ونريد به بيان ما يترتب على كل منهما في صورة عجز الآخر أو تمرده عن الوفاء بحقه،وتفصيل ذلك في فرعين:
الأول:في نشوز الزوج:
يجب على الرجل الوفاء للمرأة بحقها في الاستمتاع بالنحو الذي سبق منا بيانه،فإن تمرد عليها فمنعها حقها مع قدرته على الوفاء،تهاوناً بحقها أو نكاية فيها،أثم وعصى،وجاز للزوجة أن تسلك في علاج نشوزه عدة طرق:
الأول:أن تسلك سبيل الأخلاق الفاضلة المناسبة لحالها،من الصبر والحلم والمداراة والتودد ونحوها،وذلك في إطار حرصها على معرفة الأسباب وإزالتها بالحكمة وروح المحافظة على استمرار الحياة الزوجية وإنجاح تجربتها.
الثاني:لما كان نشوز الزوج معصية،فإنه يجب على الزوجة أن تنهى زوجها عن المنكر وتأمره بالمعروف من خلال أحكامهما المناسبة لحالها،ومن خلال تقديرها لمدى تأثره بالأسلوب الناجع الذي يخدم هدفها.
الثالث:أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي وتشكوه له،وعلى الحاكم أن يستدعيه ويأمره بإنصافها وأداء حقها،فإن لم يرتدع فليس للحاكم تعزيره بالضرب أو الحبس ليجبره على إنصافها،بل تـتخير الزوجة حينئذٍ بين الصبر عليه وبين طلب الطلاق،فإن طلبت الطلاق فطلقها كان خيراً،وإن لم يطلقها،وطلبت من الحاكم الطلاق،أمره الحاكم بالطلاق،فإن استجاب له كان خيراً وإلا طلقها الحاكم الشرعي،وحيث يطلقها الزوج أو الحاكم بطلب منها،فإنه لا يسقط مالها من المهر عنده.
حرمة أخذ البذل:
هذا ولو ترك الزوج بعض حقوق زوجته الواجبة عليه كما في مقامنا هذا،أو آذاها بالشتم أو الضرب أو غير ذلك،فبذلت له مالاً ليقوم بما ترك من حقها،أو ليمسك عن أذيتها أو ليطلقها فتَخْلَص من يده،حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها إلى بذل المال،بل إن لها في صورة ما لو آذاها بالشتم أو الضرب أن تشكوه إلى الحاكم الشرعي ليأمره بحسن المعاشرة،فإن لم يرتدع عزره بما يراه من حبس أو ضرب أو نحوهما.
تخيـير الزوجة:
ثم إنه إذا كان الزوج معذوراً في ترك حق الاستمتاع،فإن كان لعيبٍ من العيوب التي توجب الفسخ جاز لها مع عدم صبرها عليه أن تفسخ زواجها به.
أما إذا كان منشأ تركه لذلك عيـباً لا يوجب الفسخ،أو لمرض مزمن أو شبهه،أو لسفر أو حبس يطول أمدهما،ولم يمكنها الصبر عليه لخوفها على نفسها من الوقوع في الحرام،جاز لها طلب الطلاق حتى لو حصلت على نفقتها،فإن استجاب لها كان خيراً،وإلا أمره الحاكم بالطلاق،فإن لم يمتـثل طلقها الحاكم الشرعي،فيقع طلاق الحاكم بائناً أو رجعياً بما يناسب مورده.
موجبات خيار الفسخ:
هذا وعيوب الزوج التي يثبت بها خيار الفسخ للزوجة كثيرة نذكر منها ما يلي:
1-الجنون :
سواء كان إدوارياً أم كان إطباقياً،ويمكننا تحديده بحسب الظاهر العرفي،بأنه انفصال الإنسان عن الواقع،بخروجه عن المألوف الفردي والاجتماعي النابعين من الشريعة والعرف.
بل قد يصل في درجته العليا إلى حد فقدان التوجه الغريزي وغياب الواقع المادي تماماً عنه،فتراه يشتم ويتعرى ويأكل ويشرب ويلبس وينام ويوقع نفسه في المهالك دون وعي منه لعواقب ما يفعل ولا تقدير لشريعة ولا آداب.
وبالجملة متى حصل تفاوت في مراتب الجنون فإن المقياس الذي يعول عليه في تحققه في الخارج هو هذا المقياس الذي ذكرناه.
نعم لا يخفى أن هذا التعريف الذي ذكرناه في تحديد حقيقة الجنون قد لا ينسجم مع التعريف العلمي له،لكنه لا يعتد بالتعريف العلمي،فلا يعتمد على ما قد يطلق عليه هذا العنوان،من دون أن يتحقق من الشخص هذا الانفصال عن الواقع بدرجة واضحة.
هذا ولا يشمل الجنون ما لا يوجب اختلال العقل من الأمراض النفسية،كما لا يشمل أمراض الدماغ والجهاز العصبي،من قبيل مرض الصرع ونحوه.
2-الجب:
وهو قطع العضو الذكري قطعاً تاماً أو شبه تام بحيث لم يـبق منه ما يمكن الجماع به.
ولا يخـتص ثبوت الخيار للزوجة في هذه الحالة بما إذا كان الزوج مجبوباً قبل الزواج،بل لو حصل له الجب بعد الزواج،يثبت لها خيار الفسخ.
3-العنـن:
وهو المرض المانع من انتصاب العضو الذكري بحيث لا يقدر معه على الإيلاج.
ويختص خيار الفسخ للزوجة هنا،بما إذا كان ذلك موجوداً قبل العقد،أما لو تجدد هذا الأمر بعد العقد فليس لها خيار الفسخ.
4-الخصاء والوجاء:
وهما حدثان يعرضان على الخصيتين ويسببان العقم والعنـن،ويثبت بها حق الخيار للزوجة.
5-الجذام والبرص والعمى.
ولا يـبعد ثبوت حق الخيار للزوجة أيضاً بحدوث كل مرض معدٍ كالإيدز،وما شابه،وإن كان الأحوط أن يضم إلى الفسخ إجراء الطلاق.
وسيأتي إن شاء الله التعرض لهذه العيوب بشكل مفصل عند الحديث عن موجبات الفسخ.
الثاني:نشوز الزوجة:
يجب على الزوجة القيام بحق زوجها في الإستمتاع بالنحو الذي سبق منا بيانه،فإن منعته حقه عامدة متمردة،أثمت وعصت وكان للزوج أن يعالج نشوزها بعدة طرق:
الأول:أن يسلك طريق الأخلاق الفاضلة،فيتحلى بالصبر والأناة ويعالج تمردها بالحكمة والمداراة،ويُوثّق فيما بينه وبينها ما وهن من أسباب المودة.
الثاني:أن يعظها فيخوفها المعصية ويحذرها العقاب ويأمرها بتقوى الله تعالى،وينبغي له أن يكرر ذلك وينوع أساليـبه،بل ويستعين بغيره من أهل المعرفة والعلم ممن يمكنه التأثير فيها،فيصبر عليها في ذلك حتى يـيأس من تأثرها.
الثالث:أن يهجرها فيدع مضاجعتها،بأن ينام في غرفة غير غرفتها،أو ينام في غرفتها لكنه يدير ظهره فلا يعبأ بها.
ورغم أن مضاجعة الزوجة غير واجبة دائماً كما عرفنا ذلك فيما تقدم،إلا أن الهجران على كل حال وسيلة ضغطٍ نفسي مهمة لردع المتمرد،ومقدمة لإعادة اللحمة وتوثيق عرى المودة،وحيث تكون المضاجعة واجبة فإن هجران الناشزة لا يجوز إلا بعد اليأس من ارتداعها بالموعظة،وإلا جاز اللجوء إليه قبل الموعظة.
الرابع:أن يضربها،وهو خيار غير لازم،فإن شاء لجأ إليه وإن شاء تركه،وإذا رغب في اللجوء إليه،فعليه أن يراعي التالي:
أولاً:أن يكون بعد الموعظة والهجران بحيث يظهر له إصرارها على التمرد وفقدانها لكل عذر،وبخاصة مع حسن أخلاق الزوج وقيامه بحقوقها كافة.
ثانياً:أن يأمل تأثرها بذلك ورجوعها إلى الطاعة وترك النشوز،فلو علم من حالها أنها لا تـتأثر بذلك البتة لم يجز له ضربها.
ثالثاً:أن يكون ضربها بقصد إصلاحها وحرصاً على مودتها لا بقصد التشفي والانتقام.
رابعاً:أن يقتصر على أقل مقدار يحتمل معه التأثير،وحَدّه الأعلى أن يكون غير موجب لاحمرار الجلد واسوداده،وفي داخل هذا الحد يجب الترتب في مراتب الشدة،فلا يجوز اللجوء إلى الأشد مع حصول الغرض بالأقل منه،فإن أخذه بالغضب فزاد عن ذلك الحد المسموح به،فضربها فاحمر جلدها أو اسود أو أدماها كان ذلك منه جناية يأثم عليها ويضمن لها ديتها بالنحو المقرر في كتاب الديات.
الخامس:أن يمنعها من النفقة بعد سقوط حقها فيها بالنشوز،على ما ذكرناه في مبحث النفقة،فإن شاء الزوج أنفق عليها وإن شاء منع عنها النفقة.
ولا يخفى أن منع النفقة لم يذكر ضمن طرق الردع بالنسبة للزوجة الناشز،لكنه يتضمن قوة ردع فاعلة،لا سيما حيث تعتمد الزوجة في عيشها على نفقة الزوج،فلا يمكنها غالباً الاستمرار في نشوزها فترة طويلة خصوصاً إذا لم يكن هدفها من نشوزها هو إلجاء الزوج إلى طلاقها والخروج من حياته.
خاتمة في الإيلاء:
ولنختم الحديث في حق الاستمتاع بالنسبة للزوجين بمسألة الإيلاء،وقد دأب الفقهاء على ذكره في باب مستقل،لكنه لما كان مرتبطاً بحق الاستمتاع فضلنا جعله خاتمة لهذا الحق.
تعريفه:
عرف الإيلاء في الشرع بأنه:أن يحلف الرجل على ترك مجامعة زوجته الدائمة المدخول بها مدة تزيد عن أربعة أشهر أو دائماً بهدف الإضرار بها.
عناصر الإيلاء:
هذا ولابد لكي يصدق الإيلاء من أن تـتوفر العناصر التالية:
الأول:أن تكون الزوجة دائمة،فلا يتحقق الإيلاء في الزوجة المتمتع بها.
الثاني:أن تكون مدخولاً بها ولو دبراً،فلا إيلاء في غير المدخول بها.
الثالث:أن يكون المحلوف عليه ترك جماعها في الفرج،فلا يتحقق في الحلف على ترك جماعها دبراً.
الرابع:أن تكون مدة الترك:إما مؤقتة بأربعة أشهر فصاعداً،أو كانت بحيث قد نص على كونه دائماً،أو حلف فأطلق كلامه من حيث المدة،فلم يذكرها،فإن حلف على ترك وطئها مدة هي أقل من أربعة أشهر لم يكن إيلاءاً بالمعنى المصطلح،حتى لو كانت تـتضرر بترك جماعها في تلك المدة.
الخامس:أن يكون هدفه من الحلف الإضرار بها،فلو كان حلفه لا بهذا الغرض،بل إما لغرض نافع لهما أو لأحدهما،أو بدون غرض البتة،لم يكن إيلاءاً بالمعنى المصطلح.
ومتى فقد الإيلاء أحد هذه العناصر التي ذكرناها لم يكن إيلاءاً بالمعنى المصطلح،فلا يترتب عليه الأحكام التي تذكر له.