ولادة الإمام الحسين(ع)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
445
2

ولادة الإمام الحسين(ع)

 

اختلف المؤرخون في تاريخ ولادة الإمام الحسين(ع) فذكرت أقوال:

منها: ما أختاره غير واحد كالشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في التهذيب، والشهيد في الدروس من أن ولادته كانت في آخر شهر ربيع الأول في السنة الثالثة من الهجرة[1].

ومنها: ما أختاره الشيخ الطبرسي(قده) في كتابه إعلام الورى أنها كانت في الثالث من شهر شعبان[2].

ومنها: أن ولادته(ع) كانت في الخامس من شهر شعبان في السنة الرابعة من الهجرة بعد ولادة أخيه الإمام الحسن(ع) بعشرة أشهر وعشرين يوماً، وقد أختاره ابن شهراشوب في المناقب، وهو مختار المفيد في الإرشاد، وحكاه الإربلي(ره) في كشف الغمة عن كمال الدين بن طلحة في مطالب السؤول.

 

ومنها: ما ألتزمه ابن نما الحلي(قده) من أن ولادة الإمام الحسين(ع) كانت في الخامس من شهر جمادى الأولى، وأن مدة حمله ستة أشهر[3].

ويبتني القول الأول على مقدمتين:

الأولى: الالتزام بكون ولادة الإمام الحسن(ع) في النصف من شهر رمضان المبارك.

الثانية: النصوص التي تضمنت أن الفصل بين ولادتيهما كان ستة أشهر وعشراً، وهي مدة حمل الإمام الحسين(ع).

ومع منع إحدى المقدمتين يبطل القول المذكور لعدم ما يدل عليه كما لا يخفى.

 

وأما ثاني الأقوال، وهو مختار شيخنا الطبرسي(قده) فالظاهر أن مستنده هو التوقيع المذكور في مصباح الشيخ(ره) والوارد فيه: خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد(ع) أن مولانا الحسين(ع) ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان[4].  وهو نص صريح في تحديد تاريخ الولادة وأنها في الثالث من شهر شعبان.

ويدل على القول الثالث من أن ولادته(ع) كانت في الخامس من شهر شعبان ما رواه الحسين بن زيد عن جعر بن محمد الصادق(ع) قال: ولد الحسين بن علي(ع) لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة[5].  وهو كسابقه من حيث الصراحة في الدلالة على المطلوب.

وعليه، تقع المعارضة بين ما دل على القول الثاني وما دل على القول الثالث، ولا مجال للتوفيق والجمع بينهما، فيلزم ترجيح أحد القولين لترجيح مستنده على الآخر.  بل تقع المعارضة بينهما وبين ما دل على القول الأول لأن المفروض استناده لدليل لفظي كما سيتضح.

ولم يتضح وجه القول الرابع، ويحتمل أن يكون ناجماً من عدم التسليم بكون ولادة الإمام الحسن الزكي(ع) كانت في النصف من شهر رمضان المبارك.

 

وكيف ما كان، فأما القول الأول فقد عرفت قيامه على مقدمتين:

أما الأولى، وهو أن ولادة الإمام الحسن السبط(ع) كانت في شهر رمضان، محل خلاف بين الأعلام، فقد أختار الكليني(قده) أنها في شهر رمضان المبارك سنة ثلاث من الهجرة النبوية، وقد حدد ذلك المفيد(ره) في ليلة النصف منه في السنة الثالثة من الهجرة، ومثله قال ابن شهراشوب(ره).  وأختار الشهيد(ره) في الدروس كونها في منتصف شهر شعبان.

ولم يرد في ذلك نص عن أحد المعصومين(ع)، وإنما هو نقل وحكاية تاريخية، ومن المعلوم توقف ثبوت الموضوعات التاريخية على إحراز شهرتها، فمتى تحققت الشهرة لها كان ذلك موجباً لثبوتها.

وثبوتها غير بعيد للقول بأن الولادة الميمونة للإمام الحسن السبط(ع) كانت في شهر رمضان ف النصف منه. بل المذكور في كلمات غير واحد عدم وجود خلاف بين المؤرخين في أن ولادة الإمام الزكي(ع) في شهر رمضان المبارك، وقد صرح بذلك جملة من علماء الجمهور، كابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في جامع الأصول، والشافي في مطالب السؤول، والكنجي في كفاية الطالب[6]، وغيرهم. نعم الخلاف قد يكون في سنة ولادته(ع)، وأنها في السنة الثانية من الهجرة، أو السنة الثالثة.

نعم ظاهر غواص بحار الأنوار شيخنا المجلسي(ره) التوقف في كونها في شهر رمضان المبارك لعدم وجود نص معتبر من المعصوم(ع) على ذلك[7].

 

وقد عرفت عدم حاجة القضايا التاريخية في ثبوتها ولو في الجملة إلى نص، بل يكفي وجود شهرة عليها كي ما يلتزم بثبوتها. مع أن الظاهر من الشيخ المفيد(ره) في الإرشاد نسبة ذلك للإمام الصادق(ع)، فقد ذكر أنه روى جماعة، منهم أحمد بن صالح التميمي، عن عبد الله بن عيسى، عن جعفر بن محمد الصادق(ع): أن كنية الحسن بن علي صلوات الله عليهما أبو محمد، وكنية الحسين(ع) أبو عبد الله، وولد الحسن(ع) بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة[8]. وقد عرفت في محله أنه لا يعتبر في النصوص ذات البعد التاريخي الصحة السندية، كما فصل في محله.

وهذا يعني توفر المقدمة الأولى من المقدمتين التي يقوم عليها القول الأول.

 

وأما المقدمة الثانية، فمن النصوص الدالة على أن الفاصل بين ولادة الإمامين الهمامين الحسن والحسين(ع) ستة أشهر وعشراً، معتبرة العزرمي عن أبي عبد الله(ع) قال: كان بين الحسن والحسين(ع) طهر، وكان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشراً[9]. وهو تام الدلالة على المطلوب، لأنه قد تضمن أمرين:

الأول: أن الفاصل الزمني بين ولادة مولاتي السيدة الزهراء(ع) بمولاي الإمام الحسن الزكي(ع) وعلوقها بمولاي الإمام الحسين(ع) طهر واحد. ولو بني على ملاحظة أقله فسوف يكون عشرة أيام.

الثاني: أن مدة حمل مولاي الإمام الحسين(ع) ستة أشهر وعشرة أيام.

وهذا يعني تمامية دلالة النص على المدعى. ومثله في الدلالة ما رواه القمي وغيره عن الإمام الصادق(ع) أنه قال في حديث: إن حمل الحسين(ع) كان ستة أشهر، وأرضع سنتين وهو قول الله عز وجل:- (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)، وكان بينه وبين الحسن(ع) طهر واحد[10].

 

وفي رواية أنه لم يعش مولود لستة أشهر غير الحسين بن علي(ع)، وعيسى بن مريم[11]. نعم في نص آخر عوضاً عن المسيح عيسى(ع) جاء: يحيى بن زكريا[12].

وقد أوجب هذا بناء جملة من الأعلام على المنع من أن تكون ولادة الإمام الحسين(ع) الميمونة في شهر شعبان المعظم، لأنها لا تنسجم وكون المددة الزمنية للحمل ستة أشهر، وأن بينهما طهر واحد وهذا ما دعى أصحاب القول الأول لاختيار ما قالوه. مع أنه خلاف صريح النصوص التي تضمنت أن ولادته(ع) كانت في شهر شعبان المعظم.

 

ويمكن أن يجاب عن ذلك، بأن منشأ ما وقع فيه تفسيرهم للطهر الواحد بمعناه المصطلح في الفقه، وهو عشرة أيام على ما يبدو، ولهذا بنوا أن مولاتنا الزهراء(ع)، قد حملت بالمولى أبي عبد الله الحسين(ع)، مباشرة، فيكون مقتضى ملاحظة ذلك ومدة الحمل ما ذكروه.

مع أنه لم يرد في شيء من النصوص تحديد مدة الطهر بعشرة أيام، وإنما الوارد تحديد أقله، ولا حد لأكثره، وهذا يعني أنه ولو طالت مدة الطهر فإنه ينطبق عليها العنوان، وإن بلغت شهرين أو ثلاثة، لأن المقصود منه المدة الزمنية التي لا ترى فيها المرأة الدم، بحيث لا ينتفي صدق العنوان عليها عرفاً-حسب الظاهر- ومع تصريح النصوص بأن الولادة الميمونة للإمام الحسين(ع) في شهر شعبان، وأن مدة الحمل ستة أشهر من بعد ولادة الإمام الحسن(ع)، يمكن أن تحدد مدة الطهر، وأنها تعادل خمسة أشهر تقريباً، تبدأ من شهر شوال وتنتهي في شهر صفر، وأن الحمل قد حصل في شهر ربيع الأول، أو في أواخر شهر صفر، وهذه المدة أعني خمسة الأشهر ليست كثيرة عرفاً، بحيث يقال بعدم انطباق عنوان الطهر الواحد عليها. وهذا يعني عدم تمامية المقدمة الثانية لأصحاب القول الأول وفقاً لتفسيرهم.

وبالجملة، ما ذكرناه يصلح للبناء على ما عليه المشهور والثابت بالنص من أن الولادة الميمونة للمولى أبي عبد الله(ع)، كانت في شهر شعبان المعظم، وأن الولادة الميمونة للمولى أبي محمد الحسن(ع)، كانت في شهر رمضان المبارك.

ومن خلال ما ذكرنا لا حاجة للتشكيك في كون ولادة الإمام الحسن(ع) في شهر رمضان المبارك، كما صنع ذلك الشيخ المجلسي(ره)[13].

 

كما لا حاجة للبناء على وقوع الاشتباه في نقل الرواية، سواء كان ذلك من الراوي المباشر لها، أم من الرواة الذين رووها بعده، وأن الصادر من المعصوم(ع) أن مدة حمل الإمام الحسن(ع)، هي ستة أشهر، وليست مدة حمل الإمام الحسين(ع)[14]. فإنه مضافاً لكونه لا ينسجم مع تعدد النصوص المتضمنة لوجود الفاصل بينهما بالطهر، وأن حصول الاشتباه يتصور في خبر واحد، وليس في الخبر المتعدد، إنا يصار إليه حال البناء على تحديد الطهر بالعشرة أيام، أو قريباً من ذلك، ومع التفسير الذي ذكرناه لا يحتاج إليه.

ومثله في رفع اليد عنه وعدم الحاجة إليه، من البناء على وجود خطأ في النسخ، وأن الوارد أن بينهما عشرة أشهر وعشرون يوماً، وليس ستة أشهر[15]. لأنه يأتي فيه ما تقدم في سابقه.

نعم يبقى علاج أن ولادة الإمام الحسين(ع) كانت في الثالث أو الخامس من شهر شعبان المعظم، وهي المعارضة الحاصلة بين القولين الثاني والثالث كما سمعت، وتحقيق ذلك ليس مهماً.

 

أحب الله من أحب حسيناً:

ومن النصوص المشهورة ذات البعد العقدي والتي وردت في مصادر الفريقين، الحديث النبوي المعروف: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط.

وقد احتل القسم الثاني من المقطع الأول، وهو قوله(ص) وأنا من حسين، جزءاً كبيراً جداً من عناية المتعرضين للحديث المذكور، فنجد زيادة تسليط للضوء عليه، وقل أن تجد من تعرض للحديث المذكور إلا ووقف عند هذا المقطع مطولاً في محاولة للوصول لبيان المقصود من أنه(ص) من الحسين(ع)، وقد تعددت البيانات في المقام.

 

وربما يغفل كثيراً عن العناية بالمقطع الثاني الذي تضمنه الحديث الشريف، مع ما فيه من أهمية قصوى ذات بعدين، عقدي من ناحية، وتربوي من ناحية أخرى، وحتى يتضح ذلك نسلط الضوء عليه، فنقول:

 

يوجد في قوله(ص): أحب الله من أحب حسيناً، احتمالان:

الأول: أن يكون التعبير المذكور وارداً بنحو الجملة الخبرية، فيكون مفاده صدور إخبار منه(ص) بالمقصود.

الثاني: أن يكون صدوره بنحو الجملة الإنشائية، وبالتالي لابد من تطبيق مورد من موارد الإنشاء، من التمني والترجي، والدعاء، وما شابه، والظاهر أن المتصور في البين أن يكون دعاء، فيكون مفاد التعبير المذكور أنه(ص) بصدد الدعاء.

وكما يوجد احتمالان في التعبير المذكور، هناك احتمالان آخران في اعراب لفظ الجلالة:

أحدهما: أن يكون لفظ الجلالة مرفوعاً على أنه فاعل للفعل أحب.

ثانيهما: أن يكون لفظ الجلالة منصوباً، لأنه يعرب مفعولاً به.

 

ومع ضرب الاحتمالين الأولين، في الاحتمالين الثانيـين، سوف يكون عندنا في العبارة المذكورة أربعة محتملات:

الأول: أن تكون الجملة جملة خبرية، ويكون لفظ الجلالة فاعلاً، فيكون معناها، الإخبار عن محبة الله سبحانه وتعالى لكل من يقوم بحب الإمام الحسين(ع).

الثاني: أن تكون الجملة جملة إنشائية، بمعنى الدعاء، فيكون مفاد الجملة أن النبي(ص) يسأل الله سبحانه وتعالى ويدعوه أن يقوم بحب كل من يحب الإمام الحسين(ع)، ويطلب منه ذلك.

ومن المعلوم أن دعاء رسول الله(ص) مستجاب، لعدم وجود ما يمنع من القبول به، ولأن المعوقات المانعة من قبول الدعاء من ذنوب ومعاصي وما شابه ذلك ليست موجودة بالنسبة إليه.

 

الثالث: أن تكون الجملة جملة خبرية، ويكون لفظ الجلالة منصوباً، على أنه مفعول به، فيكون معنى الجملة، الإخبار عن أن كل من يحب الإمام الحسين(ع)، فإنه محب لله سبحانه وتعالى.

وربما يوجب هذا المعنى تساؤلاً، حاصله: ما هي الثمرة المترتبة على البناء على محبة الله سبحانه وتعالى من قبل محب الإمام الحسين(ع)؟

وسوف يتضح جوابه بعد قليل إن شاء الله تعالى، فأنتظر.

الرابع: أن تكون الجملة انشائية، ولفظ الجلالة منصوباً على أنه مفعول به، فيكون المعنى دعاء من النبي(ص) لله سبحانه وتعالى أن يجعل محبته في قلب كل من يكون قلبه متضمناً لمحبة الإمام الحسين(ع).

وتظهر ثمرة هذين الاحتمالين، أعني وجود محبة الله سبحانه وتعالى في قلب عبد من الناس، ومكلف من المكلفين، بملاحظة ما يذكره علماء الأخلاق، في تهذيب النفس وتغيـير الأخلاق، وتقويم السلوك، فإن المشهور بينهم وجود طريقين لتهذيب السلوك وتغيـير الأخلاق، وإصلاح النفس:

الأول: تهذيب النفس بالغايات الدنيوية الصالحة، فيكون دافع الإنسان لما يأتي به من أعمال حسنة في هذا العالم ملاحظة المصالح الدنيوية، وما يلقاه من ذكر وثناء حسن، كما أن دافعه لاجتناب السيئات والأعمال القبيحة، ما يلحقه من ذم واستنكار ممن حوله في هذا العالم.

الثاني: تهذيب النفس بالغايات الأخروية، وهو يختلف عن سابقه بملاحظة الدافع، ذلك أن الأول منهما كان دافعه عالم الدنيا، وهذا دافعه عالم الآخرة، ويوم القيامة.

 

وقد أضاف العلامة الطباطبائي(رض) في تفسيره القيم الميزان طريقاً ثالثاً، وهو طريق محبة الله سبحانه وتعالى، بأن يكون السبب الدافع لتهذيب النفس وإصلاحها بتغيـير الأخلاق، هو محبة العبد لربه، فإذا وجدت المحبة عنده كان ذلك سبباً لتحقق الغرض المطلوب[16].

ويختلف طريق محبة الله سبحانه وتعالى عن الطريقين السابقين عليه، بأن أول الطرق الثلاثة يوجب حصول تهذيب النفس، إلا أنه لا يوجب ارتباطاً بالله سبحانه وتعالى، ولا يوثق عرى المحبة بين العبد وربه.

وأما الطريق الثاني، فإنه يوجب تحقق ذلك، لكنه بمثابة العلاقة التي تقوم بين التاجر وتجارته، بحيث أنه لو لم يكن رابحاً في صفقة معينة، فإنه لن يقدم على الإتيان بها، والدخول فيها.

أما الطريق الثالث، فإنه يختلف عنهما، لأن المحب يقدم على الفعل لا لغاية إلا لكونه محباً لمن أحبه، وهذا يعني أن الغاية الأساس الموجودة عنده هي تحصيل رضاه، سواء كان ذلك محققاً لمصلحة له، أم لا، ومن أوضح المصاديق لهذا المعنى ما تضمنته سيرة النبي الأكرم محمد(ص)، والأئمة الأطهار(ع)، ويجد القارئ هذا جلياً واضحاً في دعاء كميل المعروف عن أمير المؤمنين(ع).

 

ومن خلال ما ذكرنا يتضح كيف أن محبة الإمام الحسين(ع)، تكون سبباً من أسباب اصلاح النفس وهداية العبد، لأنها توجب محبة الله تعالى، ومحبة الله عز وجل تكون سبباً من أسباب اصلاح النفس وتهذيبها وتقويم سلوكها وإصلاحه.

ثم إنه لو بني على الاحتمال القائل بأن مفاد الجملة المذكورة ثبوت محبة الله تعالى لعبده، أو بني على ثبوت محبة العبد لربه، بناء على أن المستفاد من الجملة جملة خبرية، وليست إنشائية، يقع الكلام في أن هذا الحب، هل هو من الحب التشريعي المجعول من قبل الله تعالى، أم أنه من الحب التكويني، الذي يكون وجوده ذاتياً من دون أن يكون ناجماً من جعل؟

 

وتظهر الثمرة، أنه لو بني على كون وجوده تكوينياً، لأنه يمكن تصور وجوده حتى عند من لا يرتبطون مع الإمام الحسين(ع) برابط الدين والعلاقة المقدسة، لكونه سبط النبي الأكرم محمد(ص)، بل سوف تكون محبته موجودة عند كل من يكون مالكاً لأحاسيس الإنسانية ومشاعرها، وهذا يوجب أن يحظى ببركاته(ع) الكثيرون حتى من لا يلتـزمون أنه امام معصوم مفترض الطاعة من الله سبحانه وتعالى، بل حتى غير المسلمين، سوف تنالهم بركاته(ع). وهذا بخلاف ما لو بني على كون مفاد الحديث أمراً تشريعياً مجعولاً من قبل الله سبحانه وتعالى.

والإنصاف، أن حمل الحديث على خصوص البعد التشريعي ليس واضحاً، بل لعل الأوضح حمله على البعد التكويني، وأن هذا من الموارد التي يوجدها الله سبحانه وتعالى ذاتاً من دون دخالة للبعد التشريعي فيها، والمسألة تحتاج مزيد بحث وتأمل لا يحتمله هذا المختصر.

رضاع الإمام الحسين(ع):

اشتملت جملة من النصوص على أن الإمام الحسين(ع)، لم يرتضع من أمه السيدة الزهراء(ع)، بل كان يرتضع من جسد رسول الله(ص)، وقد علل ذلك بمرض الصديقة الزهراء(ع)، ما أدى إلى جفاف لبنها(ع).

 

وهناك طائفتان من النصوص، تضمنت الجزء الذي كان يرتضع الإمام الحسين(ع) منه من جسد النبي(ص):

الأولى: ما تضمنت أنه كان(ص) يلقمه إبهامه الشريف، فكان(ع) يمصها ويجعل الله في إبهام رسول الله(ص) رزقاً يغذوه. بل جاء في بعضها أنه(ع) كان يكفيه ذلك اليومين والثلاثة، وقد نبت لحم الإمام الحسين(ع)، من لحم رسول الله(ص)، ودمه من دمه[17].

الثانية: ما تضمنت أن الجزء الذي كان يتغذى منه الإمام الحسين(ع)، هو لسان النبي(ص)، فقد كان رسل الله(ص) يدخله في فيه، فيغره كما يغر الطير فرخه، فيجعل الله له في ذلك رزقاً، ففعل ذلك أربعين يوماً وليلة فنبت لحمه من لحم رسول الله(ص)[18].

قد أوجبت هذه النصوص بناء جملة من الباحثين تفسير الحديث النبوي المعروف: حسين مني، وأنا من حسين، بالبعد الجسماني، على أساس أن جسد الإمام الحسين(ع)، قد نبت من جسد النبي الأكرم(ص).

ولا يخفى حصول المعارضة بين الطائفتين، فإن إحداهما تنص على أن مصدر الطعام للإمام الحسين(ع)، هو إبهام النبي(ص)، بينما جعلت الأخرى المصدر هو لسانه(ص)[19].

 

[1] المقنعة ص ، تهذيب الأحكام ج 6 ص 41، الدروس ص

[2] إعلام الورى بأعلام الهدى ج 1 ص 420.

[3] مثير الأحزان ص 7.

[4] مصباح المتهجد ص 826 رقم 885/28.

[5] المصدر السابق ص 852.

[6] الاستيعاب ج 1 ص 383 ح 555، جامع الأصول ج 13 ص 315، مطالب السؤول ص 255، كفاية الطالب ص 413.

[7] مرآة العقول ج 5 ص 362.

[8] الإرشاد ج 2 ص 5، بحار الأنوار ج 43 ح 26 ص 250.

[9] الكافي ج 1

[10] تفسير القمي ج 2 ص 297، الكافي ج 1 ح 2 ص 385، وباب مولد الحسين بن علي(ع) ح 3 ص 386.

[11] علل الشرائع ح 3 ص 206.

[12] بحار الأنوار ج 44 ص 202.

[13] مرآة العقول ج 5 ص 362.

[14] أعيان الشيعة ج 1 ص 562.

[15] منا قب آل أبي طالب ج 3 ص 231، روضة الواعظين ص 153.

[16] الميزان في تفسير القرآن ج 1 ص 358.

[17] كامل الزيارات ص 124.

[18] مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 209.

[19] عند وصول للبحث إلى هذه النقطة وصلني خبر التفجير الآثم الذي وقع في أحد مساجد بلدي الحبيب، وراح ضحيته مجموعة من المؤمنين المصلين الصائمين في يوم ميلاد الإمام الحسين(ع)، وفي بيت من بيوت الله تعالى أثناء أدائهم للصلاة، ما دعاني لقطع البحث، والذهاب لمكان التفجير الغادر للمشاركة مع المشاركين ومواساة المثكولين والمنكوبين، وقد أحببت إبقاء البحث كما هو دون زيادة على ما تم إلقاؤه رغبة في جعل ذلك أحد الشواهد على غدر هؤلاء المجرمين، وعبثهم بالأرواح والمقدسات، وأنهم بعيدون كل البعد عن الإسلام وأهله. فرحم الله الشهداء السعداء، ورزقنا وإياهم شفاعة الإمام الحسين(ع).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة