طريق الجنة
يعدّ دخول الجنة غاية وهدفاً يسعى المؤمنون دائماً للوصول إليه، سيما وأنهم يعلمون أن الله تعالى قد خلق الناس إليها ولم يخلقهم لدخول النار.
ومن الطبيعي أن يفتح مثل هكذا هدف البحث عن السبل والوسائل التي تقود المؤمن إلى دخولها، وقد قدّم الرسول الأكرم محمد(ص) جواباً عن ذلك عندما أرشد أحد أصحابه إلى ذلك، فقد روى هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: قال رسول الله لرجل أتاه: ألا أدلك على أمر يدخلك الله به الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أنل مما أنالك الله، قال: فإن كنت أحوج ممن أنيله؟ قال: فانصر المظلوم، قال: وإن كنت أضعف ممن أنصره؟ قال: فاصنع للأخرق، يعني أشر عليه، قال: فإن كنت أخرق ممن أصنع له؟ قال: فاصمت لسانك إلا من خير، أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة.
فإن المستفاد من هذا النص أنه يمكن للمؤمن دخول الجنة حال توفر واحدة من هذه الخصال الأربع فيه. ولا يبعد أن يكون الترتيب الطولي الصادر منه(ص) يشير إلى تفاوت فيما بين المراتب الأربع بحيث لا تكون جميعها في مرتبة واحدة، بل تكون الخصلة الأولى تعطي منـزلة أعلى من صاحب الخصلة الثانية، وهو أحسن حالاً من صاحب الخصلة الثالثة، وهكذا.
وعلى أي حال، فإنه مع البناء على كفاية خصلة واحدة لدخول الجنة، فلا ريب أن توفرها بأكملها أو وجود أكثر من خصلة عند المؤمن يعطيه فضلاً وأسبقية لدخول الجنة على من يملك خصلة واحدة من الخصال الأربع.
وعلى أي حال، فلنمر سريعاً على كل واحدة من الخصال الأربع والتي يوجب وجود واحدة منها دخول الجنة:
الانفاق والعطاء:
وأول تلك الخصال، هي قوله(ص): أنل مما أنالك الله، وهو يشير بذلك إلى الإنفاق والإعطاء، لأن المقصود من الإنالة هو الإعطاء، فيشير(ص) إلى أن أحد الأسباب والطرق المؤدية بالإنسان إلى دخول الجنة هو البذل والعطاء، وهذا التعبير النبوي يدل دلالة واضحة وصريحة على محبوبية البذل والعطاء لأبناء المجتمع.
ولم يحدد النص نوعية المبذول والمعطى وأنه خصوص الأمور المادية المتمثلة في الأموال والأطعمة والملابس وما شابه ذلك، أم الأمور المعنوية من إعطاء العلم وبث المعرفة، وبذل النصيحة والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يوجب شمول المبذول لكليهما.
ومن المعلوم تفاوت القدرات للأفراد واستطاعتهم، إذ ليس كل أحد يقدر على المساهمات المادية، وليس كل أحد يقدر على النصح والتوجيه والإرشاد، وهذا ما صرح به الرجل الذي كان يخاطبه رسول الله(ص) عندما قال لرسول الله(ص): فإن كنت أحوج ممن أنيله، ولهذا جاءه النبي الأكرم(ص) بالخصلة الثانية، والسبيل الثاني الذي يمكنه سلوكه لدخول الجنة.
نصرة المظلوم:
ويكون ذلك بدفع الظلم عنه، سواء كان المظلوم حاضراً أم كان غائباً، وسواء كان الظلم الواقع عليه باليد أم باللسان، كما لو كان يتهجم عليه، أو يسب أو يهان، ومن ذلك غيبته لو كان غائباً، فيدفع عنه ويمنع من غيبته.
وقد يكون الإنسان أقل من التصدي لدفع الظلامة عن أخيه المؤمن ونصرته، وليس ذلك دائماً يرجع إلى عجز الإنسان وعدم قدرته على ذلك، بل قد يكون سببه الحذر من حصول مفسدة أكثر مما يكون كما في ردّ الغيبة مثلاً.
وحتى لا يخسر المؤمنون الجنة، جاء رسول الله(ص) بخصلة ثالثة وطريق ثالث.
توجيه الجاهل وإرشاده:
إن المستفاد من كلمات أهل اللغة وجود مصاديق ثلاثة للأخرق:
1-الجاهل بما يجب عليه أن يعلمه.
2-من لا يحسن التصرف في الأمور.
3-من لم يكن لديه صنعة يكتسب بها.
ولا مانع من البناء على شمول المورد للاستعمالات الثلاثة، فتكون الخصلة شاملة للجميع، وليست مختصة بواحد منهم.
وعلى أي حال، فإن المقصود من الخصلة الثالثة هي توجيه النصح والإرشاد لمن يكون مورداً له ويحتاجه، كالجاهل بما يجب عليه أن يعلمه، وكذا من لا يملك حسن التدبير والإدارة، والقيام بالأمر المطلوب منه.
وبسبب عدم فاعلية التوجيه والإرشاد إما لفقدان البعض للقابلية، أو لعدم التأثير، طلب الرجل من الرحمة الإلهية محمد(ص)، طريقاً آخر يكون سبيلاً لدخوله إلى الجنة، حيث قال له: فإن كنت أخرق ممن أصنع له. وعندها أعطاه النبي(ص) آخر الخصال وهي الخصلة الرابعة.
حفظ اللسان:
فقال له(ص): فاصمت لسانك إلا من خير. فإن كثير من المشاكل التي تصيب الإنسان منشؤها اللسان، فلو صمت الإنسان لكفى نفسه كثيراً، بل ربما كلها. نعم يتكلم الإنسان في مجال الخير، بالذكر لله تعالى، وكلمات النصح والإرشاد والتوجيه.