تلقيح المرأة الأجنبية(2)
توجيه آخر لمنع الدلالة:
وقد يوجه المنع عن الزواج بها بوجه آخر غير ما ذكر، وحاصله:
إن من الممكن أن يقع الطلاق على غير السنة، إلا أنه يكون طلاقاً صحيحاً، كما لو طلقها ثلاث طلقات ولاء في مجلس واحد، فإنه يكون مصداقاً للطلاق على غير السنة، إلا أنه طلاق صحيح، ولهذا لما لم يكن الطلاق الواقع معيناً، لأنه ليس كل طلاق على غير السنة يكون باطلاً، منع(ع) من الزواج بها.
وبالجملة، إن موجب المنع من التـزويج بها للشك في نوعية طلاقها، وأنه طلاق صحيح أو لا.
ويمكن الجواب عن ذلك، بعدم الموجب للحمل على التقية، لأن التردد في نوعية الطلاق الواقع متصور بالنسبة إلينا، وليس متصوراً بالنسبة إلى السائل، فإن الظاهر من المعتبر كونه محيطاً بنوعية الطلاق الواقع خارجاً، وليس لديه تردد فيه، هذا أولاً.
ثانياً: إن المعتبرة أجنبية عن المدعى، فإن المفروض حتى يصلح الاستدلال بها أن يكون موضوعها هو شبهة حكمية، وليس شبهة موضوعية، مع أن الوارد في المعتبر شبهة موضوعية، وليس حكمية، فإن الإمام(ع) لم يحتط وإنما عمد إلى بيان حكمها، فلا تصلح أن تكون دليلاً على المدعى.
ومن المحتمل أن يكون وجه الاحتياط هو أن الطلاق البدعي على أقسام:
منها: ما يكون باطلاً، وذلك إذا صدر منا، كطلاق الحائض بعد الدخول مع حضور الزوج معها أو مع غيبته دون مضي المدة المشترطة، وهكذا النفساء، أو كطلاقها في طهر المواقعة.
ومنها: ما يكون صحيحاً، كطلاق الثلاث مترتبة، بمعنى إنشاء الطلاق ثلاث مرات في مجلس واحد، فإنه قد صرح في الجواهر أنه لا خلاف في وقوعه واحدة، وحيث أن الراوي لم يعين الموضوع علم أنه لم يتمكن من إحراز كيفية وقوع الطلاق البدعي فصار مشتبهاً، فأوصى الإمام(ع) في مفروض المسألة بالاحتياط وترك التـزويج.
والإنصاف، أن الجزم بتمامية دلالة المعتبرة على تقدم الاحتياط على البراءة في الفروج ليس واضحاً، لأن شبهة التقية في المعتبرة لا زالت قائمة حتى مع ما ذكرنا، وعليه يصعب التعويل عليها، فتأمل.
بل يكفي أن نشير إلى أن صاحب الحدائق(ره) قد حمل الصحيحة محل البحث على الاستحباب، قال(قده): وحينئذٍ فيحمل الاحتياط هنا على الاستحباب[1].
ومنها: معتبرة العلاء بن سيابة، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن امرأة وكلت رجلاً بأن يزوجها من رجل فقبل الوكالة، فأشهدت له بذلك، فذهب الوكيل فزوجها ثم إنها أنكرت ذلك الوكيل، وزعمت أنها عزلته عن الوكالة فأقامت شاهدين أنها عزلته فقال: ما يقول من قبلكم في ذلك؟ قال: قلت: يقولون ينظر في ذلك فإن كانت عزلته قبل أن يزوّج فالوكالة باطلة التـزويج باطل وإن عزلته وقد زوجها فالتـزويج ثابت على ما زوّج الوكيل وعلى ما أنفق معها من الوكالة إذا لم يتعدّ شيئاً مما أمرت به واشترطت عليه في الوكالة، قال: ثم قال: يعزلون الوكيل عن وكالتها ولم تعلمه بالعزل؟ فقلت: نعم يزعمون أنها وكلت رجلاً وأشهدت في الملأ وقالت في الملأ: اشهدوا أني قد عزلته وأبطلت وكالته بلا أن يعلم بالعزل وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة وغي غيره لا يبطلون الوكالة إلا أن يعلن الوكيل بالعزل ويقولون المال منه عوض لصاحبه والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد. فقال(ع): سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده، إن النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه وهو فرج ومنه يكون الولد[2]. وقد قرب بعض الأعلام(دام بقاه) دلالتها على المدعى بعين ما ذكره في تقريب دلالة صحيحة شعيب[3].
والظاهر أن منشأه كلامه(حفظه الله) هو قوله(ع): إن النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه، وهو غير ظاهر في اللزوم، بل أقصى ما يظهر منه الاستحباب، بل لو قيل بأنها صريحة في ذلك لم يكن بعيداً، لأن كلمة(أحرى)، في اللغة بمعنى الأفضل والأولى. ويساعد على ذلك الحوار الذي تمّ بين الإمام(ع)، وبين العلاء فقد سأله بداية عن رأي من قبلهم، وقد كان جوابه(ع) بمثابة الاستنكار عليهم، فتأمل.
وقد تقرب دلالتها من خلال إنكاره(ع) على العامة القائلين بعدم صحة عقد النكاح منه بعد عزله من قبل موكله من دون إبلاغه بذلك، ثم عقب(ع) ذلك بأن النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه، وهذا الإنكار الشديد منه(ع) يوحي باللزوم، وإن كان ظاهر اللفظ لا يساعد على ذلك إلا بمعية القرائن الداخلية والخارجية الحافة بالنص.
ويجاب عنها، أولاً: بما عرفت من عدم ظهور التعبير المذكور في وجوب الاحتياط، فيكون كلام الإمام(ع) يشير إلى أنه لو كان يصح الاحتياط في هكذا موارد لكانت مراعاته في باب النكاح أولى وأحرى، وذلك لأن كلا الأمرين الذين تضمنتهما المعتبرة وهما تصحيح العقد وعدمه، مخالف للاحتياط، كما أن عدم تصحيحه(ع) لعقد النكاح ليس لمخالفته للاحتياط، وإنما لمخالفته لحكم الله سبحانه.
ثانياً: إنه لو غض الطرف عما تقدم، وبني على تمامية دلالة المعتبرة، إلا أنه لابد وأن يقتصر فيها على موردها، فلا يتعدى منها إلى بقية الموارد الأخرى، وهذا يمنع من صلاحيتها لتخصيص عمومات أدلة البراءة الشرعية.
وليس في سندها من يتوقف فيه، فإن العلاء وإن لم يوثق بالتوثيق الخاص، إلا أنه روى عنه ابن أبي عمير، وقد عرفت في محله كفاية ذلك للبناء على التوثيق.
ولا يصغى لمنع روايته عنه، لكون ابن أبي عمير من الطبقة السادسة، والعلاء من الطبقة الرابعة، ومن المستبعد أن يروي أصحاب الطبقة السادسة عن أصحاب الطبقة الرابعة إلا حال كون الراوي من الطبقة الرابعة من المعمرين، فيلتزم بكون العلاء قد عمر طويلاً حتى أدرك إمامة الإمام الكاظم(ع)، ولم يثبت ذلك في شأن العلاء بن سيابة. ويشهد لكون العلاء من الطبقة الرابعة، وجود رواية له عن أبي جعفر(ع)، فيكون من شيوخ أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع)، نظير زرارة ومحمد بن مسلم، وهؤلاء لا يروي عنهم ابن أبي عمير بدون واسطة.
لأن العلاء من أصحاب الطبقة الخامسة، وليس الرابعة، وهو من أحداث أصحاب أبي عبد الله(ع) نظير جميل بن دراج، فلا يوجد ما يمنع من رواية ابن أبي عمير عنه.
وأما المورد الذي جعل قرينة على أنه من أصحاب الطبقة الرابعة، لروايته عن الإمام الباقر(ع)، فهو اشتباه وقع فيه صاحب الوسائل(قده)، ويظهر ذلك عند الرجوع لمصدر الخبر وهو كتاب الكافي، فإن الوارد فيه عن أبي عبد الله(ع)، وليس أبو جعفر الباقر(ع).
وقد نشأ الاشتباه أن الكليني(ره) بعدما ذكر رواية العلاء عن أبي عبد الله(ع)، ذكر حديثين بعدها قائلاً: وبهذا الاسناد عن أبي جعفر(ع)، ففهم جمع من الأعلام كصاحب الوسائل(قده) أن السند المذكور أيضاً طريقه للرواية عن أبي جعفر(ع)، مع أن الظاهر إشارته(ره) إلى أن أبا عبد الله(ع) يروي عن أبي جعفر(ع)، فيكون السند إلى أبي عبد الله(ع)، وهو يروي عن أبيه(ع)، ويساعد على هذا الاستظهار ورود الرواية بهذه الكيفية في كتاب الفقيه.
وأما بقية التوثيقات العامة الأخرى المذكورة للبناء على وثاقته، من قبيل وقوعه في أسناد تفسير القمي، ورواية أحد أصحاب الإجماع عنه، فقد عرفت غير مرة عدم صلاحيتهما لذلك.
ومنها: موثقة مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه(ع)، أن النبي(ص) قال: لا تجامعوا في النكاح على الشبهة(وقفوا عند الشبهة)، يقول: إذا بلغك أنك قد رضعت من لبنها وأنها لك محرم وما أشبه ذلك فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة[4]. وتقريب دلالتها على المدعى بلحاظ ما تضمنته من نهي صدر عنه(ع) في ممارسة العلاقة الطبيعة حال الشبهة، فلو اشتبه شخص في امرأة كونها من محارمه كأخته من الرضاع، أو أنها أجنبية عنه، فقد يتصور البناء على عدم حرمة نكاحها لمكان الشك، إلا أنه(ع) نهى عن ذلك ما دام الأمر مشتبهاً.
والحاصل، إن المستفاد من الموثق هو النهي عن ممارسة العلاقة الطبيعة عند الشك، وهذا يعطي أن الأصل في الفروج هو الاحتياط، وليس البراءة، فيكون الموثق صالحاً لتقيـيد إطلاقات وتخصيص عمومات أدلة البراءة الشرعية.
وقد يعمد للتصرف في دلالة المعتبرة بسبب ما ذكر من مانع فيها، بحملها على الاستحباب، عوضاً عن حملها على التقية، والقرينة على ذلك هي إسناده(ع) الاحتياط إلى نفسه الشريفة(ع).
ولمنع دلالتها على المدعى مجال، بكونها أجنبية عن المقام، أعني عملية التلقيح الصناعي، فإن من المحتمل جداً أن تكون مختصة بممارسة العلاقة الطبيعية، وقد يلحق بها أيضاً سائر الاستمتاعات الجنسية، ويساعد على ذلك أن الذيل الوارد فيها بقوله: يقول: إذا بلغك أنك قد رضعت من لبنها وأنها لك محرم وما أشبه ذلك فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة[5].
ومنها : النصوص الواردة في الأمر بالسؤال عن المرأة إذا أراد التمتع بها:
1– معتبرة أبي مريم عن أبي جعفر(ع)، أنه سئل عن المتعة، فقال: إن المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم إنهن كن يومئذٍ يومن واليوم لا يؤمن فاسألوا عنهن[6].
2- معتبرة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن المرأة ولا يدرى ما حالها أيتـزوجها الرجل متعة؟ قال: يتعرض لها فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل[7]. وظاهرها البناء على الاستفهام عن حال المرأة التي يراد التمتع بها، ويستكشف ذلك من أمره بامتحانها، فإنه لو قبلت بطلبها للفاحشة لم تكن مؤتمنة، بخلاف ما لو رفضت.
3- خبر علي بن جعفر، عن أخيه(ع)، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يتـزوج المرأة متعة بغير بينة؟ قال: إن كانا مسلمين مأمونين فلا بأس[8]. ومقتضى مفهوم الشرط وجود البأس حال كونهما غير مأمونين، فيثبت لزوم الفحص.
ومثله معتبرة ابن بزيع، قال: سأل رجل الرضا(ع) قال: لا ينبغي لك أن تـتزوج إلا مأمونة[9]. ومن الواضح أن احراز الوصف بكون الزوجة مأمونة يستدعي فحصاً، أو إخبار ثقة يعول على خبره، فيكون المعتبر دالاً على اعتبار الفحص.
وبالجملة، إن موضوع النصوص المتقدمة هو الشبهة الموضوعية، وقد عرفت اعتبار الفحص فيها، فلا يسوغ التـزويج بامرأة دون الفحص عن أهليتها لذلك بكونها خلية من الزوج، وليست في عدة، وما شابه ذلك. ومن الواضح أن هذا كله يعود لخطورة أمر الفرج وأنه مورد للاحتياط، فتكون النصوص المذكورة دالة على لزوم الاحتياط فيه.
ويمنع من الاستناد إليها معارضتها بمجموعة من النصوص التي تضمنت النهي عن السؤال والفحص:
منها: معتبر ميسر، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول لها: لك زوج؟ فتقول: لا، فأتزوجها؟ قال: نعم، هي المصدقة على نفسها[10].
ومنها: ما رواه فضل مولى محمد بن راشد، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت: إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجاً ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجاً، قال: ولم فتشت[11].
ومقتضى الجمع بينهما يقضي بحمل معتبرة أبي مريم وبقية النصوص الدالة على لزوم الفحص على الاستحباب جمعاً بينها وبين النصوص الناهية. اللهم إلا أن يدعى بأن معتبرة أبي مريم حاكمة على نصوص عدم الفحص حكومة تضيـيق، فيكون موردها ما إذا لم يدخل بها، فتأمل.
وقد أشار لمثل هذا الجمع الشيخ الأعظم(ره)، في التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة الموضوعية التحريمية، وقد عنونه بعنوان حسن الاحتياط عقلاً، قال:
فالحرام المحتمل إذا كان من الأمور المهمة في نظر الشارع كالدماء والفروج، بل مطلق حقوق الناس بالنسبة إلى حقوق الله، يحتاط فيه، وإلا فلا.
ويدل على هذا، جميع ما ورد من التأكيد في أمر النكاح وأنه شديد وأنه يكون منه الولد:
منها: ما تقدم في قوله(ع): لا تجامعوا على النكاح بالشبهة. قال(ع): فإذا بلغك أن امرأة أرضعتك-إلى أن قال-إن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة. وقد تعارض هذه بما دل على عدم وجوب السؤال، والتوبيخ عليه، وعدم قول من يدعي حرمة المعقودة مطلقاً، أو بشرط عدم كونه ثقة وغير ذلك.
وفيه: أن مساقها التسهيل وعدم وجوب الاحتياط، فلا ينافي الاستحباب[12]. وهذا هو الذي ألتـزمه صاحب الجواهر(قده) في غير موضع من كتابه[13].
ومنها: النصوص الواردة في ترك وطئ الأمة المشتراة ما لم يفحصها:
1- معتبرة حفص بن البختري عن أبي عبد الله(ع) في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إني لم أطأها، فقال: إن وثق به فلا بأس أن يأتيها[14]. فإن مقتضى مفهوم الشرط عدم جواز وطئها إلا بعد استبرائها حال عدم الوثوق.
2- صحيح عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض؟ قال: يعتزلها شهراً إن كانت قد مست. قلت: أفرأيت إن ابتاعها وهي طاهر وزعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت، فقال: إن كان عندك أميناً فمسها، وقال: إن ذا الأمر شديد فإن كنت لابد فاعلاً فتحفظ لا تنـزل عليها[15]. ولا تختلف دلالتها على المدعى عن سابقتها.
3- ما رواه محمد بن إسماعيل، والظاهر أنه ابن بزيع، فيكون الخبر معتبراً، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن الجارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها، أيجزئ ذلك أم لابد من استبرائها؟ قال: يستبرئها بحيضتين، قلت: يحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم، ولا يقرب فرجها[16].
وهي واضحة الدلالة في لزوم الفحص وعدم المباشرة دون ذلك، فإن هذا هو الظاهر من عدم المباشرة حتى تستبرأ.
ومنها: خبر أبي بصير أنه قال لأبي عبد الله(ع): الرجل يشتري الجارية الصغيرة التي لم تطمث وليست بعذراء يستبرؤها؟ قال: أمرها شديد إذا كان مثلها يعلق فليستبرئها[17].
وربما قيل بأنها معارضة بموثقة زرارة، قال: اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد فوقعت عليها ولم استبرئها، فسألت عن ذلك أبا جعفر(ع)؟ فقال: هو ذا أنا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود[18]. على أساس أنها تضمنت جواز الوقوع عليها دون استبرائها، وقد أقرّه الإمام(ع) على فعله.
ويمنع بأن من المحتمل جداً أن يكون منشأ عدم ردع الإمام(ع) إياه في فعله، اعتماداً على خبر ذي اليد، فلا يكون معارضاً لما تقدم، فتأمل.
ولا يبعد حمل النصوص المذكورة على الأمر الإرشادي، حذراً من حصول أمور وترتب آثار لا تتحمل عادة لو انكشف حرمة الوقوع على المرأة.
على أنه لو منع من حمل النصوص المذكورة على الإرشاد، فإنه لا مانع من الالتـزام بمدلولها مع الاقتصار على أن يكون ذلك في خصوص موردها لا مطلقاً، فلا يتعدى منه إلى موارد أخرى.
ولا تنحصر فائدة الطائفتين الأخيرتين في وجوب الاحتياط في الفروج فقط، بل هما تعدان عمدة الدليل لقاعدة وجوب التوقي من اختلاط الأنساب، وقد قيل بأن ملاك تشريع العدة والفحص عن المرأة وأنها ذات زوج أو لا، وأنها مستبرئة أو لا، بحسب المتفاهم العرفي هو صيانة الأنساب من الاختلاط.
وجهان آخران لأصالة الاحتياط في الفروج:
ثم إنه قد تضمنت كلمات الأعلام عرض وجهين آخرين لتقريب التمسك بأصالة الاحتياط في الفروج:
الأول: دعوى الإجماع على ذلك.
ويكفي لمنعه كونه محتمل المدرك، إذ يحتمل استناد المجمعين للنصوص التي تقدمت الإشارة إليها في الوجه الثاني، بل يمكن أن يكون مستندهم أيضاً النصوص المؤيدة التي أشير إليها في نهاية الوجه الثاني.
على أنه للمنع من تحققه في المقام مجال، ذلك أن المسألة لم تعنون في كلمات قدماء الفقهاء، بل حتى المتأخرين منهم.
الثاني: ما جاء في كلمات بعضهم، من التمسك بمذاق الشارع المقدس، فإن المعروف من مذاقه في مختلف الموارد التي تكون راجعة للفروج والدماء، بل والأنساب، هو العناية الخاصة والمراقبة المخصوصة دونما تسامح وتساهل فيها، ويظهر ذلك من أدلة النكاح، والطلاق، والعدة، وولد الشبهة والحدود في لزوم رعاية الاحتياط[19].
ومع أن قوام التقريب المذكور هو ملاحظة الأدلة اللفظية والتي تقدمت الإشارة لجملة منها في الوجه الثاني، وقد عرفت منع دلالتها على لزوم الاحتياط، وأن أقصى ما يمكن استفادته منها هو استحبابه، فإن جعل مذاق الشارع
قائماً على ذلك لا يخلو من مزيد احتياط في المقام، ما يوحي بوجود وسوسة زائدة قد لا تكون ممدوحة في مثل الموارد.
وقد تحصل من جميع ما تقدم، أنه لا يوجد ما يوجب رفع اليد عن مقتضى أصالة البراءة في الشبهات التحريمية، وهو الموافق لما جاء في كلام صاحب الجواهر(ره)، حيث قال: وقاعدة الاحتياط في الفروج التي لا يجب مراعاتها[20]. والشيخ الأعظم(ره)ن فقد صرح بحسن الاحتياط في الفروج، وليس الوجوب[21].
[1] الحدائق الناضرة ج 1 ص 76.
[2] وسائل الشيعة ج 19 ب 2 من أبواب أحكام الوكالة ح 2 ص 163.
[3] المسائل المستحدثة ص 20.
[4] وسائل الشيعة ج 20 ب 157 من أبواب مقدمات النكاح ح 2 ص 258.
[5] وسائل الشيعة ج 20 ب 157 من أبواب مقدمات النكاح ح 2 ص 258.
[6] وسائل الشيعة ج 21 ب 6 من أبواب المتعة ح 1 ص 23.
[7] وسائل الشيعة ج 21 ب 8 من أبواب المتعة ح 2 ص 27.
[8] المصدر السابق ب 31 من أبواب المتعة ح 4 ص 65.
[9] المصدر السابق ب 33 من أبواب المتعة ح 2 ص 69.
[10] وسائل الشيعة ج 21 ب 10 من أبواب المتعة ح 1 ص 30.
[11] المصدر السابق ح 3 ص 31.
[12] موسوعة الشيخ الأعظم ج 25 ص 137-139.
[13] لاحظ على سبيل المثال ج 30 ص 178.
[14] وسائل الشيعة ج 21 ب 6 من أبواب نكاح العبيد ح 1 ص 89.
[15] المصدر السابق ح 2 ص 89.
[16] المصدر السابق ح 5 ص 90.
[17] وسائل الشيعة ج 21 ب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 9 ص 85.
[18] وسائل الشيعة ج 21 ب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 2 ص 91.
[19] مجلة فقه أهل البيت(ع) العدد الخامس والسادس ص 111،
[20] جواهر الكلام ج 30 ص 178.
[21] موسوعة الشيخ الأعظم ج 25 ص 137-139.