حب علي حسنة

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
308
1

لقد تعددت النصوص الصادرة عن الرسول الأكرم(ص) في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، واتخذت أشكالاً متعددة، وفقاً لما كانت تحتويه من مضامين، وتقصده من أهداف، فتارة يتحدث النبي الأكرم(ص) عن الفضائل والمميزات التي يمتلكها أمير المؤمنين(ع) دون غيره من الصحابة، وأخرى يتعرض للحديث عن الملكات النفسانية التي تنطوي عليها شخصيته، وثالثة، يشير إلى المكانة التي أعطيت إليه من قبل الله تعالى، وأنه خليفته من بعده، وهكذا.

ومن النصوص التي تحدث فيها النبي الأكرم محمد(ص) عن أمير المؤمنين(ع)، قوله(ص): حب علي حسن لا تضر معها سيئة، وبغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة[1].

والمستفاد من الحديث الشريف أن حب أمير المؤمنين(ع) سبب مانع من ترتب أي ضرر على المحب إليه، كما أن بغضه(ع) يوجب إلى سلب موجبات النفع، ودفع الضرر عن المبغض، كما هو واضح.

ولم يتعرض الحديث الشريف إلى بيان محال الضرر المنفية التي ينفع فيها حب أمير المؤمنين(ع)، وأنه يكون في عالم الدنيا، أم يكون في عالم الآخرة، وهذا يفيد إطلاقاً، فيدل على سعة في مجالات الضرر المنفي، كما لا يخفى.

إلا أن الإنصاف، أنه لا مجال للبناء على ثبوت إطلاق من هذه الناحية، بل إن في البين قرينة مقامية تمنع من انعقاده، وبالتالي توجب التقيـيد بكون المقصود نفي الضرر في عالم الآخرة، وليس في عالم الدنيا، لأن المتصور أن الحديث دائماً وأبداً عما سوف يلاقيه المكلف يوم القيامة، وهو غالباً ما يكون محلاً للخوف، والترقب ، ولهذا يكون عرض التأمين، غالباً بلحاظ ذلك الوقت، فتأمل.

وكيف كان، فوفقاً لذلك، سوف يكون الحديث مختصاً بنفي الضرر في خصوص عالم الآخرة، دون عالم الدنيا، نعم ليس في الحديث تخصيص بموقف من مواقف عالم الآخرة، فإنها كما هو معروف تبدأ منذ وضع الميت في قبره، مروراً بعالم البرزخ، وما يلحق به من سؤال القبر، وعذابه، إلى النشور في المحشر، والسؤال في القيامة، وهكذا. وهذا يعني ثبوت إطلاق من هذه الناحية.

إلا أنه قد يدعى عدم تمامية الاستظهار المذكور، وحصر نفي الضرر للمحبين له(ع) بخصوص مواقف معينة من مواقف عالم الآخرة، وليس الأمر بهذه السعة المدعاة، لأن هناك نصوصاً تمنع من البناء على هذه الظهور، وعليه، فلابد من البحث عن هذا الجانب، كي ما نرى ما هو المستفاد من النصوص، ومدى نسبتها للحديث محل البحث.

على أنه قد يمنع من الاستناد للحديث محل البحث منذ البداية، لمخالفته لحكم العقل والشرع، وبالتالي لابد من رفع اليد عنه، إذ أنه من النصوص التي تتضمن إغراء بارتكاب الذنوب وفعل المعاصي، لأن المضمون الذي يدل عليه الحديث يجعل المكلفين يعولون عليه فلا يعبأون بارتكاب الذنوب والخطايا، ويعمدون إلى فعلها تعويلاً على محبتهم لأمير المؤمنين(ع).

وعليه، فهنا جانبان للحديث في الحديث المذكور:

الجانب الأول: هل أن الحديث يوجب الإغراء بفعل الذنوب، وارتكاب المعاصي، وكيف يمكن الجواب عن ذلك؟

الجانب الثاني: تحديد مورد الضرر المنفي بمقتضى الحديث المذكور في عالم الآخرة.

منع كون الحديث مغرياً بفعل الذنوب:

أما بالنسبة لدعوى كون الحديث موجباً لفعل الذنوب وارتكاب المعاصي، فإن ذلك يتوقف على تحديد المدلول للحديث الشريف، إذ يوجد فيه احتمالان:

الأول: أن يكون حب أمير المؤمنين(ع) بنحو العلة التامة لنفي الضرر عن المكلفين، وهذا يعني أن مجرد تحقق الحب منهم إليه، يستدعي عدم ترتب ضرر عليهم أبداً.

الثاني: أن يكون حبه(ع) بنحو المقتضي، وليس بنحو العلة التامة، وهذا يعني أن مجرد حبه لا يكون كافياً لنفي الضرر عن المكلف، بل لابد وأن يضم إلى حبه(ع) أمراً، أو أموراً أخرى حتى يكون الضرر منفياً عنه.

ولا يخفى أن الإشكال المذكور إنما يتصور وروده-على فرض القبول به-على خصوص المحتمل الأول، دون المحتمل الثاني، إذ أنه لو بني على أن الحب له(ع) سبب من الأسباب التي توجب التأمين من الضرر متى توفرت الدواعي والظروف الموضوعية الأخرى، فلا ريب أن ذلك لن يكون موجباً للإغراء بارتكاب الخطايا واقتراف المعاصي، كما هو واضح.

على أنه يمكن البناء حتى على المحتمل الأول، ويقرر عندها أن محبته تنفي كل ضرر بنحو العلة التامة، إلا أن الحديث عندها سوف يكون عن تحديد موضوع المحب الموجب لذلك، بمعنى أنه لا يقصد منها مجرد المحبة اللسانية التي لا تكون محققة لحقيقة الحب، لما قرر في كتب أهل العرفان والسير والسلوك، أن المحب طائع للمحبوب، ولا يتصور مخالفة المحب لمحبوبه ومعشوقه، بل قد قيل أن الحب يوجب هيام المحب في حبيبه، وهذا يستوجب سيطرة المحبوب على المحب، حتى يتبع المحب الحبيب دونما إرادة في قرار، أو فعل.

عليه، فلا نتصور أن يكون شخص محباً لأمير المؤمنين(ع)، وفي نفس الوقت يكون مخالفاً له، وعاصياً لله سبحانه وتعالى، بل لابد وأن يكون حبه لأمير المؤمنين(ع) سبباً من الأسباب الرئيسة لجعله مطيعاً لله تعالى، ومجتنباً لنواهيه، ومبتعداً عن معاصيه.

يقول الإمام الخميني(قده): فمحب أهل البيت وشيعتهم هو الذي يشاركهم في أهدافهم ويعمل في ضوء أخبارهم وآثارهم[2].

ووفقاً لما تقدم، يتضح لنا المقصود من الحديث النبوي الشريف، حيث يظهر أن النبي(ص) بصدد بيان أن الحب لأمير المؤمنين(ع) يحقق الكمال الذي يسعى الإنسان لتحصيله، إذ من المعروف أن الإنسان يسعى في مقام السلوك لبلوغ الكمال المطلق وتحصيله، والطريق الذي يمكن للسالك من خلاله بلوغ ذلك، ونيله هو حب علي(ع)، وهذا يعني أن حب علي(ع) لا يكون حال وجود حاجز يحجز عن السعي للكمال المطلق، ولا ريب أن السعي لتحصيل الكمال، مربوط باجتناب المكلف لكل خطيئة وتركه لكل رذيلة، فكيف يمكن القول بعد ذلك أن الحديث الشريف يوجب الإغراء بارتكاب الذنوب وفعل المعاصي؟!..

نعم لا يبعد أن يصدر من السالك في طريق سعيه للكمال معصية، أو تقع منه خطيئة، فهل تكون تلك المعصية الصادرة في حالة غفلة، ومن دون قصد، وفي لحظة ضعف، وفقدان إرادة، موجبة للضرر المانع من بلوغ الكمال، ومانعة من الوصول إلى ذلك؟

هذا هو ما يشير إليه النبي الأكرم(ص) بقوله: لا تضر معه سيئة، فكأنه يقول إن الذنب الذي يصدر في الحالات التي أشير إليها لن يكون مانعاً وحاجباً عن بلوغ طريق الكمال، ولا يمنع من الوصول إلى الكمال المطلق، فتدبر.

والحاصل، إن المستفاد من الحديث الشريف، هو أن حب أمير المؤمنين(ع) بالمعنى الذي ذكرنا، سبب من الأسباب المؤدية إلى غفران الذنوب، وتكفير لكل الخطايا التي تصدر من الإنسان، فتدبر.

الضرر المنفي في الحديث:

ثم إنه بعدما وضح لنا المقصود من الحديث الشريف، يلزم بيان موارد الضرر المنفية فيه، وقد عرفت في مطلع الكلام أنه يختص بعالم الآخرة، ويبقى تحديد موقع ذلك، فإن في الآخرة مواقع:

1- البرزخ. 2-يوم القيامة والحشر 3-الخلود في النار

فهل أن حبه(ع) يدفع الضرر المتصور في جميع تلك الأماكن والمحطات التي يتعرض لها الإنسان بعد الموت، بدءاً من عذاب القبر، والبرزخ، ومروراً بنار جهنم بعد النشر والحشر، وانتهاء بالخلود في النار، أم أن حبه دافع للضر في بعض تلك الأماكن دون البعض؟

إن الإجابة عن ذلك تستدعي الحديث في ناحيتين:

الأولى: منفع حبه في دفع ضرر البرزخ.

الثانية: نفع حبه في عدم دخول النار، فضلاً عن الخلود فيها.

أما الناحية الأولى: فقد يقال، إن حبه(ع) لا ينفع في دفع الضرر المتصور في عالم البرزخ، وذلك لأن النصوص قد تضمنت الخوف منه حتى على شيعة أهل البيت(ع)، فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ، فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم.

وعن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله(ع): إني سمعتك تقول: شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم؟ قال(ع): صدقتك، كلهم والله في الجنة. قال: قلت: جعلت فداك إن الذنوب كثيرة كبار؟ فقال: أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي، ولكني والله أتخوف عليكم في البرزخ. قلت: وما البرزخ؟ قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة[3].

فإن المستفاد من هذه النصوص أن المحبين لأمير المؤمنين(ع) وشيعته لا ينجيهم حبه من عالم البرزخ، بل سوف يصيبهم ما يرتبط بذلك في هذا العالم، وهذا يعني أن حبه لن ينفع في دفع الضرر المترتب على هذا العالم، كما لا يخفى[4].

ولا يخفى أن الاستدلال المذكور قابل للمناقشة، ضرورة أن النصوص التي تضمنت التخوف على الشيعة، مطلقة من حيث الشمولية، وبالتالي يمكن البناء على تقيـيدها بالحديث محل البحث، فيكون المستفاد حينئذٍ أن الضرر المتصور في البرزخ، لا يصيب المحبين لأمير المؤمنين(ع).

ولو قيل، لم لا يكون التقيـيد لحديث المحبة، بنصوص البرزخ، قلنا، بأن تقيـيده بها يلزم منه تخصيص الأكثر، وهو من المستهجن، كما لا يخفى.

وبالجملة، إن النصوص المذكورة لا تصلح لرفع اليد عما هو الظاهر والمستفاد من حديث المحبة في الدلالة على نفي الضرر في عالم البرزخ، فلاحظ.

على أنه قد يلتـزم بعدم ظهور النصوص المشار إليها في عالم البرزخ في ترتب الضرر والعقاب، إذ أنه(ع) عبر بالخوف، وهو بمعنى الخشية، وهذا أعم من ترتب العقاب، إذ يحتمل أن يكون المقصود منها الخوف والخشية في عدم بلوغهم المراتب العليا في الدرجات التي كان يطمح أهل البيت(ع) ببلوغ شيعتهم إياها، فلاحظ.

مضافاً إلى أن هناك نصاً صادراً عن الإمام الهادي(ع) يتضمن أن الموالي إذا مات فقد غسل من كل ذنب وخطيئة ما دام قد مات على طريق الولاية، فقد ورد أنه(ع) دخل على أحد أصحابه في مرض الموت وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال: يا عبد الله تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت وتقذرت وتأذيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أن الغسل في حمام يزيل ذلك كله، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك؟ أوَ ما تكره ألا تدخله فيبقى ذلك عليك؟ قال: بلى يا ابن رسول الله. قال: فذاك الموت هو ذلك الحمام وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كل غم وهم وأذى ووصلت إلى كل سرور وفرح، فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه ومضى لسبيله[5].

وهو صريح جداً في نفي عذاب البرزخ، بل وعذاب القبر أيضاً، لأن عملية الموت تكون بمثابة التمحيص والتنقية للمحبين حال الوفاة، فتدبر.

