آداب المريض وآداب زيارته(1)

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
81
0

لا خلاف في أن الصحة نعمة يفيضها الله سبحانه وتعالى على البشر، ويقابلها المرض وهو حالة ليست طبيعية توجب هزة للمرء من أعماقه، تستوجب قيامه بمراجعة نفسه وأعماله، حتى يتزود بما يصلح به أمر دنياه، وآخرته.

ولا يخفى أن المرض هو كل ما يوجب خروج الإنسان عن حد الصحة في أي شيء، ويقال له أنه مرض.

ويعرّف المرض بأنه: اختلال في اعتدال المزاج أو النفس، مقابل سلامتهما أو صحتهما. وينقسم المرض إلى قسمين:

الأول: مرض جسماني جسدي، وهو كل ما يصيب شيئاً من أعضاء بدن الإنسان، كما لا يخفى.

الثاني: مرض روحاني نفسي، وهو ما يعرف بمرض الرذائل، كمرض القلب، والجهل، والجبن، والبخل، والنفاق، وغير ذلك.

وقد تضمنت النصوص أن المرض تكفير عن الذنوب، فقد جاء عن النبي(ص) أنه قال: أنين المريض تسبيح، وصياحه تهليل، ونومه على الفراش عبادة، وتقلبه جنباً إلى جنب فكأنما يجاهد عدو الله، ويمشي في الناس وما عليه ذنب.

والظاهر أن مقصوده(ص): ويمشي في الناس، وما عليه ذنب، بعد تحقق الشفاء والبرء، لما تضمنت نصوص أخرى من كونه تطهيراً من الذنوب، ويقال له استأنف بعد البرء، فقد جاء عن النبي الأكرم محمد(ص) أنه قال: أربعة يستأنفون العمل: المريض إذا برئ، والمشرك إذا أسلم، والحاج إذا فرغ، والمنصرف من الجمعة إيماناً واحتساباً.

ولا يخفى أن المقصود من قوله(ص): يستأنفون العمل، الإشارة إلى أنه قد نقيت صحيفة أعماله، وأصبحت خالية من كل سيئة ومعصية، كما أشير لذلك في النصوص التي وردت في الحج، من أن الحاج بعد فراغه من عمله، يعود كيوم ولدته أمه، ليست عليه معصية، ولم تكتب في صحيفته خطيئة، فلاحظ.

وقد جاء عنه(ص) أن المرض بمثابة التطهير للبدن من الشوائب التي علقت به، أعني الذنوب والمعاصي، فلاحظ قوله(ص): إن المرض ينقي الجسد من الذنوب كما يذهب الكير خبث الحديد، وإذا مرض الصبي كان مرضه كفارة لوالديه. وقريب من هذا المعنى ما جاء عن الإمام الرضا(ع)، إذ يقول: المرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ولعنة، وإن المرض لا يزال بالمؤمن حتى لا يكون عليه ذنب. وقد تضمن النص المذكور بيان أمرين:

الأول: الإشارة إلى الفرق بين حصول المرض بالنسبة للمؤمن وحصوله بالنسبة للكافر، فجعل حصوله للمؤمن تطهيراً ورحمة، بينما هو بالنسبة للكافر تعذيب ولعنة.

الثاني: ما يجنيه المؤمن جراء حصول المرض بالنسبة إليه، إذ أنه لا يبرء من مرضه إلا وقد أصبح مبرءاً من كل ذنب.

ولا تنحصر المكتسبات التي يجنيها المؤمن جراء المرض والسقم بما إذا كان هو المصاب بذلك، بل يشمل ما إذا كان المصاب أحد أبنائه، فإن ما يعانيه من أذى وتعب معه، يكون مخلوفاً، فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين(ع) أنه قال في المرض يصيب الصبي، قال: كفارة لوالديه.

هذا وقد تضمنت الشريعة السمحاء آداباً وأحكاماً ترتبط بالمريض نفسه يحسن به مراعاتها حال مرضه، وآداباً أخرى ترتبط بإخوانه المؤمنين تجاهه، حال قيامهم بزيارته، والكون معه، وعليه فسوف يكون حديثنا في جانبين:

الأول: في الأحكام والآداب التي ترتبط بالمريض نفسه.

الثاني: في الأحكام والآداب التي ترتبط بالمؤمنين تجاه.

آداب المريض:

إذا أصيب الإنسان بالمرض أياً ما كان مرضه، عظيماً وشديداً، أم كان بسيطاً وخفيفاً، مما يطول برئه، أم كان مما يبرء سريعاً، فإن هناك آداباً ومستحبات يجدر به مراعاتها تحصيلاً للأجر والثواب، وقد نص على جملة منها في كلمات الأعلام، وفق ما نطقت به النصوص الصادرة عن أهل البيت(ع)، ولا بأس أن نشير إلى جملة منها:

منها: أن يصبر على ما أبتلاه الله سبحانه وتعالى به من المرض، ويشكره عز وجل على ذلك، فهنا أمران:

أحدهما: الصبر على المرض، والثاني: هو الشكر على هذا الابتلاء، وقد تضمنت النصوص الندب إلى هذين الأمرين، من خلال بيان ما يتحصل عليه المريض جراء صبره على مرضه، وجراء شكره ربه على ابتلائه إياه، فقد ورد في الخبر: أن من صبر لا ينصب له ميزان، ولم ينشر له ديوان يوم القيامة. وهذا يعني أن الصابر على المرض والشاكر على الابتلاء به لن يتعرض يوم المحشر للمسائلة والحساب، لأن هذا هو معنى عدم نصب الميزان له، وعدم نشر ديوانه، لاحظ.

وقد ساوت النصوص بين الصبر على المرض ليلة واحدة وبين عبادة ستين سنة، فجعلت الصبر على ذلك لليلة، يعادل عبادة تلك المدة، فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها، كانت كعابدة ستين سنة، قال أبي: ما قبولها؟ قال: يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد الله على ما كان.

ولا يخفى أن النص لم يحدد أن الستين سنة هل من سني الدنيا أم من سني الآخرة، ومعلوم مقدار الفرق بين أيام سني الدنيا، وبين أيام سني الآخرة، فلاحظ.

ترك الشكاية:

ومنها: أن يكتم مرضه، ولا يشتكي منه، فقد ذُكر أن كتمان المرض من كنوز الجنة. وقد ذكرت النصوص ما يكون من أجر وثواب لمن كتم مرضه، فقد أشارت بعضها إلى أنه يبعث يوم القيامة مع خليل الرحمن إبراهيم الخليل(ع)، ومن الطبيعي أن بعث شخص مع خليل الرحمن(ع)، يكشف عن سعادة تامة، إذ لن يكون بعث الخليل إلا في جنان الفردوس والخلد، فتدبر.

وذكرت نصوص أخرى، أن الكاتم لمرضه يبدله الله تعالى لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، ولم تذكر معيار الخيرية التي تكون في المستبدل عوضاً عن المبدل.

ومن الطبيعي أن هذا لا يعدّ تنافياً بين النصوص، وإنما الظاهر أن تفاوت المكتسبات المجنية بالنسبة للكاتم مرضه، تختلف بمقدار كتمانه، فكل ما كان أكثر كتماناً كان ذلك أدعى لزيادة الأجر حتى يبلغ مرتبة الحشر مع الخليل إبراهيم(ع)، ولعل أدنى مراتبها، أن يبدله الله لحماً ودماً خيراً من لحمه ودمه.

مدة كتمان المرض:

هذا وقد اختلفت النصوص في تحديد مقدار المدة التي يحسن كتمان المرض فيها، ففي بعضها تحديد ذلك بمقدار يوم وليل، فعن رسول الله(ص) أنه قال: من مرض يوماً وليلة فلم يشك إلى عواده بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم. وحددته نصوص أخرى بثلاثة أيام، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: من مرض ثلاثة أيام فكتمه ولم يخبر به أحداً أبدل الله له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه.

وربما توهم بعضهم وجود معارضة بين النصوص مما يستوجب العمد إلى ترجيح إحدى الطائفتين على الأخرى، وهو في غير محله، ضرورة أنه يمكن التوفيق والجمع بينهما بحمل ذلك على تفاوت الفضل، بحيث كلما أمكنه الكتمان كان ذلك أدعى لنيل المزيد من الثواب والرضا الإلهي، وأن أقل مراتب الكتمان أن يكون في يوم وليلة، فتدبر.

لمن يشتكى:

ثم إنه لو أراد المريض الشكوى، فهل تكون شكايته لكل أحد، من دون فرق بين الشكاية لمؤمن، أو كافر، أم أنه لابد وأن يختار أفراداً مخصصين فيعمد للشكاية لهم، وهذا يعني عدم إمكانية شكواه لكل أحد؟

إن المستفاد من النصوص تحديد دائرة من يشتكي إليه، بخصوص المؤمن، فلا يسوغ له الشكاية للكافر، وقد عللت النصوص ذلك بكون الشكاية إلى الكافر شكوى على الله سبحانه وتعالى، فلاحظ ما جاء عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، حيث قال: أيما مؤمن شكى حاجته أو ضره إلى كافر، أو إلى من يخالفه على دينه، فإنما شكى الله عز وجل.

ولا ريب في شمول المنع من الشكاية للكافر شمولها للناصبي، وإنما الكلام في شمولها للمخالف من عدمه، بحيث هل يمكن عدّه ممن يخالفه في دينه، أم لا؟ مقتضى الاحتياط، هو ترك الشكوى إليه، والمسألة بحاجة إلى مزيد تأمل، وتدبر، لا يسعها هذا المختصر.

هذا ولا يبعد الالتـزام بالحزازة في الشكوى حتى للمؤمن، ضرورة أن الشكوى وفقاً للنص المتقدم نحو من الشكاية على الباري سبحانه وتعالى، وهذا يعني أنه لا يحسن بالمؤمن أن يصدر ذلك منه، فكيف بمن كان قريباً من الحضرة الإلهية، ومنه يتضح أنه كلما ازداد الإنسان قرباً منه تعالى كان أبعد عن الشكوى حتى لأمثاله من أهل الإيمان، فلاحظ.

حقيقة الشكاية:

ثم إنه لابد من تحديد المقصود من الشكاية، وذلك أنه يخلط فيتصور أنها تعني مجرد الإخبار عن وجود المرض، أو السهر مثلاً، فيبنى على شمولها لمثل قوله: لقد كنت البارحة مصاباً بالصداع، أو اشتكيت البارحة من ألم الإذن، أو لم أتمكن من النوم البارحة بسبب وجع الأسنان، وهكذا.

ولا يذهب عليك أن الشكاية من الموضوعات، وهذا يستدعي أن يكون المرجع في تحديدها هو العرف، مثلها مثل بقية الموضوعات الأخرى، وعليه فالمدار الذي يحدد العرف كونه داخلاً تحت عنوان الشكاية، لا ينبغى الحزازة فيه، وما لا ينطبق عليه ذلك بنظره، لا يمنع منه.

وما ذكر من جعل الميزان هو النظر العرفي، لا إشكال فيه، إلا أنه يلجأ إليه متى لم يكن للشرع تحديد لهذا الموضوع، أو أن الشرع قد أرجع إليه، أم في الموضوعات التي تدخل الشارع المقدس في تحديدها، فلا ريب في كون المرجع إليه دون غيره، وهذا الذي يستفاد من النص، فلاحظ قول الإمام أبي عبد الله الصادق(ع): إن الرجل يقول حممت اليوم، وسهرت البارحة، وقد صدق وليس هذا شكاية، وإنما الشكوى أن يقول: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو يقول: أصابني ما لم يصب أحداً. فلقد حدد(ع) الشكاية بإظهار التبرم والتذمر من الابتلاء الإلهي، من خلال قوله: ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو قوله: أصابني ما لم يصب أحداً.

نعم الظاهر أنه لا خصوصية لما ذكر من التعبير، فيمكن التعدي منه إلى كل ما يكون مصداقاً للتبرم والتذمر، وبالتالي لو وجدنا تعبيراً يؤدي يؤول إلى ذلك، كان مصداقاً للشكاية، وإنما لم يكن بهذه الألفاظ، بل لا يبعد التعدي حتى إلى الفعل، فلا يقتصر على خصوص القول، فيبنى على شمول الشكاية للفعل، بحيث لو فعل فعلاً يظهر منه تبرمه وتذمره على مرضه، كان ذلك مصداقاً للشكاية، فلاحظ.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة