من المواضيع المهمة والجديرة بالبحث عند الحديث حول القرآن الكريم وما يتعلق به من مواضيع كالتفسير على سبيل المثال، مسألة تعدد القراءات، حيث تناول المسلمون ومن الصدر الأول للإسلام عدة قراءات للنص القرآني، اشتهر منها سبع قراءات، بل يستفاد من النصوص أن هذه التعددية في كيفية قراءة النص القرآني، قد شهدها عصر النبي(ص).
هذا وسوف نقصر الحديث في هذا المقام بما يكون مرتبطاً بحديثنا في تفسير القرآن، وما يكون دخيلاً فيه، ويمكن طلب المزيد حول هذا المواضع من الكتب المعدة لذلك، أو التي تـتعرض للحديث عن علوم القرآن بشكل موسع.
المؤلفون في القراءات:
هذا وينـتمي أصحاب هذه القراءات كلهم إلى القرن الأول للهجرة، رغم أن تدوين هذه القراءات وضبطها والتأليف فيها قد تبلور في القرن الثالث للهجرة حينما ألف أبو عبيد القاسم بن سلام الأنصاري تلميذ الكسائي كتاباً في القراءات، وتبعه أبو جعفر الكوفي، ثم تبعه القاضي إسماعيل بن إسحاق الذي ألف كتاباً جمع فيه قراءة عشرين قارئاً، وبعده ألف أبو جعفر الطبري، ثم أبو بكر بن مجاهد الذي اقتصر على ذكر القراءات السبع المشهورة[o1] .
القراءات المشهورة:
ولقد كان المشهور من تلك القراءات هي القراءات السبع التالية:
1-قراءة عبد الله بن عامر الدمشقي.
2-قراءة عبد الله بن عامر الدمشقي.
3-قراءة عاصم الكوفي.
4-قراءة أبو عمرو البصري.
5-قراءة حمزة الكوفي.
6-قراءة نافع المدني.
7-قراءة الكسائي الكوفي.
وقد تعرض زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي(قده) في كتابه القيم البيان في تفسير القرآن إلى ترجمة هؤلاء، كما تحدث عن مدى وثاقة كل واحد منهم.
صور الاختلاف في القراءة:
هذا وقد اتخذ الاختلاف في قراءة النص القرآني صوراً وأشكالاً متعددة يـبلغ بعضها حدّ الزيادة في النص القرآني، بينما لا يزيد بعضها على مستوى التغيـير في الحركة الإعرابية.
هذا وسوف نشير إلى نموذج من صور هذا الاختلاف:
منها: التغيـير بالزيادة في النص:
كما في قوله تعالى:- ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) حيث جاء في قراءة أخرى:-
( أما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين).
ومنها: التغيـير في تركيب الجملة:
كما في قوله تعالى:- (وجاءت سكرة الموت بالحق) حيث جاء في آية أخرى (وجاءت سكرة الحق بالموت).
ومنها: التغيـير في أصل الكلمة:
كما في قوله تعالى:- (إن ناشئة الليل هي أشدّ وطأً وأقوم قيلاً).
وكما في قوله تعالى:- ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) حيث قرئ (طعام الفاجر).
وكما في قوله تعالى:- ( وأتموا الحج والعمرة لله) حيث قرئ (وأتموا الحج والعمرة للبيت)، وكذا في قوله تعالى:- ( إن جاءكم فاسقوا بنبأ فتبينوا) حيث قرئ (فتـثبتوا).
ومنها: التغيـير في هيئة الكلمة أو حركتها:
كما في قوله تعالى:- ( ولا تُسئَل عن أصحاب الجحيم) حيث قرئ:- ( ولا تَسأل عن أصحاب الجحيم).
وكما في قوله تعالى:- ( وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكُم) حيث قرئ (وأرجُلِكُم) بخفض أرجلكم.
ومنها: التغيـير بإضافة حرف للكلمة ذاتها:
كما في قوله تعالى:- ( وإذ واعدنا موسى ثلاثين ليلة) حيث قرئ ( وعدنا موسى).
وكما في قوله تعالى:- ( والذين هم لعهدهم وأماناتهم راعون) حيث قرئ (والذين هم لعهدهم وأمانتهم). وكما في قوله تعالى:- ( ولا تقربوهن حتى يَطهرن) حيث قرئ بإضافة التاء وتشديد الطاء ( حتى يَتطهّرن). وكما في قوله تعالى:- ( مالك يوم الدين) حيث قرئ (مَلِكِ يوم الدين).
ومنها: التغيـير في اللهجة:
كما في قوله تعالى:- ( ولم يكن كفُؤاً أحد) حيث قرئ بحذف الهمز وضم الفاء(كُفوُاً) وقرئ بحذف الهمز وسكون الفاء(كفْواً). وكما في قوله تعالى:- ( وإنها عليهم مؤصدة) حيث قرئ بحذف الهمز( إنها عليهم مُوصَدة). وكما في قوله تعالى:- ( بسم الله مجراها ومرساها)، وقوله تعالى:- ( والليل إذا يغشاها) حيث قرئت بالإمالة إلى الفتح في مجراها، مرساها، يغشاها.
ومنها: التغيـير في موضع الوقف:
كما في قوله تعالى:- ( ذلك الكتاب لا ريبَ فيه) حيث قرئ ( ذلك الكتاب لا ريبْ فيه هدى للمتقين). وكما في قوله تعالى:- ( تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) حيث قرئ ( من كل أمر سلام) بالوقف على سلام بدلاً من الوقف على أمر.
وكما في قوله تعالى:- ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) حيث قرئ بالوقف على لفظ الجلالة( الله) هكذا (وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم).
قواعد في تقيـيم القراءات:
مما قدمنا بذكر بعض نماذج اختلاف القراءات يتضح أن الاختلاف فيها قد يؤدي إلى تغيـير حقيقي في النص القرآني، كما يؤدي إلى تغيـير كبير في المعنى، وحينـئذٍ هل نستطيع أن نقبل هذه القراءات؟…
ومع قبولها، فما هي القواعد التي يلزم اعتمادها لتقيـيم هذه القراءات؟…
يمكننا أن نذكر قواعد أربع من شأنها أن تكون مقياساً لتقيـيم تلك القراءات، وفي ضوئها سنقبل تلك القراءات أو نرفض بعضها الآخر.
القاعدة الأولى: وحدة النص القرآني:
من الذي نعتقد به أن النص القرآني الذي أنزل من الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم(ص) واحد، كما ثبت ذلك بنفس القرآن والسنة المباركة.
فجميع الآيات التي تـتحدث عن القرآن الكريم دونما أية إشارة إلى تعدديته، تدل على وحدة النص القرآني، حيث أنها تعطي دلالة على وحدته.
كما في قوله تعالى:- (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)[o2] . وقوله تعالى:- ( ولقد يسرنا القرآن للذكر)[o3] ، وقال سبحانه:- ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تـنـزيلاً)[o4] . وقال تعالى:- ( إنه لقرآن كريم* في كتاب مكنون)[o5] .
حيث نزلت في هذا السياق واحد وسبعون آية كلها تـتحدث عن قرآن واحد لا عن قرائين متعددة.
وأما السنة الشريفة فهي كل ما جاء عن رسول الله(ص) بشأن القرآن الكريم، والذي يظهر منه بشكل واضح أنه(ص) يتحدث عن قرآن واحد لا متعدد.
بل ورد التصريح عن الأئمة الطاهرين(ع) بأن هذا القرآن واحد لا تعدد فيه، ففي الصحيح عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: إن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة. وكذلك ورد عن إمامنا الصادق(ع) حين سئل عن تعدد الحرف الذي نزل القرآن به، فقال(ع): كذبوا أعداء الله، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد.
القاعدة الثانية: عدم جواز التصرف في النص القرآني:
وقد اتفق علماء الإسلام جميعاً على عدم جواز التصرف في النص القرآني حتى مع الحفاظ على المعنى الواحد.
وهذا المنع يشمل النبي الأكرم محمد(ص) نفسه، فضلاً عن سائر البشر، كما جاء في قوله تعالى:- ( قل ما يكون لي أن اُبدّله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ)[o6] .
——————————————————————————–
[o1]البيان ص 178.
[o2]سورة ق الآية رقم 45.
[o3]سورة القمر الاية رقم 17.
[o4]سورة الإنسان الآية رقم 33.
[o5]سورة الواقعة الآية رقم 77.
[o6]سورة يونس الآية رقم 15.