وأصرح من ذلك ما جاء في رواية المفضل عن الإمام الصادق(ع)، والتي تضمنت أن هناك تعجيلاً لشيعة الأمير(ع) في المعاقبة في عالم الدنيا، لكي لا يؤاخذون بشيء منها في عالم الآخر، ومن الطبيعي أن أول محطات عالم الآخرة القبر والبرزخ، فقد قال(ع): وإنه ليشدد عليه عند الموت، وما هو إلا بذنوبه، حتى يقول من حضره: لقد غم بالموت. فلما رأى ما قد داخلني، قال: أتدري لم ذلك يا مفضل؟ قال: قلت: لا أدري جعلت فداك. قال: ذلك والله أنكم لا تؤاخذون بها في الآخرة وعجلت لكم في الدنيا[6].

وأما الناحية الثانية: ففيها جانبان:

الأول: الخلود في النار:

ولا ريب ولا إشكال في الالتـزام بعدم خلود أحد من المحبين لأمير المؤمنين(ع) في النار قطعاً، فكيف وقد تضمن الحديث القدسي أن ولايته(ع) حصن الله سبحانه وتعالى، وأن من دخله فقد أمن، ولاية علي بن أبي طالب حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي، فولايته(ع) هي الحصن الموجب للأمن من ضرر الخلود في النار.

ولا يتصور أحد أن هذا الحديث يتنافى والحديث القدسي الآخر، والذي تضمن: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني، فقد أمن من عذابي. إذ لا منافاة بينهما، ضرورة أن التوحيد المشار إليه في الحديث القدسي المذكور لا يستقيم إلا بولايته، وولاية أولاده الطاهرين(ع)، كما لا يخفى.

وأما الجانب الثاني: وهو أصل دخول النار، فقد أشير إلى وجود تفصيل في المقام، يستدعي عدم الالتـزام بنفيه بصورة كلية مطلقة، وعدم إثباته كذلك، بل لازمه البناء على أن هناك بعضاً من محبيه وشيعته سوف يدخلون النار كي ما تتم عملية التطهير بالنسبة إليهم، وتنقيتهم من بعض الشوائب والذنوب، وآخرون لن تمسهم النار أصلاً، ولن يدخلوها.

ومنشأ هذا التفصيل، أن المستفاد من النصوص الشريفة عند الحديث عن الشيعة والتشيع، أنه ليس مرتبة واحدة، وأن الشيعة ليسوا في مستوى واحد، بل يوجد بينهم تفاوت، إذ لا يختلف أثنان في أن التعبير بمثل: شيعتنا، شيعتي، شيعتك، يوجب التفاوت بينهم، وليس كل أحد بمجرد أن أنتسب يكون مستحقاً هكذا وصف، فعن جابر عن أبي جعفر(ع) أنه قال: ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة.

وقد أوجب ذكر الإمام(ع) أربعة صفة يلزم توفرها في المنتسبين لمدرسة أهل البيت(ع)، والمدعين الانتماء لها تحيراً عند جابر، فقال مستغرباً: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة! فقال الإمام(ع): يا جابر، لا تذهبن بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالاً[7].

وجاء عن أبي عبد الله(ع) في وصف شيعتهم(ع): شيعتنا ينظرون بنور الله، ويتقلبون في رحمة الله، ويفوزون بكرامة الله-إلى أن يقول-أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى، ومن رد عليهم فقد رد على الله، ومن طعن عليهم فقد طعن على الله، لأنهم عباد الله حقاً، وأولياؤه صدقاً، والله إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفعه الله فيهم لكرامته[8].

ومن الطبيعي أن منشأ ذلك التفاوت يعود لأمرين أساسين، لتمامية المعتقد، ولأداء السلوك والعمل. وعلى أي حال، فإن المراتب المستفادة للتشيع هي:

الأولى: مرتبة التشيع الخالص اعتقاداً، وفكراً، وعملاً، فقد ألتزموا بالولاية لأمير المؤمنين(ع)، وأولاده المعصومين(ع) والبراءة من أعدائهم أجمعين، كما ألتـزموا بالشريعة المقدسة كاملة في جميع نواحيها، أوامر ونواهي، وضم إلى ذلك البعد الأخلاقي.

ويمكن أن يعد من أجلى وأظهرا المصاديق لهذه المرتبة أجلاء الصحابة الخلص من أصحاب أمير المؤمنين(ع)، كمقداد، وسلمان، وأبي ذر، وعمار، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وشهداء كربلاء المقدسة، ومحمد بن مسلم، وزرارة، وكبار علماءنا، كالشيخ الكليني، والصدوق، والطوسي، والمفيد، وهكذا.

ولا يختلف أثنان في خروج هذه الطبقة تخصصاً من تحت محل بحثنا، فإن مقتضى التمامية لديهم نظراً وعملاً تستوجب عدم الحاجة للسؤال عن إمكانية دخولهم النار، فلا تغفل.

الثانية: مرتبة التشيع الخالص نظراً واعتقاداً، لا عملاً. ولا ريب أن هذه المرتبة ليست منحصرة في مصداق واحد، بل هي من الأمور المشككة أيضاً مما يعني أن هناك تفاوتاً بين أفرادها، إلا أنه يمكن الاقتصار على ذكر طبقتين لها فقط، وهما:

1-الذين يعتقدون بإمامة أهل البيت(ع)، ووجوب طاعتهم وإتباعهم، إلا أنهم على المستوى العملي والسلوكي لا يلتـزمون التـزاماً تاماً، إذ أنهم يقترفون الذنوب ويفعلون المعاصي، وإن كانوا ملتـزمين بظواهر الشريعة السمحاء، من الصلاة والصيام، والحج، وما شابه ذلك. وبكلمة موجزة، إن هؤلاء مصداق لما ورد أنهم قد خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيء.

2-الذين يعتقدون بإمامة الأئمة المعصومين(ع)، كما يلتـزمون بوجوب طاعتهم، ولزوم اتباعهم، إلا أنهم يختلفون عن الطبقة السابقة في أنهم لم يلتـزموا بظواهر الشريعة الغراء، فلم يقوموا بالصلاة، ولم يأتوا بالصيام، ولم يدفعوا الخمس، كما أنهم لم يؤدوا فريضة الحج، وهكذا. مضافاً إلى أنهم لم يجتنبوا الذنوب، ولم يلتـزموا تركها، فتراهم قد أقدموا على فعل كبائر الذنوب، وصغائرها.

هذا وقد يلتـزم بالتفصيل بين أصحاب هاتين الطبقتين، فيلتـزم بأن أصحاب الطبقة الأولى لا يدخلون النار، وذلك لأن ما صدر منهم من مخالفة لأحكام الشريعة بفعل بعض الذنوب، وارتكاب بعض الخطايا، سوف يتم معاقبتهم عليه في عالم الدنيا، أو في عالم البرزخ، لتكون عملية التطهير حاصلة لهم من الذنوب، وعندها يأتون يوم القيامة، فلا يدخلون النار أبداً.

ولا مانع لنا في القبول بأصل ما ذكر من أنهم لا يدخلون النار، إلا أننا نتوقف في الالتـزام باستحقاقهم عقاباً في عالم البرزخ، إذ قد عرفت في ما تقدم، أن المحب لأمير المؤمنين(ع)، يدفع عنه ضرر البرزخ، فلا يقع فيه أصلاً، وبالتالي سوف تنحصر العملية التمحيصية في خصوص عالم الدنيا، ولن يخرج منها إلا وقد طهر من كل خطاياه، ولو لم تنته، فإن التشديد عليه في الموت وحال النـزع كما أشير لذلك في رواية الإمام الهادي(ع)، والمفضل يكون سبيل التطهير بالنسبة إليه، فلاحظ.

وأما بالنسبة للطبقة الثانية منهما، وهو من اعتقدوا بكل ما لأهل البيت(ع) من منـزلة ومرتبة، من إمامة، وطاعة، ووجوب إتباع، إلا أنهم خالفوا في الالتزام السلوكي، فلم يعملوا بظواهر الشريعة الغراء، مضافاً إلى ارتكاب الذنوب، فقد يلتـزم بدخولها النار إن ماتوا دونما توبة، وعلل ذلك بأن النار تمثل تطهيراً لهم[9].

والظاهر أنه لا موجب للبناء على دخولهم النار، فإن مقتضى الحديث النبوي الشريف، والمتضمن أن محبة أمير المؤمنين(ع) موجبة لدفع الضرر كما عرفت، شامل لمثل هذه الطبقة، خصوصاً وأن هناك ما يوجب التمحيص ورفع الذنب والتطهير منها، ولا معنى للتفريق بين هذه الطبقة والطبقة السابقة، فكما أن أصحاب الطبقة السابقة لا يدخلون النار فكذلك.

نعم لو كان تركهم للعمل بظواهر الشريعة الغراء، على أساس أن مجرد المحبة كافية لذلك، كان ذلك من صغريات الغلو، والتي تضمنت النصوص الشريفة المنع عنه، والوقوف أمام كل من يلتـزم بمثل هذا المنهج. بل إن الظاهر أن ترك هؤلاء لأداء ظواهر الشريعة السمحاء، ما هو إلا نوع من أنواع المعصية، وليس غلواً كما لا يخفى، وعليه ينطبق ما تقدم في الطبقة الأولى من هاتين الطبقة في المقام.

الثالثة: هي مرتبة التشيع المشوب اعتقاداً ونظراً، وعملاً، وهذه الطبقة أيضاً كالطبقة السابقة ليست منحصرة في مفردة واحدة، بل لها مصاديق متعددة:

منها: من ألتـزم بمبدأ الإمامة لأهل بيت العصمة(ع)، من حيث الولاية لهم ولمن والاهم، إلا أنه لم يتبرأ من أعدائهم، كما أنه قد ألتـزم بظواهر الشريعة السمحاء، إلا أنه لم يمنع نفسه من بعض الذنوب والمعاصي.

وقد ذكر أن هؤلاء إن كان عدم تبريهم من أعداء آل محمد(ص) تقية، كان ذلك يمثل عذراً لهم، أما لو كان ذلك ناجماً عن شبهة لديهم، فعندها يلحظ دليلهم، كي ما يحدد موقفهم في الدخول للنار وعدمه[10].

إلا أن الذي يبدو أنه لا يتصور الفصل بين الولاية والبراءة، بل هما صنوان لا يفترقان، فلا يتصور أن يكون الشخص ممتلكاً للولاية دون أن يكون محققاً للبراءة، وعليه فلو أمتلك الولاية، لكنه لم يكن متبرئاً من أعداء آل محمد(ص)، لم يكن ذلك موجباً لتحقق الولاية بالنسبة إليه، وعليه فلا مجال لأن يكون مشمولاً للحديث النبوي المفيد للتأمين ودفع الضرر، نعم قد تلحقه الرحمة الإلهية من جهة أخرى، إلا أن الحديث المذكور لا يشمله، فلاحظ.

ومنها: من ألتـزم بالولاية، ولم يلتـزم بالبراءة، ومع ذلك لم يلتـزم بظواهر الشريعة الغراء، مضافاً إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي.

وقد ذكر أن حال هذه الفئة هو حال الطبقة الثانية من المرتبة الثانية، شريطة أن يكون الخلل العقدي الموجود لديهم ناجماً تقية، أو لحفظ المصلحة العامة، أو يلحظ دليلهم[11].

والحق أن حال هذه الفئة هو حال الفئة السابقة، إذ لا نجد موجباً للتفريق بينهما، خصوصاً وقد عرفت أن البراءة من أعداء آل محمد(ص) أصل لا يتصور حصول الولاية من دونه، فتدبر.

ومنها: من أعتقد الولاية لمحمد وآله(ع)، إلا أنه ضم لذلك الولاء لغاصبيهم، وأعدائهم أيضاً، إذ لم يكتف بترك البراءة منهم، بل عمد إلى الموالاة إليهم.

وهؤلاء سواء كانوا ملتـزمين بظواهر الشريعة المباركة، ومجتنبين لكل ذنب ومعصية، أم كانوا مقتصرين فقط في العمل بخصوص ظواهرها، ويرتكبون شيئاً من الذنوب، أم لم يكنوا محافظين عليها أصلاً، لا يتصور أن يكون حب أمير المؤمنين(ع) نافعاً له، ولا دافعاً للضرر عنه، لأنه لا يجتمع حب علي(ع) وحب أعدائه في قلب واحد، فلاحظ[12].

[1] عوالي اللئالي ج 4 ص 86. ينابيع المودة ج 2 ص 292. المناقب للخوارزمي ص 35.

[2] الأربعون ص 512.

[3] فروع الكافي ج 3 ح 3 ص 242.

[4] معرفة الله ج 1 ص 113-115.

[5] معاني الأخبار ص 290.

[6] بحار الأنوار ج 6 ص 156 ح 15.

[7] أصول الكافي ج 2 ح 3 ص 74.

[8] صفات الشيعة للشيخ الصدوق ص 4.

[9] معرفة الله ج 1 ص 109-110.

[10] المصدر السابق ص 110-111.

[11] المصدر السابق ص 111.

[12] المصدر السابق ص 111.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة