بلحاظ الأموال الموجودة بحوزتها كيف يتم التعامل معها، فهل تعامل معاملة المال مجهول المالك، أم أنها تعامل معاملة المال معلوم المالك.

فتحصّل أن الأقوال في ملكية الدولة أربعة:

الأول : عدم ملكيتها وما يكون بحوزتها من مال فهو من المجهول المالك . قاله بعض الأعاظم كما هو المعروف عنه، وبعض الأعيان المحققين (دام ظله) وأستاذنا التبريزي (قده).

الثاني : عدم ملكية الدولة إلاّ أن ما بحوزتها من مال فهو مباح للناس.

الثالث : عدم ملكية الدولة شرعاً وملكيتها تنـزيلاً من باب التسهيل على المكلفين قاله بعض المعاصرين (دامت أيامه).

الرابع : ملكيتها شرعاً وحقيقة قاله السيد البروجردي والسيد الشاهرودي (رحمهما الله) على ما حكي عنهما وبعض الأعيان ، وهو مختار شيخنا الأستاذ(أطال الله في بقائه).

وعلى هذا ينبغي البحث في مقامين :

الأول : في قابلية العنوان والجهة للملكية .

الثاني : في ملكية الدولة وهي أحد المصاديق لذلك العنوان .

ويتم هذا بملاحظة أدلة كل قول من الأقوال التي تقدم ذكرها ليتضح المختار . فنقول وعلى الله الاتكال إنه حسبي عليه توكلت وإليه أنيب .

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة