لا يعتبر استيلاد المرأة وإنجابها الوَلَد مع الإمكان حقاً واجباً عليها تجاه زوجها بمقتضى عقد الزواج،بل إن الإنجاب -في الجملة-واجب على المرأة كشرط ضمني ملحوظ عند تعاقد الزوجين،بحيث لو لم يشترطه الزوج صريحاً قبل التعاقد أو أثناءه كفى في لزومه ذلك التباني الضمني عليه،إلا أن تصرح المرأة باشتراط عدم الإنجاب،ويقبله الزوج.
نعم لا يقتضي ذلك الشرط الضمني لزوم استمرار الزوجة في الإنجاب على ما يوافق رغبة الزوج،بل إن لها الحق في أن تحدد المرات التي تنجب فيها بما يوافق رغبتها لا رغبة زوجها،إلا أن يشترط أحدهما على الآخر عدداً معيناً ويقبله الآخر،فيلزم به حينئذٍ.
هذا إذا كان الزوج راغباً في الإنجاب،أما إذا كان غير راغب فيه فليس لها إلزامه إن كانت هي الراغبة،كما أنه لا يحق له منعها من الحمل إن رغبت فيه،ولا يحق له أن يلزمها باستخدام موانع الحمل.
التعقيم الدائم:
قال بعض الفقهاء بأنه لا يجوز للرجل ولا للمرأة أن يفعل في نفسه ما يستلزم التعطيل الدائم للقدرة على الإنجاب ولو بعد ما أنجب ولداً أو أكثر،فضلاً عما لو فعله ابتداءاً قبل أن يولد له[1].
وعليه فإنه لا يجوز لأحد الزوجين أو لكليهما ولو مع التراضي،أن يجري ما يصطلح عليه طبياً بـ(قطع الأنابيب،أو ربطها)بالنسبة للرجل،أو(استـئصال الرحم أو المبيض)بالنسبة للمرأة،أو غير ذلك مما له علاقة بالتناسل،إذا أدى فقده إلى فقد القدرة على الإنجاب،نعم لا مانع منه عند الاضطرار وبالنحو الذي يتوافق مع الضرورة.
وقال آخرون بجواز ذلك،لأن حفظ إمكانية الإستيلاد ليس من الواجبات في الشريعة الإسلامية كما أنه ليس من حقوق الزوجية[2].
استخدام موانع الحمل:
وهذا الاختلاف من علمائنا في عملية التعقيم الدائم،لا يعني وجود خلاف بينهم في عملية تنظيم النسل أو تحديد عملية الإنجاب،بل إنهم يقولون بأن استعمال وسائل المنع الأخرى التي لا تستلزم إجهاض الجنين بعد انعقاد نطفته واستقراره في الرحم،أمر جائز في ذاته من أجل تحديد نسل الأفراد،أو الأمة إذا اقتضت الضرورة العامة ذلك مما يُرجع في تفصيله إلى نظر الحاكم الشرعي وأهل الخبرة،شرط أن لا يكون فيها ضرر يجب تجنبه.
وسائل منع الحمل:
بعدما عرفنا جواز تحديد النسل وتنظيمه من خلال استخدام ما يمنع عن حصول الحمل وانعقاد النطفة،فلنـتعرف على الوسائل المؤدية إلى ذلك،فنقول:
إن الوسائل المستخدم لمنع حصول الحمل على ثلاثة أقسام:
الأول:الوسائل التي يكون استخدامها مخالفاً للشرع قطعاً بعنوانه الأولي كالإجهاض وترك الزواج والإقبال على المحرمات والميل إلى الجنس المماثل.
الثاني:الوسائل التي لا يكون في استخدامها أي حرمة لا بالذات ولا بالعرض.
الثالث:الوسائل التي يجوز استخدماها ذاتاً،إلا أنه قد تقع في وقت استخدامها بعض الأمور المحرمة تصاحب استخدامها.
ونحن نقتصر على بيان خصوص القسمين الثاني والثالث،لوضوح القسم الأول،فضلاً عن كونه خارجاً عن محل حديثنا.
الوسائل التي ليست محرمة ذاتاً ولا عرضاً:
وهي الوسائل التي لا يحرم استخدامها بنظر الشرع،كما أنه لا يصاحب استخدامها وقوع المستخدم لها في الحرام مثل:
1-استخدام أقراص منع الحمل،شرط أن لا يكون في استخدامها ضرر خاص معتد به على الزوجة.
2-العزل عن الزوجة،بمعنى إفراغ المني خارج القبل حين الجماع.
ولا يفرق في جواز العزل بين الزوجة الدائمة والمنقطعة،نعم يكره ذلك في الزوجة الدائمة،إلا إذا حصل رضى منها،أو كان الزوج قد اشترط عليها ذلك في أثناء العقد.
وقد عرفنا فيما مضى أنه ليس للزوجة منع الزوج عن الإفراغ في قبلها.
3-استخدام الكيس الواقي عن وقوع المادة في الرحم.
4-شرب الزوج دواء يقضي على إمكانية الإخصاب في المني.
5-استخدام الجداول الزمانية التي تبين زمان انعقاد النطفة في أوقات خاصة.
الوسائل التي يصاحب استخدامها المحرم:
وهذه الأمور جائزة كما قدمنا من الناحية الشرعية،لكن استخدامها غالباً يصاحبه وقوع المستخدم لها في المحرم،ومن هذه الأمور:
1-نصب آلة في رحم المرأة،وهو ما يعبر عنه باللولب-بناءاً على أن اللولب لا يقتل النطفة بعد انعقادها،وإنما هو يمنع عن الانعقاد-فإن هذا العمل في نفسه جائز ومشروع.
نعم يحتاج استخدامه إلى من يقوم بوضعه في محله المقرر،وهذا يستدعي كشف العورة،وقد عرفنا فيما مضى أنه محرم،إلا إذا كان ذلك في حال الضرورة بتفصيل سبق.
أما لو كان المجري لعملية التركيب هو خصوصا لزوجة،فإنه لا إشكال في ذلك.
2-عملية التعقيم المؤقت،فإنها جائزة كما قدمنا،لكنه يواجهنا الإشكال الذي ذكرناه في عملية وضع الآلة في الرحم.
3-عملية التعقيم الدائم،كما هو رأي بعض الفقهاء،ويأتي نفس الإشكال السابق هنا أيضاً.
علاج العقم:
إذا كان أحد الزوجين عقيماً،ولم يكن ذلك العقم مما ينبغي علاجه لدواعٍ صحية أخرى،بغض النظر عن مانعيته من الإنجاب،لم يجز للرجل ارتكاب ما يحرم عليه فعله من أجل التداوي للإنجاب،كالاستمناء بغير يد الزوجة،وكشف العورة على من يجب عليه سترها عنه،وغير ذلك.
وكذا لا يجوز للمرأة أيضاً كشف عورتها أمام من يجب عليها سترها عنه،رجلاً كان أم امرأة،إلا عند الضرورة،كأن يكون في تركها للعلاج الذي يرجى معه الإنجاب تهديد لمستقبل حياتها الزوجية بالطلاق ونحوه،ويكون في ذلك حرج شديد عليها،فيجوز لها حينئذٍ بمقدار الضرورة،على أن تقدم الكشف عند المرأة الطبيبة،وعند الانحصار تكشف عند الطبيب الرجل.
حق الطفل في الحياة:
إذا انعقدت نطفة الجنين واستقرت في الرحم لم يجز إسقاطه من الرحم،سواء انعقدت نطفته من نكاح أو من سفاح،وساء علم أنه خَلْقٌ سوي أو مشوه أو لم يُعلم،وسواء كان قد ولجته الروح أو لم تلجه،وسواء في ذلك ما لو كان الذي أسقطه أمه أو غيرها،وبطلب من أحد والديه أو كليهما أو من دونه،لكافر كان الجنين أو لمسلم،وفي بلد تسمح قوانينه بالإجهاض أو لا تسمح.
استثناء:
نعم هناك موردان يستثنيان من الحرمة:
الأول:أن يكون في بقاء الجنين هلاك الأم أو ضرر شديد يشبه الهلاك،كالشلل أو الجنون أو العمى أو نحوها من الأمراض الخطيرة،فيجوز لها حينئذٍ إسقاطه وحفظ نفسها،بل يجب عليها ذلك.
ومن ذلك ما لو خافت المرأة على نفسها القتل بسبب بعض العادات المستحكمة في مجتمعها،وتوقف دفع القتل على إسقاطه،ويختص الجواز هنا بخصوص ما إذا لم تلج الجنين الروح،أما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز إسقاطه مطلقاً.
الثاني:أن يكون في بقاء الجنين حرج شديد على المرأة بسبب العار الذي سوف يلحقها،ويكون على درجة من الشدة أنه يربك حياتها ويهدد استقرارها بنحو بالغ،لكن لا يجوز إسقاطه في هذه الحالة إلا قبل ولوج الروح فيه،فإن ولجته الروح حرم إسقاطه رغم ذلك ما دامت لا تخشى القتل.
أما لو أصاب الرجلَ حرج بسبب حمل ذلك الجنين،كما لو كان من زوجة متمتع بها،ويحرجه انكشاف أمره أمام أهله أو زوجته،فإن مثل هذا الحرج لا يبرر إسقاط الجنين،ولو كان ما يزال علقة.
وظيفة الطبيب:
ثم إنه في كل مورد جاز فيه للمكلف إسقاط الجنين،فإنه يجوز للطبيب القيام بذلك وارتكابه ما دام واثقاً بكون المكلف معذوراً فيه،لكن إقدامه على فعل هذا العمل لا يعفيه عن دفع الدية،إلا أن يشترط على طالب الإجهاض تحملها عنه.
هذا ومتى تسبب شخص بإسقاط الجنين،إما بالمباشرة،بأن فعلت الأم بنفسها أو فعل غيرها بها ما يوجب إسقاط الجنين، بمثل ضربها على بطنها أو دفعها بقوة لتقع ويسقط جنينها أو بوضع دواء في فمها أو بإدخال آلة فيها أو غير ذلك من الأسباب الموجبة للإجهاض،وإما بالقيام بما ينـتج عنه الإجهاض مما يعد كالمباشرة،وذلك كأن يحفر لها حفرة لتسقط فيها،أو يزين لها شرب دواء موجب للإجهاض دون أن تعلم بأثره ذلك،أو نحو ذلك مما يكون السبب فيه أقوى من المباشر،وجب عليه دفع دية الجنين،سواء كان تسببه في موته عن عمدٍ والتفات أو بدون تعمدٍ ولا التفات،كالذي يحدث في حالة النوم أو الخطأ،وسواء كان من أحد الأبوين أو من أجنبي،وسواء في ذلك الطبيب الذي يطلب منه الأبوان ذلك أو غيره،وسواء في ذلك ما لو كانت الأم معذورة في إسقاطه أو غير معذورة.
نعم إذا كانت الأم معذورة واشترط عليها الطبيب تحمل الدية عنه سقطت عنه.
دية الجنين:
تختلف دية الجنين باختلاف الطور الذي يكون فيه من حالاته في الرحم،وتوضيح ذلك:
إذا كان الحمل (نطفة)فأسقط،فديته عشرون ديناراً ذهبياً،وإن كان(علقة)فديته أربعون ديناراً،وإن كان(مضغة)فديته ستون ديناراً،وإن كان قد نشأ عظم فثمانون ديناراً،وإن كسي لحماً فمئة دينار،وإن ولجته الروح فديته ألف دينار إن كان ذكراً،وخمسمائة دينار إن كان أنثى.
أما الفترة التي يكون فيها نطفة فهي أربعون يوماً منذ انعقاده،ثم يكون علقة أربعين يوماً،ثم يكون مضغة أربعين يوماً.
أما مقدار الدينار الشرعي فهو ما يساوي نصف ليرة عثمانية ذهباً رشادياً،فينظر قيمتها حين دفع الدية بعملة بلده إن رغب في دفعها منها ويدفعها.
مستحق الدية:
وتدفع الدية لورثة الجنين،وهم أبواه بالدرجة الأولى مع حياتهما وإمكان توريثهما،فإن كان الجاني في إسقاطه هو أحدهما،وكان غير معذور ولا مخطئاً،انفرد الآخر بجميع الدية،وإن كانت أمه هي الجانية،وكان أبوه ميتاً ورثه سائر أقربائه على حسب طبقات الميراث.
هذا ويجوز لمن له الدية أن يسامح الجاني بها،فتسقط عنه حينئذٍ،فإن كان غير معذور كان عاصياً لله تعالى،وتلزمه التوبة والاستغفار عسى الله أن يغفر له ويتوب عليه.
——————————————————————————–
[1] هذا هو رأي السيد الخوئي والشيخ التبريزي.
[2] هذا هو رأي السيد السيستاني.