حقوق الأخوة

لا تعليق
من القلب إلى القلب
121
0

عن حبيب الخثعمي قال:سمعت أبا عبد الله(ع)يقول:عليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم مساجدكم وأحبوا الناس ما تحبون لأنفسكم،أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره.

أقول:لا زال حديثنا مستمراً حول الحديث الثالث من أحاديث كتاب العشرة الوارد في كتاب الكافي لشيخنا الكليني(ره)وقد تقدم منا الحديث حول الورع والاجتهاد.

وكنا قد تحدثنا سابقاً حول عيادة المريض،وسيأتي منا الحديث حول تشييع الجنائز.

حب لأخيك ما تحب لنفسك:

هذا ويقع حديثنا الآن حول أحد الحقوق التي تعرضها الحديث الشريف،وهو أن يحب الإنسان لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه.

ولا ريب في أن ذلك هو مقتضى الإنصاف التابع للاستقامة في القوة الشهوية والعقلية والغضبية.

وكأن معنى أن تحب له ما تحب لنفسك،يعني أنه يحصل بينهما نوع تصافٍ وتجردٍ عن عالم المادة،بحيث أنه يرى وجود اتحاد بينه وبين صاحبه فكأنه نفسيهما نفس واحدة،فلا يوجد بينهما تعدد،وذلك لأنه لما صار بينهما تحاب في الله،وقد تجردا عن جميع الوساوس الشيطانية،فصار كل منهما لا يرى إلا رضى الله تعالى، صار كل منهما يحب للآخر ما يحب لنفسه.

حق المؤمن على أخيه:

ثم إن هناك مجموعة من الحقوق للأخ على أخيه،قد تعرضت لها النصوص الواردة عن أهل البيت(ع)وحثت على الاهتمام بها ومراعاتها:

فعن أبي عبد الله الصادق(ع):للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة له من الله عز وجل،والله سائله عما صنع فيها:الإجلال له في عينه،والود له في صدره،والمواساة له في ماله،وأن يحب له ما يحب لنفسه،وأن يحرم غيبته،وأن يعوده في مرضه،ويشيع جنازته ولا يقول فيه بعد موته إلا خيراً.

وعن رسول الله(ص):حق المسلم على المسلم ست:إذا لقيته فسلم عليه،وإذا دعاك فأجبه،وإذا استنصحك فانصح له،وإذا عطس فحمد الله فسمته،وإذا مرض فعده،وإذا مات فاتبعه.

أقول:قد يتصور أحد وجود تهافت،أو تعارض بين هذين الحديثين،لوجود الاختلاف بينهما في عدد الحقوق التي للمسلم على أخيه،مضافاً لاختلافها في بعض المصاديق.

لكن الصحيح أنه لا تنافي ولا تعارض بينهما،لأن تصور الاختلاف إنما يكون له وجه لو كان كل واحد منهما في مقام الحصر،بمعنى أن كل واحد منهما يقرر أن الحقوق التي للشخص على الآخر محصورة فيما ذكر،فلا يوجد حقوق أخرى لم يتعرض لها.

أما لو كان كل منهما في مقام الحديث عن بيان بعض الحقوق التي للمؤمن على أخيه،أو للمسلم على أخيه،فلا تنافي بينهما.

هذا والملاحظ أن الحديث النبوي يفتقد لذكر حق أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه،دون النص الوارد عن الإمام الصادق(ع).

ولعل النكتة في ذلك تعود إلى أن المحبة بهذا المقدار إنما تكون لخصوص أفراد الفرقة الناجية،لأن المحبة التي هي أمر قلبي غير مطلوبة بالنسبة إلى غيرهم،نعم المطلوب مع غيرهم هو حسن المعاشرة بحسب الظاهر دفعاً للضرر،وتكميلاً للنظام.

ولعل هذا هو السر أيضاً في تغاير التعبير بين الحديثين،حيث نجد أن النص الوارد عن رسول الله(ص)عبر بالمسلم،بينما عبر النص الوارد عن الإمام الصادق(ع)بالمؤمن،والمعروف أن لفظ المسلم في نصوص أهل البيت(ع)يعني غير الموالي،بينما يطلق المؤمن على الإمامي.

كيف تكون العلاقة بين المؤمنين:

ثم إن مقتضى ما ذكر من لزوم إظهار حب المؤمن لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه،التركيز على نكتة مهمة،وهي أن العلاقة التي تكون بينهما علاقة صادقة،لا تتحكم فيها المصالح الخاصة،ولا تحكمها الأغراض الشخصية،بل هي علاقة تدور مدار الإنصاف،وإعطاء كل ذي حق حقه،بمعنى أن يقال للمحسن أحسنت ولو كان على حساب نفسه،كما أنه يقال للمسيء أسأت ولو كان أقرب الناس إليه.

وهذا هو أحد مصاديق التحاب في الله،ولهذا نلاحظ تركيز النصوص في البين على أنه لا ينبغي للمؤمن أن يجاري أخاه المؤمن في ظلمه وخطأه،بل إن من حقوقه عليه أن يقوم بنصيحته وتوجيهه، لما يكون فيه صلاحه ويدفعه عن ظلم الناس،فعن الإمام زين العابدين(ع):أما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك،فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله،ولا عدة للظلم لخلق الله،ولا تدع نصرته على عدوه،والنصيحة له،فإن أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه.

وعن الإمام موسى الكاظم(ع):إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته،ولا تحقد عليه وإن أساء،وأجب دعوته إذا دعاك،ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس إن كان أقرب إليه منك وعده في مرضه.

أدنى حق المؤمن على أخيه:

ولقد أشارت النصوص إلى بيان أدنى حق المؤمن على أخيه،فعن الإمام الصادق(ع)وقد سئل عن أدنى حق المؤمن على أخيه،فقال:أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه.

وجاء عنه(ع)في بيان حقوق المؤمن على المؤمن:أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك،وتكره له ما تكره لنفسك.

لمن تؤدى الحقوق:

ثم إن من القضايا التي نبتلى بها كثيراً أن المؤمن يؤدي حق أخيه المؤمن من إعطائه أيسر ما له عليه،وهو أن يحب له ما يحب لنفسه،لكن الأخ المؤمن لا يعرف له حقاً،وهنا نلاحظ النهي عنهم(ع)عن تأدية الحقوق لمثل هذا،وإنما يكون تأديتها لمن يؤديها لك،فعن الإمام أمير المؤمنين(ع):اعرفوا الحق لمن عرفه لكم،صغيراً أكان أو كبيراً،وضيعاً كان أو رفيعاً. وعن الإمام الصادق(ع)قال:من قضى حق من لا يقضي حقه فكأنما عبده من دون الله.

وعنه(ع):اخدم أخاك، فإن استخدمك فلا ولا كرامة،وقال:وقيل:اعرف لمن لا يعرف لي؟…

فقال:لا، ولا كرامة،قال:ولا كرامتين.

المطالبة بالحقوق يوم القيامة:

ثم إن المؤمن ربما ضيع أداء حقوق إخوانه المؤمنين،فيطالب بها يوم القيامة،فعن رسول الله(ص):إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً،فيطالبه به يوم القيامة،فيقضى له وعليه.

بل عن أبي عبد الله الصادق(ع)أن تعظيم حق الإخوان من تعظيم الدين،كما أن الاستخفاف بها من الاستخفاف بالدين،قال(ع):من عظم دين الله عظم حق إخوانه،ومن استخف بدينه استخف بإخوانه.

وهنا أحب أن أنبه على شيء يحصل عادة وهو:

قد يحصل نتيجة وجود المودة والمحبة وزيادة رابطة الأخوة بين الطرفين أن يتغاضى أحدهما عن الاهتمام بأداء حقوق الآخر.

لكن هذا أمر غير مقبول،بل لا ينبغي للمؤمن أن يضيع شيئاً من حقوق أخيه عليه،فعن أمير المؤمنين(ع):لا تضيعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه،فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه.

وفقنا اله وإياكم لأداء حقوق الأخوان التي أيسرها ما أشار له الحديث الشريف بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

والحمد لله رب العالمين

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة