مبدأ وقت صلاة اليل(1)

لا تعليق
خواطر حوزوية
70
0

المعروف بين أصحابنا أن صلاة الليل يبدأ وقتها في منتصف الليل، فلا يسوغ الإتيان بها أبتداءً إلا للمعذورين المنصوص عليهم في النص كما سيأتي، وخالف في ذلك بعض أعلامنا المعاصرين(حفظه الله)، فألتـزم بأن مبتدأ وقتها هو أول الليل مطلقاً.

هذا وقد استدل لمقالة المشهور بأمور:

الأول: الإجماع المدعى من قبل المحقق الحلي في المعتبر، ومن السيد في المدارك، وقد حكي أيضاً عن السيد المرتضى في الناصريات، وعن العلامة في المنتهى.

ولا يخفى أنه لو سلم بتمامية الكبرى، فلا ريب في المنع من تحقق الصغرى، ضرورة أن الإجماع المذكور محتمل المدرك، وهذا بنفسه كافٍ لرفع اليد عن إمكانية الاستناد إليه، وصلوحه للدليلية، فلاحظ.

الثاني: مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر(ع): وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره[1].

وهو وإن كان تام الدلالة على المدعى، إلا أن المشكلة تكمن في سنده، إذ أنه مرسل، وهذا مانع من دخوله دائرة الحجية، والقول بحجيته لكونه من مراسيل الصدوق(ره) الجزمية، مدفوع بما ذكرناه في الفوائد الرجالية من عدم الفرق بين الإرسالين، سواء ما كان منه بصيغة(روي)، وما كان منه بصيغة(قال)، نعم ليس ذلك من باب التفنن في العبارة كما قيل، وإنما يعود ذلك لكون الصدوق(ره) متى نقل عن المصدر مباشرة عبر بكلمة(قال)، ومتى كان نقله بنحو الحكاية عن المصدر عبر بكلمة(روي)، فلاحظ.

الثالث: النصوص الواردة في أن النبي(ص)، والوصي(ع) كانا يلتزمان إتيان صلاة الليل بعد منتصف الليل، ولم يكونا يأتيان بها قبل ذلك:

منها: رواية فضيل عن أحدهما(ع) أن رسول الله(ص) كان يصلي بعدما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة[2].

ودلالتها على المدعى من خلال وجود الفعل الماضي، وهو كان الظاهر في الاستمرار وتكرر ذلك منه، فكأن المعنى أنه(ص) كان مداوماً على فعل ذلك، وقد تقرر أن فعله(ص) مصدر من مصادر السنة، فيكون كاشفاً عن لزوم ذلك، وأنه الوقت الذي تشرع فيه صلاة الليل، فلاحظ.

ومنها: خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: كان رسول الله(ص) إذا صلى العشاء آوى إلى فراشه فلم يصل شيئاً حتى ينتصف الليل[3].

وهو ضعيف السند، فإن طريق الصدوق(ره) إلى عبيد يشتمل على الحكم بن مسكين، وهو لم يوثق، وما ذكر من طريق لتوثيقه لا يصلح لذلك، كما قرر ذلك في الحديث عن حدود الطواف، فلاحظ.

وأما من حيث الدلالة، فإنه كسابقه، فلا نعيد.

ومنها: رواية زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: كان علي(ع) لا يصلي من الليل شيئاً إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل، ولا يصلي من النهار حتى تزول الشمس[4].

وقد اشتمل سندها على علي بن السندي، وهو ممن لم ينص على وثاقته في كلمات قدماء الأصحاب، فلعدم كونه من المصنفين، لم يتعرضه النجاشي في فهرسته، وكذا الشيخ(ره)، ويمكن حمل عدم تعرض الشيخ(ره) له في الرجال على الغفلة.

وبالجملة، ليس له في كلمات القدماء توثيق. نعم ربما بني على وثاقته استناداً إلى أمور:

الأول: أنه ممن لم يستثنه ابن الوليد من كتاب نوادر الحكمة، بناء على أن كل من لم يستثن، يحكم بوثاقته.

ولا يخفى أن الوجه المذكور يعتمد على الالتـزام بكبرى مفادها: أن الاستثناء ناظر إلى الرواة، وليس ناظراً إلى الروايات، بمعنى أن كل من لم يستثن يحكم بوثاقته، ومن استثني بني على ضعفه.

أما لو قيل، كما هو الصحيح أن الاستثناء إنما هو بلحاظ الروايات، وليس بلحاظ الرواة، فلن يكون الوجه المذكور مفيداً في إثبات المدعى.

الثاني: رواية محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري صاحب كتاب نوادر الحكمة عنه.

ولم يتضح لي وجهه، إلا أن روايته عنه بلحاظ كونه جليلاً، والجليل لا يكثر الرواية عن الضعيف، فجوابه أنه لم ينهض وجه صناعي على تمامية الكبرى المذكورة.

الثالث: رواية الأجلاء عنه، فقد روى عنه الصفار، كما روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى، ومحمد بن علي بن محبوب.

وقد عرفت الجواب عنه في سابقه، فلا نعيد.

الرابع: الاستناد إلى شهادة نصر بن مزاحم وأنه ثقة، فقد ذكر الكشي في رجاله أن نصراً قال: علي بن إسماعيل ثقة، وهو علي بن إسماعيل بن السندي(السدي) لقب إسماعيل السندي(السدي)[5].

ولا يخفى أن تمامية الوجه المذكور تعتمد على تمامية أمرين:

الأول: البناء على وثاقة نصر بن مزاحم، وقبول شهادته.

الثاني: الالتـزام بثبوت الاتحاد بين علي بن إسماعيل، وبين علي بن السندي.

أما الأمر الأول، فليس في الموجود بأيدينا من كلمات الرجاليـين ما يشير إلى وثاقته، عدا اعتماد الكشي عليه، الظاهر في حكمه بوثاقته، وإلا فقد خلت المصادر الرجالية عن ذلك. بل قد عبر عنه في كلماتهم بالغالي، وقد شكك في انتساب للطائفة المحقة، وقد بني على كونه عامياً إلا أنه قريب من الطائفة المحقة، كلوط بن يحيى.

وأما الأمر الثاني، فقد أختلف أصحابنا في الاتحاد وعدمه، فبنى غير واحد منهم كالأردبيلي في جامعه على الاتحاد، وخالف في ذلك بعض الأعاظم(ره) وألتـزم بالتعدد.

وقد جعل الدليل على القول بالاتحاد التالي: اشتراكهما في من رويا عنه، ومن روى عنهما، فقد روى عنهما الصفار ومحمد بن أحمد بن يحيى، وروى عنهما صفوان، وحماد، وعثمان بن عيسى، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن عمرو بن سعيد.

وقد أشار بعض الأعاظم(ره) إلى صعوبة الجزم بالاتحاد، وأن مجرد اتحادهما في من روى عنهما، ومن رويا عنه، لا يوجب ذلك، لكونهما متحدين من حيث الطبقة. بل إن المستفاد من النصوص تأخر علي بن إسماعيل عن علي بن السندي، لأنه قد روى عنه سعد بن عبد الله المتوفى في حدود الثلاثمائة، كما روى عنه محمد بن يحيى المتأخر طبقة عن سعد بن عبد الله، فإن ابنه أحمد يروي عنه كثيراً، وقد روى عنه ابن أبي الجيد المتوفى سنة ثلاثمائة وستة وخمسون.

كما أنهما مختلفان من حيث من رويا عنه، فقد روى علي بن السندي، عن كل من:

1- أبيه. 2- عن عيسى بن عبد الرحمن، ولم يرو عنهما علي بن إسماعيل.

كما أن علي بن إسماعيل قد روى عن كل من:

1-علي بن الحكم. 2-محمد بن يحيى الصيرفي. 3-أحمد بن النضر. 4-عبد الله بن الصلت. 5-الحسن بن محبوب[6].

ثم إنه بعد الفراغ عن دراسة النصوص المذكورة سنداً، فقد منع بعض الأعاظم(ره) دلالتها، فذكر أن النصوص المذكورة إنما تحكي فعلاً عن المعصوم(ع)، ولا دلالة لها على التوقيت، إذ من المحتمل أن يكون التزامه(ص) بأداء صلاة الليل بعد منتصف الليل استناداً إلى أن الأفضل إيقاعها في هذا الوقت، لا أن منشأ أدائه إياها هو عدم مشروعيتها قبله، ويشهد لذلك أنه مع مشروعية أداء الظهرين قبل الغروب بساعة، إلا أنه لم ينقل لنا أن أحداً من المعصومين(ع) أدى صلاته في ذلك الوقت.

وما أفيد من إجمال فعل المعصوم(ع)، وأنه لا لسان له للدلالة على المدعى وجيه، اللهم إلا أن يدعى أن الحكاية لفعل المعصوم(ع) متى كانت صادرة عن الإمام(ع)، وأحرز أنه(ع) بصدد بيان الأحكام كما هو شأنه، وليست غايته الحكاية ومجرد نقل الواقعة، أمكن الاستدلال حينئذٍ بكلامه الصادر منه حكاية لفعل المعصوم(ع)، وهذا نظير حكاية الإمام(ع) وضوء النبي(ص)، فإنه لا يتصور أن يكون محمولاً على مجرد الحكاية، بل الظاهر منه أنه(ع) بصدد بيان التشريع، وعليه سوف يكون المستفاد من النصوص المذكورة عدم مشروعية نافلة الليل قبل منتصف الليل، على أساس أن فعله(ص)، كان بياناً للمشروعية، فلاحظ.

ولا يخفى أن هذا المحتمل وإن دفع الإجمال في فعل المعصوم(ع)، إلا أنه لم يدفع الداعي للإتيان بها في منتصف الليل، وما ذكره(ره) من احتمال داعي التأخير لذلك الوقت، فلاحظ.

الرابع: النصوص التي تضمنت جواز تقديم صلاة الليل لمجموعة من الأفراد قبل منتصف الليل، كالمسافر، أو الشاب أو خائف الجنابة، أو البرد أو نحوها من الأعذار الأخرى:

منها: رواية الحلبي عن أبي عبد الله(ع) قال: إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل وأوتر في أول الليل في السفر[7].

وقد رويت بطريقين: الأول: الصدوق، بإسناده عن الحلبي، والمذكور له طريق في المشيخة أثنان: عبيد الله بن علي الحلبي، وطريقه إليه كالتالي: الصدوق، عن أبيه، وابن الوليد، عن سعد، والحميري، عن أحمد وعبد الله ابني محبوب بن عيسى الأشعري، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد عنه. وهو طريق صحيح كما لا يخفى.

ويحيى بن عمران الحلبي، وطريقه إليه وفقاً لما في المشيخة: الصدوق عن أبيه، عن سعد والحميري، عن أحمد بن محمد، عنه، وهو طريق معتبر.

الثاني: بطريق الشيخ(ره) وهو طريق صحيح كما ذكر في الوسائل فلاحظ.

هذا ويمكن أن يبنى على أن المقصود من الحلبي في المقام، هو عبيد الله بن علي، وليس يحيى بن عمران، بقرينة أن طريق الشيخ(ره) قد اشتمل على حماد، وهو راوية عبيد الله، وليس راوية ليحيى، فتدبر.

ومنها: رواية سماعة أنه سأل أبا الحسن الأول(ع) عن وقت صلاة الليل في السفر؟ فقال: من حين تصلي العتمة إلى أن ينفجر الصبح[8].

وقد رواه صاحب الوسائل بطريقين:

الأول: طريق الصدوق(ره)، وهو على ما في المشيخة عن أبيه عن علي بن إبراهيم، عن أبيـه عن عثمان بن عيسى العامري عنه، وهو طريق معتبر.

الثاني: طريق الشيخ(ره)

وتقريب دلالتها على المدعى أن يقال: إنه لو لم تكن صلاة الليل موقتة بوقت خاص وهو ما بعد منتصف الليل، وغير جائزة قبله، لم يكن وجه لتخصيص جوازها قبله بخصوص المعذورين المذكورين، بل كان اللازم من ذلك هو التجويز مطلقاً، لمشروعيتها في وقتها مطلقاً.

وأورد على الاستدلال بها بعض الأعاظم(ره)، بأن من الجائز أن يكون الإتيان بصلاة الليل جائزاً في نفسه ومرجوحاً عند الاختيار قبل الانتصاف، ولا تكون مرجوحة لدى العذر، فعدم الترخيص مع الاختيار مستند إلى المانع، وهي الحزازة الموجودة.

وبعبارة أخرى، إن إتيان صلاة الليل في أول الليل وإن كان جائزاً، إلا أنه خلاف الأفضلية، بل الأفضلية إتيانها في منتصفه، نعم بالنسبة للمعذروين، ينتفي القول بعدم الأفضلية في شأنهم.

ولا يخفى أن جوابه المذكور لا ينسجم مع مبانيه الأصولية، ضرورة أنه(ره) من القائلين بثبوت المفهوم للوصف ولو في الجملة، ومقتضى ذلك أن يكون الوصف المذكور في النصوص المذكورة له مدخلية في ثبوت الحكم للموضوع، وإلا كان ذكره لغواً، وعليه فلا مجال للقول بأن الغاية من ذكره مجرد ارتفاع الحزازة ليس إلا، مع البناء على كون الوقت مشتركاً بين المختار والمعذور على حد سواء، ولا فرق بينهما إلا في خصوص ثبوت الحزازة وعدمها، بل إن التأمل في معتبرة سماعة صريح في أن المقام مقام اختصاص للمسافر، فتدبر.

—————————————————————

[1] وسائل الشيعة ب 43 من أبواب المواقيت ح 2.
[2] وسائل الشيعة ب 43 من أبواب المواقيت ح 3.
[3] وسائل الشيعة ب 43 من أبواب المواقيت ح 1.
[4] وسائل الشيعة ب 36 من أبواب المواقيت ح 6.
[5] اختيار معرفة الرجال رقم 1119.
[6] معجم رجال الحديث ج 13 ص 51-53.
[7] وسائل الشيعة ب 44 من أبواب المواقيت ح 2.
[8] وسائل الشيعة ب 44 من أبواب المواقيت ح 5.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة