حب الله:
ومن أبرز العوامل التي ترفد الإنسان بالشحن الروحي وتجعله يعيش حالة الإستنفار، ويـبتعد تماماً عن حالة الجفاف، بل عن حالة الشلل والنكوص حب الله تعالى.
علامات حب الله:
هذا وللمحبـين لله سبحانه وتعالى علامات يعرفون بها:
الإكثار من ذكر الله تعالى:
هذه هي أولى العلامات التي يمتاز بها المحبون لله سبحانه وتعالى عن بقية الناس، فالمحبون لله سبحانه لا تفتر ألسنتهم عن ذكره سبحانه وتعالى، كما أن قلوبهم متيّمة بحبه سبحانه، ففي دعاء كميل نقرأ: واجعل لساني بذكرك لهجاً وقلبي بحبك متيماً. فإذا كان الحب حقيقياً وصادقاً، فالمحبوب لا يمكن أن يغيب عن اللسان، كما لا يمكن أن يغيب عن القلب المعشوق الحقيقي، لأن له حضوراً دائماً في القلب وفي اللسان.
وهذا القرآن الكريم حينما يتحدث عن المؤمنين الحقيقين الصادقين فيصفهم بأنهم:-
(الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار).
عندما نتأمل هذه الآية الشريفة نجد بياناً واضحاً للمحبين لله تعالى، فهؤلاء يذكرون الله في كل المواقع، مواقع القيام والقعود، وفي كل مواقع الحركة وفي كل الحالات والأوضاع، لا يغفلون عن الله، ولا ينسون الله، يأنسون بذكر الله، يطلقون لعقولهم التفكير التأمل والتدبر ليزدادوا بصيرة وإيماناً ويقيناً، يسألون الله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة، والخلاص من النار.
حب الله في قلوبهم أكبر من كل حب:
العلامة الثانية من علامات المحبين لله سبحانه وتعالى، أن هذا الحب في قلوبهم لا يساويه حب، فهو أكبر من كل حب، أكبر من حب الأنفس، الأبناء، الأهل، الأموال، الدنيا، أكبر من كل شيء في هذه الدنيا. قال تعالى:- ( قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين).
إن هذه الآية الشريفة تدعون إلى امتحان أنفسنا في حبنا لله تعالى، فهل امتحنا حبنا لله تعالى؟…
هل امتحنا هذا الحب حينما تواجهه أهواء النفس، شهوات الدنيا، إغراءات الحياة، الأموال، الأولاد، المساومات، التحديات…؟…
هل ينـتصر حبنا لله سبحانه وتعالى، أو أنه ينهزم؟…
إن المسألة ليست مجرد أن يدعي الإنسان حبه لله سبحانه، وهو يعيش في الرخاء، في المساجد، في أجواء العبادة، المسألة كم يصمد هذا الحب حينما يتعرض لمنافسات صعبة؟ كم منّا يقدم حب الله سبحانه على حب الأولاد؟…
إن من السهل ونحن نعيش هذه الأجواء العبادية، هذه الأجواء الروحية الخاصة، من صلاة ودعاء وقراءة للقرآن، أن ندعي حب الله سبحانه، ولا شك في أن حب الله تعالى في هذه اللحظات يعيش في أعماقنا، في كل مشاعرنا، ولكن حينما يواجه هذا الحب بحب آخر، في حالات التحدي، في المواقف الصعبة، أمام الشهوات والإغراءات، هناك يُمتحن الحب لله تعالى، فإن صمد وانـتصر، ثبت أنه هو الحب الأكبر، والأقوى والأقدر.
العمل بما يرضي الله سبحانه:
من أهم العلامات التي تبرهن على صدق الحب لله تعالى، أن يكون الإنسان دائماً في مواقع الطاعة لله سبحانه وتعالى، وفي مواقع الابتعاد عن معصية الله سبحانه، ويكون دائماً في مواقع الرضا لله تعالى، وفي مواقع الابتعاد عن غضب الله سبحانه.
فإنه لا يتصور صدق الإنسان في حبه لله تعالى، وهو يعصيه، ولا أقل من أنه في حال المعصية لن يكون حب الله تعالى هو الحب الأكبر في قلبه ونفسه، لأنه لا يعقل قبول دعوى حب المدعي لله تعالى، وهو في نفس الوقت يغضبه، إن الحب لا يجتمع مع المعصية. قال تعالى:- ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم). فالصدق في حب الله تعالى يتضح من خلال إتباع المحب للنبي(ص) في ما أمر به من أحكام الله تعالى، وباجتناب ما نهى عنه، وهذا يعني أن المحب لابد له من إتباع المأمور به، والسير على المنهج، فكما أن العاصي لله سبحانه لا يمكن له دعوى حبه، فكذلك لا يمكن للمخالف لمنج رسول الله(ص) أن يصدق في دعواه بكونه يحبه!.
إن المحب للرسول الأكرم(ص) لابد له من تطبيق التعاليم الإسلامية، والسير على منهجه والالتـزام بتعاليمه، وأخلاقه.
وكذا لابد لمن يقول أنه يحب القرآن الكريم أن يلتـزم منهج القرآن، وذلك من خلال تطبيق أحكام القرآن الكريم، فلا يكفي لإثبات صدق دعوى الحب بقراءة القرآن، وتجويده وحفظه عن ظهر قلب، قال النبي(ص): رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه.
وكذلك يتضح مدى صدق القائل بحبه لأهل البيت(ع) من خلال مدى التـزامه بمنهجهم وتطبيقه لتعاليمهم، والإقتداء بهم، والسير بسيرتهم، خصوصاً وأن منهجهم القرآن، وسيرتهم، هي سيرة الإسلام، وطاعتهم هي طاعة الله تعالى. ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع): ما شيعتنا، إلا من اتقى الله وأطاعه.
نعم نحن لا ننكر أن الإنسان ربما سقط في الشهوة، وغلبه الهوى، متى وقع أمام إغراء، لكن المحب لله تعالى سرعان ما يتدارك نفسه، سرعان ما يتذكر الله، فيرجع إلى الطريق القويم، قال تعالى:- ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). فالذكر الحقيقي هو العمل بطاعة الله تعالى، ففي الحديث: من أطاع الله فقد ذكره وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فقد نسى الله، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته.
وورد أن موسى(ع) قال لربه: يا رب كيف يمكنني أن أعرف من أحببت ممن أبغضت؟…
قال الله: يا موسى إذا أحببت عبداً جعلت فيه علامتين.
قال موسى: وما هما؟…
قال الله: يا موسى، إذا أحببت عبداً ألهمته ذكري لكي أذكره في ملكوت السماء، وعصمته عن محارمي لئلا يحل عليه عقابي وسخطي.
معطيات الذكر في حياتنا:
ماذا ينـتج الذكر في حياتنا؟… وما هي معطياته؟…
من المعلوم أن للذكر معطيات كثيرة جداً في حياة الإنسان المؤمن، ولكننا نشير إلى بعض منها.
اطمئنان القلوب:
أول المعطيات التي تنجم عن ذكر الله سبحانه وتعالى، الاطمئنان، قال تعالى:- ( الذين تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).فالقلوب العامر بذكر الله سبحانه وتعالى، لا تعرف القلق، ولا تعرف الأزمات، ولا اليأس، لأنها قلوب مطمئنة هادئة، لو أطبقت الدنيا بكل ضغوطاتها، وبكل أزماتها، وبكل أتعابها، ومشكلاتها على الإنسان المؤمن، فإنه لا يستوحش، لأنه يعيش الأنس بذكر الله تعالى.
بينما على العكس تماماً الذي بتعد عن الله سبحانه، ونسيه، فهو يعيش القلق والتأزم واليأس والإحباط.
ولذا لا يتصور أحد أن هؤلاء المنحرفين يعيشون حالة من الراحة، رغم ما يعبّون من متع الدنيا وشهواتها، بل هؤلاء يعيشون التمزق النفسي، الضياع، التأزم الداخلي، ولذلك يلجأ بعض هؤلاء إلى محاولات الخلاص من الحياة بالانتحار، أو بأي وسيلة أخرى.
هؤلاء الذين يعيشون أجواء البعد عن الله تعالى، وأجواء المعصية، واللهو، والفسوق، المجون، الضياع، الانحراف، يحملون في داخلهم أرواحاً قلقة، متأزمة حائرة يائسة.