مفطرية الإرتماس

لا تعليق
خواطر حوزوية
247
1

[size=6][/size]
[font=arial]وقع الخلاف بين الأصحاب(رض) في مفطرية الإرتماس فاختلفوا على أقوال:

الأول: أنه يـبطل الصوم فيوجب القضاء والكفارة قاله الشيخان والمرتضى وابن البراج[1].

الثاني: أن الصوم صحيح لا يـبطل به، لكن الإرتماس محرم، بمعنى أنه محرم [/font]بالحرمة التكليفية، وهو مختار الشيخ في الاستبصار، والمحقق في المعتبر والشرائع، والعلامة في المختلف والمنـتهى، والمحقق الثاني في حاشية الإرشاد، والشهيد الثاني وصاحب المدارك[2].

الثالث: البناء على عدم المفطرية وكراهة الإرتماس، كما يظهر من السيد فيما حكاه في التذكرة، وهو ظاهر ابن إدريس أيضاً، وكذا حكاه في المختلف عن العماني[3].

الرابع: أنه يـبطل الصوم، لكنه يوجب القضاء فقط دون الكفارة.

فتحصل أن الأقوال أربعة ترجع في مضمونها إلى قولين المفطرية وعدمها ثم يخـتلف كل قول في بعض الخصوصيات.

وكيف كان، لا يخفى أن مقتضى الأصل هو عدم المانعية عن صحة الصوم، كما أن مفاد الكتاب الشريف هو عدم المفطرية، ضرورة أن الوارد في الكتاب حصر ما يمنع من الصوم ويوجب تحقق المفطرية في خصوص أمور ثلاثة، وهي الأكل والشرب والجماع، ولم تتضمن الآيات الشريفة ما يشير إلى أكثر من ذلك، كما هو واضح لا يخفى، قال تعالى:- (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون عفي المساجد)[4].

فلا بد في رفع اليد عن هذين الأمرين، أعني الدليل الفقاهتي المتمثل في الأصل، والدليل الاجتهادي الكتابي، من وجود دليل اجتهادي آخر يمنع من وصول النوبة للدليل الفقاهتي، حكومة أو وروداً، وفي نفس الوقت يصلح لتخصيص العموم الكتابي المانع من ثبوت المفطرية لغير ما ذكرناه، وهذا يستوجب ملاحظة النصوص الخاصة في المسألة، فنقول: استدل للقول بالمفطرية بمجموعة من النصوص:

منها: بما رواه حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء[5].

ودلالتها على المدعى واضحة، ضرورة أن النهي في المركبات إرشاد إلى المانعية والفساد.

هذا وقد تمنع دلالة هذه الرواية على المدعى، بحيث يقال: بأنها دالة على الحرمة التكليفية، وليست دالة على المانعية والمفطرية، وذلك لوجود قرينة في المقام تمنع من الالتـزام بالظهور الثانوي للنهي وحمله على المانعية، والقرينة هي ذكر المحرم في النص محل البحث، إذ من المعلوم أن الإرتماس للمحرم محرم بالحرمة التكليفية، وليس مانعاً من صحة الحج، فيكون ذكره في المقام قرينة على إرادة الحرمة التكليفية، وبالتالي لا تصلح الرواية لإثبات قول من التـزم بالمفطرية، فلاحظ.

إن قلت: إن النهي في المركبات ظاهر في الإرشاد إلى المانعية والفساد، سواء كان ذلك في باب العبادات أم كان ذلك في باب المعاملات، وبالتالي لو كنا ومتضى الظهور لالتـزمنا بمانعية الإرتماس للمحرم، وحملنا النهي الوارد على الفساد، لكنه لما ورد من دليل خارج ما يوجب التصرف في الظهور، بحيث كان بمثابة القرينة على أن المراد ليس المانعية، بل الحرمة التكليفية، التـزم عندها بذلك.

وبعبارة أخرى، لقد قامت القرينة على أن الارتماس للمحرم محرم بالحرمة التكليفية، مما أوجب التصرف في الظهور.

قلت: إن ما قيل بالنسبة للمحرم بعينة يجري في المقام، ضرورة أن في البين أيضاً قرينة تصلح للتصرف في الظهور، وحمل النهي الوارد في النص المذكور على الحرمة التكليفية، وهو موثقة إسحاق بن عمار الآتية.

وبالجملة، لا مجال للتمسك بالحديث المذكور على إثبات المفطرية، بل عمدة ما يدل عليه، هو الحرمة التكليفية، فلاحظ.

بل يمكن البناء على دلالة النص على خصوص الكراهة الوضعية، متى ما كان المستفاد من موثق السابطي الآتي ذلك، فيتصرف في ظهور اللفظ، وبالتالي يحمل على خصوص ذلك.

هذا وللمناقشة في سند الخبر المذكور مجال، وذلك لأن حريز قد روى الخبر عن أبي عبد الله(ع) بدون واسطة، ويمنع من قبول مثل هذه الرواية ما حكاه شيخنا النجاشي(ره) عن يونس بن عبد الرحمن، حيث قال يونس: أنه لم يسمع من أبي عبد الله(ع) إلا حديثين[6].

وهذا يعني أن مرويات حريز عن أبي عبد الله(ع) إما أن تكون بواسطة، أو من خلال الوجادة، وبناءاً على عدم حجية الرواية بالوجادة كما قيل، فعندها لن تكون مروياته حجة إذا كانت كذلك، وأما لو كانت بواسطة فإن عرف الواسطة نظر في حاله فإن حكم بوثاقته كما في مروياته عن محمد بن مسلم مثلاً، فلا ريب في قبولها، وإن لم يعرف الواسطة كما في موردنا لكونه مجهولاً بسبب الإرسال فيسقط الحديث عن الحجية، لعدم كون حريز ممن لا يرسل إلا عن ثقة.

وبالجملة، مقتضى هذه الشهادة الصادرة من يونس، وعدم تعقيب الشيخ النجاشي وهو خريت هذا الفن كما قيل عليها بشيء يكشف عن قبولها لها، ولو بطريق الإنّ.

وقد أجاب عن شهادة يونس(رض) بعض الأعاظم(قده)، بأنه لا يمكن تصديق هذه الرواية المروية عن يونس، بعدما ثبت بطرق صحيحة روايات كثيرة تبلغ 215 مورداً عن حريز عن أبي عبد الله(ع)، ومع ثبوت هذا العدد الكثير كيف يمكن قبول عدم روايته عن أبي عبد الله(ع) من دون واسطة[7].

وهذا بنفسه ما التـزم به بعض المحققين(قده) إذ ذكر بعد نقله عبارة يونس السابقة أن الذي وقفنا عليه كثير، ثم أخذ في تعداد بعض النصوص التي لم يروها حريز بواسطة عن أبي عبد الله(ع)، وإنما رواه عنه(ع) مباشرة، فذكر أربعة عشر نصاً، ثم قال: لعل المتـتبع بجد أكثر من ذلك[8].

لكن لا يخفى أن هذا الجواب أشبه بالمصادرة، إن لم يكن مصادرة واضحة، حيث أنه(قده) عمد إلى إثبات الدعوى بعين المدعى، إذ المدعى رواية حريز عن أبي عبد الله(ع) بلا واسطة، والدليل على ذلك وجود عدة روايات لحريز عن أبي عبد الله(ع) بلا واسطة، فلاحظ.

على أنه لا مانع من كون جميع هذه الموارد مما روي مرسلاً، لكن النساخ أو الناقلين لهذه النصوص قد أسقطوا التعبير بما يشير للإرسال، فلاحظ.

ولبعض المحققين(قده) في البين كلام يصلح رداً على هذا الجواب المذكور، وهو: أن من المحتمل أن يكون حريز الوارد في هذه النصوص شخصاً آخر غير حريز السجستاني، في الموارد التي لم يكن أبوه مذكوراً، ولم يكن الراوي عنه حماد. لكون راويته هو حماد، فقد ورد في المشيخة والفهرست والنجاشي طرقاً متعددة إليه، كلها تنـتهي إلى حماد عنه.

مضافاً إلى أن البرقي قد عدّ من جملة أصحاب أبي عبد الله(ع) شخصاً آخر اسمه حريز بن عثمان[9].

وقد أجيب عن شهادة يونس(ره) بجواب آخر، وهو: بأنه لا مجال للترديد في رواية حريز عن أبي عبد الله(ع) بلا واسطة، لكثرة رواياته عنه، وهي على أنحاء:

الأول: ما كان حريز واقعاً فيها في آخر السند إلى الإمام الصادق(ع)، وهي التي يرمز لها اصطلاحاً بالقول(عن)، وهذه الطائفة وإن كثرت فربما لا تقاوم النص الذي ذكروه من أنه لم يرو عن أبي عبد الله(ع)، أو أنه لم يرو عنه إلا حديثين، فيكون قرينة على الإسناد بواسطة.

الثاني: الروايات التي صرح فيها بقوله: سألت، أو دخلت، أو سمعت، أو نحو ذلك، والأمر فيها ظاهر.

الثالث: الروايات التي ذكر فيها ما جرت بينهما من الوقائع مما هي صريحة في الرواية عنه، فيدفع بها القول بعدم روايته أو عدم روايته أكثر من حديثين كما لا يخفى.

فإن الشهادة على عدم الرواية من غيره مبنية على الحدس، ولا تكون حجة، فضلاً عن مقاومتها لهاتين الطائفتين من الروايات، ولم يشهد أحد بأن حريزاً قال: لم أسمع، أو لم أروِ عن أبي عبد الله(ع)، حتى تكون شهادة حسية عن إقراره.

مضافاً إلى أن عدة من أعلام الطائفة قد رووا بأسانيدهم عن حريز عن أبي عبد الله(ع) من دون واسطة بينهما، فقد روى البرقي والحميري والكليني والكشي والصدوق والشيخ والنعماني، وغيرهم[10].

أقول: لا ريب في أن تمامية كلامه(قده) في الإجابة عن شهادة يونس إنما تـتم وفقاً للنحوين الثاني والثالث من الأنحاء الثلاثة التي ذكرها في روايات حريز عن أبي عبد الله(ع)، دون النحو الأول، لا لما أشار له(قده) فقط، بل لما عرفت منا جوابه قبل قليل عن كلام العلمين السابقين، فراجع.

هذا والصحيح أن الإشكال السابق وارد في النحو الثاني من الأنحاء الثلاثة أيضاً، وذلك لأن الوارد هو قوله: سألت مثلاً، وهنا يوجد احتمالان:

الأول: أن يكون السائل هو حريز مباشرة من الإمام(ع)، ويثبت بذلك المطلوب.

الثاني: أن يكون السائل هو الذي يروي عنه حريز، فلا دلالة لذلك على المدعى.

وإنما يتصور الإشكال المانع من قبول الاحتمال الثاني، أو هذا النقل من حريز يستوجب كون حريز كاذباً، لأنه قد نسب السؤال إلى نفسه دونما إشارة إلى كونه قد سُأل من قبل غيره، لكن هذا المانع يندفع بملاحظة ما سبقت الإشارة إليه من احتمال إسقاط المنقول عنه مرسلاً من قبل النساخ أو مؤلفي الكتب، وعليه لا يقال في حق حريز أنه كاذب، فتأمل.

وأما النحو الثالث، فبمقدار ما فحصت عاجلاً مستعيناً بما ذكره بعض الأعاظم(قده) في ترتيب الطبقات، فلم أجد مصداقاً لما أفاده(قده)، ومن هنا يصعب الالتـزام به.

بقي أن نشير إلى ما جاء في ختام كلامه(ره) من أن شهادة يونس بعدم الرواية شهادة حدسية، مع أنه لم يسمع من حريز إقرار على عدم روايته عن أبي عبد الله(ع) ليكون أمراً حسياً.

ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن كون يونس قريـباً من عصر هؤلاء الرواة يـبعد أن تكون شهادته هذه شهادة حدسية، فضلاً عن أن قبول مثل النجاشي(ره) وهو كما قيل خريت هذا الفن، يمنع من كون الشهادة حدسية، بل هي حسية أو قريـبة من الحس.

فالأنصاف أن البناء على روايات حريز المروية عن أبي عبد الله(ع) بدون واسطة لا يخلو عن إشكال، بل منع.

ومنها: صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله(ع) قال: لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم[11].

والكلام في دلالتها على المدعى هو عين ما تقدم في الكلام على خبر حريز، فلاحظ.

ومنها: موثقة حنان بن سدير أنه سأل أبا عبد الله(ع) عن الصائم يستنقع في الماء، قال: لا بأس، لكن لا يغتمس، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بقبلها[12].

ودلالته على المدعى واضحة، ضرورة أن النهي في المركبات إرشاد إلى المانعية، فيثبت حينئذٍ المطلوب.

لكن لا يذهب عليك أن الحمل للنهي على الظهور الثانوي، إنما هو فرع عدم وجود قرينة مانعة من ذلك، ولذا لا ينعقد الظهور للفظ إلا بعد الفراغ عن عدم وجود ما يصلح للقرينية على خلافه، وهو في البين موجود، ويتمثل في معتبر الساباطي الآتي، فانتظر.

ومنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع)قال: الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه[13].

ودلالتها على المدعى واضحة، لأن النهي في المركبات إرشاد للمانعية والفساد.

كما أنها تضمنت التفريق بين عنوانين، وهما الاستنقاع، والارتماس، فأشارت إلى أن الإرتماس عبارة عن رمس الرأس تحت الماء، بخلاف الاستنقاع، فإنه غمس البدن من دون الرأس تحت الماء، فلاحظ.

هذا ولا يخفى أنه يمكن رفع اليد عن الظهور الثانوي للنهي في الإرشاد إلى المانعية، وحمله على الحرمة التكليفية متى ما قامت قرينة على ذلك، وقد عرفت في الحديث عن خبر حريز قيام القرينة كما سيأتي، وهو موثق السابطي، فيصلح لرفع اليد عن الظهور الثانوي للنهي، وبالتالي يمكن القول بحمله على الحرمة التكليفية، فلاحظ. بل يمكن حمله على الكراهة الوضعية بقرينة معتبر الساباطي الآتي، فانتظر.

ومنها: صحيح محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب والنساء والإرتماس[14].

ودلالتها على المدعى، لأن المتفاهم من الإضرار في المقام هو إخلاله وإفساده للصوم.

ويؤيد هذه النصوص خبر الخصال عن أبي عبد الله (ع): قال: خمسة أشياء تفطر الصائم الأكل والشرب والجماع والإرتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله والأئمة[15].

ودلالته على المدعى أوضح من جميع ما تقدم، حيث أنه نص في المفطرية كما لا يخفى، ولكن للرفع في سنده جعلناه مؤيداً.

هذا وقد يتمسك في إثبات المفطرية بخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: يكره للصائم أن يرتمس في الماء[16].

لأن الكراهة في النصوص أعم من الكراهة المصطلحة والحرمة، بل هي مطلق المبغوضية، وبقرينة النصوص الدالة على المفطرية تحمل على ذلك. لكن لا يخفى أن هذا يجري لو لم يكن في المقام ما يصلح لحمل الكراهة الواردة في النص على الكراهة المصطلحة، وقد أشرنا فيما تقدم أن في البين معتبر الساباطي الذي يستفاد منه عدم المانعية، وعدم المبغوضية.

هذا ويعاني الخبر المذكور من مشكلتين سنديتين:

الأولى: إن الخبر المذكور قد رواه الشيخ(ره) بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضال، وقد ذكرنا غير مرة أن طريق الشيخ(ره) إلى ابن فضال يشتمل على الزبيري القرشي، وهو ممن لم يوثق.

وما ذكره شيخنا التبريزي(دامت أيام بركاته) من الاعتماد عليه لكونه من المعاريف ممنوع صغرى وكبرى، أما الكبرى فلما ذكرناه في محله من عدم نهوض ما يصلح لإثبات هذه الدعوى، وأما الصغرى، فإننا لو سلمنا تمامية الكبرى المذكورة، إلا أنها لا تنطبق عليه، لعدم استجماعه لما يصلح أن ينطبق العنوان المذكور عليه، فلاحظ.

كما أن محاولة توثيقه تمسكاً بكونه من مشائخ الإجازة غير صالحة، لا لما ذكره بعض الأعاظم(قده) من عدم كفاية كون الراوي من مشائخ الإجازة للتوثيق، بل لما ذكرناه في محله أن القبول بوثاقة الراوي لكونه من مشائخ الإجازة تعتمد على أن يكون من المشائخ الذي يعتمد عليهم في تنقيح الرواية من حيث السند والمصدر والنسخ ومدى مطابقتها للقواعد الأولية للقرآن الكريم والسنة الشريفة، وما شابه، أما لو كان مجرد واسطة في اتصال السند، فلا يعول ولا يعتمد على روايته لمجرد كونه من مشائخ الإجازة، والظاهر أن الزبيري من القسم الثاني، وليس من القسم الأول، فلاحظ.

هذا ولو قيل بالركون إلى نظرية التعويض، كما عن بعض الأعاظم(ره) في مثل هكذا موارد، بأن يقال نعمد إلى تعويض طريق الشيخ(ره) إلى ابن فضال الضعيف بالزبيري، بطريق النجاشي إلى ابن فضال، فإنه لا يعاني المشكلة المذكورة، وعندها يـبنى على تمامية الخبر المذكور سنداً.

قلت: بأننا ذكرنا في الفوائد الرجالية تمامية أصل الكبرى أعني نظرية التعويض، وبالتالي نلتـزم بتمامية تعويض طريق الشيخ بطريق النجاشي، إلا أنه لا ينفعنا في المقام، وذلك لأن طريق النجاشي يشتمل على ابن عبدون، ولا طريق لتوثيق إلا خصوص كبرى وثاقة جميع مشائخ النجاشي، والمحقق في محله عدم تماميتها، فتحصل سقوط الرواية عن الحجية.

الثانية: أشتمل سند الخبر المذكور على محمد بن عبد الله، وهو مشترك بين جماعة منهم الثقة، ومنهم مجهول الحال، ويصعب تميـيزه، فلاحظ.

هذا وفي مقابل هذه النصوص ما يصلح للمنع عن المفطرية، لكن وقع الخلاف في أن مفاده الحرمة التكليفية أو الكراهة وهو موثق إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (ع): رجل صائم ارتمس في الماء متعمداً عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: ليس عليه قضاءه[17].

أقول: لا يخفى أن هذا الخبر مما تفرد الشيخ (ره) بنقله وقد عرفت منا أن القاعدة الأولية عندنا في متفرداته عدم الحجية حيث نجعل ذلك شاهداً سلبياً إلا مع وجود شواهد إيجابية وفي المقام لما كان الخبر موافقاً لمقتضى الكتاب في عدم المفطرية، وكون فتوى كثير من الأصحاب قدماء ومتأخرين عليه كفى ذلك للوثوق بصدوره.

هذا وقد يخدش النص المذكور من حيث السند لسببين:

الأول: أن الشيخ(ره) قد رواه بطريق يشتمل على أبي جميلة، وهو المفضل بن صالح، وقد حقق في محله عدم إمكانية الاعتماد على مروياته، وإن كان من مشائخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

ويمكن الجواب عن هذا الوجه، بأن صاحب الوسائل قد نقل رواية الشيخ(ره) إياه عن عبد الله بن جبلة، وبالتالي لا مانع من البناء على حجيته، فلاحظ.

الثاني: وجود عمران بن موسى، وهو مردد بين اثنين الخشاب، وهو مجهول الحال، والزيتوني الأشعري، وهو ثقة، ولما لم يمكن التميـيز بينهما، فتسقط الرواية عن الاعتبار، ولا تدخل دائرة الحجية.

وقد أجاب عن ذلك بعض الأعاظم(قده)، بأن عمران بن موسى الخشاب لا وجود له أصلاً، والمسمى بهذا الاسم شخص واحد، وهو الزيتوني الثقة. نعم ذكر الشيخ(ره) في التهذيب رواية بعنوان عمران بن موسى الخشاب، فتخيل صاحب جامع الرواة أن جميع الروايات المذكورة بعنوان عمران بن موسى، يراد منه الخشاب، مع أن هذا وهم نشأ من سقوط كلمة عن في نسخة التهذيب، والصحيح عمران بن موسى عن الخشاب، الذي هو حسن بن موسى الخشاب، وعمران بن موسى يروي عنه كثيراً، وهذا يعني أن الخشاب لقب إلى شخص آخر، وليس لقب عمران نفسه.

والذي يكشف عنه بوضوح أن الشيخ(ره) يروي هذه الرواية عن ابن قولويه في كامل الزيارات، وهي مذكورة بعين السند والمتن في الكامل، لكن بإضافة كلمة(عن)، وهذا يعني أن السقط من الشيخ جزماً، فإن جميع نسخ التهذيب على ما قيل خالية عن كلمة(عن)فالاشتباه من قلمه الشريف، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

والحاصل، لا يوجد عندنا شخص يسمى بعمران بن موسى الخشاب حتى يستوجب جهالته وهناً في السند، بل هو شخص واحد مسمى بعمران بن موسى الزيتوني الأشعري القمي المشهور الذي هو ثقة[18].

هذا وبعد البناء على تمامية سند الموثق واعتباره، فلا ريب في حصول المعارضة بين الدليلين. وقد ذكرت عدة جموع دلالية من قبل الأصحاب بينه وبين النصوص السابقة بناءاً على دلالتها على المفطرية:

الأول: أن تحمل موثقة إسحاق على عدم المانعية وتحمل النصوص الدالة عليها على الحرمة التكليفية. ويشهد لهذا الجمع تعبيره (ع) في ذيل الموثق بقوله: ولا يعودن. حيث أن النهي ظاهر في الحرمة.

وبعبارة أخرى، إن النهي الوارد في النصوص له ظهور أولي في الحرمة، لكننا رفعنا اليد عنه وعمدنا إلى التمسك بظهوره الثانوي لكونه نهياً وارداً في المركبات، وقد قرر في محله أن النهي الوارد في المركبات سواء كان في العبادات أم كان في المعاملات، يحمل على الإرشاد إلى المانعية والفساد، وبالتالي يكون مقتضى هذا الظهور هو حملها على المانعية، لكن وجود معتبرة الساباطي صار مانعاً من الالتزام بالظهور الثانوي، وهو الحمل على المانعية، وداعياً إلى إبقاء ظهور النهي في الحرمة التكليفية على حاله، والقرينة على هذا الحمل، هو نفي القضاء فيه، والنهي في ذيله عن العود.

ويشكل على هذا الوجه بأمرين:

الأول: أن اللازم من البناء على هذا الجمع، هو الالتـزام بحرمة الإرتماس في الصوم المندوب لإطلاق الأدلة، مع أنه لا يلتزم به أحد، ولما كان اللازم باطلاً فالملزوم مثله.

الثاني: إن التصرف المذكور بحمل النهي الوارد في النصوص على الحرمة التكليفية خلاف المتعارف بينهم في مثل المقام الذي يتضمن النهي والرخصة، لأن المتعارف بينهم في مثل المقام هو الجمع بينهما بالحمل على الكراهة الوضعية، وعلى هذا يكون قوله: ولا يعودن. إشارة لذلك.

هذا وقد أجاب عن هذا الوجه بعض الأعاظم(ره)، بأن جملة من النصوص تأبى الحمل على الحرمة التكليفية، خصوصاً صحيحة محمد بن مسلم، ضرورة أنها نص صريح في المانعية والإرشاد إلى الفساد، مما يعني عدم وجود ما يمنع من انعقاد الظهور لها في ذلك، وأنه لا مجال للتصرف في ظهورها في غير ما هي ظاهرة فيه[19].

ولا يخفى عدم تمامية ما أفاده(ره)، وذلك لأن النصوص التي تمسك بها على إثبات المانعية والمفطرية على ثلاث أنوع:

الأول: ما تضمن النهي عن الإرتماس بالنسبة للصائم، كالنهي عنه بالنسبة للمحرم، وقد عرفت فيما تقدم أن هذه النصوص بقرينة وجود المحرم تعتبر قرينة على إرادة خصوص الحرمة التكليفية، وأنه لو قيل أن الظهور الثانوي لهذه النصوص هو البناء على المانعية والإرشاد للفساد في كليهما، من دون فرق بينهما، لكننا رفعنا اليد عن ثبوت المانعية في المحرم بقرينة خارجية دلت على ذلك، قلنا بأن هذا بعينه يجري في المقام، ضرورة أن معتبر الساباطي صالح لذلك، بل هو صالح لأكثر وهو الحمل على الكراهة الوضعية، وبالتالي، لا مجال للقول بأن هذه النصوص تأبى الحمل على الحرمة التكليفية.

الثاني: ما تضمن التعبير بـ(يكره للصائم) وهو خصوص خبر عبد الله بن سنان، وقد عرفت أن الكراهة في النصوص وإن لم تكن محمولة على الكراهة المصطلحة، بل على مطلق المبغوضية، فلابد من وجود قرينة صالحة لظهورها في المانعية أو في الحرمة التكليفية، أو في الكراهة الوضعية، ويمكن في المقام أن يدعى أن موثقة السابطي قرينة على إرادة الحرمة التكليفية من الخبر، بقرينة النهي الوارد في ذيلها: ولا يعودن، لأن النهي ظاهر في الحرمة، بل على الكراهة الوضعية، كما لا يخفى.

الثالث: وهو صحيح محمد بن مسلم، الذي تضمن الإضرار، بناء على أنه لا يتصور معنى للإضرار إلا المانعية والفطرية، وبالتالي يكون نصاً صريحاً في إثبات القول بالمفطرية، ولا مجال للتصرف في ظهوره الحمل على الحرمة التكليفية.

ولا يخفى أيضاً، أن الإضرار من الأمور المشككة الذي له أفراد، بحيث يقال أن الإضرار يتفاوت من فرد لآخر، فقد يكون الإضرار بالنسبة للأكل والشرب والجماع بمعنى المفطرية، وبالنسبة للإرتماس بمعنى قلة الثواب، ومع كون الأمر كذلك، فلا مانع من أن يحمل الإضرار بالنسبة للإرتماس الوارد في الصحيح بقرينة موثقة الساباطي على الحرمة التكليفية، فلاحظ.

نعم لو تم مرفوع الخصال سنداً، أشكل الاستناد إلى مثل هذا الحمل، ضرورة أن البناء على الحرمة التكليفية يتنافى مع التصريح بالمفطرية، وإن كان يمكن البناء على مثل ما ورد في أن الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم، وأن الغيـبة تفطر الصائم، بحملها على الصوم الكامل الصحيح المقبول، فتأمل.

الثاني: أن يحمل النهي الوارد في النصوص على الكراهة الوضعية، وهذا هو المتعارف بين الأصحاب في كل مورد ورد فيه نهي ورخصة، أن يجمع بين الأمرين بالحمل على الكراهة الوضعية.

ومقامنا من هذا القبيل، ضرورة أن النهي الوارد في النصوص وإن كان ظاهراً بالظهور الثانوي في المانعية والإرشاد إلى الفساد، إلا أننا نرفع اليد عن هذا الظهور بالرخصة الواردة في معتبر الساباطي.

ولو قيل: بأن صحيح محمد بن مسلم المشتمل على إضرار الارتماس بالصوم، كإضرار الأكل والشرب والجماع به، يأبى ذلك.

قلنا: بأن الإضرار له معنيان:

أولها: الإضرار الحقيقي، وهو ما يفيد المانعية والفساد، وهذا يكون بالنسبة للأكل والشرب والجماع.

ثانيها: الإضرار المسامحي، وهو ما يكون بالنسبة للإرتماس، ومعنى الإضرار فيه، أنه يستوجب مرتبة من مراتب البطلان، كمرتبة عدم القبول مثلاً، فيكون الإضرار في الارتماس محمولاً على بعض مراتبه، وإن كان أصل الصوم صحيحاً[20].

وهذا المعنى المشار إليه في الكلام المذكور ما كنا نصر عليه فيما تقدم من أن الإضرار من المفاهيم المشككة، وليس له مرتبة واحدة. وبناءاً على كونهه كذلك، لا يلزم الإشكال بأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معنى، ضرورة أننا لم نستعمل الإضرار مرة في المانعية، ومرة أخرى في عدمها حتى يقال بأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معنى، الذي قرر في الأصول مشهور الأصحاب المنع عنه، بل هذا من استعمال اللفظ فيما وضع له، لأن اللفظ منذ البداية وضع لأكثر من معنى، فيعرف المراد منه من خلال قرينة دالة على ذلك، فلاحظ.

هذا وقد أورد على هذا الوجه بعض الأعاظم(ره) بأنه أضعف من سابقه، ضرورة أنه لا يتعقل معنى صحيح للكراهة الوضعية، لأن العرف لا يجمع بين قوله صحيح، وقوله باطل، أو بين قوله: يعيد، وقوله: لا يعيد، فإن معنى إضرار الارتماس بالصوم أن صومه باطل، كما لو أكل أو شرب، ومعنى: ليس عليه قضاؤه، كما في موثقة الساباطي: أن صومه صحيح، ومعه كيف يمكن الجمع بينهما؟![21].

ويلاحظ عليه، أولاً: أن الإضرار الوارد في صحيح محمد بن مسلم ليس صريحاً في المانعية كصراحة يعيد، أو يفطر، أو صحيح، حتى يقال بأنه لا يمكن جمعه والتوفيق بينه وبين قوله في معتبر الساباطي: وليس عليه قضاؤه.

ثانياً: سبق وذكرنا فيما تقدم، أنه لا مانع من حمل الإضرار على معناه الحقيقي، وفي نفس الوقت يكون له مراتب، لكونه من المفاهيم المشككة، لا أنه من المفاهيم المتواطئة، فيكون أدنى مراتبه فقدان الصوم الكمال، وبالتالي يحمل إضرار الارتماس بالصوم بقرينة موثقة الساباطي على فقدانه الكمال.

هذا وقد أجاب بعض الأعلام(دام علاه) عن كلام بعض الأعاظم(قده)، بأن الجمع العرفي بين الرخصة والمنع بالحمل على الكراهة شايع بين الأصحاب، فلا وجه لما ذكر[22].

ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن بعض الأعاظم(ره) لا يمنع أصل الكبرى، حتى يجاب عنه بما ذكر، ليكون بمثابة الإثبات والتصحيح للكبرى، وإنما ما صدر منه(قده) إنما هو نقاش في الصغرى، فهو يدعي أن مقامنا لا يصلح صغرى للكبرى المقررة عندهم بالحمل على الكراهة الوضعية، فلاحظ.

وأعترض بعض الأعلام(قده) على هذا الوجه أيضاً بالتالي:

أولاً: إن الحمل على الكراهة، لا يتلائم وخبر الخصال الذي تقدم، والذي تضمن النص على مفطرية الارتماس كما لا يخفى. كما أنه لا يتلائم وما جاء في الفقه الرضوي أنه قال: خمسة أشياء تفطرك، الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وعلى الأئمة(ع). فإنه قد عد الارتماس في هذين الخبرين من المفطرات كالأكل والشرب، وهذا دليل ظاهر على اتحاد حكمه وسائر المفطرات في الإبطال ووجوب القضاء، بل والكفارة.

وأيضاً لايتلائم وصحيح محمد بن مسلم المشتمل على أن الارتماس يضر بالصوم.

ثانياً: إن النصوص التي اشتملت على مانعية الارتماس قد اقترنت بما لا يقبل الحمل على الكراهة، ففي بعضها ورد المنع من ارتماس المحرم، ولا ريب في أن ارتماس المحرم محرم، وليس مكروهاً.

وفي بعضها الآخر ورد النص على جملة من المفطرات، ولا ريب في أنه لا مجال لحملها على الكراهة[23].

هذا ولا يخفى أن اشكاله الأول، قد تقدم منا الجواب عنه في مطاوي البحث فلا نعيد.

وأما بالنسبة لإشكاله الثاني، فيجاب عنه، بأنه لا موجب لحمل النهي الموجه للمحرم عن الارتماس على الكراهة أصلاً، بل مقتضاه هو بقائه على حاله من المانعية كما سبق وأشرنا له، وإنما دل دليل من الخارج أو قامت قرينة على حمله على الحرمة التكليفية، وبالتالي لا وجه لما قيل، ومثل ذلك يجري أيضاً بالنسبة إلى النصوص المشتملة على المفطرات، فلاحظ.

الثالث: ما أجاب به بعض المعاصرين، وحاصله: إن الموضوع في الطائفتين من النصوص مختلف، فلا حاجة للبحث عن إمكانية الجمع والتوفيق بينهما، لأن الموضوع في النصوص الدالة على الفطرية هو ارتماس الرأس، بينما موثقة السابطي لا ظهور لها في ارتماس الرأس، وذلك لأنه لم يثبت أن لفظ الارتماس موضوع لاستيعاب الماء لجميع بدنه، بحيث يكون جميع بدنه تحت الماء. بل هي ظاهرة في ارتماس غير الرأس في الماء، ومع كونها كذلك فلا دلالة لها على المدعى أصلاً، كما أن موضوعها يكون مختلفاً عن موضوع النصوص الأخرى كما عرفت.

هذا ويشهد لما ذكرناه من أن الارتماس لم يوضع لاستيعاب الماء على جميع البدن، ما جاء في نهاية ابن الأثير في مادة رمس، قوله: ابن عباس رامس عمر بالجحفة وهما محرمان، أي أدخلا رؤوسهما في الماء حتى يغطيهما، وهو كالغمس بالغين، وقيل: بالراء ألا يطيل اللبث في الماء، وبالغين أن يطيله، ومنه الحديث: الصائم يرتمس ولا يغتمس.

فإن الظاهر أن ما نقله بقوله: وقيل، هو معنى اللفظين مطلقاً، لا فرض كونهما مشتركين في الكون تحت الماء، ولكن الفرق من حيث طول اللبث وقصره.

وأوضح منه ما ذكره الشيخ الطريحي(ره) في مجمعه، فإنه-بعد نقل الحديث-قال: كأن المعنى يغمس بدنه، ولا يغمس رأسه.

فيكون المعنى في الرواية في المقام: رجل صائم ارتمس بدنه في الماء من غير أن يدخل…الخ…،فكأن غرض السائل أن مطلق الارتماس مفطر أم الارتماس الخاص، فأجاب(ع): بعدم وجوب القضاء في مطلق الارتماس، فيكون قوله(ع): ولا يعودن، محمولاً على الكراهة، لعدم حرمة مطلق الارتماس[24].

ويلاحظ عليه نقضاً وحلاً:

أما النقض، فبأمرين: أولهما: بصحيح محمد بن مسلم، لأن مقتضى ما أفاده، هو البناء على عدم دلالة الصحيح على المفطرية، لأن الوارد في صحيح محمد بن مسلم هو إضرار الإرتماس من دون تصريح فيه بأنه ارتماس الرأس أو ارتماس تمام البدن بما فيه الرأس، وبناءاً على ما تبناه من التوضيح لمعنى الارتماس لغة هو البناء على أن المراد منه غمس البدن من دون الرأس، وعليه لن يكون المستفاد منه المانعية الإرشاد للمفطرية.

بل حتى خبر عبد الله بن سنان وفقاً لما أفيد في بيان معنى الارتماس لغة، لا دلالة له على المانعية، ضرورة أن الوارد فيه هو:كره للصائم أن يرتمس، وقد عرفت أن الارتماس ليسد إلا غمس البدن في الماء من دون الرأس.

ومثل ذلك يأتي أيضاً في خبر حريز، وصحيح يعقوب بن شعيب، وخبر الحناط، بل حتى مرفوع البرقي، لأن الوارد فيه الارتماس، مع أنه(ع) قد حكم فيه بالمفطرية.

ثانيهما: ما ورد في غسل الجنابة، وأنه يتحقق الاغتسال بالغسل الارتماسي، ففي صحيح زرارة عن أبي عبد الله(ع): لو أن رجلاً جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة اجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده[25].

وأما الحل، فإن المستفاد من كلمات اللغويـين، كما ذكره هو عن ابن الأثير أن الرمس، عبارة عن الانغماس في الماء حتى يغيب البدن والرأس، وهذا ما ورد في كلام ابن منظور، فإنه ذكر في مادة رمس: ورى الشعبي-في حديث-أنه قال: إذا ارتمس الجنب في الماء أجزأه ذلك من غسل الجنابة، قال شمر: ارتمس في الماء إذا انغمس فيه حتى يغيب رأسه وجميع جسده فيه[26].

ومثل ذلك في معجم مقايـيس اللغة، إذ جاء فيه: رمس: تغطية وستر[27].

فإنه واضح في أن الرمس عبارة عن تغطية الشيء، وهو أعم من تغطية الرأس والجسد، كما لا يخفى.

وفي القاموس المحيط: الارتماس: الاغتماس[28].

فإن هذا يفيد أنهما بمعنى واحد، وليسا مصطلحين مختلفين، نعم لربما يكون الاختلاف من حيث مدة المكث، لا من حيث الكيفية، فلاحظ.

وفيه أيضاً في مادة غطس: في الماء، يغطس: غمس وانغمس[29].

فإنها أيضاً تدل على عدم التفريق، وأنهما بمعنى واحد، فلاحظ. نعم المستفاد من النصوص التفريق ما بين الاستنقاع، والارتماس.

وأما ما استظهره هو من تعبير ابن الأثير بقيل، أنه معنى اللفظين، فعهدته عليه، ضرورة أنه لو كان كذلك، لم يكن وجه لتعبيره عنه بقيل.

ولو سلمنا ما أفاده من الاستظهار، إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون المراد من الارتماس هو غمس الرأس تحت الماء، وإنما فرّق بين اللفظيـين من حيث طول مدة المكث والبقاء، لا من حيث الكيفية، فلاحظ.

الرابع: ما أفاده بعض الأعيان(قده)[30]، ويمكن عدّه جمعاً دلالياً بين الموثق وبين النصوص السابقة، كما يمكن أن يعدّ مثل ما صدر من بعض المعاصرين، وقد قدمناه من منع ظهور موثق اسحاق في عدم المانعية منذ البداية. وتوضيح ذلك أن يقال:

لقد أفاد(ره) أن موثق إسحاق محمول على ما إذا كان المرتمس ناسياً للصوم، فارتمس نسياناً منه لكونه صائماً، أو نسياناً منه لكون الارتماس مفطراً، بمعنى أن النسيان تارة يكون منصباً على الحكم وأخرى يكون منصباً على الموضوع.

فهنا احتمالان:

الأول: أن يكون حمل الموثق على النسيان من باب الجمع العرفي بين النصوص، فيقال: إن الطائفة الأولى كصحيح محمد بن مسلم وخبر حريز ورواية إسماعيل بن عبد الخالق، ومعتبر يعقوب بن شعيب، قد دلت على مانعية الإرتماس من الصيام مطلقاً، سواء كان في حال العلم والعمد، أم كان في حال الجهل أم كان في حال النسيان، لكن موثق إسحاق بن عمار الدال على عدم المانعية أوجب التصرف في الظهور ومنع انعقاد إطلاق للنصوص السابق، بحيث تحمل على خصوص ما إذا صدر الارتماس من غير الناسي، وبالتالي يكون مقتضى الجمع المذكور هو تقيـيد ما دل من نصوص المفطرية بصورة غير النسيان بقرينة موثقة الساباطي.

الثاني: أن يكون الموثق ناظراً إلى موضوع آخر يغاير الموضوع الذي تعرضت له النصوص محل البحث. وذلك لأن النصوص ناظرة إلى ما إذا صدر المفطر من المكلف ملتفتاً إلى أن الإرتماس يوجب المفطرية، بينما موضوع موثق الساباطي أمر آخر لأنه بصدد الحديث عن أن من أرتمس في نهار الصوم ناسياً، للحكم أم للموضوع، فلا شيء عليه، ومع تغاير الموضوع بينهما، فإن الأول موضوعه الملتفت، بينما الثاني موضوعه الناسي، فلا وجه للقول بوجود معارضة بينهما كما لا يخفى.

ويلاحظ عليه: أن ما أفاده سواء في الاحتمال الأول أم في الاحتمال الثاني خلاف الظاهر جداً، ضرورة أن الناظر في موثقة الساباطي يرى أنها مطلقة غير مقيدة بصورة النسيان، كما ورد في كلامه(ره)، ويشهد لذلك قوله(ع) في ذيلها: ولا يعودن، فإن هذا التعبير لا يتناسب وحالة النسيان، كما هو واضح لا يخفى.

الخامس: ما أفاده بعض المعاصرين(دام علاه)، وحاصله: أن يحمل الموثق على ما إذا صدر الارتماس من الصائم جهلاً منه، لا أنه مع العلم والالتفات، وذلك استناداً للقاعدة العامة، وهي: أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه[31].

هذا ولا يخفى أن ما أفاده(دام توفيقه) لا يفرق فيه بالنسبة للجهل بين كونه جاهلاً بالحكم أو جاهلاً بالموضوع، فلو كان جاهلاً بالموضوع، لكنه عالم بالحكم، فمقتضى ما أفاده هو البناء على عدم المانعية، ومثل ذلك ما لو كان جاهلاً بالحكم، لكنه يجهل الموضوع.

وعلى أي حال، يأتي في كلامه(دام ظله) ما سبق وذكرناه في كلام بعض المعاصرين، وكذا كلام بعض الأعيان، ضرورة أنه يحتمل في كلامه أمران:

الأول: أن يكون ناظراً إلى إيجاد جمع عرفي بين النصوص المانعة وبين موثقة الساباطي، بحيث يقال أن النصوص وإن كان دالة على المانعية بقول مطلق من دون فرق بين العالم والجاهل، إلا أن موثق الساباطي يدعو للتصرف في ظهورها وتقيـيده بما إذا لم يكن جاهلاً، فلو كان جاهلاً فلا شيء عليه.

الثاني: أن يقال منذ البداية أن الموضوع في الطائفتين من النصوص مختلف، بحيث يقال أن الطائفة الأولى في مقام بيان حكم العالم العامد، وساكتة عن الجاهل، والطائفة الثانية ناظرة للجاهل، وبالتالي لما تغاير الموضوعان فلا معارضة في البين أصلاً.

نعم الظاهر أنه(حفظه الله) ناظر للأول دون الثاني، وإن كان احتمال الثاني من كلامه غير بعيد.

وعلى أي حال، فإنه قد وردت جملة من النصوص تدل على معذورية المكلف وأنه لا يتحمل تبعة عمله إذا غلبه الله عليه، ففي صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال: كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء. ومثل ذلك جاء في ذيل صحيح بن مهزيار عن أبي الحسن الثالث(ع): وكل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر. وفي ذيل صحيح البختري عن أبي عبد الله(ع): ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر.

وعلى أي حال، فالمستفاد من هذه النصوص هو كبرى عامة، مفادها أنه متى ما طرأ مانع طبيعي على المكلف كالمرض بحيث حال دون أداء المكلف للتكليف الموجه له بسببه، أو أنه أوجب وقوع المكلف في المحرم، فإنه يكون معذوراً.

ولا يخفى أن وفقاً لما ذكره لا يصح ما أفاده(حفظه الله) لأن الجاهل كما يبدو ليس مما غلب الله تعالى عليه، إذ يمكن للمكلف أن يرفعه وذلك من خلال قيامه بالتعلم، ولهذا لا يعدُ الجهل من الأمور التي توجب المعذورية، فتأمل.

على أنه لو سلمنا تمامية الدعوى، إلا أن الظاهر أن حمل الموثق على ذلك خلاف الظاهر جداً، بل واضح أنه من الجمع التبرعي، الذي لا يمكن الركون إليه، خصوصاً بملاحظة قوله في ذيل الموثق: ولا يعودن، فإنه لا ينسجم مع الحمل على الجاهل، فلاحظ.

ثم إنه بعدما لم ينهض أي واحد من الجموع الدلالية للتوفيق بين الطائفتين، بناءاً على عدم قبول الحمل على الكراهة الوضعية، وبناءاً على التسليم بتمامية دلالة النصوص الدالة على المانعية على المدعى، تستقر المعارضة، وعندها لابد من اللجوء للمرجحات، وهنا لابد من الالتفات إلى أنه بعدما حقق في الأصول أن المرجحات الركون إليها يكون وفق الترتيب المستفاد مما دل عليها، فما هو أول المرجحات، فهل هو موافقة الكتاب العزيز(زاد الله عزة وشرفاً) كما هو المختار تبعاً لبعض الأعاظم(ره) وشيخنا التبريزي(أطال الله بقاه)، أم أنه مخالفة العامة كما عليه بعض أعلام العصر(دامت أيام بركاته).

وعلى أي حال، فربما يخـتلف الحال من حيث النـتيجة، لو كان أول المرجحات هو مخالفة العامة عما لو كان موافقة الكتاب، فلاحظ.

وعلى أي حال، بعد استقرار المعارضة، قد عرفت أنه لابد من اللجوء لأول المرجحات، وقد قرر في الأصول أن أولها موافقة الكتاب العزيز، ولا ريب أن الموافق للكتاب العزيز هو موثق الساباطي، لأن الوارد في القرآن الكريم مما يفيد المفطرية ويثبت المانعية ينحصر في خصوص ثلاث، وهي الأكل والشرب والنساء، قال تعالى:- (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون عفي المساجد)[32].

هذا وقد أعرض بعض الأعاظم(قده) عن التعرض للترجيح بالعام الكتابي، ولعل السر في ذلك يعود لما ذكره في حاشية أجود التقريرات في بحث العام والخاص، من أن الآيات الشريفة في القرآن الكريم ليست في مقام بيان الأحكام الشرعية، وإنما هي في مقام بيان التشريع والجعل ليس إلا، وبالتالي لا يمكن الركون والاستناد إليها في مقام الاستدلال.

وهذا الوجه وإن كان ممكناً في نفسه، وإن لزم منه رفع اليد عن آيات الأحكام، إلا أنه لا يعدُّ نقضاً عليه(قده) بل النقض عليه، أنه في غير مورد في من بحوثه الفقهية قد استند في مقام الاستدلال وإثبات الحكم الشرعي إلى الآيات الشريفة، بل ربما كان مستنده في بعض الموارد خصوص الآية الشريفة لإثبات المدعى، ونماذج ذلك كثيرة يجدها المتـتبع في طيات بحوثه الفقهية.

والحاصل، لا مانع من الترجيح بالموافقة للكتاب الشريف، وقد عرفت أن مقتضاه البناء على عدم المانعية والمفطرية.

هذا وقد تصدى بعض الأعاظم (ره) للجواب عن الموثقة بجوابين طوليـين:

الأول: إن نصوص المانعية مستفيضة مشهورة بحيث يعلم أو يطمأن بصدورها عنه (ع) ولو إجمالاً بينما هذه رواية شاذة لا يعول عليها فلا تصلح لمقاومة تلك النصوص فتسقط عن الاعتبار.

الثاني: مع التنـزل عما ذكر والقول باعتبار الموثقة فإن التعارض مستقر فلا محيص عن الترجيح وهو مع أدلة المانعية لأن الموثقة موافقة للعامة لقول الحنابلة بالكراهة فتحمل على التقية وتطرح لأن الرشد في خلافهم[33].

ويلاحظ عليه في جوابه الأول: أن طرح الشاذ وترجيح المشهور مستنده مقبولة عمر بن حنظلة وهو (قده) لا يرى حجيتها فكيف يركن إليها خصوصاً مع أنه لم يرد مضمونها في شيء من النصوص هذا أولاً.

ثانياً: قد عرفت في عرض الأقوال أن العمل بمضمونها كان معروفاً بين الأصحاب ولم يكن مهجوراً ليقال بشذوذها فتأمل.

نعم المحقق في محله كما هو مختاره أيضاً أن الشهرة الروائية من مميزات الحجة فلعل نظره إلى ذلك والظاهر أن أخبار المنع أشهر لكن المقام ليس من صغريات التمييز لما عرفت من الجمع العرفي المتقدم.

ويلاحظ على جوابه الثاني أولاً: إن الموثقة موافقة للكتاب وهو أول المرجحات كما أفاد فتقدم على أخبار المنع.

ودعواه (قده) أن الكتاب لا شاهد فيه لإحدى الطائفتين عهدتها عليه حيث أن الموثق في عدم يوافق الكتاب في عدم مفطرية الإرتماس.

ثانياً: بعد التسليم بدعواه المزبورة و وصول المقام للترجيح بمخالفة العامة فإن هذا الترجيح مناط بكون الموثقة موافقة لجميع مذاهب العامة بحيث لا توجد مندوحة للتخلص عن الحمل عليها. أما مع موافقتها لبعضهم دون البعض فلا مقتضي لحملها على التقية ترجيحاً بمخالفتهم.

ثالثاً: إن من الغريب جداً دعواه اتقاء الإمام الصادق (ع) ممن لم يولد وهو أحمد بن حنبل.

نعم لو كان مختاره موافقاً لمختار صاحب الحدائق (ره) من أن الموافقة للعامة أمر تعبدي وليس أمراً عقلائياً كان ما أفاده له وجه مع أنه لا يلتزم بذلك.

بقي أن نشير في الختام إلى أنه قد ورد في بعض الكلمات الإشارة إلى أنه تم الإعراض عن موثق الساباطي من قبل المشهور، وقد عرفت غير مرة أن الإعراض إن لم يكن كاسراً، فلا ريب في أنه يكشف عن وجود خلل في السند على أقل التقادير.

هذا وقد ذكرنا في الفوائد الرجالية تمامية الكبرى، لكن لا يخفى عدم صلوح المقام صغرى لها، لما عرفته أثناء عرض الأقوال الموجودة في المسألة، فلا حاجة للإعادة.

فتحصل أن الأقوى هو القول الرابع أعني عدم مانعية الإرتماس لكنه مكروه كراهة شديدة.

فروع:

ثم إنه بناءاً على القول بالمفطرية، فقد تعرض الأصحاب(رض) إلى جملة من الفروع نشير لبعض منها:

الأول: تختص مانعية الارتماس، وأنه يوجب المفطرية بما إذا كان ذلك في الماء المطلق، أما لو كان ذلك في الماء المضاف، فلا يحكم بالمفطرية فيه، فضلاً عما لو كان ذلك في مطلق المائع.

أقول: في المسألة أقوال ثلاثة:

الأول: ما أختاره المشهور وهو اختصاص المانعية في الإرتماس بالرمس في الماء فلا يعم المضاف ولا المائعات الأخرى.

الثاني: مختار كاشف الغطاء وتبعه جماعة أيضاً بشمول المانعية للماء المضاف كالماء المطلق.

الثالث: ما أختاره الشهيد الثاني في المسالك من شموله لكل مائع.

استدل للثالث بما ورد عن بعض الفقهاء واللغويين من صدق الإرتماس على الغمس في كل مائع.

وبقوله في صحيح الحلبي: الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه[34].

ويمنع الأول: بأن ما ذكر وإن صح في نفسه لكنه يلجأ له مالم يحدد الموضوع في الدليل وهو قد حدد فيه بالغمس في الماء الذي يستفاد منه عند الإطلاق الماء المطلق.

ويجاب عن الثاني بأن العطف لا ظهور فيه في المغايرة بل ظهوره في الإتحاد أوضح بمقتضى أنه قد إستنقع في الماء وأبان “ع” الجواز ومنع عن الرمس في الماء المذكور بداية وهذا الحذف من الأمور الشائعة.

وقرب مدعى كاشف الغطاء وتلميذه صاحب الجواهر وجماعة بأن دخالة وصف الإطلاق في مثل هذا الحكم غير معقولة. كما أن لفظ الماء كما يشمل المطلق يشمل المضاف وقد عرفت منع الثاني بما تقدم من أن لفظ الماء عند اطلاقه يراد منه الماء المطلق. والأول لا يعدو كونه وجهاً استحسانياً.

نعم يقرب هذا الوجه بأن يقال: إن ذكر الماء المراد منه المطلق وإن ورد في النصوص إلا أنه ليس بنحو القيد الإحترازي عن غيره وإنما هو من باب الفرد الغالب.

وهذا التقريب وإن كان قوياً لكان رفع اليد عن الخصوصية مع عدم وضوح قرينة مانع عن الجزم بذلك.

فالأظهر هو ما أفاده في المتن من الاختصاص بالماء المطلق وإن كان للاحتياط بالاجتناب عن المضاف بل مطلق المائع حسنه.

الثاني: إذا ارتمس الصائم في نهار الصوم قاصداً الاغتسال، فيفرق بين الواجب المعين وبين الواجب الموسع والمستحب، إذ يحكم في الأول بفساد الصوم والغسل، ويحكم بفساد الصوم وصحة الغسل في الأخيرين.

أما الصوم فلتحقق المفطر وهو الإرتماس عمداً. وأما الغسل فللنهي عنه والنهي في العبادة مفسد لها.

وقد يقال بصحة غسله لأنه بمجرد أن نوى الإرتماس بطل صومه لإتيانه بنية القاطع كما عرفت فلا يكون الارتماس منهياً عنه لإنتفاء عنوان الصوم الداعي للنهي فلا موجب للبطلان.

وهذا الوجه صحيح لكنه لا يصلح لشهر رمضان لأن الصائم متى ما أفطر وجب عليه الإمساك بقية النهار فيكون إرتماسه حينئذٍ منهياً عنه.

ولا يذهب أن المسألة لا ترجع إلى مسألة الضد.

الثالث: إذا توقف الغسل على الارتماس في نهار الصوم، وجب عليه حينئذٍ الانتقال إلى التيمم، إذا كان الصوم واجباً معيناً، أما لو كان واجبا موسعاً أو مستحباً، فوظيفته الغسل حينئذٍ.

وذلك لأن المقام من صغريات التزاحم بين الواجبين التي لأحدهما البدل فيقدم مالا بدل له على ماله البدل لأن مالا بدل له أهم فالصوم الواجب المعين لا بدل له بخلاف الغسل إذ بدله التيمم فيتعين الإتيان بالتيمم. والسر في ذلك يعود إلى أنه بتقديم مالا بدل له يحرز الواجبان أحدهما بنفسه والآخر ببدله. فلا يرخص العقل للعبد في ترك مالا بدل له لإحراز ماله البدل لأن فيه تفويت لمصلحته من غير تدارك بخلاف تقديم مالا بدل له حيث أن فيه إحراز لمصلحته نفسه وإحراز مصلحة ماله البدل ببدله.

وأما في الواجب الموسع فيقدم الغسل أيضاً لأن الأمر بالتيمم وبدليته عن الغسل في ظرف العجز عن الغسل عجزاً تكوينياً أو تشريعياً ومع الترخيص في إبطال الصوم في الواجب الموسع لا يكون عاجزاً عن إتيان الغسل لا عقلاً ولا شرعاً.

وقد يقال بأنه لو لم يقل بمفطرية الإرتماس بل قيل بتحريمه فعندها ينتقل إلى التيمم أيضاً لأن اطلاقات أدلة حرمة الإرتماس تشمل الواجب المعين وغيره فيحرم عليه الإرتماس وينتقل إلى التيمم.

وفيه: إن هذا يصح فيما إذا لم يجز له إبطال الصوم وإلا فلا مسوغ له للإنتقال للتيمم كما ذكرنا.

——————————————————————————–

[1] المقنعة ص 344.الإنتصار ص 62.النهاية ص 154. المهذب ج 1 ص 192.

[2] الإستبصار ج 2 ص 85 ح 263.المعتبر ج 2 ص 656.المختلف ج 3 ص 401.المنتهى ج 2 ص 565.مدارك الأحكام ج 6 ص 480.

[3] التذكرة ج 6 ص 33.السرائر ج 1 ص 375.مختاف الشيعة ج 3 ص 400.

[4] سورة البقرة الآية رقم 187.

[5] الوسائل ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 8.

[6] رجال النجاشي ص 144 رقم 375.

[7] معجم رجال الحديث ج 5 ص 232.

[8] قاموس الرجال ج 3 ص 164- 166.

[9] قاموس الرجال ج 3 ص 167.

[10] تهذيب المقال ج 5 ص 280-281.

[11] وسائل الشيعة ب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1.

[12] المصدر السابق ح 6.

[13] المصدر السابق ح 7.

[14] المصدر السابق ب 1 ح 1.

[15] المصدر السابق ب 2 ح 6.

[16] المصدر السابق ب 3 ح 9.

[17] المصدر السابق ب 6 ح 1.

[18] مستند العروة ج 1 ص 162 كتاب الصوم-طبع جديد-

[19] مستند العروة ج 1 من كتاب الصوم ص –طبع جديد 162-.

[20] مستند العروة ج 1 من كتاب الصوم ص 163-طبع جديد-

[21] مستند العروة ج 1 من كتاب الصوم ص 163-طبع جديد-

[22] مصباح المنهاج –كتاب الصوم-ص 69.

[23] مصباح الهدى ج 8 ص 38.

[24] مدارك العروة ج 20 ص 190.

[25] وسائل الشيعة ب 26 من أبواب الجنابة ح 5.

[26] لسان العرب ج 5 ص 314 مادة رمس.

[27] معجم مقايـيس اللغة ص 422.

[28] القاموس المحيط ج 1 ص 754.

[29] المصدر السابق ص 769.

[30] مهذب الأحكام ج 10 ص 76.

[31] دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي ج 1 ص 308.

[32] سورة البقرة الآية رقم 187.

[33] المصدر السابق ص 156.

[34] الوسائل ب3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 7.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة