عدم الإعلام بالمرض:
ومنها: إخفاء المرض، وعدم الإعلام به إلا بعد مضي ثلاثة أيام، وهو يختلف عن سابقه، ذلك أن الحديث في سابقه كان عن كتمان الشكاية، وعدم إظهارها إلى أحد من دون تعرض إلى الإعلام عن الإصابة بالمرض من عدمه، بل مقتضى القول بعدم الشكاية، كون الآخرين على دراية بالإصابة بالمرض، لذا لم يستحسن إقدامه على القيام بالشكوى إليهم، بينما الحديث هنا عن ترك الإخبار والإعلام بالمرض إلى أن تمضي ثلاثة أيام من إصابته به، وبعد مضي تلك المدة يعمد إلى الإخبار، ويأتي ما تقدم في الأمر السابق من ترك الشكاية، فلاحظ.
هذا وقد عرفت في الحديث عن الأمر السابق وجود نصوص دلت على مضي يوم وليلة، ونصوص أخرى دلت على الثلاثة أيام، وقد ذكرنا هناك أنه لا يوجد بينها أدنى منافاة، لأن النظر فيها إلى تفاوت الأجر، واختلافه، فلا تغفل.
تجديد التوبة:
ومنها: أن يقوم المريض بتجديد التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يندم على كل ما قد صدر منه معاصي وخطايا وذنوب.
والظاهر أن تجديد التوبة لا يفرق فيه بين كون المرض مما يستتبعه موتاً لكونه مرضاً لا يرجى برئه، وبين كونه مرضاً عادياً يرتجى فيه الشفاء والبرء.
وقد يتصور البعض فيقول: أنه لو كان المرض مظنة الموت لكان طلب تجديد التوبة وجيهاً، لأن من المحتمل أن لا يوفق المريض إليها قبل حصول الموت، وانتهاء الأجل، إلا أنه لا معنى لأن يطلب منه تجديدها حال عدم كون المريض مظنة الفوت والموت.
ولا يخفى أن التصور المذكور نجم من عدم الإحاطة بما يعطاه المريض حال مرضه، وهو وإن لم نكن نجزم بكونه العلة الأساس التي من أجلها طلب منه تجديد التوبة له، إلا أنه موجب لها، ويتضح الأمر بذكر شيء مما يعطاه المريض في البين، ولنشر لبعض ذلك:
الأول: لقد ثبت بالدليل وجود حالات ينظر الله سبحانه وتعالى فيها إلى عباده، كما ورد ذلك في نظره عز وجل للواقفين على صعيد عرفات، أو نظره تعالى لزوار الحسين(ع) يوم عرفة قبل نظره إلى الواقفين على أرض عرفات، وهكذا، ولا يخفى أن معنى نظره تعالى لهؤلاء، إفاضة الرحمة الربانية منه عليهم. ومن الموارد التي تضمنت نظر الله سبحانه وتعالى لأصحابها، نظره للمؤمن حال مرضه، من دون فرق بين كون المرض مظنة للموت، وبين كونه ليس كذلك، فإذا كان المريض مورداً لنظر الله تعالى، الذي يعني جعله مورداً للرحمة الإلهية، والإفاضة الربانية، أيحسن به أنه يراه الله تعالى وهو على ثوب المعصية والخطيئة، ألا يجدر به أن يكون في مورد التوبة والطاعة.
الثاني: لا يخفى أن هناك أمكنة أختارها الله تعالى لتكون محلاً لاستجابة الدعاء فيها، كالدعاء عند البيت الحرام، أو الدعاء تحت قبة المولى أبي عبد الله الحسين(ع)، أو الدعاء عند قبر أحد الأبوين، وأماكن أخرى، كما أن هناك أزمنة جعلها الله تعالى زماناً للاستجابة في الدعاء، كليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، وغيرهما، ومن الأزمنة التي جعلها مورداً لاستجابة الدعاء فيها زمان المرض، فزمان إصابة الإنسان بمرض، يكون زمان استجابة دعائه، بحيث أنه لو دعى بما شاء كان ذلك موجباً لأن يستجيب الله سبحانه وتعالى له. بل قد خصص ذلك في بعض الأمراض بصورة آكد، وأكثر كمن كان مصاباً بمرضى الحمى، ومع كون الأمر بهذه الصورة، فيحسن أن يكون المريض في زمان إجابة الدعاء تائباً مجتنباً كل معصية، وخطيئة.
ويشهد لما ذكرنا ما ورد من أنه يحسن بطلاب الحاجات أن يقصدوا المرضى فيسألونهم حاجاتهم، لأنهم في زمان استجابة الدعاء، فتدبر.
الثالث: إن الرجوع للنصوص التي تتحدث عن المرض، والإصابة به تفيد أن الله تعالى يتحف من يشاء من عباده ببعض الأمراض، ومن المعلوم أن هذه التحفة منه تعالى لعبده إرادة منه لتوفيقه للطاعة، وزيادة الأجر والثواب إليه، وهذا يعني أن العبد محط عناية الله تعالى، واهتمامه، أفلا يجدر بمن كان محط عناية الله تعالى أن يكون طائعاً تائباً.
الرابع: ما تضمنته النصوص من كون المريض ضيف الله تعالى، فيلزمه أن يراعي حقوق الضيافة، بمراعاة حقوق مضيفه، وأي حق لله تعالى أعظم من أن يتوب العبد إليه، ويجتنب كل معصية ورذيلة.
الوصية بالخيرات والمبرات:
ومنها: أن يوصي المريض حال مرضه بالخيرات والمبرات إلى جملة من الناس، فيوصي لأرحامه من دون فرق بين كونهم فقراء أو أغنياء، كما يوصي إلى الفقراء من غير ذوي الرحم.
ولا يخفى أن وصيته لأرحامه مطلقاً، مضافاً لكونها تتضمن صلة الرحم، والحفاظ على لحمة النسب، قد تكون مدعاة إلى تطيـيب القلوب وترطيب الخواطر، حتى لربما تكون سبباً إلى أن يصله ذووه بعد وفاته، فيذكرونه بقراءة فاتحة، أو استغفار، أو ذكر أو دعاء,
وقد اشتملت النصوص الشريفة على النهي المشدد أن يخرج الإنسان من الدنيا دون أن يوصي لرحمه وذويه بشيء، فقد روى الإمام الصادق(ع) عن أبيه محمد بن علي الباقر(ع) أنه قال: من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه، فقد ختم عمله بمعصية.
ودلالة النص على لزوم الوصية لذوي القرابة حال الوفاة، حتى أنه(ع) قد جعل تركها معصية.
نعم لا يلزم من هذه المعصية استحقاق العقاب، وإنما هي من موارد مخالفة الأولى المولوي، وقريبة من ترك الأولى الإرشادي، وإن شئت قل إنها مخالفة إلا أن المعصية المذكورة ليست معصية حقيقة، فلاحظ.
ثم إن الوصية بما ذكر إنما يكون من ثلث التركة، لأن المعروف أن للمتوفى من تركته ثلثها يتصرف فيه كيفما يشاء، ولهذا يحسن بالمؤمنين والمؤمنات الاستفادة من هذا الثلث، وأن يصرفوه وفق ما تضمنته النصوص، فلا يقصرون صرفه على خصوص الوصي، أو يجعلونه للذكور دون الإناث، أو يجعلونه للورثة، بل ليستفيد منه المتوفى من خلال جعله سبيلاً ينفعه في عالم الآخرة بعدما يخرج من عالم الدنيا.
إخبار المؤمنين بمرضه:
ومنها: أن يقوم بإخبار إخوانه المؤمنين، من أقربائه، وأصدقائه، وجيرانه، وزملائه في العمل، وفي المسجد، وغير ذلك بمرضه، وأن يكون ذلك الإخبار بعد مضي ثلاثة أيام من إصابته بالمرض، وهذا لما تقدم من أن ذلك هو الأفضل، بمقتضى ما تضمنته النصوص، وإن كان يمكنه أن يخبرهم بذلك بعد يوم وليلة من إصابته بالمرض.
ولقد أجابت النصوص على سؤال قد يخطر في الأذهان، حاصله، ما هو الداعي لأن يقوم المريض بإخبار الآخرين بمرضه، لما في ذلك من كلفة على المؤمنين، لأنه بمثابة من قام يطلب منهم زيارته. فذكرت جواباً عن ذلك، بأن المريض يلحقه أجرٌ جراء إبلاغه إخوانه المؤمنين بمرضه، ليقوموا بزيارته، فقد جاء عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه، فيؤجر فيهم ويؤجرون فيه. فقيل له: نعم فهم يؤجرون فيه بممشاهم إليه، فكيف يؤجر هو فيهم؟ فقال: باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات، ويمحى بها عنه عشر سيئات.
السماح للمؤمنين بزيارته:
ومنها: أن يسمح للمؤمنين بالدخول عليه وزيارته في مرضه الذي قد أصابه، فيستقبل كل من قصده منهم وجاء لعيادته، ولا يرد من جاءه لذلك، فعن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه، فإنه ليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة.
والمستفاد من النص أن أحد الدواعي لفسحه المجال لزيارة العائدين إياه، أن لكل واحد منهم دعوة مستجابة، فقد يدعو له الشفاء، ويستجيب الله تعالى دعائه. نعم ذلك ليس بنحو العلة، وإنما الظاهر من النص كونه حكمة كما لا يخفى.
وهل يعتبر تحديد مواعيد الزيارة رداً للمؤمنين عن عيادته، فيكون منهياً عنه، أو قل خلاف الإذن المدعو إليه، وبالتالي يلزم المريض أن يعمد إلى فتح بابه بصورة مطلقة، فيدخل عليه المؤمنون في كل وقت، ومتى شاءوا؟
الظاهر أن تحديد مواعيد للزيارة لا يعد رداً للمؤمنين عن العيادة، وبالتالي لا يكون منافياً لما تضمنته النصوص من الإذن بالزيارة والعيادة، ذلك لأن المستفاد من الرد هو الامتناع عن الاستقبال بصورة كلية، لا أن المقصود منه تحديد مواعيد وأوقات للعيادة والزيارة، بل لعل منطق العقلاء يساعد على القول بلزوم التحديد، والحاجة إلى ذلك خصوصاً مع التوجه إلى كون المريض يحتاج شيئاً من الراحة، فتدبر.